الرئيسية / نشاطات / “مئوية لبنان الكبير بين الماضي والحاضر” في ندوة في المركز الكاثوليكي
المركز الكاثوليكي

“مئوية لبنان الكبير بين الماضي والحاضر” في ندوة في المركز الكاثوليكي

عقدت اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام ندوة صحافية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بعنوان “مئوية لبنان الكبير بين الماضي والحاضر”. شارك فيها رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران أنطوان – نبيل العنداري، المطران بولس مطر، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات الأم ماري أنطوانيت سعاده، المتخصص في التاريخ الحديث المعاصر للبنان والشرق الأدنى البروفيسور أنطوان حكيم، وحضرها أعضاء من اللجنة الأسقفية المذكورة ومهتمون.

العنداري
بداية، قال المطران العنداري: “يطيب لنا في هذه الندوة الصحافية الثانية لهذه السنة، أن نبدأ سلسلة مواضيع تتناول الوضع اللبناني المأزوم بأبعاده الوطنية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية”.
تابع “ننطلق بداية من فحوى رسالة غبطة أبينا السيد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى التي أطلقها بمناسبة عيد الميلاد المجيد، يوجه فيها، بمناسبة المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، تذكيرا بهذا “المشروع اللبناني الإنساني من أجل الحريات والمساواة والعيش المشترك، والذي يشكل نموذجا ورسالة في هذا الشرق يجب حمايته”.

مطر
ثم تحدث المطران مطر فقال: “إن المنتظر للبنان في مثل مناسبة مرور مئة عام على قيام دولته، كان تعداد النجاحات التي سجلت لصالح البلاد في خلال مئة عام من تاريخه الحديث، وصولا بنا إلى تجمع تصاعدي لهذه النجاحات في السنوات الأخيرة من حياة الوطن. وما يزيد على ألمنا ألما هو أن تعداد الدول المنشأة في العشرينات من القرن الماضي او المستقلة في الأربعينات من القرن نفسه لم يكن يتجاوز الخمسين أو الستين دولة في العالم كله. وكان لبنان واحدا من هذه الدول بالذات. وكان قد سجل لصالحه فضل خاص في وضع شرعة الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان في العام 1945 أي لدى تأسيس هذه الجمعية العالمية للدول، بحضور ومشاركة الدكتور شارل مالك في هذا العمل الحضاري الكبير. وعندما صار تعداد الدول المستقلة في أيامنا الحاضرة يناهز المئة وتسعين دولة، تأخر لبنان في التصنيف العالمي للدول، إلى حد أنه صار في طليعة الدول المصابة بالفساد والتخلف المدني والبيئي على أنواعه. ومن المؤسف القول أيضا أن دولتنا باتت على مشارف إعلان إفلاسها وعلى بعد قوسين أو أدنى من إعتبارها دولة فاشلة، لا سمح الله”.

وتناول دور الكنيسة المارونية في “خلق الأجواء لقيام هذه الدولة الجديدة لبنان الكبير”. وقال: “الكنيسة كانت وراء تقدم المجتمع اللبناني على صعيد الثقافة والعلم والقانون والأستشفاء والرعاية الاجتماعية لذوي الحاجات على أنواعها. وقد سبقت عمل الدولة لا بل وجودها في هذه الحقول. وقد حضنت الكنيسة شعبها إبان الحرب العالمية الأولى وفي زمن المجاعة الكبرى تحديدا، إذ باع البطريرك الحويك صليبه لهذه الغاية ورهن أرزاق الكرسي البطريركي برمتها تأمينا لإطعام الناس وابعاد شبح الجوع والموت عن أعداد كبيرة منهم”.

ولفت الى دور البطريرك الحويك الخاص “في جغرافية لبنان أي في النظر إلى حدوده إذ اراده وطن العيش المشترك بين مسيحييه ومسلميه، اولئك الذين اعتبرهم جميعا من اهله وبني قومه”. واعتبر أن “خيار البطريرك هذا وعلى الرغم من انتقاد البعض له ممن كانوا يرغبون بدولة أصغر من لبنان الحالي، هو الذي أعطى لبنان رسالة مميزة في هذا الشرق وفي العالم”.

وتحدث عن واقع لبنان “بعد مرور مئة عام على جهود البطريرك الحويك من أجل قيام دولته وكيانه المستقلين”، وقال: “على مستوى السياسي وقع نظام جديد للتداول في لبنان هو نظام التوافق في كل شاردة وواردة، كبيرة كانت أم صغيرة، ما جعل التصويت المتعارف عليه في الحياة الديموقراطية وحيث يجب التصويت يتلاشى ليحل محله كباش من الجميع ضد الجميع مع حق النقض الذي يستعمل عادة في جمعية الأمم المتحدة وليس في صفوف الشعب الواحد. وكان أن توقفت عجلة الحياة عن الدوران واصيبت البلاد بالعودة إلى القهقرة إلى التخلف وفقدت دورها وتأثيرها في المنطقة والعالم. وعلى مستوى الاقتصاد، وضعت على مناهل البلاد ديون لا يتصورها عقل ولا يقبلها اقتصاد وهي بحوالي تسعين مليارا من الدولارات لم يفد منها لبنان بشيء يذكر بل ذهبت بمعظمها هدرا على حشر موظفين ما كانت الدولة بحاحة إليهم وعلى تمويل الكهرباء التي لم تستفد من هذا التمويل بل تراجعت مع الرغم منه إلى حد لا تعرفه شيمة أي دولة. والأدهى من كل ذلك أن هذا الأمر الفاضح لم يحاسب عليه أحد كما يجب وينبغي، إلى أن سقط لبنان في هوة لا يستطيع النهوض منها إلا بأعجوبة إنقاذية تجند جميع الإرادات الطيبة لإنجازها، اليوم ولا غدا. وهذا ما لم يتم تأمينه حتى الآن”.

وتطرق الى مواقف الكنيسة في لبنان منذ ثلاثين عاما ونيف عبر البطريرك الراحل مار نصرالله صفير، والبطريرك الحالي الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وقال: “عمل الإنقاذ يجب أن يجمع كل الجهود أي كل طاقات الكنيسة والشعب والدولة معا. ولنتعظ في هذا الأمر بمواقف البطريرك الحويك بالذات ولنتمسك بتعليمات البطريرك الراعي وقد أطلقها واضحة قبل رساله الميلاد الأخيرة ومعها ومن في من بعدها، وحتى يومنا هذا، هذه المواقف وهذه التعليمات تتضمن أن الكنيسة لا تستطيع وحدها تحقيق الدعم الكامل”.

سعاده
ثم كانت مداخلة الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، فقالت: “في ظروف قاسية، كان البطريرك الحويك “رجل المرحلة”، وصانع تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير التي نحتفل هذه السنة بيوبيلها المئوي الأول، مصلحا إجتماعيا وراعيا أمينا ومدبرا حكيما. كان كل هذا وأكثر لأنه كان أولا وآخرا “رجل الله”.

وتناولت مزايا البطريرك الحويك التلميذ الذي عرف في لبنان وروما “بحدة ذكائه”، وتحدثت عن فضائله وعن روحانيته وعلاقته بالله.
وقالت: “إن الواقع كثيرا ما يكون مريرا وصعبا ويدعو إلى التشاؤم والخوف على المستقبل حيث لا انفراجات في الأفق. وهنا تكمن نظرة الرجاء والتطلع الى فوق، التي ميزت البطريرك الحويك. فالبطريرك الحويك هو رجل الرجاء بامتياز لأنه رجل الثقة غير المشروطة والإتكال المطلق على العناية الإلهية”.

الحكيم
ثم تحدث البروفسور الحكيم فقال: “لم يكن موقف البطريرك الحويك، في سعيه لإنشاء دولة لبنان الكبير، منبثقا من تصور شخصي للأمور، بل كان يعتبر لسان حال القسم الأكبر من اللبنانيين الذين، ابتداء من العام 1840، أي بعد سقوط حكم الأمير بشير الشهابي الثاني”.

وأوضح أن “المساحة القزمية التي أعطيت للمتصرفية في بروتوكول 1861-1864 حمل اللبنانيين، وعلى رأسهم البطريركية المارونية، على المطالبة بتوسيع حدود بلادهم وبالدفع بها شرقا نحو البقاع فالسلسلة الشرقية، وغربا نحو المتوسط، عبر إلحاق المدن- المرافىء الساحلية بالجبل”.

وقدم عرضا تاريخيا عن حقبة نهاية الحكم العثماني في لبنان أول زيارة لأسطول فرنسي الى السواحل السورية- اللبنانية”. وقال: “إن المجاعة التي فتكت بسكان الجبل، خلال الحرب العالمية الأولى، شكلت حافزا للبنانيين الذين نجوا من الموت ليواصلوا نضالهم من أجل توسيع الحدود”.

وذكر أن “مجلس إدارة المتصرفية كان مجلسا طائفيا تمثلث فيه الطوائف اللبنانية الست الكبرى، أي الموارنة والأرثوذكس والروم الكاثوليك والسنة والشيعة والدروز”.

وإذ لفت الى أهمية “مذكرة البطريرك الحويك الماروني وللاتصالات التي قام بها بمسؤولين سياسيين وكنسيين فرنسيين وغير فرنسيين”، قال: “بدا للمراقبين آنذاك أن الحويك قد أطلق بقوة مشروعه، ودعمه في ذلك الأساقفة المرافقون وعلى رأسهم المطران مغبغب الذي قدم بدوره إلى مؤتمر الصلح مذكرة باسم طائفة الروم اللكاثوليك طالب فيها بضم الأقضية البقاعية الأربعة إلى لبنان، كما ودعمه مؤيدو لبنان الكبير من المغتربين الذين اطلقوا حملة صحافية لهذه الغاية وأرسلوا عشرات المذكرات الى الدول الكبرى وإلى مؤتمر الصلح”.

وختم: “لم يرتكب الحويك أي خطأ لأنه لم يكن يسعى في الأساس إلى إنشاء وطن مسيحي صرف، بل وطن لجميع أبنائه، شرط أن يعيش فيه المسيحيون احرارا، متساوين مع غير المسيحيين، نابذين عنهم عقدة الذمية. هذا هو لبنان الذي أراده الحويك بلد ذو حدود واسعة يمتلك سهولا ومرافىء وانهرا لكي يستطيع أن يؤمن لأبنائه مقومات الحياة، بلد ملجأ للأقليات المضطهدة، يتمتع فيه الجميع بالحرية والمساواة”.

أبو كسم
واختتمت الندوة بكلمة أبو كسم الذي تحدث عن الأزمة المالية والاقتصادية والصحية الراهنة، وقال: “نسمع اليوم من كانوا شركاء في الحكم يتراشقون التهم، ويلقون باللوم على بعضهم البعض، ويفتحون الملفات والمدعمة بالمستندات ونحن ننتظر من القضاء التحرك ومحاسبة كل الفاسدين مهما علا شأنهم”.
أضاف: “أما واقع الحال فنحن أمام بلد يأن نحت وطأة 35 بالمئة من البطالة، وفوق 50 بالمئة من حالات الفقر”.
ورأى أن “المطلوب اليوم مزيد من التضامن بين الكنيسة وأبنائها مزيد من التعاضد، فالكنيسة ليست دولة، لكنها أم”.
وقال: “التاريخ يعيد ذاته، وما أشبه اليوم بالأمس البعيد أي منذ 100 سنة فالجوع يدق الأبواب والمرض يهدد الشعب اللبناني وها هم اللبنانيون يحاصرون بين الجوع والوباء في حين أن الدولة مترهلة كلي لا نقول أنها تنظر بعينيها، لكنها صماء”.

وأشار الى أن اللبنانيين يطلبون اليوم “تحمل الدولة لمسؤولياتها من خلال مكافحة كل أشكال الجوع وتأمين الأمن الصحي والأمن الإجتماعي”، وأنهم يطلبون كذلك “محاسبة الفاسدين”.
وختم: “ثورة الجياع بدأت وسوف تكون أشد بأسا من سابقاتها ومن له أذنان صاغيتان فليسمع”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *