الرئيسية / صحف ومقالات /  الديار:وقائـــع وتداعيات الملاحقة القضائية لحاكــم مصرف لــبــنــان… بــيـن المــؤيّـــد والمُــعارض..مؤشّر مُقلق من الـبـنـك الـدولـي.. المُساعدات للّبــنانـيين تُـنـذرّ بمـرحـلـة قاتـمـة..عداد الــديـــون السيادية ما زال يــعمـل والمخاوف من وصولـه الى مسـتـويـات الــثـــروة الــغـازيــة
الديار لوغو0

 الديار:وقائـــع وتداعيات الملاحقة القضائية لحاكــم مصرف لــبــنــان… بــيـن المــؤيّـــد والمُــعارض..مؤشّر مُقلق من الـبـنـك الـدولـي.. المُساعدات للّبــنانـيين تُـنـذرّ بمـرحـلـة قاتـمـة..عداد الــديـــون السيادية ما زال يــعمـل والمخاوف من وصولـه الى مسـتـويـات الــثـــروة الــغـازيــة

تلقّى لبنان منذ أكثر من أسبوع طلب مُساعدة قضائية من قبل القضاء السويسري موضوعها طلب معلومات عن تحويلات قد يكون حاكم مصرف لبنان وشقيقه ومُساعدته قد قاموا بها بما قيمته 360 مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى شبهة تبييض أموال قد يكون للمصرف المركزي علاقة بها.

بحسب المعلومات، قررت سويسرا عدم سلوك القنوات المُعتمدة ديبلوماسيًا عبر وزارة الخارجية، واستبدالها بإرسال الطلب إلى السفارة السويسرية في لبنان التي بدورها تُسلّمها إلى وزيرة العدل. هذا الأمر تمّ تبريره بحساسية هذا الطلب لشخص بحجم رياض سلامة وبالتالي، ضرورة الحفاظ على سريّة التحقيق السويسري. وهذا ما حصل حيث تلقّت وزيرة العدل الطلب السويسري وقامت بإخبار كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، ونقلت الطلب إلى المُدّعي العام التمييزي. إلا أن المعلومات تمّ تسريبها بشكل شبه فوري إلى الإعلام، مع العلم أن عدد الأشخاص الذين كانوا يعرفون بهذا الطلب هو أربعة.

وقام على أثرها المدّعي العام التمييزي بطلب رياض سلامة وأبلغه الطلب السويسري الذي يطلب الاستماع إلى سلامة في موضوع تحويلات مالية من خلال مصرف سويسري وأعطاه خيارين: الاستماع إليه في السفارة السويسرية أو في سويسرا. وقد ارتأى سلامة الإدلاء بشهادته في سويسرا.

الجدير ذكره، أن طلب المُساعدة القضائية التي قامت بها سويسرا تأتي ضمن معاهدة غاتكا التي قامت بوضعها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي وقّع عليها لبنان وأقرّها في قوانين داخلية هي القانون 44 – 2015 وعدّله بالقانون 55 – 2016 الذي ينصّ على تبادل المعلومات الضريبية وحدّد في مادته الأولية والثانية مُصطلح الأموال غير المشروعة والتي تأتي من نشاطات تم ّ تحديدها ومنها تبييض الأموال والتجارة بالأسلحة والمخدّرات والأعضاء البشرية وغيرها. وتُلزم المُعاهدة البلدان المُوقّعة عليها أن تُسلمّ البلد الذي يطلب معلومات مالية عن شخض أو شركة أو كيان تسليمه هذه المعلومات تحت طائلة وضعه، أي البلد الذي يتلقى الطلب، على لائحة الدول غير المُتعاونة ضريبيًا، وهو ما يؤدّي إلى تداعيات على صعيد التعامل الدولي.

انقسام عمودي

هذا الموضع قسم اللبنانيين، كعادتهم على كل المواضيع، عموديا وأصبح هناك ثلاثة آراء حول الموضوع:

– الرأي الأول يُحمّل رياض سلامة مسؤولية ما آلت إليه الأمور في البلاد من خلال هندساته المالية التي عادت بالفائدة على المصارف وسياسيين من خلفها، كما وإقراض الدولة مما أدّى إلى اختفاء ودائع المودعين في المصارف اللبنانية.

وبالتالي، يرى هذا الرأي أن الطلب السويسري أتى في الوقت المُناسب ليوضح حقيقة هذه التحويلات مع الأمل في إدانة سلامة ونهاية 27 عامًا على رأس حاكمية مصرف لبنان.

– الرأي الثاني يُحمّل منظومة سياسية – إعلامية مسؤولية الطلب السويسري بحجّة أن حاكم مصرف لبنان يتعرّض لهجوم سياسي كبير منذ بدء الإحتجاجات الشعبية في 17 تشرين الأول 2019 وكانت آخر فصولها مُحاولة مجلس الوزراء في العام الماضي إقالة رياض سلامة من منصبه، وبالتالي فإن محاولة حصار سلامة في تحقيق سويسري بهدف إقالته من منصبه هي ذات خلفية سياسية بحت.

– الرأي الثالث يضع القضية في إطار تشابك مصالح بين بعض القوى السياسية وبين جزء من القطاع المصرفي والمالي، اذ ان هذا الأخير يخشى ما سيقوم به سلامة في آخر شباط في القطاع المصرفي مع دخول القرار الأساسي 154 موضع التنفيذ، وبالتالي، فإن مصارف مُهدّدة بالاختفاء عن المشهد المصرفي، كما أن تحقيقات ستتناول العديد من الحسابات التابعة لأصحاب المصارف ومديريها وبعض السياسيين، وهو ما يُبرر بحسب أصحاب هذا الرأي الهجمة الكبيرة التي يتعرّض لها سلامة في هذا الوقت.

 

 التدقيق الجنائي ومُستقبل سلامة

تُشير التحليلات الى أن هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة:

أولا – تبرئة رياض سلامة من التهم المُوجّهة إليه من قبل القضاء السويسري، وهو أمر يُشدّد عليه أصحاب الرأي الثاني والثالث أعلاه. وبالتالي، فإن سلامة سيخرج قويًا من هذه الأزمة، وستكون المواجهة مع بعض القوى السياسية قويّة، خصوصًا إذا ما كان سلامة يحمل في جعبته معلومات لم يكشفها عن بعض الممارسات.

ثانيا – إدانة رياض سلامة، وبالتالي، فإن القوى السياسية ستسعى إلى إلزامه بالاستقالة من منصبه، وهو ما سيفتح صراعا كبيرا على خلافة سلامة خصوصا أن لا حكومة أصيلة، وبالتالي، فإن هذا الأمر سيُدخل القطاع المصرفي في حال من الفوضى الكبيرة.

ثالثا – إمتداد التحقيقات على عدّة شهور (أو أكثر!) وهو ما سيجعل الوضع المصرفي غير مُستقرّ، وستكون المرحلة قاسية على صعيد المواجهة بين الحكومة وسلامة، خصوصا أن القوى السياسية ستُحاول الضغط على سلامة بكل الطرق بهدف تقديم استقالته وبحجّة أنه لم يعد موضع ثقة. إلا أن غياب الحكومة الأصيلة واستلام حاكمية مصرف لبنان بالإنابة من قبل نائب الحاكم الأول المحسوب على الرئيس برّي قد يُعدّل في المعطيات، خصوصًا أن العلاقات بين الرئاستين الأولى والثانية ليست بأفضل أحوالها.

عمليًا استقالة أو إقالة سلامة تحمل في طيّاتها عِدّة سيناريوهات، وفيها من التعقيد ما قد يزيد من الفوضى القائمة:

– رياض سلامة أكدّ أكثر من مرّة على أن الودائع بخير. وبالتالي، فإن غياب سلامة يعني أن لا ضمانة أن المصارف التي من المفروض بحسب القرار الأساسي 154 أن تزيد رأسمالها 20% وسيولتها لدى المصارف المراسلة 3% لن تكون مُلزمة القيام بهذا الأمر، وبالتالي فإن الودائع قد تكون بخطر حقيقي.

– خلف سلامة سيكون بدون أدنى شكّ خاضعاً للسلطة السياسية بالكامل، وعلى رأسها تنفيذ الخطّة الحكومية التي تعتمد مبدأ الاقتطاع من الودائع والذي زادت نسبته مع الوقت بسبب الخسائر التي تتراكم مع الوقت. والأهم والأخطر أن المصارف اللبنانية ستندحر كلّها مع تصفير رأسمالها البالغ 20 مليار دولار أميركي، مما يعني أن كل المصارف الموجودة في لبنان سينتفي وجودها لصالح مصارف تبدأ مسيرتها من دون أي التزامات تجاه المودعين.

– ويبقى العامل الأكثر خطورة على الإطلاق أن دين الدولة تجاه المصارف ومصرف لبنان والبالغ أكثر من 80 مليار دولار أميركي (على سعر 1500) سيتمّ محوه بالكامل. أي أن الفساد المُستشري في الدولة سيتمّ التغاضي عنه وسيتمّ اعتماد سياسية «عفا الله عما مضى» وكل ذلك على حساب المودعين.

على كل الأحوال، الأمر الجيد من هذا الحدث الكبير بحجمه، هو أن الرأي العام أصبح واعيا لضرورة إجراء تدقيق جنائي ليس فقط في حسابات مصرف لبنان ولكن أيضا في كل حسابات الدولة. هذا الوعي سيبلغ أقصى حدوده مع تردّي الوضع المعيشي للمواطن اللبناني الذي سيأتي يومًا ويقول فيه لنفسه «نعم لزعيمي ولكن ليس على حساب قوتي»!

 

 البنك الدولي والمؤشّر الخطر

الوضع الحالي الذي آلت إليه الأمور، دفعت بالمؤسسات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي إلى الطلب من السلطات اللبنانية استبدال دعم السلع والبضائع المُستوردة بدعم مادي للأفراد، وذلك لعدم فعالية دعم السلع والبضائع التي يتمّ تهريبها إلى العديد من البلدان القريبة والبعيدة! وترافق هذا الأمر مع إطلاق البنك الدولي لعدد من المؤشرات وعلى رأسها نسبة الفقر التي تخطّت نصف الشعب اللبناني، ومؤشر الفقر المُدّقع (أقلّ من 1.9 دولار أميركي في النهار للفردّ الواحد) الذي بلغت نسبته أكثر من 23% من الشعب اللبناني.

هذا الواقع السيىء دفع بالبنك الدولي إلى إعطاء لبنان قرضًا لدعم الشعب مباشرة على الرغم من عدم وجود حكومة أصيلة! وبالتالي فإن ما يتوجّب قراءته هو أن البنك الدولي يستبق من خلال أرقامه كارثة إنسانية في لبنان على شكل الكوارث التي حصلت في العديد من البلدان في العالم.

وهنا تبرز مُشكلة أخرى وهي وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري مع أكثر من 500 ألف لاجئ فلسطيني على الأرض اللبنانية، مما يُشكّل مجموعه ما يُقارب ستة ملايين مُقيم في لبنان. فهل تمّ وضع سيناريوهات لما قدّ تؤول إليه الأمور في حال وقعت المجاعة؟ بالطبع محليًا ما زلنا على الصعيد النوعي، أما البنك الدولي فقد ترجم هذه السيناريوهات بأرقام أحلاها مُرّ، مع تخطّي نسبة الفقر التسعين في المئة في العام الحالي إذا لم يتمّ دعم الناس مباشرة وبفرضية رفع الدعم من قبل مصرف لبنان! ومما يؤكدّ هذا الأمر هو المدى الزمني لهذه المُساعدة التي بحسب المعلومات تمتدّ إلى أكثر من عام، مما يعني أن لا حلّ جدّي في الأفق على الصعيد السياسي.

 

الديون السيادية والثروة النفطية

أحد أهمّ دروس القرن العشرين، والذي تلقنته جيدًا الدول الكبرى هو أن الحرب العسكرية هو آخر الدواء نظرًا إلى الكلفة البشرية والسياسية للحروب. لكن التخلّي عن الحروب كأداة لتطويع الشعوب، لم يكن من دون إيجاد بديل! هذا البديل اسمه «الديون السيادية».

الديون السيادية تجعل من الدول رهينة المُقرضين المُتمثّلين بالأسواق المالية، وبالتالي، لا يُمكن القيام بخطوة وقف الدفع مثلما قامت بها حكومة الرئيس حسان دياب لأن مثل هذه الخطّوة تُعطي المُقرضين حجّة الملاحقة القانونية للدولة اللبنانية. فكيف إذا كانت هناك أصلا نيّة بإخضاع لبنان.

عمليًا المخاوف هي قبل كل شيء من الملاحقات القانونية التي قد تستهدف الدولة اللبنانية والتي ستجعل العديد من الطامعين بتشجيع مُقرضي الدولة من الخارج (11 مليار دولار أميركي) والمصارف التجارية (أكثر من 30 مليار دولار أميركي) على ملاحقة الدولة أمام المحاكم الدولية (ولما لا شراء هذه بعض هذه الديون من قبل القوى الخارجية؟). وهذا الأمر قد يصل إلى حدود وضع اليد على المخزون النفطي القابع تحت البحر والذي إذا استمر الوضع على ما هو عليه أي من دون أي حلحلة سياسية، سيؤدّي حكمًا إلى وضع اليد عليه من قبل المقرضين بطريقة أو بأخرى

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *