الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية: لبنان يستبق «الوسيط»: متمسكون بالحدود والحقوق .. التكليف يقترب والعقدة بالتأليف
الجمهورية

الجمهورية: لبنان يستبق «الوسيط»: متمسكون بالحدود والحقوق .. التكليف يقترب والعقدة بالتأليف

كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: ليست المرة الاولى التي يجد فيها لبنان نفسه في مأزق ووضع لا يُحسد عليه؛ اسرائيل تهدّد ثرواته النفطية والغازية، فيما الداخل اللبناني غارق في انقسامات وتباينات ومزايدات سياسية، وضياع حول نقطة حدوده البحرية الخالصة، أكانت عند الخط 23 او الخط 29.

هذا الامر، وبلا أدنى شك، يُضعف موقف لبنان ويضيّع عليه حقوقه وثرواته من النفط والغاز المعوّل عليها كفرصة أخيرة ولا بديل منها، لإعادة انتشال لبنان من أزمته الخانقة، ويقدّم بالتالي فرصة ثمينة للعدو الاسرائيلي في ان يتسلّل من خلف هذا التخبّط والإرباك، لممارسة أقصى الضغوط على لبنان، ومحاولة فرض أمر واقع جديد يمكّنه من السطو على مساحات واسعة من المياه اللبنانية، والاستحواذ على ثروة لبنان من النفط والغاز.

مسار لا يبشّر

مسار الأمور في هذا الملف، وكما تؤكّد مصادر مسؤولة معنية بملف الترسيم البحري لـ”الجمهورية” لا يبشّر، وخصوصاً انّ ما استجد مع استقدام اسرائيل لسفينة الحفر، يمثل تهديداً حقيقياً وجدّياً هذه المرّة، لسرقة ثروة لبنان من النفط والغاز في البحر جنوباً.

وإذا كان لبنان ينتظر حضور الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى بيروت لبحث العودة الى طاولة مفاوضات الترسيم بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي برعاية الامم المتحدة وحضور الوسيط الاميركي، ومنع اسرائيل، من بدء الحفر في مناطق يعتبرها لبنان مناطق متنازع عليها، الّا انّ المصادر المسؤولة، وعلى رغم ما تردّد بأنّ هوكشتاين سيكون في بيروت في غضون ايام قليلة (الاحد كموعد مبدئي)، ليست واثقة حتى الآن من زيارته، وخصوصاً انّ لبنان لم يتلق بعد أي تأكيد رسمي أميركي لحضور هوكشتاين.

وكان هذا الامر محل بحث في اللقاء الذي عُقد امس، بين وزير الخارجية عبدالله بوحبيب والسفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا. فيما تحدثت بعض المعلومات عن حركة ديبلوماسية غربية وأممية تجاه المسؤولين في لبنان، تشدّد على جميع الأطراف “ضبط النفس وعدم الإقدام على ايّ خطوات من شأنها أن تعرّض الأمن والاستقرار في المنطقة للخطر”.

وفي السياق نفسه، كشفت مصادر موثوقة لـ”الجمهورية”، انّ “المسؤولين اللبنانيين تبلّغوا من جهات أممية عن رسائل دولية أُبلغت في الساعات الاخيرة إلى الجانب الاسرائيلي لاحتواء احتمالات التصعيد”.

كل الاحتمالات واردة

وبالتوازي مع ارتفاع وتيرة التهديدات الاسرائيلية تجاه لبنان، أكّدت مصادر رسمية لـ”الجمهورية”، انّ لبنان صاحب حق، ولن يتخلّى عن هذا الحق، وكما انّه لا يقبل بأن يتخلّى عن سنتيمتر واحد من حدوده البرية، فهو لن يتخلّى عن سنتيمتر واحد من حدوده البحرية.

ولفتت المصادر، الى انّ “الاميركيين والاسرائيليين يعرفون حدود المنطقة المتنازع عليها، وبالتالي هذا لا يعطي الحق للاسرائيليين في العمل واستخراج النفط او الغاز من هذه المنطقة، كما لا يحق للاميركيين ان يغطّوا العمليات الاسرائيلية ضمن المنطقة المتنازع عليها. حيث تشكّل هذه العمليات تعدّياً على السيادة اللبنانية وعلى حقوق لبنان في ثروته البحرية من النفظ والغاز، وبالتالي فإنّ لبنان، وطالما انّ الحدود البحرية الجنوبية لم تُرسّم بعد بشكل نهائي، سيُعتبر أي عمل تقوم به اسرائيل داخل المناطق المتنازع عليها، بمثابة اعتداء على سيادته وحقوقه. وهذا ما جرى تأكيده مجدّداً لمن يعنيهم الأمر.

واكّدت معلومات “الجمهورية” في هذا السياق، “انّ كلاماً لبنانياً صريحاً أُبلغ إلى الجهات الدولية الصديقة، وإلى المعنيين بملف الترسيم مفاده، انّ لبنان يعطي أهمية قصوى لكل سنتيمتر من حدوده البحرية، واسرائيل باستغلالها المنطقة المتنازع عليها، انما تقوم باعتداء، ولبنان في موقع المُعتدى عليه، ولن يقف ساكتاً على حقه وانتهاك سيادته، ولن يتراخى في الدفاع عن حدوده وحقوقه، ما يعني بالتالي انّ كل الاحتمالات واردة”.

الخطأ قاتل

وأبلغ مرجع مسؤول إلى “الجمهورية”، انّ “أمام لبنان فرصة للبدء بعمليات التنقيب بمعزل عن ملف الترسيم والمناطق المتنازع عليها مع العدو الاسرائيلي. فلبنان في أزمة خانقة، والبحر يكتنز فرصة خلاص له، ومن جهة ثانية هناك حق لبنان لا يمكن القبول بأن يُهدر ويُلحق الضرر الكبير بمصلحة لبنان وشعبه، من غير المسموح ان يخضع لبنان للإغراءات والتهديدات، ومن هنا نداؤنا إلى السياسيين اخراج الملف البحري من بازار المزايدات السياسية، ونداؤنا إلى المسؤولين الثبات على موقف موحّد بعيداً من أي حسابات او مغريات، والتعاطي بحكمة ووطنية مع هذا الملف الحساس، وتجنّب الوقوع في الخطأ في التقدير او في الحسابات، لأنّ الخطأ في هذا الملف قاتل كونه متعلقاً بمصير وحقوق بلد وشعب”.

ميقاتي

إلى ذلك، اكّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، انّه سيعقد قبل نهاية الاسبوع اجتماعاً مع رئيس الجمهورية لبحث الخطوات الواجب اتخاذها في ما يخصّ ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

ودعا ميقاتي الجميع الى “وقف السجالات في هذا الموضوع، فالخط 29 هو اصلاً خط تفاوضي، وانا شخصياً لست على استعداد للقيام بأي عمل ارتجالي يعرّض لبنان للمخاطر. هذا الموضوع يُحلّ بديبلوماسية عالية وبروية… والمسألة قيد الحل سلمياً”.

وفي السياق، التقى رئيس الجمهورية وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الذي أطلعه على الاتصالات الجارية في إطار معالجة قضية التحركات البحرية التي تقوم بها سفينة وحدة انتاج الغاز الطبيعي المسال ENERGEAN POWER قبالة المنطقة الحدودية البحرية المتنازع عليها. وقال بوحبيب، انّ “الاتصالات الديبلوماسية جارية لمعالجة الوضع الذي نشأ في المنطقة الجنوبية الحدودية في انتظار مجيء الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية السفير اموس هوكشتاين إلى لبنان”.

الموقف الاسرائيلي

وفي موازاة ذلك، اعلن وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس، أنّ “سفينة التنقيب عن الغاز تقع في أراضينا ولن تستخرج الغاز من المنطقة المتنازع عليها مع لبنان”.

وقال: “منصة “كاريش” للغاز تقع في المناطق الإسرائيلية وليس في المنطقة التي يتمّ التفاوض عليها بين إسرائيل ولبنان”.

ودعا غانتس لبنان إلى الإسراع في المفاوضات بشأن الحدود البحرية، مشيراً الى أنّ “إسرائيل على استعداد لحماية أصولها الاستراتيجية والدفاع عن بنيتها التحتية”.

الى الاستحقاقات

سياسياً، بات في الإمكان القول انّ الانتخابات النيابية بالصخب الذي سبقها وتلاها، قد أصبحت خلف المشهد، وتشكّل المجلس النيابي الجديد برئيسه ونائبه وهيئة مكتبه ولجانه الدائمة (التي ستُستكمل غداً الجمعة)، بالشكل الذي رسّم حدود كل التوجّهات النيابية، وفرزها بأحجامها الحقيقية، ما بات يفرض ان تسدل الستارة على كل العراضات، وينزل الجميع عن اشجارهم والتسليم بالواقع المجلسي الجديد، والانصراف الى ملاقاة ما هو آتٍ على لبنان، بالحدّ الأعلى من الواقعية والموضوعية والمسؤولية، في مقاربة الاستحقاقات والتحدّيات الداهمة.

ومع اكتمال البنية المجلسية، يبقى الاستحقاق الحكومي على مرمى أيام قليلة، وفق ما توحي الأجواء السياسية المحيطة به، والكرة في هذا السياق ما زالت في الملعب الرئاسي للإفراج عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة ما بعد الانتخابات، بما يلبي المطالبات المتتالية محلياً وخارجياً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتعجيل في إطلاق الاستشارات، وكذلك تلبي ضرورات البلد التي تحتّم بدورها وضع الملف الحكومي على نار التأليف السريع لحكومة بمهام إنقاذية محدّدة، تضع لبنان على سكة الخروج من أزمته الخانقة مالياً واقتصادياً ومعيشياً.

لا إلزام

وإلى حين يبادر رئيس الجمهورية الى تحديد موعد الاستشارات، يبقى الداخل ساحة مفتوحة للتجاذب السياسي واختلاق سيناريوهات واقعية وخيالية، تنثر المزيد من الغبار في أجواء الاستحقاق الحكومي، بما يصعّب تحديد الوجهة التي سيسلكها، إن في اتجاه الإبقاء على واقع تصريف الاعمال كما هو عليه الحال في هذه الايام، او في اتجاه تأليف حكومة، علماً انّ السؤال الطافي على سطح المشهد الداخلي راهناً، يبحث عن أي حكومة ستولد مع الخريطة السياسية والنيابية الجديدة التي فرضتها الانتخابات؟

وإذا كان التعجيل بحسم الملف الحكومي هو المطلب الذي تلتقي حوله كلّ المكونات السياسية، الّا انّ ذلك، كما تقول مصادر سياسية لـ”الجمهورية”، “لا يتسم بصفة الإلزام لرئيس الجمهورية بتحديد موعد الاستشارات، ذلك انّ هذا الامر مرتبط بصلاحيات رئيس الجمهورية الذي له ان يحدّد الموعد في الوقت الذي يراه، وهذا أمر عائد له حصراً، والمادة 53 من الدستور تمنحه هذه الصلاحية، ولا تقيّده بمهلة محدّدة تلزمه بتحديد موعد استشارات التكليف “فوراً” بعد استقالة الحكومة، او اعتبارها مستقيلة مع انتخاب مجلس نيابي جديد، كما هو حال حكومة تصريف الاعمال الحالية”.

الّا انّ المصادر نفسها لا ترى ما يحول دون مبادرة رئيس الجمهورية الى تحديد موعد الاستشارات، بل انّها ترى ما يوجب ذلك فوراً، بالنظر الى حاجة لبنان الى تشكيل حكومة سريعاً، وخصوصاً انّها تنتظرها مهام اكثر من ملحّة، في مرحلة هي الأصعب في تاريخ لبنان. وهذا ما ينبغي أن يُرى بالمنظار الرئاسي وليس أي أمر آخر، وخصوصاً انّ رئيس الجمهورية نفسه كرّر أكثر من مرّة انّ لبنان لم يعد يحتمل ترف تضييع الوقت.

لعبة الأسماء

وإذا كان ثمة من يهمس في الغرف السياسية المغلقة بأنّ تأخير الاستشارات مردّه الى أمرين، الاول محاولة تسويق شخصيات محدّدة لرئاسة الحكومة، والثاني محاولة الضمان المسبقة لبعض الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، فإنّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع اكّدت لـ”الجمهورية”، انّ رئيس الجمهورية ملزم في نهاية المطاف بأن يدعو الى الاستشارات الملزمة إن لم يكن غداً فبعده، وحبل التريث في هذا المجال ليس طويلاً، حيث انّ حدوده لا تتعدى بضعة ايام.

ولفتت المصادر، الى انّ الايام الاخيرة شهدت حركة اتصالات ومشاورات غير معلنة على اكثر من صعيد، تمحور فيها البحث حول الشخصية التي سيتمّ تكليفها تشكيل الحكومة وكذلك حول شكل الحكومة الجديدة.

وأشارت المصادر، الى انّ العقدة الأساس أمام الاستشارات هي “لعبة الاسماء”، حيث نادي الاسماء المرشحة لتكليفها في الاستشارات الملزمة يضمّ مجموعة من الاسماء التقليدية التي يتمّ التداول فيها عند كل استحقاق حكومي، ويبقى المتصدّر فيها اسم الرئيس نجيب ميقاتي، إلى جانب بعض الاسماء الجديدة التي تمّ طرحها في الآونة الاخيرة من قِبل بعض المراجع الرسمية، الّا انّ ذلك لم يلق تجاوباً من سائر الأطراف.

“إنتخابات التكليف”

ووفق الأجواء السائدة، فإنّ مع الواقع السياسي والنيابي الجديد وتبعثر الأكثريات والأقليات، ليس في الإمكان التكهن مسبقاً في من سيرسو عليه التكليف في الاستشارات الملزمة، ذلك انّ الاستشارات هذه المرة مختلفة جذرياً عن مثيلاتها السابقة، حيث لا اسم محسوماً سلفاً، على ما كان يحصل في السابق، وبالتالي فإنّ الاستشارات الملزمة قد تشهد طرحاً لأكثر من اسم لترؤس الحكومة، فالرئيس ميقاتي يحظى بدعم بعض الكتل النيابية، فيما انّ كتلاً نيابية اخرى لم تحسم بعد خياراتها، كما انّ كتلاً اخرى تعارض تسمية شخصيات سبق ان “جُرّبت”، ما يعني انّها ستطرح اسماء اخرى، وهذا ما اكّدته مصادر نيابية في قوى التغيير.

الحكومة هي الأهم

على انّ العقدة الأساس لا تكمن في من سيُكّلف تشكيل الحكومة، بل انّها تكمن في شكل الحكومة الجديدة وتشكيلتها، هل هي حكومة وحدة وطنية؟، وهل هي حكومة سياسية صافية؟، وهل هي حكومة سياسية مطعّمة بخبراء واختصاصيين؟ وهل هي حكومة تكنوقراط؟

وعلى ما هو مؤكّد، فإنّ كل هذه الحكومات لا تلقى إجماعاً حولها، وخصوصاً انّ اطرافاً سياسية اعلنت سلفاً عدم مشاركتها في الحكومة الجديدة مثل “القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”نواب التغيير”. ما يعني انّ هذا الرفض يشكّل دعوة غير مباشرة لتشكيل حكومة من طرف واحد، أي حكومة من ذات المكونات التي تشاركت في حكومات سابقة.

وفيما انتقدت مصادر سياسية ما سمّته تكبير المشكل حول حكومة لا يزيد عمرها عن 5 اشهر، اكّدت مصادر اخرى لـ”الجمهورية”، انّ الحكومة المنوي تشكيلها قد تكون من بين الاطول عمراً، حيث انّها نفسها قد تكون حكومة ما بعد عهد الرئيس ميشال عون، فيما لا شيء يضمن حتى الآن تمرير الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي إن انتهت ولاية عون في 31 تشرين الاول المقبل دون التمكن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فستناط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء أي بهذه الحكومة. ومن هنا فإنّ أولوية “المشكّلين” الآن هي تشكيل حكومة تكون قادرة على ان تحكم ليس فقط خلال ما تبقّى من عهد عون بل بعده.

واعتبرت المصادر، انّ الاعلان المسبق لبعض القوى عن عدم المشاركة في الحكومة الجديدة هو أمر غير مفهوم وغير مبرّر، وقالت: “انّ هذا الامر يعطي اشارة واضحة بأنّ ثمة من هو مصرّ على البقاء خلف متاريس الاشتباك. ووسط هذا الجو، فإنّ لبنان قد يكون مقبلاً على مرحلة من الاشتباك السياسي التي لن يتأتى منها سوى توسيع هوة الانقسام وتعميق الأزمة اكثر”.

الراعي

إلى ذلك، قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي خلال افتتاح الرياضة الروحية لسينودوس أساقفة الكنيسة المارونية في بكركي: “كوننا نجتمع على ارض لبنان الحبيب، فإننا نصلّي من اجل استقراره وخروجه من أزماته السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية والأمنية. فنرجو تشكيل حكومة جديدة بأسرع ما يمكن لتتمكن من القيام بواجباتها كسلطة إجرائية. كما نرجو ان يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية في غضون الشهرين السابقين لانتهاء ولاية فخامة الرئيس الحالي، بموجب الدستور. فيتمكن الرئيس الجديد من قيادة سفينة الوطن بحكمة ودراية، وسط الأمواج الهائجة والرياح العاتية، إلى ميناء الأمان”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *