الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار: السلطة تستثمر بالكذب: رفع الدعم مقابل الحكومة‎!‎
الاخبار

الأخبار: السلطة تستثمر بالكذب: رفع الدعم مقابل الحكومة‎!‎

كتبت صحيفة ” الأخبار ” تقول : حدثان أساسيّان يشهدهما هذا الأسبوع يثبتان أن الوصول إلى قعر الهاوية ‏لم يعد سوى مسألة وقت. اليوم، يرفع الدعم عن البنزين جزئياً، والخميس ‏تقرّ بطاقة تمويليّة بلا تمويل، تمهيداً لمزيد من القرارات القاسية المتعلّقة ‏برفع الدعم. أمام هذا الواقع المأسوي، تزداد السلطة إصراراً على اعتماد ‏الإنكار والكذب سبيلاً لمواجهة غضب الناس. وآخر فنونها اعتبار أن إقرار ‏رفع الدعم سيزيد من فرص تأليف الحكومة‎!‎

مرحلة جديدة من مراحل الانهيار يدخلها لبنان اليوم. البنزين سيقفز إلى نحو 70 ألف ليرة للصفيحة، ربطاً بقرار ‏مصرف لبنان دعم المحروقات على سعر 3900 ليرة للدولار بدلاً من 1500 ليرة، والذي حصل على تغطية قانونية ‏تجيز له تغطية هذا الدعم من التوظيفات الإلزامية. ولأن سعر صفيحة البنزين سيرتفع نحو 25 ألف ليرة، فقد سعت ‏المحطات إلى تقليص المبيعات في الأيام الماضية، وصولاً إلى إقفال معظمها أمس، تمهيداً لاستئناف المبيعات اليوم ‏وفق السعر الجديد. الموزّعون بدورهم قاموا بالأمر نفسه، وكذلك فعل المستوردون، وسط توقعات بوجود آلاف ‏الأطنان من البنزين في الأسواق. وبدلاً من أن تضرب وزارة الاقتصاد بيد من حديد، ملزمةً المحطات بفتح أبوابها، ‏وبدلاً من رقابة جدية تفرض على القطاع، اكتفت مصلحة حماية المستهلك باستعراضات، أدّت إلى فتح بعض ‏المحطات لفترات وجيزة، بعدما تبيّن وجود مخزون لديها‎.‎

ومع فتح المحطات أبوابها اليوم، فلا أحد يضمن انحسار الازدحام أمامها، بالنظر إلى كون القرار محدّداً بثلاثة أشهر ‏فقط، على أن يليه رفع إضافي للدعم. لكن بالتوازي مع هذا القرار، الذي ينذر بزيادة الطلب على الدولار قريباً، كان ‏سعر صرف الدولار يصل إلى عتبة 18 ألف ليرة للمرة الأولى في تاريخه. وكما جرت العادة، فإن الارتفاع الكبير ‏تحقّق في نهاية الأسبوع، في الوقت الذي ينحسر فيه الطلب على الدولار. مصادر مصرفية كانت قد تساءلت عن سرّ ‏هذا الارتفاع، طالما أن قرار تخفيض الدعم على البنزين سيقترن بتأمين مصرف لبنان للدولارات المطلوبة. لكن ‏التوقعات تشير إلى أن الارتفاع لن يتوقف عند حد نظراً إلى كثافة المؤشرات السلبية، إن كانت سياسية أو اقتصادية أو ‏نقدية. فالحكومة في خبر كان، بالرغم من بثّ بعض الإيجابيات، والدعم في خبر كان بالرغم من أنه قد يستمر لأشهر ‏قليلة إضافية، فيما البطاقة التمويلية يتم التعامل معها كرشوة انتخابية‎.‎

وفيما يتوقع أن تعقد الهيئة العامة لمجلس النواب اجتماعاً الخميس، لإقرار قانون الشراء العام وقانون البطاقة ‏التمويلية، علمت “الأخبار” أن المساعي التي بدأتها كتل “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” و”القوات”، وجزء ‏من “حركة أمل”، لتضمين القانون فقرة تتعلق بترشيد الدعم، قد تكثفت في الأيام الأخيرة. وهذا النقاش كان قد أخذ ‏حيّزاً كبيراً في اللجان المشتركة، قبل أن يتم التوصل، بالتنسيق مع رئيس المجلس، إلى مخرج يقضي بإرفاق ‏المشروع برسالة من الحكومة تعلم فيها مجلس النواب بنيّتها ترشيد الدعم وفق جدول سبق أن سلّم إلى اللجان (لم ‏يُحوّل إلى مجلس النواب بعد، بانتظار الانتهاء من التعديلات عليه‎).

وكان لافتاً أن من يسوّق لإقرار صريح لرفع الدعم تحت عنوان “ترشيد الدعم”، يسوّق له على خلفية أن تحمّل ‏مجلس النواب لهذه المسؤولية، يمكن أن يساهم في تسهيل تأليف الحكومة، انطلاقاً من أنّ هذه الكأس، وكما يرفض ‏حسان دياب تجرّعها، كذلك يرفضها سعد الحريري، ويفضّل تأليف الحكومة بعد تجاوز مرحلة رفع الدعم، علماً ‏بأن هذا النقاش يتغاضى عن أمر أساسي هو أن حاكم مصرف لبنان وحده المتحكّم بمصير الدعم. وهذا ما أكّده ‏وزير الاقتصاد راوول نعمة في اللجان، حين أعلن أن الحكومة لا تستطيع أن تفرض على رياض سلامة رفع ‏الدعم أو إبقاءه. وهو لطالما اتّخذ القرار الذي يريده بهذا الشأن، بحيث يدعم ما يريد من السلع ويرفض دعم ما ‏يريد، وآخر قراراته في هذا السياق كان رفعه الدعم عن الخميرة المستخدمة في صناعة الخبز، من دون الرجوع ‏إلى أحد. لذلك، بدا أنه حتى لو أقرّ المجلس النيابي ترشيد الدعم بالتوازي مع إقرار البطاقة التمويلية، فإن عقبة ‏أساسية ستواجه التنفيذ تتعلق بعدم التنسيق مع سلامة‎.

لكن إلى حين الاتفاق على الإخراج الملائم لمسألة الدعم، فإن النواب يجتمعون الخميس لإقرار بطاقة تمويلية من ‏دون تمويل. حتى اليوم، ليس واضحاً إن كانت ستموّل عبر قروض مجمّدة للبنك الدولي أو عبر مصرف لبنان، ‏علماً بأن الصياغة القانونية تشير إلى فتح اعتماد استثنائي في الموازنة بقيمة 837 مليار ليرة (تعادل 556 مليون ‏دولار، وفق السعر الرسمي)، يفترض أن يدفعها مصرف لبنان، على أن تُردّ له عند الحصول على قروض أو ‏مساعدات لهذه الغاية. لكن كما بالنسبة إلى الدعم، فإن مسألة البطاقة لم تناقش مع سلامة ولم يعرف ما إذا كان ‏سيوافق على تمويلها أو لا، علماً بأن مصرف لبنان صار يميل إلى دفع قيمة البطاقة بالليرة، وهو ما يمكن أن ‏يطرح مجدداً في الجلسة العامة، إضافة إلى مسألة تعديل المبلغ‎.

وإذا كان ثمة من يسعى إلى ربط رفع الدعم بتأليف الحكومة، فقد كان لافتاً ما أوردته “المركزية” في السياق نفسه، ‏إذ نقلت عن “مصادر مطلعة” التوصل إلى اتفاق على مخرج لصيغة حكومية جديدة “قد تكون عبارة عن اتفاق ‏على تشكيلة من 24 وزيراً موزعة “4 ستّات”، بين الرؤساء: ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، والمجتمع ‏المدني، على أن تشارك فرنسا والمنظّمات الدولية في التسمية لحقائب الخدمات والطاقة والاتصالات والأشغال ‏والمالية والشؤون‎”.‎

لكن في المقابل، أشارت مصادر متابعة إلى أن لا شيء من ذلك قابل للتطبيق، مؤكدة أن الأمور لا تزال عالقة ‏ظاهرياً على تسمية الوزيرين المسيحيين، وعملياً على رفض الحريري تأليف الحكومة بدون مباركة سعودية، ‏ورفض جبران باسيل التراجع أمام الحريري. وعليه، فإن كل الأبواب لا تزال مغلقة، ومنها اعتذار الحريري. ‏فبعدما كان يسعى إلى “اعتذار منظّم” اصطدم بعقبات عديدة، منها: رفض بري، انطلاقاً من أن خطوة من هذا ‏النوع ستكون بمثابة انتخاب جديد لميشال عون. عدم وجود البديل الفعلي، وحتى لو وجد، فلا أحد يضمن أن يكرر ‏جبران باسيل الشروط نفسها التي فرضها على الحريري‎.

وعلى وقع التفاؤل المزيّف الذي يسعى البعض إلى تسويقه في سعيه إلى إبعاد شبح التعطيل عنه، شهدت عطلة ‏نهاية الأسبوع فقرة من الصدق، عبّر عنها نواب التيار الوطني الحر وحركة أمل، إضافة إلى جمهور الفريقين، إذ ‏عبّر الطرفان عن عمق الأزمة بينهما، والتي يصعب على حزب الله معالجتها‎.

وكان الخلاف قد بدأ مع تغريدة للنائب سيزار أبي خليل توجّه فيها إلى الأميركيين بالقول: إذا كانت الولايات ‏المتحدة جادة في محاربة الفساد في لبنان، فعليها قطع الروابط ووقف دعم أركان النظام الفاسد، أمثال سعد ‏الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط. فردّ عليه النائب علي خريس، معتبراً أن “مكافحة الفساد تبدأ من الفاسد ميشال ‏عون”. وعلى هذا المنوال، استمرت حرب المواقف بين نواب الطرفين، قبل أن يبادر التيار إلى إصدار بيان يدعو ‏فيه مناصريه إلى وقف أيّ تراشق إعلامي مع حركة أمل، إفساحاً في المجال أمام السيد حسن نصر الله للنجاح في ‏مسعاه الحكومي، ورغبة من التيار الوطني الحر بتأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن”. وتلاه بيان من أمل ‏بالمضمون نفسه، لينتهي مؤقتاً توتّر بين الطرفين، كلما خبا عاد أكثر قوة، بما يطرح السؤال عن إمكانية الوصول ‏إلى تأليف الحكومة في ظلّ أزمة ثقة لا تقتصر على التيار الوطني الحر والمستقبل، بل تقف حركة أمل في وسطها ‏بدعم مطلق للحريري‎.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *