الرئيسية / صحف ومقالات / الديار : قرار رفع الدعم عن السلع أُتخذ .. والترشيق واجهة ‏لتجميل التداعيات الكارثية ‎التشبث الداخلي والضغوطات الخارجية تُنبىء بتأخير تشكيل الحكومة إلى 2021‏ ما علاقة تفعيل عمل المجلس الأعلى للدفاع بتسارع وتيرة فتح ملفات الفساد؟
الديار لوغو0

الديار : قرار رفع الدعم عن السلع أُتخذ .. والترشيق واجهة ‏لتجميل التداعيات الكارثية ‎التشبث الداخلي والضغوطات الخارجية تُنبىء بتأخير تشكيل الحكومة إلى 2021‏ ما علاقة تفعيل عمل المجلس الأعلى للدفاع بتسارع وتيرة فتح ملفات الفساد؟

ما حصل في جلسة اللجان المُشتركة (المال والموازنة، والعدل والإدارة، والإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة ‏والتخطيط والصحة العامة والعمل والشؤون الإجتماعية) الأسبوع الماضي والتي كانت مُخصّصة لدراسة الدعم ‏كما والإحتياطي الإلزامي، كان تغطية لقرار رفع الدعم الذي تمّ إتخاذه من قبل القوى السياسية. هذا ما قاله مصدر ‏في إحدى الأحزاب الكبيرة، مُضيفًا إن المُشكلة تكمن في من له الشجاعة في إعلان هذا الأمر‎.‎
‎ ‎
عبارة “الدعم” التي تُستخدم في الخطاب السياسي والإقتصادي، لا تعكس ما يقوم به مصرف لبنان. فالدعم هو ‏نتاج السياسة المالية للحكومة حيث يتمّ رصد قيمته في الموازنة العامّة كلّ عام للعام المُقبل من خلال قرار تحميل ‏الخزينة العامة قسما من كلفة إستهلاك بعض السلع والبضائع ذات الطابع الإجتماعي. ما يقوم به مصرف لبنان، لا ‏يدخل في خانة الدعم بل هو تأمين الدولارات لشراء السلع والبضائع والخدمات المُستوردة على سعر الصرف ‏الرسمي وسعر المنصة الإلكترونية. هذا المال يأتي من إحتياطات العملات الأجنبية للمصرف المركزي والتي ‏تحوي ودائع المودعين‎.‎

‎مع وصول إحتياطات مصرف لبنان إلى مستوى الإحتياطي الإلزامي أي ودائع المصارف الإلزامية في المصرف ‏المركزي وبالتالي أموال المودعين، أصبح تأمين الدولارات لشراء السلع والبضائع والخدمات مُهمّة شبه مُستحيلة ‏مع تفاقم الضغط الأميركي على الطبقة السياسية اللبنانية. وبالتالي، أخذت القوى السياسية بدراسة الحلول المُمكنة ‏أمامها ومن بينها‎:‎

أولا- تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات تسمح بإستكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي وبالتالي ‏إدخال الدولارات إلى القطاع المصرفي وهو ما سيسمح، مع هيكلة الإقتصاد، بالإستمرار بسدّ حاجة السوق ‏الداخلي. هذا الخيار يبقى رهينة الوضع السياسي الذي من الواضح أنه أصبح حلا صعبا والراجح أنه خرج عن ‏سـيطرة القوى السـياسية‎.‎
‎ ‎
ثانيًا- إستخدام الاحتياطي الإلزامي من خلال تحرير قسم منه. هذا الإحتياطي الإلزامي يُشكّل 15% من أموال ‏المودعين بالعملات الصعبة، وبالتالي فإن تحرير قسم من هذا الإحتياطي يفرض إعادة الأموال إلى المصارف ‏ومنهم إلى المودعين لا لما يقال عنه دعم للسلع. مما يعني إستحالة إستخدامه لشراء السلع والبضائع نظرا إلى أن ‏المُلكية الخاصة لها قدّسية في الدستور اللبناني. وهنا يبرز السؤال الكبير، على أي شيء استندت القوى السياسية ‏في ترجيحها خفض مستوى الاحتياطي، وهل يحق للمصرف المركزي استعمال هذه الأموال في حال اتخذ هكذا ‏قرار التصرف به، واستنادا على أي اجتهاد؟
‎ ‎
ثالثا- بيع قسم من الذهب الذي يمتلكه مصــرف لبنان والذي يتواجد ثلثــاه في المصــرف المركزي بحسب تصريح ‏حاكمه رياض سلامة. هذا الأمر يفرض تعديل القانون 42/86 (منع التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف ‏لبنان) وهو إنتحار في ظل غياب حكومــة وخطّــة للنهوض الإقتصادي والمالي. وهذا إذا حصل يصنف في خانة ‏تراكم القــرارات الخاطــئة‎ “Escalation of duties”.‎
‎ ‎
رابعا- وقف التهريب للسلع والبضائع المدعومة وترشيد عدد المدعوم منها وتمويل هذا الدعم من خلال إلزام ‏المُصدّرين (صناعيين ومزارعين وتجّار) إلى إعادة الأموال إلى القطاع المصرفي، من خلال مراقبة جهة الأموال ‏الحاصلة جراء عمليات التصدير التي تستفيد في قسم منها هذه الجهات في شراء المواد الأولية بدعم من الخزينة، ‏مما يسمح بتغطية كلفة الإستيراد من خلال هذه الصادرات. إلا أن هذا الخيار لم يتمّ وضعه على طاولة المشاروات ‏على الرغم من بعض الأصوات التي نادت به، وهذا يفتح بابا عريضاً للمساءلة التي قد ترقى إلى الاتهام‎.‎
‎ ‎
إن صعوبة هذه الحلول أو استحالة العمل ببعضها في الوقت الراهن دفع القوى السياسية إلى إعتماد حلّ خامس ‏وهو رفع الدعم عن الإستيراد. هذا الأمر سيؤدّي حتماً إلى ثورة سيكون بدون أدنى شكّ ثمنها السياسي كبيرا جدا. ‏من هنا تم العمل على إيجاد تخريجة تنصّ على رفع الدعم تدريجيا في قطاع المحروقات (بالدرجة الأولى) وفي ‏القطاع الغذائي على أن يتمّ الحفاظ على جزء من الدعم للأدوية وبعض المواد الغذائية الأساسية‎.‎
‎ ‎
هذا الأمر يعني أن الأسعار سترتفع تدريجيا (وهذه هي التخريجة) مع رفع الدعم رويدا رويدا إلى أن يصبح ‏الإستيراد بالكامل بالدولارعلى سعر السوق، والتعويل السياسي في ذلك على التكليف التدريجي للعبء بحيث ‏يصبح الشعب حاضراً ذهنياً ونفسياً للمصاعب الحياتية، وهو ما تراهن عليه الطبقة السياسية لتخفيف وطأة ‏الاحتجاجات الشعبية. والحق يقال، إنها إلى الآن نجحت في هذا الأسلوب إلى حد كبير وغير متوقع‎.‎
‎ ‎
مصدر إحدى الأحزاب الكبيرة قال إن التخريجة هذه تمّ تسليمها إلى رئيس الحكومة المُستقيلة الرئيس حسان دياب ‏بعد فشل إلقائها على حاكم المصرف المركزي الذي اختار عدم الحضور موفداً ممثلا له ويقال إن ذلك كان بناء ‏على توصيات نيابية. على كلٍ، يلتئم اليوم عدد من الوزراء في إجتماع برئاسة الرئيس حسان دياب وحضور ‏المجلس المركزي للمصرف المركزي للبحث في الحلول المطروحة على أن يخرج عن الإجتماع قرار يتبنّى ‏ترشيق الدعم‎.‎

تشكيل الحكومة
‎ ‎
ملف تشكيل الحكومة يُراوح مكانه مع تصلّب المواقف. وإذا كانت المعلومات تتحدّث عن زيارة مُرتقبة للرئيس ‏المُكلّف سعد الحريري اليوم إلى القصر الجمهوري حيث سيُقدّم تشكيلة حكومية من 18 وزيرا “تراعي ‏المواصفات الفرنسية ولا تحيد عنها” بحكم أن الرئيس الحريري “باقٍ على التزامه بالمبادرة الفرنسية”، إلا أن ‏المتوقّع أن يتمّ رفض هذه التشكيلة من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نظرًا إلى غياب وحدة المعايير ‏بحسب رأيه وهذا ما عبر عنه في خطابه في ذكرى الإستقلال. هذه الخطوة وعلى الرغم من معرفة نتيجتها مُسبقًا، ‏إلا أنها ترمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية. وكان من المُتوقّع أن تتم زيارة رئيس الحكومة المُكلّف هذه ‏الإثنين الماضي، إلا أن معرفته المسبقة لردّ رئيس الجمهورية كان ليبث أجواء سلبية على مؤتمر الدعم الأربعاء ‏الماضي، وهذا ما لم يكن محبذاً‎.‎
‎ ‎
إن تأخير ولادة الحكومة يزيد الخسائر يوما بعد يوم ويجعل من عملية إستعادة عافية البلد إقتصاديًا أكثر كلفة، لكن ‏الظاهر أن البعض يُراهن على ما تبقى من موارد في البلد سواء أكانت أصولاً منقولة أو غير منقولة. إلا أن ما ‏ينتظر البلد في المرحلة المُقبلة خصوصًا على صعيد إرتفاع الأسعار وزيادة الفقر يجّعل الرهان على الأصول ‏المُتبقّية غير دقيق ودون أي فائدة تذكر‎.‎
‎ ‎
وتبقى المخاوف من أن يكون تشكيل الحكومة رهينة إشارة خارجية لن تأتي قبل وضوح الصورة بين الولايات ‏المُتحدة الأميركية وإيران أي بمعنى أخر حتى تسلمّ جو بايدن مهامة الرئاسية في البيت الأبيض في كانون الثاني ‏من العام المُقبل‎.‎
‎ ‎
في هذا الوقت، تبرز إلى الواجهة مُعطيات أوروبية تُعدّل في المعادلة السياسية أولها الموقف البريطاني المُستجدّ ‏وثانيها زيارة ماكرون إلى بيروت في الأسبوع الثالث من هذا الشهر مُتسلّحًا بدعم أوروبي. هذه المُعطيات مع ‏صــمت روسي فسّره البعض على أنه دعم لبعض القوى السياسية في مواجهة السياسة الأميركية، يجعل من ‏المـلف الحكومي عقدة لا يُمكن حلّها إلا بتقاطع مصالح هذه الدول‎.‎
‎ ‎
في المقابل يرى بعض المراقبين أن الصراع الحقيقي هو صراع داخلي ذلك أن الحكومة التي ستتشكّل ستبقى حتى ‏نهاية عهد الرئيس ميشال عون. وبالتالي فإن الفراغ الرئاسي الذي سيحصل (كما العادة) سيجعل من هذه الحكومة ‏هي التي ستحكم خلال فترة الفراغ، من هنا التمسّك ببعض الوزارات وتسمية الوزراء. من جهة أخرى، يبرز الأن ‏بالذات طروحات سياسية مع دراسات قانونية فسّرها البعض على أنها جسّ نبض ليكون ذلك (من باب الإحتمال) ‏بابًا لتأجيل الانتخابات النيابية والعمل على قانون انتخابي جديد وبالتالي تمديد ولاية المجلس النيابي الحالي‎.‎
المجلس الأعلى للدفاع
‎ ‎
في هذا الوقت خرجت إلى العلن إنتقادات، مصدرها رئيس حكومة سابق (لم يُذكر إسمه)، بإتجاه رئيس الجمهورية ‏تطال دعوته إلى “توسيع نطاق تصريف الإعمال” مُتهما رئيس الجمهورية بـ “نقل صلاحيات السلطة الإجرائية ‏إلى مجلس الدفاع الأعلى الذي لا يتمتّع بصفة تقريرية ويبقى دوره محصورًا في إصـدار توصيات ورفعها إلى ‏مجلس الوزراء الذي يحق له وحده النظر فيها وإتخاذ القرارات المُناسبة”. وهو ما يُشير إلى عودة حرب ‏الصلاحيات بين الرئاســتين الأولى والثالثة‎.‎
‎ ‎
وكان سُرّب عن الإجتماع الأخير لمجلس الدفاع الأعلى قول رئيس الجمهورية إن تشكيل الحكومة سيتأخرّ ‏وبالتالي تمنّى توسيع نطاق تصريف الأعمال. وتزامن هذا الأمر مع زيادة فتح ملفات الفساد التي طالت عسكريين ‏وقضاة وموظّفين وقريبا أسماء وزراء وسياسيين من الصفوف الأمامية‎.‎
‎ ‎
بعض المراقبين يخشون “تصفيات حسابات سياسية” من خلال هذه الملفات، إلا أن البعض الأخر يعزي فتح ‏ملفات الفساد كإشارة يُريد رئيس الجمهورية إرسالها إلى المُجتمع الدولي عن جدّية محاربة الفساد مع إصراره ‏على التدقيق الجنائي الذي سيكشف الكثير من ملفات الفساد. وهو ما يُنذر بمواجهة سياسية طاحنة يُرشحّ البعض ‏أن تنتهي بإغتيالات سياسية أو أعمال إرهابية تقوم بها خلايا نائمة وحذّر منها المجلس الأعلى للدفاع‎.‎
‎ ‎
‎ ‎
الوضع المعيشي والصحي
‎ ‎
هواجس تشكيل الحكومة وصولا إلى التهديد بحرب أهلية مرورًا برفع الدعم وملف التدقيق الجنائي وتفشّي وباء ‏كورونا، تُسيطر على يوميات المواطن اللبناني. هذا الواقع مُرشّح إلى أن يتطوّر إلى فوضى إجتماعية أصبحت ‏شبه حتّمية مما يعني أيام قاتمة قادمة‎.‎
‎ ‎
بالتوازي، تمّ تكليف وزير المال غازي وزني التفاوض مع البنك الدولي لتأمين قرض بقيمة 246 مليون دولار ‏أميركي بهدف تمويل شبكة أمان إجتماعي يطال الأسر الأكثر حاجة مع إحتفاظ البنك الدولي وضع المعايير ‏ولوائح هذه الأسر. إلا أن العقبة الأساسية تبقى أن البنك الدولي لا يتعامل مع حكومات تصريف أعمال وبالتالي ‏هناك إستحالة إقراض الدولة اللبنانية لتأمين هذا المبلغ‎.‎
‎ ‎
ولا يقلّ الوضع الصحي تأزما عن الوضع المعيشي مع المخاوف المُتصاعدة من تداعيات رفع الدعم عن القطاع ‏الصحي. ولم ينجح النائب عاصم عراجي بصفته رئيس لجنة الصحة النيابية بإقناع وفد البنك الدولي بتمويل ‏إستيراد أدوية أساسية الذي يشترط حكومة تحظى بالثقة وتُنفذّ الإصلاحات المُطلوبة‎.‎
‎ ‎
فإلى أين ذاهبة هذه التصدعات، وهل من مفاجآت تغير الصورة السوداوية للوضع الحالي والمستقبلي؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *