الرئيسية / صحف ومقالات / نداء الوطن : برنامج دعم المؤسسة العسكرية يبدأ من مقر “اليونيفيل‎”‎ مجلس الأمن والجيش… شراكة استراتيجية
نداء الوطن

نداء الوطن : برنامج دعم المؤسسة العسكرية يبدأ من مقر “اليونيفيل‎”‎ مجلس الأمن والجيش… شراكة استراتيجية

لا يمكن اعتبار ما أعلنته قيادة القوات الدولية في لبنان “اليونيفيل” أمس عن بدء برنامج دعم ‏القوات المسلحة اللبنانية-الجيش اللبناني مسألة عادية ولا يمكن أن يمرّ مروراً عابراً. لا يتعلّق ‏الأمر بتقديم شحنات شهرية من المحروقات أو وجبات غذاء كاملة لنحو 27 ألف عسكري، أو ‏كميات من الأدوية من أجل الطبابة العسكرية إلى ما يتجاوز ذلك من دعم لوجستي. ما حصل ‏أمس في الناقورة عبر الإعلان عن بدء هذا الدعم كان مؤشراً لعلاقة أكبر وربما لمشروع ‏أكبر. كان اللافت في بيان “اليونيفيل” الإعلامي أمرين: الأول وصف القوات المسلحة ‏اللبنانية، أي الجيش اللبناني وربما المؤسسات الأمنية الأخرى، بأنها شريك استراتيجي، ‏والثاني أن هذا الدعم يأتي تنفيذاً لطلب مجلس الأمن المتخذ منذ شهر آب الماضي. هذه سابقة ‏يمكن اعتبارها بأنها محاولة دولية لرعاية الجيش اللبناني، بينما تسقط مؤسسات الدولة اللبنانية ‏تباعاً وتصاب بنيتها السياسية بكل مقوماتها السلطوية بالفشل والإنهيار، وكأن المطلوب أن ‏يبقى الجيش واقفاً على رجليه وقادراً على اجتياز هذه المرحلة الصعبة ليكون له دور أساسي ‏في عملية منع انهيار بنية الدولة والحفاظ على وجودها كدولة، ولكي يكون له دور في عملية ‏الإنقاذ‎.

مثل هذا الأمر يضع الجيش بمعنى ما ضمن سياق القوات الدولية التي تحظى برعاية مجلس ‏الأمن الدولي والدول الدائمة العضوية فيه والأمم المتحدة خصوصاً، إذا دخلت ضمنه مسألة ‏تأمين تمويل دولي أيضاً لدعم رواتب العسكريين‎.

في هذا المجال هناك معلومات تتسرب منذ مدة حول إنشاء صندوق دعم دولي للجيش اللبناني ‏برعاية الأمم المتحدة لتقديم مساعدة مالية إلى العسكريين في الجيش لفترة زمنية محددة، وذلك ‏بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية على المؤسسة العسكرية التي لم تعد خافية على أحد. أكثر ‏من مرة وفي أكثر من مناسبة رفع قائد الجيش العماد جوزف عون الصوت محذراً السلطة ‏السياسية من تجاهل هذا الواقع، معلناً أن الجيش من الشعب ويعيش المصاعب التي يعيشها ‏الشعب، بينما تلقى على عاتقه مسؤوليات ضخمة للحفاظ على الأمن في الداخل وعلى الحدود ‏منذ انطلاق ثورة 17 تشرين، التي كانت السلطة السياسية تريد منه أن يقمعها عند اندلاعها. ‏ولكنه تعاطى معها بمسؤولية وكأنها تحاكي همومه وهواجسه ومخاوفه، ولذلك طالته سهام ‏الإتهامات التي حاولت التشكيك بدوره وبتبعيته لأجندات خارجية وسفارات. ولكن صرخات ‏العماد عون بقيت كأنها في واد والمسؤولين في واد. حكومة مشلولة ومعطلة وانهيار مالي ‏واقتصادي ولا توجد أي محاولة جدية للإنقاذ أو للبدء بخطة للإنقاذ. وهذا الفشل تكرس بعد ‏تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كان المجتمع الدولي يراهن عليها، ولكن المحاولة ‏باءت بالفشل منذ تم تعطيل جلسات مجلس الوزراء في 12 تشرين الأول الماضي، بسبب ‏اعتراض “حزب الله” على عمل المحقق العدلي في قضية مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار ‏ومطالبته بقبعه. لا كهرباء ولا دواء ولا أموال يمكن سحبها من الودائع في المصارف. تم رفع ‏الدعم عن المواد الأساسية وسعر الليرة يتابع انهياره السريع. كل ذلك أثّر على العسكريين ‏وعلى قدرتهم على الإستمرار في تحمل أعباء عملية منع انهيار بنية الدولة. هذه الهموم حملها ‏قائد الجيش إلى العالم في زيارات شملت عدداً من الدول من بينها فرنسا وواشنطن. والعالم لم ‏يكن بعيداً عن هذا الواقع. فنتيجة الاتصالات التي أجرتها القيادة تمّ عقد مؤتمر باريس ‏الافتراضي بمشاركة عدد من الدول التي باشرت إرسال مساعدات غذائية وطبية للجيش. ولأن ‏الأمر يتجاوز المساعدات العينية بدأت بعض الدول برعاية الأمم المتحدة تبحث في دعم ‏رواتب العسكريين وبطريقة لا تشكل مخالفة للقوانين اللبنانية‎.

ماذا يعني أن يكون الجيش أو القوات المسلحة اللبنانية تحت رعاية الأمم المتحدة ومجلس ‏الأمن، وماذا يعني أن يبدأ هذا الدعم من مقر “اليونيفيل” في الجنوب؟ طالما أن القرار 1701 ‏أناط بالجيش اللبناني مع “اليونيفيل” مهمة حفظ الأمن في الجنوب وحدد عديد كل منهما، ‏وتضمن بوضوح طلب بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وضبط جميع المعابر ‏البرية والجوية والبحرية، فإن مجلس الأمن الدولي الذي أصدر ذلك القرار الذي يعتبر آلية ‏تنفيذية للقرار 1559 الذي طالب بسحب الجيش السوري من لبنان وسحب سلاح الميليشيات، ‏والذي تابع قبل يومين آلياته التطبيقية، لا يمكن أن يظل صامتاً حيال الإنهيار الذي يصيب ‏لبنان والدولة‎.

ولذلك إنّ طلب مجلس الأمن دعم الجيش اللبناني يمكن أن يضع هذا الجيش في المرتبة نفسها ‏مع ‏‎”‎اليونيفيل” والتعامل معه إذا لزم الأمر كأنه جزء منها. وفي هذه المسألة يمكنه أن يتجاوز ‏السلطة السياسية الرسمية طالما أن هذه السلطة ستكون عاجزة عن القيام بالمهام المطلوبة منها ‏لإنقاذ الدولة من الإنهيار. فالمراقب للوضع اللبناني اليوم يلاحظ مدى التركيز الدولي على ‏لبنان ومن آخر تجلياته الإجتماع الذي حصل أمس في قيادة الجيش مع سفراء بريطانيا وكندا ‏والولايات المتحدة، وتم التركيز فيه على مسألة ضبط الحدود بين لبنان وسوريا بعدما تم إنشاء ‏أربعة أفواج عسكرية لهذه الغاية، وبعدما ساعدت هذه الدول في تجهيز نقاط المراقبة البرية ‏بمعدات حديثة وأبراج‎.

ربما نتيجة هذا المسار يمكن فهم الحملات التي يتم شنها على الجيش وعلى قائده ومع ‏تحذيرات واضحة بعدم الإنخراط في مشاريع “مشبوهة”، خصوصا بعد زيارة العماد جوزف ‏عون إلى واشنطن الشهر الماضي ورصد تحركاته وسلسلة لقاءاته ومستواها. ولذلك اعتبر ‏بعض المراقبين أنه لا يجب التوقف كثيراً عند ما يقوله علناً “حزب الله” عن الجيش ودوره ‏وقائده بل عند ما لا يقوله‎.

أن يكون الجيش شريكاً استراتيجياً للقوات الدولية، وعندما يتم دعمه لوجستياً ومالياً بقرار من ‏مجلس الأمن، فتلك مسألة يجب أن يتوقّف عندها الجميع‎.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *