الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار : صرخة باسيل لنصر الله: منعاً للانفجار الكبير
الاخبار

الأخبار : صرخة باسيل لنصر الله: منعاً للانفجار الكبير

ليس في لبنان حدث حاسم يقلب المشهد رأساً على عقب، ولا قاعدة تغيير جذرية تنقل البلاد من ضفة الى أخرى. في ‏لبنان أحداث فارقة، مواقف تعكس تغييراً كبيراً، بيانات وإعلانات وتحرّكات تفرض مواقف أكثر وضوحاً من اللاعبين ‏الكبار. وكل ذلك يبقى رهن واقع موازين القوى التي لطالما أعاقت تنفيذ رغبات كثيرين، كما تعيق اليوم كسر الجمود ‏أمام تغيير جوهري يطيح النظام القائم‎.‎
في هذا السياق، يمكن إدراج البيان الذي تلاه أمس رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وقال فيه، صراحةً، ما كان ‏يقوله ويكرّره بأشكال مختلفة. وهو كرّر أنه، بما يمثل، لن يقبل تفويض إدارة البلاد إلى فريق سياسي يتحمّل القسط ‏الأكبر من المسؤولية عن الانهيار القائم، وأعاد تظهير أزمة الثقة بينه وبين بقية أركان الحكم، خصوصاً رئيس مجلس ‏النواب نبيه بري، وأعاد تأكيد ما يعتبره ثوابت حيال مصالح المسيحيين في لبنان‎.
لكن باسيل لم يكتف، هذه المرة، بالتشخيص. وبمعزل عن أي نقاش، مؤيّد أو معارض، لما قاله، فإنه توجّه، مباشرة، ‏الى الحليف الأكبر له، السيد حسن نصر الله، طالباً منه التدخل لحسم الأمر. ومناشدة باسيل هذه إنما تعكس، أولاً، ‏اقتناعه بانسداد أفق التفاوض، المباشر وغير المباشر، القائم مع الرئيس سعد الحريري، وتعيد الى الواجهة أزمة انعدام ‏الثقة الكبيرة بينه وبين برّي، راعي الحريري الاول. لكن هذه المناشدة تتضمّن، أيضاً، ما يجب فهمه على أنه رسالة ‏مباشرة الى حزب الله بوجوب المبادرة الى موقف أو خطوة أو أي أمر يكسر حال المراوحة القائمة‎.
بالتأكيد، يعرف باسيل جيداً، وبالتجربة الطويلة، أن الحزب ليس في وارد مقاتلة الآخرين، وأنه لا يعتقد أن اللحظة ‏مناسبة لخوض معركة مختلفة الأدوات والأهداف. هذا لا يعني أنه ليس في هذا الوارد مطلقاً. لكنه يختلف مع باسيل، ‏ومع كثيرين، برؤيته أن لبنان يعيش لحظة الاستعداد لتحوّلات كبرى. ولو لم تكن الامور على هذا النحو، لكان حزب ‏الله يقود اليوم جموع المتظاهرين ضد السلطة وضد النظام أيضاً‎.
باسيل يعرف، أيضاً، أن حزب الله لن يدخل في مواجهة مباشرة مع رئيس مجلس النواب. والظروف الاسباب التي ‏تجعله يمتنع عن الاختلاف مع بري لا تزال قائمة. وإذا ما ربطنا الامر بحسابات الحزب الكبيرة، المتصلة أولاً وأخيراً ‏بمصلحة المقاومة، ندرك جيداً ان ما تواجهه المقاومة اليوم من تحديات في لبنان وخارجه، يوجب إقفال كل المنافذ ‏التي تفتح باب الرياح المزعجة‎.
أكثر من ذلك، يعرف باسيل، أيضاً وأيضاً، أن حزب الله لا يعارض تولي الحريري تشكيل الحكومة الجديدة. كما يدرك ‏أنه حتى ولو لم يسمّ الحزب الحريري لرئاسة الحكومة، إلا أنه يدعم بقوة تولي الرجل هذه المهمة. وفي كل الاتصالات ‏التي جرت منذ تكليفه، كان الحزب يقف في مكان يسمح له بالتحدث مع الحريري كرئيس أكيد للحكومة. حتى إن ‏الرئيس المكلّف نفسه، الذي يخشى غضب السعودية والاميركيين من جراء علاقته بالحزب، صار، في مجالسه ‏الضيقة، يتحدث صراحة عن أن “الثنائي الشيعي” هو الحليف الاساسي له اليوم، وأن الرئيس بري ما كان ليقف الى ‏جانبه بهذه القوة لو كان لحزب الله موقف آخر. أكثر من ذلك، سمع الحريري من بري، في آخر اللقاءات معه، كلاماً ‏مباشراً مفاده: السيد حسن الى جانبك كما أنا الى جانبك‎!
مع ذلك، يرمي باسيل بكرة النار في حضن نصر الله. فهل يفعل ذلك لإحراج الحزب أو استقالة من المسؤولية عن أزمة ‏تشكيل الحكومة؟‎
بالتأكيد، ليس الامر على هذه الصورة. وكل ما يُقال عن هواجس باسيل وطموحاته لا يكفي للاشارة الى طريقة تعامله ‏مع حزب الله. وربما لا يعرف كثيرون انه ربما يكون الاكثر معرفة بالحزب وطريقة تفكيره من كل الناشطين في ‏الحقل السياسي اليوم. كما يعرف تماماً ثقة الحزب به، ودفاعه عنه وعن الرئيس ميشال عون. وهو، بخبرته، يعرف ‏أنه لا يمكن ابتزاز الحزب لدفعه الى ما لا يريد القيام به… فلماذا توجّه اليه؟‎
توجه اليه، لأن الازمة شارفت على مرحلة الانفجار الكبير، لا الانهيار القائم حالياً. والانفجار يعني فقدان القدرة على ‏الامساك بالأمور وعلى طرح المبادرات التسووية كما يقول وليد جنبلاط، وأيضاً لأن الجميع وضع كل ما في جيبه من ‏أوراق على الطاولة، وأخرج ما في جعبته من أسلحة مخفية، ولم تعد هناك طرابيش ولا أرانب نائمة . والأمر واضح ‏لا لبس فيه‎:
هل هناك فرصة لتغيير قواعد الاشتباك الداخلي بما يؤسّس لتغيير جوهري في آليات العمل القائمة الآن، سواء في ما ‏خص تشكيل الحكومة أم وضع برنامج عملها؟‎
ما طلبه باسيل من نصر الله هو سؤال يستهدف الحصول على هذا الجواب. وأصل مطالبته يقوم على أنه لمس أن ما ‏سُمّي “مبادرة بري” لم يكن، في حقيقة الامر، سوى عملية التفافية تستهدف تحقيق مطالب الحريري نفسها. وهي ‏مطالب تخص الحلف القوي الذي يتزعمه الرئيس بري هذه الفترة، ويضم الحريري وجنبلاط وسليمان فرنجية وكل ‏الاجنحة الدينية للقوى الحزبية، بما فيها الكنيسة بجناحيها الماروني والارثوذكسي. وحتى “القوات اللبنانية” لا تقف ‏بعيداً عن هذا الحلف، ما دامت وظيفته إعادة تجديد النظام الحاكم مع تغييرات في هوية بعض اللاعبين وأسمائهم‎.

امام هذا الاستحقاق، يمكن فهم رسالة باسيل الى نصر الله، ويمكن فهم أن الرجل لا يمكنه القيام بمبادرة تتجاوز رمي ‏الكرة في ملعب الحزب. وكل تفكير بأن عليه التنازل والقبول بشروط الحلف الحاكم، هو دعوة له الى الانتحار ‏السياسي. وهو انتحار لن يفيد أحداً سوى أبناء هذا النظام العفن. حتى لو كان باسيل أقل جذرية في مواجهة التحديات ‏منذ وصول الرئيس عون الى سدة الحكم، لكنه لم يكن ليلقى كل هذا الرفض من كل هؤلاء، لولا أنه قام بأمرين ‏مكروهين عند جميع إركان الطبقة الحاكمة‎:
أولا: تثبيت تحالفه مع المقاومة ودفاعه عن سلاحها، الآن وفي كل وقت، وتفاعله مع القوى الاقليمية التي تقف الى ‏جانب المقاومة‎.
ثانياً: دعوته الى فرض قواعد جديدة في الحكم تنسف الارضية العميقة لسلطة النهب القائمة في البلاد منذ عشرات ‏السنين، والتي لن تتعرّض للاهتزاز بفعل تغييرات الحرب الاهلية، بقدر ما تعرضت لتبديل في الجالسين حول ‏الطاولة‎.
جبران باسيل ليس قديساً. لكنه صوت له صداه في العقول، إن لم يكن في قلوب كثيرين من أبناء هذا البلد. والجديد أن ‏حزب الله يحتاج الى صلوات كي يبتدع صيغة تحفظ التواصل الهادف الى تسوية ممكنة، وتمنع الانفجار الكبير‎…‎
‎ ‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *