رداً على حملة التخوين التي شنّها عليهم وزير العدل هنري خوري، وعلى “القرار المشبوه” الذي وافق عليه مجلس القضاء الأعلى، وجّه أهالي ضحايا وشهداء تفجير مرفأ بيروت جملة رسائل حاسمة أمس، لعل أبرزها جاء على شكل توعد “أي قاض سيتجرأ” على تولي ملف التحقيق العدلي بشكل رديف عن القاضي طارق البيطار بأنهم سيكونون “له بالمرصاد وسيتحمل ما لا تحمد عقباه”، وذلك بالتوازي مع مطالبة خوري بالاعتذار عما نسبه إلى الأهالي من “إتهامات باطلة ومزيفة”، كما وضعوا مجلس القضاء أمام مرآة الحق والعدالة و”الضمير والقسم”، وسألوا رئيسه وأعضاءه: “هل أصبحت المناصب أسمى من الضمير؟ وهل القانون يتغيّر حسب الميول السياسية والغايات الشخصية؟ وهل يحق لكم خلق قانون يليق بأسيادكم؟”.
وعلى ضفة البطريركية المارونية، رسم البطريرك بشارة الراعي علامات استفهام وطنية كبرى ووضعها برسم أركان السلطة الحاكمة، لا سيما العهد والثنائي الشيعي، مستغرباً “هذه العظمة والمقدرة على أن نوقف كل شيء ونعطله”، وتساءل: “لمصلحة مَن هذا التعطيل؟”. كما كانت له في إطلالته المتلفزة مساءً جملة رسائل مباشرة “لا تقبل أي تأويل” إلى كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والسيّد حسن نصرالله، فتوجّه إلى الأول بنصيحة مغادرة قصر بعبدا بكرامة واحترام من دون الإقدام على أي خطوة غير دستورية، وإلى الثاني بالقول: “ما بيقدر السيّد يطلع على التلفزيون ويعمل حرب وسلام”، وأردف: “هذا قرار تقرّره الدولة وتتخذه الحكومة بثلثي أصواتها”.
وشدد الراعي في الملف الرئاسي على أنّ عون لا يستطيع أن يبقى في القصر الجمهوري بعد 31 تشرين الأول “حتى ولو كانت هناك حكومة تصريف أعمال” لأنّ ولايته بهذا التاريخ “تسقط” وصلاحياته تنتهي، مخاطباً إياه بالقول: “خليك على المستوى الرفيع، دخلت كبيراً فاخرج كبيراً، حرام صرنا بلبنان مضحكة للدول كلها”، بينما كان قد حمّل ممثل رئيس الجمهورية، وزير السياحة وليد نصار خلال قداس مزار القديسة رفقا على نية السلام في لبنان صباحاً، رسالة إلى عون طالباً من نصار أن ينقل إليه “سلامه وسلام المطارنة” متضرعين إلى الله أن “ينهي عهده كما يجب لما فيه خير لبنان وشعبه”، ومشدداً في عظته على أنّ اللبنانيين لم يعد باستطاعتهم البقاء “في هذه الحالة من الفوضى ومن التعطيل وكأنّ الغاية الاساسية أصبحت عندنا أن نعطّل كل شيء”.
وإذ كشف في ما يتصل بإشكالية التشكيلات القضائية التي يحتجزها رئيس الجمهورية أنه سبق وطالب عون بضرورة توقيعها، حمّل البطريرك الماروني في عظة الأحد الثنائي الشيعي مسؤولية غير مباشرة عن تعطيل التحقيق العدلي في جريمة 4 آب، من خلال تشديده على مسؤولية وزير المالية المباشرة عن تكبيل يدي المحقق العدلي القاضي طارق البيطار “بسبب رفضه توقيع مرسوم التشكيلات القضائية”، مؤكداً في المقابل أنّ الخطوة التي أقدم وزير العدل عليها بتعيين قاضٍ رديف “لا تؤثر بشيء على صلاحية القاضي البيطار”.
وعلى الأثر، أصدرت وزارة المالية بياناً إعلامياً أمس حاولت فيه تبرئة ذمتها من تعطيل التحقيق العدلي وتكبيل المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ، فأوضحت أنّ “مشروع مرسوم تعيين غرف محكمة التمييز تم استرداده بناءً على كتاب من وزارة العدل لتحيله الى المراجع القضائية المختصة لتصحيح الخلل الذي يعتريه، وذلك بواسطة رئاسة مجلس الوزراء”.
في الغضون، تصاعدت وتيرة الهجمة التي تشنها القيادات الشيعية على قوات الطوارئ الدولية “يونيفيل”، فدخل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أمس بقوّة على خط الهجوم على هذه القوات، ملمحاَ إلى أنّ دورياتها في جنوب الليطاني أصبحت في خطر من خلال الإشارة صراحةً إلى أنّ “هناك 430 دورية يومية لليونيفيل بسائر مناطق عملها فحذار اللعب بالنار، ولن نقبل بأي قوة عسكرية أو أمنية أو لوجستية تخدم تل أبيب، والتجسس والتعقب أخطر عدوان على المصالح الوطنية، والتداعيات كارثية والسكان المحليون أكبر عنصر من عناصر سيادة لبنان وحفظ مصالحه الوطنية”، معتبراً أنّ “سجل اليونيفيل غارق بالشكوك والخزي”، ومهدداً باعتبارها “قوات احتلال” في حال تجاوزها “الخطوط الحمر”.
أما في مستجدات ملف الترسيم البحري، وعلى وقع تهديد رئيس الأركان الإسرائيلي بأنّ “حزب الله” والدولة اللبنانية سيتحملان المسؤولية “بحال المساس بسيادتنا”، سادت على المستوى الرسمي اللبناني مساءً حالة من التخبط بين نفي السراي الحكومي وتأكيد قصر بعبدا تسلم إحداثيات النقاط البحرية المطروحة على طاولة التفاوض من جانب الوسيط الأميركي آموس هوكشتيان. فبينما نفى الموقع الالكتروني لرئيس حكومة تصريف الأعمال على لسان “مصدر حكومي معني” أن يكون هوكشتاين “سلّم مسؤولين لبنانيين (أمس) إحداثيات خط العوامات البحرية التي تشكل النقطة الأخيرة التي يتم التفاوض عليها، تحضيراً لإرسال عرضه الكامل الأسبوع المُقبل”، سارع في المقابل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب إلى تسريب معلومات صحافية يؤكد من خلالها، بوصفه “مكلفاً من رئيس الجمهورية” متابعة ملف الترسيم البحري “تسلّم لبنان إحداثيات النقاط البحرية وعددها ستة”.
وتزامناً، جدد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم التأكيد على أنّ موقف الحزب الذي أعلنه نصرالله إزاء ملف الترسيم “لن يتغيّر”، وقال: “نريد حقوقنا المائية والنفطية والغازية كاملة غير منقوصة ولا نقبل أي عذر (…) ونحن نتابع التطورات وعلى أساسها سنعبّر بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب عن أي موقف حسب مجريات المفاوضات ونتيجتها”.