كتبت صحيفة “الديار” تقول: الانتخابات لم تفرز جديدا يسمح بتغيير جذري في الحياة السياسية اللبنانية، والمشاكل التي حكمت البلد قبل ١٥ ايار انتقلت الى ما بعده بشكل اخطر، مع عودة طوابير الذل امام محطات الوقود والأفران وشركات تعبئة الغاز والمواد الغذائية، بالتزامن مع توقف معمل دير عمار الكهربائي وغلاء جنوني طال سعر صفيحة البنزين ووصلت الى حدود ال ٦٠٠ الف ليرة بالاضافة الى فقدان السيولة، ومن المتوقع وصول سعر ربطة الخبز الى ٢٥ الف ليرة وسعر صرف الدولار الى ٥٠ الفا اذا استمرت الأمور على هذا المنوال. وهذا ما أدى الى قطع العديد من طرقات العاصمة والمناطق ليلا، لكنها لم توقف مواكب السيارات الانتخابية»مهللين» بالنصر لاسوأ طبقة سياسية، والاحتفال بعودة رموزها الى المجلس النيابي بأدوارهم المعروفة، مع تشتت النواب السنة بين قوى مستقلة، والسنيورة ومخزومي وريفي والمجتمع المدني ومستقلين «وبات النواب السنة من دون رأس أو مرجعية» بعد اعتكاف سعد الحريري الذي اثبت حضورا في طرابلس والبقاع وصيدا وعاقب السنيورة والمنقلبين عليه في هذه الدوائر، لكن بيروت الثانية خذلته بعد التدخل السعودي وخطابات المفتي عبد اللطيف دريان. فيما ظهر الرئيس ميقاتي»الحلقة الأضعف»، وهذا قد يحرمه العودة الى السراي بعد ٢١ ايار.
ما جرى في الانتخابات النيابية، يؤكد ان المشكلة في قسم كبير منها، تكمن في الناخبين الذين صوتوا «لجلاديهم» وطوائفهم، ومن ثم ممارسة «النق» طوال ال ٤ سنوات القادمة، ورغم كل ذلك تبقى «النكهة المميزة» لانتخابات ٢٠٢٢ دخول المجتمع المدني الى الندوة النياببة بكتلة مقررة قادرة على تقديم الطعون من خلال ١٠ نواب في مشاريع القوانين، وكل الانظار متجهة الى أداء نواب المجتمع المدني، وهل يضيفون شيئا جديدا للحياة البرلمانية ويعيدون للمجلس دوره وحيويته المفقودة منذ التسعينات ؟ وهل سيعملون ككتلة منظمة أم تأخذهم «شهوات»السلطة واغراءاتها الى العمل التقليدى كنواب «البلاط» ؟
وعلى الرغم من ان حزب الله وحلفاءه لم يحققوا الاكثرية وتراجعوا، فان الفريق الاخر المعارض لحزب الله لم ينل الاكثرية ايضا، واللبنانيون امام اكثريتين متساويتين، فمن يكون بيضة القبان ؟ وهل يستعيد جنبلاط هذا الدور ويساهم في انتظام سير عمل المؤسسات ؟ أم تتعطل الدولة ويعم الفراغ في المؤسستين التشريعية والتنفيذية في الفترة الممتدة بين ٢١ ايار وانتخاب رئيس للجمهورية «وتقمص» المشهد العراقي بانتظار التسوية الاميركية – الفرنسية – الايرانية- السعودية الكبرى في المنطقة مع معلومات عن مبادرة فرنسية قريبة لإنتاج تسوية مقبولة من الجميع.
ولتفادي السيناريو العراقي وحسب مصادر مطلعة وعليمة، فان الاتصالات بدأت لاقناع باسيل بحضور الجلسة النياببة لانتخاب رئيس للمجلس النيابي التي يترأسها بري كونه أكبر الاعضاء سنا وتأمين النصاب للجلسة في حال قررت القوات اللبنانية والعديد من نواب المجتمع المدني والمستقلين والكتائب مقاطعة الجلسة، وحسب المتابعين لأجواء الاتصالات الجارية التي افضت الى حضور ٥٨ نائبا لجلسة انتخاب رئيس المجلس، يمثلون الثنائي الشيعي والاشتراكي والمشاريع الاسلامية والمردة والجماعة الاسلامية والطاشناق ونواب من المستقلين والمجتمع المدني، وهؤلاء يشكلون ٥٨ نائبا، وهذا ما يتطلب حضور نواب التيار لتأمين النصاب، لكن اللافت اعلان النائب اسامة سعد التصويت ضد عودة الرئيس بري لرئاسة المجلس ؟ فيما انقشاع الصورة ينتظر بلورة الاتصالات في الأيام القادمة، خصوصا أن الوزير باسيل لم يقفل الأبواب امام الحلول طالبا دعم بري لاسناد موقع نائب رئيس المجلس النيابي الى الياس ابي صعب بعد امتعاضه من المعلومات عن فتح بري ابواب الاتصالات مع نواب المجتمع المدني لاسناد هذا الموقع لملحم خلف مقابل حضورهم الجلسة، مع العلم ان القوات اللبنانية فتحت»البازار» لاسناد هذا الموقع ايضا الى غسان حاصباني، وحسب المطلعين، فان الاتصالات لم تخرج عن المبادئ السابقة «مرقلي لمرقلك»، واذا تعثرت الاتصالات الداخلية فحضور القوات يتطلب تدخلا من الرياض، و»تأشيرة مرور» للمستقلين من واشنطن، مع اتصالات اميركية ايرانية فرنسية سعودية لفرض انتظام عمل المجلس النيابي وهذا السيناريو المتقدم سيرى النور قريبا، علما ان انتخاب رئيس المجلس يلزمه نصاب من ٦٥ نائبا، والفوز من الدورة الاولى يكون بالاكثرية المطلقة وفي حال تعثر الوصول الى الاكثرية في الدورة الاولى تجري دورة ثانية والفوز بالاكثرية المطلقة أيضا، وفي حال عدم الفوز ايضا تجري دورة ثالثة والفوز عندئذ بالاكثرية النسبية، وهذا ما يؤكد فوز بري في رئاسة المجلس لدورة جديدة
٣٦٥ الف صوت تفضيلي لنواب حزب الله
بعد انتهاء الانتخابات وضجيج الخطابات الشعبوية والمسيرات واحتفالات النصر والكلام الرسمي عن الانجازات، فان الوقائع الميدانية تؤكد ان نسبة المشاركة في هذه الانتخابات كانت الادنى منذ الاستقلال رغم حجم الانفاق المالي وتجاوزه مئات ملايين الدولارات وما فوق من كل القوى، وطالت عمليات شراء الأصوات اكثر من ٢٠٪ من المقترعين في كل المناطق واذا أضيف اليهم اصوات المغتربين، فان نسبة المشاركة الحقيقية من اللبنانيين المقيمين لا تتعدى ال ١٥ ٪ فقط جراء النقمة على فساد الطبقة السياسية التي عادت بمعظم رموزها، والمجلس الجديد ليس باستطاعته معالجة الازمات والانفجار الاجتماعي مسألة وقت فقط؟
بعيدا عن المزايدات والأصرار القواتي على الانتصار تمهيدا لطرح أحقية وصول سمير جعجع الى بعبدا، فان المطلعين على نتائج الانتخابات يؤكدون انها لم تحقق متطلبات واشنطن والرياض باسقاط حزب الله والغاء التيار الوطني الحر وما يمثله من غطاء مسيحي للحزب، وجاءت النتائج لتعطي نواب حزب الله ٣٦٥ الف صوت تفضيلي وبتقدم وصل الى ٣٠ الف صوت تفضيلي عن انتخابات ٢٠١٨ دون حساب الاصوات التفضيلية التي وزعها حزب الله على الحلفاء في كل المناطق، وقد نال النائب محمد رعد ٥٠ الف صوت تفضيلي بينما بعض الفائزين في لوائح خصومه فازوا بمئات الاصوات وهذا يعني ان الاكثرية الشعبية الحقيقية يملكها حزب الله، بالاضافة الى فوزه بمقعدين جديدين في بعلبك وجبيل ونيل العلامة الكاملة في المقاعد الشيعية مع حركة أمل، وبقيت الساحة الشيعية محصنة نيابيا ولا تعاني الانقسامات. رغم ان طبيعة قانون الانتخابات النسبي بالصوت التفضيلي سمح لخصوم الحزب بالفوز في بعلبك والجنوب الثالثة، وهذا أمر متوقع وطبيعي ويدحض كل الأصوات التي تحدثت عن ضغوطات مارسها حزب الله في مناطقه.
كما ان «الحملة» ضد التيار الوطني منذ سنتين بشتى الاجراءات اثبتت فشلها، وجاءت النتائج لتعطي التيار القوة الوازنة والراجحة في قلب جبل لبنان المسيحي والكورة وبشري «المعقل الاساسي لجعجع» وعكار، فيما خسارة جزين حصلت نتيجة المناكفات بين بري والتيار الوطني والخلافات داخل التيار وسوء الماكينة الانتخابية، ورغم ذلك، حافظ التيار على موقعه داخل الساحة المسيحية مع تقدم القوات اللبنانية ونيلها النسبة الاكبر من الاصوات المسيحية، كما ان الدخول السعودي الصريح الى جانب ١٤ اذار رفع نسبة التصويت السني لهذه القوى، بالاضافة الى اقتراع المغتربين في الخارج الذي لعب دورا هاما في اسقاط حلفاء الحزب وتحديدا في الشوف وعاليه، والجميع يعرف جيدا انعدام تكافؤ الفرص بين حزب الله وكافة الاطراف السياسية الاخرى في الخليج واميركا ومعظم الدول الاوروبية، حتى ان حزب الله طلب من مناصريه عدم التصويت في دول عديدة اذا كان ذلك يشكل خطرا على وجودهم ومعيشتهم، اما الذين يتباهون ان حزب الله فقد الاكثرية، فهم يدركون ان الاكثرية السابقة لم تكن أكثرية واقعية، وهذا الامر ينطبق على أي اكثرية يمكن ان تتشكل، ومع غياب الاحزاب والبرامج، فان أي اكثرية تبقى أكثرية متحركة وغير ثابتة وهذا ما حصل في إنتخابات ٢٠٠٩ و ٢٠١٨، ويبقى البارز حسب المطلعين، تبخر كل الاموال التي صبت للعب داخل الطائفة الشيعية وشيطنتها، وجاءت النتائج لتؤكد تمسك بيئة المقاومة وتحديدا في الساحة الشيعية بالمقاومة كخيار سياسي لحماية البلد.
تقدم المجتمع المدني درزيا
مفاجأة الانتخابات النيابية كانت في عاليه والشوف مع تقدم كبير لمرشحي المجتمع المدني في كل الاقلام الدرزية وكل القرى على حساب جنبلاط وارسلان ووهاب، وطرق النائب مارك ضو»نجم شباك الاقلام» ابواب المختارة وخلدة والجاهلية متقدما على تيمور جنبلاط واكرم شهيب، وشكل ظاهرة شبابية مع تفوقه درزيا في عاليه ونيله ٦٥٠٠ صوت تفضيلي درزي، و٥٤٠٠ صوت تفضيلي مسيحي وبنسب مرتفعة في «المغتربات»، فيما انتزع فراس حمدان مقعد حاصبيا بعد ان اعطته معظم القرى الدرزية اصواتها في مواجهة مروان خير الدين الذي تعرض لحملات مع ادارة سيئة لحملته «الاعلامية ونومه على حرير» الدعم الاشتراكي الذي لم يأت قط، وتدخلت «العناية الالهية» لانقاذ فيصل الصايغ الاشتراكي في بيروت الثانية من»براثن» الناشطة زينة المنذر بعد ان لعبت «الكسور» ضدها.
وبحسب المطلعين على الاجواء الدرزية، فان تراجع الأصوات الاشتراكية درزيا بلغ في عاليه ٢٥ ٪، وفي الشوف ١٨ ٪، وامتد هذا التراجع الى المتن الاعلى وراشيا.
وقد نالت لوائح المجتمع المدني ال ٥ في الشوف وعاليه ٥٢ الف صوت تفضيلي، منهم ٤٢ الف صوت تفضيلي للائحة «توحدنا للتغيير» وحصلوا على «٣,٦» حواصل، ولو كانوا موحدين لفازوا ب٤ حواصل ونسبة الكسور المرتفعة اعطتهم الحاصل الخامس واسقطوا جورج عدوان ونزيه متى وضمنوا فوز غادة عيد وزويا جريديني.
اما بالنسبة لأرسلان الذي تقدم في الاقلام اللبنانية وتراجع في صناديق المغتربين، فقد لعبت اصوات الكتائب والناقمين على التيار الوطني في عاليه دورا رئيسيا في اسقاطه حيث صبت الاصوات التفضيلية لهؤلاء جميعا لمارك ضو بقرار مدروس بين قوى المجتمع المدني، كما عانى ارسلان من ماكينة غير منظمة وعشوائية وعدم الالتزام بالقرارات العليا.
اما وهاب فأصيب بخلل واضح في الاقلام الدرزية اعترف به شخصيا، مع تفوق في اقليم الخروب حيث صبت اصوات العروبيين والناصريين الى جانبه، الى جانب دعم جمهور حزب الله، لكن معضلة وهاب تنحصر في استراتيجية جنبلاط الانتخابية في المعركة وحصرها درزيا، وتخليه عن المرشحين المسيحيين لتأمين النجاح لحمادة بالاضافة الى ماكينة انتخابية منظمة استطاعت اعطاء نسبة من اصوات اقليم الخروب السنية لحمادة بمعدل١٠٠٠صوت ضمنت له الفوز، ورغم ذلك حصل وهاب على ١٠,٥٠٠ صوت تفضيلي وجاء الاول في لائحته وأمن فوز فريد البستاني وغسان عطالله في لعبة الكسور، لكن الخلافات التي عصفت في عملية تشكيل اللائحة حتى اللحظات الاخيرة ساهمت في اضعافها، لكن المطلعين الدروز يعزون احد أسباب خسارة ارسلان ووهاب الى مسايرتهما لجنبلاط «ببلاش» وخسارة جمهورهم المعارض لسياسات رئيس الاشتراكي ولجوء هؤلاء الى المجتمع المدني .
واللافت في الانتخابات ان جنبلاط خسر للمرة الاولى نصف مقاعد الشوف، ويبقى البارز ايضا حصول التيار الوطني الحر على ٣ مقاعد.
لكن كل ذلك، لا يحجب مطلقا، النقمة الكامنة لدى فئة كبيرة من الشباب الدرزي على الاوضاع القائمة، ترجموها في صناديق الاقتراع ضد القوى الاساسية في الجبل، وشكلوا ماكينة منظمة وضعوا فيها كل خبراتهم العلمية و درسوا الاصوات بدقة، واستطاعوا مقارعة زعامات الجبل واحزابه التاريخية بامكانات متواضعة، وسيكون للنتائج شأن كبير على صعيد خارطة توزيع القوى الدرزية اذا لم تراجع القوى السياسية حساباتها، خصوصا ان هؤلاء الشباب استطاعوا هز«الهيبة» والتأسيس لحياة سياسية جديدة، علما ان المجتمع المدني نال في انتخابات ٢٠١٨ اعلى نسبة من الاصوات في الاقلام الدرزية تجاوزت ٨٠٠٠ صوت.