الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية: الرئاسة في الثلّاجة .. والحاكمية ضحية جمهورية بلا رأس
الجمهورية

الجمهورية: الرئاسة في الثلّاجة .. والحاكمية ضحية جمهورية بلا رأس

كتبت صحيفة “الجمهورية”: على وقع فراغ رئاسي يطول ويتمدّد، وسط انقسام سياسي عمودي متعاظم حول الاستحقاقات الدستورية والاقتصادية والمالية والمصرفية وما يرافقه من انهيارات متلاحقة على مستويات معيشة اللبنانيين وأمنهم، تحلّ اليوم الذكرى السنوية الثامنة عشرة لمحاولة اغتيال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع السابق الياس المر، التي نجتّه العناية الالهية منها بأعجوبة، وخرج منها شهيداً حياً وشاهداً على الارهاب الذي جال في البلاد وصال، قبل أن ينتصر الدم عليه ويخرج لبنان منه اقوى، رغم كل الويلات السياسية والأزمات المعيشية التي يعيشها اللبنانيون، نتيجة عجز السلطة وفساد المنظومة السياسية المتنوعة التلاوين التي تعاقبت على الحكم وأوصلت لبنان الى هذا الدرك الخطير.

لا سباق بين رئاسة الجمهورية وشغور حاكمية مصرف لبنان، فالاستحقاق الاول دخل، او أُدخل، الى الثلاجة، فيما الآخر على نار الجبهات التي يتربص بعضها البعض، فحتى الآن وبعد اقل من اسبوع على بيان نواب الحاكم الأربعة التحذيري، وقبل اسبوعين على بداية العدّ العكسي لخروج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من «قلعته» التي تحصّن فيها على مدى ثلاثين عاماً ودشّمها بأسلحة تحوّلت لغزاً في السياسات النقدية والمالية التي ادّت الى ما ادّت اليه الى اليوم، لا يزال الغموض يلف آلية التسلّم. ومع سقوط احتمالي تعيين حاكم جديد والتمديد للحاكم الحالي، بقي الإجراء الدستوري المتاح هو تسلّم النائب الاول للحاكم وسيم منصوري مهمّات الحاكم بالوكالة، لكن الاخير، وبحسب معلومات «الجمهورية»، يرفض الطريقة التي يريدها بعض القوى السياسية له في التسّلم، وهي دفعه الى الجبهة وتجريده من الأسلحة.

وقالت مصادر نواب الحاكم الاربعة لـ«الجمهورية»: «يتسلّم منصوري مهمّة الحاكم في حالتين: الاولى ان يتمّ إقرار الخطة الاصلاحية والقوانين التي أُحيلت الى المجلس النيابي، ويُطلب منه العمل على اساسها، ونحن سندعمه بكل خطواته. واما اعطاؤه التغطية لخطّة أعدّها واضطلعنا عليها، وهي اجراءات وحلول ليست عاطلة وفق الأصول والمتاح، فيكون هو مسؤول عن السياسة النقدية بغطاء من الحكومة والمجلس النيابي لتسيير البلد بالتي هي أحسن في ظلّ الشغور الذي يتمدّد الى كل المؤسسات.. أما أن يتسلّم منصباً من دون خطة، وممنوع عليه اتخاذ الاجراءات المناسبة وأن يستمر في ما لسنا مقتنعين به، فهذه معضلة حقيقية ولا حماس لمنصوري ولأي منا للتسلّم… فلا مصلحة لأي جهة بتسلّم كرة النار من دون تغطية سياسية ومن دون أدوات، وكل رجل دولة يعلم انّ هذا الامر هو ممر إلزامي لتسلّم مهمّات الحاكمية، فيصبح النائب الاول كمن يُعطى تذكرة سفر ولا مطار ولا طائرة».

الاستحقاق الرئاسي

على جبهة الاستحقاق الرئاسي، لم يتبدّل اي شيء في مشهد الجمود والانتظار الذي يطبعه، وكان التطور الوحيد امس ما تردّد من معلومات عن انّ اللقاء الخماسي العربي الدولي سينعقد الاثنين المقبل في قطر، وانّ الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان سيشارك فيه ويعود بعده الى باريس ليعود منها لاحقاً الى لبنان.

نفي سعودي

وكان اللافت امس، ما نقله «موقع لبنان الكبير» عن مصدر سعودي، تأكيده «انّ كل ما يتمّ التداول به عن مبادرات تدعمها المملكة العربية السعودية لتكوين تكتلات نيابية سنّية او غيرها، غير صحيح».

وشدّد المصدر، على انّ المملكة لم تكلّف أحداً أو اي شخصية بتمثيلها او تكوين تكتل او المبادرة، فالممثل الوحيد للمملكة هو السفير السعودي وليد بخاري. وأي مبادرات من اشخاص يدّعون تمثيل المملكة فهي مبادرات «مشبوهة». ولفت الى «انّّ المملكة على موقفها الثابت تجاه لبنان وأمنه واستقراره وإتمام الاستحقاقات الدستورية والاصلاحات والالتفات الى مصلحة لبنان واللبنانيين».

وكان ملف الاستحقاق والمبادرة الفرنسية وما هو منتظر من «لقاء باريس الخماسي» مدار بحث بين السفير السعودي في لبنان وليد البخاري وعضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب مروان حمادة، الذي زاره امس في اليرزة.

ونُقل عن حمادة قوله، انّ لودريان سيكون الاثنين في الدوحة لينضمّ للمرة الأولى الى اجتماع اللجنة الخماسية وهو اجتماع مفصلي». ولفت إلى انّ «لودريان سيعود الى بيروت قبل نهاية تموز الجاري وتحديداً بين 17 و26 منه، بعد زيارته لقطر والسعودية، وانّ رعاية الحوار يجب أن تكون من الدول الصديقة للبنان». وأضاف: «الحوار يجب أن يقتصر في هذه المرحلة على الرئاسة، وقبل انتخاب رئيس لا فريق داخلياً محدّداً يمكنه رعايته وطرح السلّة المتكاملة مخالف للدستور ولا لـ«الدوحة 2».

«الحزب» و«التيار»

والى ذلك، في الوقت الذي تتحدث معلومات متواترة عن ارتفاع وتيرة التواصل بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، وتشي بإمكان تلاقي الطرفين قريباً للبحث في طريقة التعاطي مع الاستحقاقات الماثلة، والتي يتصدّرها الاستحقاق الرئاسي، قال رئيس «التيّار» النائب جبران باسيل أمس: «عاودنا التحاور مع «حزب الله» في ذهنية إيجاد الحل، ونأمل ان يتكثف هذا الحوار في سبيل ايجاد الحل، ومن الطبيعي تفضيل الحوار على التصادم، والجلسة الانتخابية الاخيرة اظهرت بشكل قاطع انّ مرشح الثنائي اصطدم بحائط مسدود ولم يبلغ العتبة التي تبرّر بقاءه كمرشح، وهذا ما يضعنا امام معادلة جديدة مفادها انّ اي عناد من هذه الجهة سيقابله عناد من الجهة الاخرى، والعكس صحيح، اي مرونة ستُقابل بمرونة على أساس الاتفاق والتلاقي».

واضاف: «لا ننصح أحداً بالمراهنة على تغيير موقفنا لانّ الركائز ثابتة ولا تتبدّل مع الوقت، خصوصاً اذا كان يتعلق الامر بفرض رئيس جمهورية، فرئاسة الجمهورية ليست موضوع بازار سياسي بل موضوع تشاوري تفاهمي، ولا يمكن أن نغطي عملية حذف لمكوّن وطني بكامله، واللامركزية الادارية حق والصندوق الائتماني هو واجب من اجل حقوق المودعين، ولا حياة في لبنان من دون دولة ولن نقبل ان نكون جزءاً من مشروع محاصصة».

وأضاف: «نقدّر كثيراً الجهود الفرنسية وندعو لاستمرارها على قاعدة مساعدة اللبنانيين للاتفاق وليس لفرض رئيس عليهم، والحوار مقبول او مرغوب اذا كان يمرّر حلولاً، لكن مرفوض اذا كان لتمرير الوقت وانتظار ظروف ليتمكن فريق من فرض مرشحه».

معادلة win win

وفي غضون ذلك، فيما ينشغل الداخل اللبناني بأزمة الرئاسة وينتظر حوار لودريان الذي لم تتضح معالمه بعد، بقيت الأنظار موجّهة الى الجنوب اللبناني وبالتحديد الى قرية الغجر، حيث فشلت الوساطات الديبلوماسية في ازالة الخيمتين اللتين نصبهما «حزب الله» في مزارع شبعا مقابل النقطة التي تمدّد فيها جيش العدو الاسرائيلي في بلدة الغجر وقضمه الجزء اللبناني منها، في خرق فاضح للقرار 1701 والخط الازرق، ويُعمل حالياً على اتفاق يقضي بعودة الارض التي قضمها العدو الى السيادة اللبنانية مقابل إزالة الخيمتين اي معادلة win win ( رابح رابح) لتسوية الامر.

واستبعد مصدر عسكري رفيع في حديث لـ«الجمهورية»، ان يؤدي هذا الامر الى حرب. مؤكّداً «انّ الامور تحت السيطرة، وانّ المأزق الذي وصلت اليه اسرائيل جعلها تحتاج لأي حل يُنزلها عن الشجرة بعدما تمكّن الجيش والمقاومة من تحقيق انتصار في سياسة الردع في المنطقة».

شكوى ضد اسرائيل

وفي الوقت الذي تواصلت اللقاءات على اكثر من مستوى بين لبنان وقيادة القوات الدولية حول الوضع في بلدة الغجر، وما تبلّغه قائدها اول من امس في بيروت من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أوعزت وزارة الخارجية والمغتربين لبعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتّحدة في نيويورك، بتقديم شكوى إلى الأمين العام للأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدولي، حول تكريس الجانب الإسرائيلي احتلاله الكامل واستكمال ضمّ الجزء الشمالي اللبناني لبلدة الغجر الممتد على خراج بلدة الماري، ما يشكّل خرقًا فاضحًا وخطيرًا، يُضاف إلى الخروقات الإسرائيلية اليومية والمستمرة للسيادة اللبنانية وللقرار 1701 (2006).

وطلبت الوزارة إدانة هذا الخرق المتعمّد للسيادة اللبنانية والإنسحاب الفوري وغير المشروط من كافّة الأراضي اللبنانية المحتلّة.

وفي هذه الاجواء، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري في بيان أصدره لمناسبة الذكرى الـ17 للعدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز من العام 2006، انّ «الخلاف والاختلاف السياسيين حول الكثير من القضايا والملفات والاستحقاقات على أهميتها تستوجب ضرورة الإسراع والعمل على حلها بروح المسؤولية الوطنية الجامعة، لكنها بالتوازي يجب أن لا تحجب الرؤيا لدى جميع اللبنانيين على مختلف توجّهاتهم وانتماءاتهم السياسية والروحية والحزبية حيال نيات إسرائيل العدوانية المبيتة ضدّ لبنان إنتهاكا يومياً لسيادته جواً وبحراً وبراً ،وهذه المرّة انطلاقاً من ضمّ قوات الإحتلال الإسرائيلي للشطر اللبناني الشمالي من قرية الغجر واستمرار إحتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا». واعتبر انّ «مقياس الإنتماء الوطني والدفاع عن السيادة والاستقلال والهوية ليس وجهة نظر، فهو يبدأ من الجنوب في مواجهة عدوانية اسرائيل وأطماعها، ثباتاً ووحدة وطنية لا تقبل التنازل او التفريط بذرة تراب لبنانية من أعالي العرقوب الى رأس الناقورة».

والى ذلك، أفادت وسائل إعلام إسرائيليّة، انّ المنسق الرئاسي الأميركي الخاص آموس هوكشتاين وصل إلى تل أبيب امس لمناقشة القضايا الإقليمية المتعلقة بالتعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وأضافت، أنّه في خضم التوترات المتزايدة بين إسرائيل والجهات الفاعلة الإقليمية، وكذلك مع واشنطن، التقى هوكشتاين أيضًا بمستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، وبحثا في تطورات التطبيع مع السعودية، بالإضافة إلى التوتر مع «حزب الله»، على خلفية إطلاق صواريخ من لبنان، وردّ إسرائيل بقصف مدفعيّ.

الوضع خطير

من جهة ثانية، أشار المرصد الاوروبي للنزاهة في لبنان، إلى أنّه «يُحاكم الحاكم الحالي للبنك المركزي اللبناني رياض ‏سلامة أمام محاكم سبع دول أوروبية بتهمة الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع ‏والتزوير واستعمال المزور، وصدرت مذكرتا توقيف دوليتان بحقه من الإنتربول بناء على طلب ‏فرنسا وألمانيا».‏ وقال: «على رغم من كل شيء لا يبدو أنّ رياض سلامة قلقاً في لبنان، ويحتفظ بمنصبه ‏محميًا بالعدالة المحلية والطبقة السياسية في السلطة». واعتبر المرصد «انّ الأسوأ من ذلك انّه يبدو أنّ ‏هناك من يسعى بنحو او بآخر الى تجديد ولاية سلامة التي تنتهي في تموز 2023 ، رغم كل الصعاب»، ‏مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ تعيين حاكم جديد للبنك المركزي يتطلّب وجود رئيس للجمهورية اللبنانية وهو ‏منصب لا يزال شاغرًا حتى الساعة، وحكومة تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، وهو ما لا ينطبق على ‏الحكومة الحالية التي استقالت، وهي مسؤولة عن إدارة الأعمال اليومية في لبنان».‏

وشدّد المرصد على انّه «قانوناً يجب أن يقوم نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة بتسيير أمور المرفق ‏العام الذي هو مصرف لبنان، الى حين تعيين بديل لسلامة، لكن صنّاع القرار في لبنان يحاولون بكل ‏الوسائل إعادة تعيين سلامة ودفع نواب الحاكم الأربعة الى التهديد بالاستقالة من مناصبهم».‏‎ ‎ورأى «أنّ هذا الوضع خطير ويهدّد بدفع بلاد الأرز إلى مزيد من الفوضى والدمار». ولفت المرصد «أنظار البرلمانيين وصنّاع القرار في أوروبا إلى خطورة هذا الوضع». وحضّهم على «‏التدخّل من دون تأخير لتلافي الأسوأ في لبنان».‏

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *