الرئيسية / صحف ومقالات / الشرق الأوسط :‎ “‎الدعم للبنان” تجتمع غداً إنسانياً … برعاية فرنسية ـ أممية ماكرون عازم على المضي قدماً في مبادرته الإنقاذية رغم نكساتها وترامب لن ‏يشارك
الشرق الاوسط

الشرق الأوسط :‎ “‎الدعم للبنان” تجتمع غداً إنسانياً … برعاية فرنسية ـ أممية ماكرون عازم على المضي قدماً في مبادرته الإنقاذية رغم نكساتها وترامب لن ‏يشارك

رغم النكسات المتلاحقة التي أصابت “المبادرة” الفرنسية الهادفة إلى إنقاذ لبنان ‏من تردي أوضاعه المالية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية، ‏وتراجع الزخم الذي انطلقت به مباشرة عقب كارثة تفجيرات مرفأ بيروت، فإن ‏الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “مصرّ” على المضي قدماً في جهوده. ‏والدليل على ذلك المؤتمر، الثاني من نوعه، لـ”مجموعة الدعم للبنان”، الذي ‏سيرعاه غداً (الأربعاء) ماكرون بالاشتراك مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو ‏غوتيريش؛ من أجل توفير المزيد من المساعدات الإنسانية الطارئة للبنان. ‏ويفترض أن يشارك فيه ما لا يقل عن 30 رئيس دولة وحكومة، إضافة إلى ‏مجموعة من الوزراء والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، وعلى رأسها ‏صندوق النقد الدولي‎.
ويأتي هذا المؤتمر الافتراضي الذي سيلتئم عبر تقنية “الفيديوكونفرنس” وسيدار ‏من قصر الإليزيه مباشرة في حين الوضع اللبناني مستمر في التآكل. فلا الرئيس ‏سعد الحريري نجح في تشكيل حكومة جديدة رغم تكليفه منذ نحو أربعين يوماً، ‏ولا الحكومة المستقيلة أثبتت قدرتها على التعامل مع وضع بالغ التعقيد. ولا ‏خطة تنفيذ التدقيق المالي الجنائي بوضع البنك المركزي وضعت على السكة بعد ‏تخلي شركة “مارسال أند ألفاريز” عن العقد الذي أبرمته مع وزارة المال ‏اللبنانية، وحجتها أن المستندات التي طلبتها لتحقيق المهمة التي كلفت بها لم تسلّم ‏لها، ولا ترى أنها ستتسلمها في الأشهر الثلاثة الإضافية التي منحت لها. ‏والتدقيق الجنائي شرط من شروط صندوق النقد والأطراف المانحة لمد يد العون ‏للبنان‎.

وبغياب حكومة جديدة، لا آمال بتحقيق إصلاحات، ولا تفاوض مجدداً مع ‏صندوق النقد الدولي، ولا مساعدات تنتظر، ولا تفعيل لوعود المانحين التي ‏أغدقت على لبنان في مؤتمر “سيدر” الذي عقد في باريس برعاية ماكرون في ‏ربيع عام 2018. لذا؛ فإن مؤتمر الغد سيركز فقط على المساعدات الإنسانية، ‏وسيكون فرصة، وفق مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية، للنظر فيما ‏تحقق من وعود المؤتمر الأول الذي عقد في 9 أغسطس (آب) الماضي، ‏والتحقق من كيفية صرفها، وتقييم الحاجات الإضافية التي يحتاج إليها ‏المتضررون من تفجيرات المرفأ، إضافة إلى الوضعين الصحي والإنساني. ‏وفي أي حال، وبوجود حكومة أو من غير وجودها، فإن المساعدات لن تمر ‏عبر مؤسسات الدولة؛ الأمر الذي يعكس فقدان الثقة بها وتآكل صورتها لدى ‏الأطراف المانحة‎.
وكان المؤتمر الأول قد وفر للبنان وعوداً بمساعدات بلغت 250 مليون دولار، ‏وهو مبلغ ضعيف قياساً لما اعتبر خسائر مترتبة على انفجارات المرفأ التي ‏تفاوتت تقديراتها ما بين 5 و10 مليارات دولار‎.‎
تشير الأوساط الفرنسية المتابعة للوضع اللبناني، إلى أن الرئيس ماكرون الذي ‏ندد في مؤتمر صحافي شهير بـ”خيانة” الطبقة السياسية اللبنانية وتراجعها عن ‏الالتزامات التي تعهدت بها للإسراع في تشكيل حكومة جديدة وقبول خطة الإنقاذ ‏الفرنسية والعمل بموجبها، “عازم على الوفاء بوعده للبنانيين” عندما أكد لهم أنه ‏‏”لن يتخلى عنهم”. وتجدر الإشارة إلى أنه زار لبنان مرتين في 6 أغسطس ‏وفي الأول من سبتمبر (أيلول)، وأرسل مستشاره للشؤون العربية والشرق ‏أوسطية باتريك دوريل مؤخراً إلى بيروت، وهو شخصياً مواظب على التواصل ‏مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين. ولكن حتى اليوم، ما زال الوضع اللبناني ‏يراوح مكانه إن لم يكن يزداد سوءاً وتعقيداً بحيث انحصر الدور الفرنسي ‏‏”الفعلي” في الجوانب الإنسانية؛ الأمر الذي يعكسه مؤتمر الغد‎.
ولا تخفي الأوساط المشار إليها “دهشتها وخيبتها من انعدام المسؤولية” لدى ‏سياسيي لبنان، وتغليبهم “المصالح الحزبية والفئوية والطائفية والشخصية على ‏المصلحة العامة‎”.
رغم ما تقدم، فإن باريس ماضية في جهودها، وهي من جهة، تسعى لجمع مزيد ‏من المساعدات الإنسانية إلى لبنان من خلال المؤتمر مع ما يحمله من بعد ‏سياسي و”ضغوط” على الطرف اللبناني. وكان يمكن لماكرون أن يكلف وزير ‏الخارجية أو الاقتصاد مهمة الاضطلاع بالمؤتمر. إلا أنه فضّل أن يقوم بذلك ‏شخصياً من أجل جذب أرفع تمثيل ممكن على المستوى الدولي لمجموعة الدعم ‏للبنان، والدفع باتجاه توفير أكبر قدر من المساعدات؛ نظراً للحاجات اللبنانية ‏الضخمة. وفاقمت جائحة “كوفيد – 19” الوضع الصحي وحالة المستشفيات ‏وقدراتها على التجاوب مع الحاجات الطارئة، وهي أحد الأسباب التي تفسر ‏الإصرار الفرنسي‎.
من جهة أخرى، فإن ماكرون عازم على زيارة لبنان نهاية العام الحالي. لكن ‏صورة هذه الزيارة “يمكن أن تتعدل وفق التطورات” التي قد تحصل في لبنان ‏لجهة تشكيل الحكومة وعودة مؤسسات الدولة للعمل. فإذا بقي الفراغ ‏المؤسساتي على حاله، فإن ماكرون سيكرس زيارته لتمضية بعض الوقت في ‏إطار أعياد نهاية العام مع الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار اليونيفيل في جنوب ‏لبنان. وتجدر الإشارة إلى أن تقليداً فرنسياً يقوم على زيارة كبار المسؤولين ‏‏(رئيس الجمهورية، وزير- ة الدفاع…) الوحدات الفرنسية العاملة خارج البلاد ‏نهاية العام‎.
تشدد باريس على أن المبادرة الفرنسية هي “الوحيدة” المطروحة اليوم على ‏الطاولة لإنقاذ لبنان. لذا؛ سيكون لزيارة ماكرون “مدلول” سياسي كبير لجهة ‏التزامه إزاء لبنان، رغم أن “مهلة الأربع أو ستة أسابيع” التي منحها للطبقة ‏السياسية من أجل لتشكيل الحكومة الجديدة، قد انقضت كما انقضت قبلها مهلة ‏الـ15 يوماً التي أعطاها لها بداية سبتمبر بمناسبة اجتماع في قصر الصنوبر، ‏مقر السفير الفرنسي في بيروت‎.
ولا يبدو اليوم، في ظل التطورات الإقليمية، خصوصاً الأميركية – الإيرانية ‏واستمرار إدارة الرئيس دونالد ترمب في فرض عقوبات على طهران وعلى ‏الأحزاب والجهات الحليفة لها وعلى رأسها “حزب الله”، وتزايد التعقيدات ‏والحسابات الداخلية والرهانات اللبنانية أن باريس، بحسب مصدر فرنسي سياسي ‏غير حكومي “تملك ما يكفي من الأوراق للتأثير في الوضع اللبناني”. فلا هي ‏نجحت من جهة في دفع طهران وواشنطن إلى تسهيل مهمتها، ولا هي ‏استطاعت أن “تغري” الأطراف اللبنانية بالمساعدات، ولا أن “تردعهم” ‏بالتلويح بفرض عقوبات، كما أنها لم تحصل على مقابل من “حزب الله” الذي ‏أعادت تعويمه. والوعود كافة التي تلقتها، سريعاً ما تبخرت رغم ضغوط كارثة ‏المرفأ والأوضاع المتدهورة وتأكيدها أن مبادرتها “محض اقتصادية‎”.
وفي حين تستبعد المصادر أن يشارك ترمب في المؤتمر، يتوقع أن يصدر عن ‏المؤتمر بيان سيكون شبيهاً جداً ببيان 9 أغسطس. وأهم ما سيحتويه، أنه سيعيد ‏التأكيد على أهمية الإسراع في تشكيل حكومة جديدة، وعلى ضرورة القيام ‏بالإصلاحات المعروفة والتي تضمنتها الورقة الفرنسية، والتي ما زالت الأسرة ‏الدولية ومجموعة الدعم تطالب بما تضمنته منذ مؤتمر “سيدر” أي قبل عامين ‏ونصف العام، فضلاً عن إعادة تأكيد اهتمام مجموعة الدعم الدائم بمساعدة لبنان‎.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *