الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار : الحريري متراجعاً: هذه الحكومة لي باريس تكثّف اتصالاتها… والثنائي يُصرّ على التسمية
الاخبار

الأخبار : الحريري متراجعاً: هذه الحكومة لي باريس تكثّف اتصالاتها… والثنائي يُصرّ على التسمية

كسر الرئيس سعد الحريري حال المراوحة في الملف الحكومي، متراجعاً ‏خطوة الى الوراء، من دون أن تعني موافقته على أن يكون وزير المالية ‏‏”شيعياً” ولادة وشيكة للحكومة. فالثنائي لا يزال مصراً على تسمية الوزير ‏الذي يريده الحريري “مستقلاً”، بينما تنتظِر العقد الأخرى خلفَ الأبواب

وسط الانطباعات بأن لا شيء في الأفق يوحي بإمكانية تحقيق اختراقات فعلية تُتيح الإفراج عن حكومة الرئيس ‏مصطفى أديب، كسر رئيس تيار “المُستقبل” سعد الحريري حالة المراوحة، مقدماً اقتراحاً بشأن وزارة المالية. تراجعَ ‏الحريري خطوة، بعدَ أن خاضَ حرب “المداورة” وعدم حصر أي وزارة في يد أي طائفة. وكعادته، استبقَ إعلانه ‏هذا بتبريرات من النوع الذي يُظهره الأكثر تنازلاً “لصالح اللبنانيين” كما قال، و”للمحافظة على المبادرة الفرنسية”. ‏ما أعلنه الحريري في بيانه، ليسَ لمصلحة البلد، ولا تنازلاً كلياً لصالح مطالب الثنائي حزب الله وحركة أمل، أو هدية ‏قدّمها بشكل طوعي الى خصومه. “مُتجرعاً السمّ” كما قال، رضَخ الحريري للضغط الفرنسي، ولواقع أن الحكومة لن ‏تتألف من دون شراكة حقيقية، وأن الثنائي، معه حلفاؤه، لن يسمح بتأليف حكومة أمر واقع. لكن رئيس تيار المستقبل ‏استبقى بعضاً من ماء الوجه، إذ حصرَ تراجعه بمساعدة الرئيس المكلف على “إيجاد مخرج بتسمية وزير مالية مستقل ‏من الطائفة الشيعية، يختاره هو، شأنه شأن سائر الوزراء، على قاعدة الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء الحزبي، من دون ‏أن يعني هذا القرار في أي حال من الأحوال اعترافاً بحصرية وزارة المالية، بالطائفة الشيعية أو بأي طائفة من ‏الطوائف”. وشدّد الحريري في بيان صادر عنه على وجوب أن “يكون واضحاً أنّ هذا القرار هو لمرة واحدة ولا ‏يشكّل عرفاً يبنى عليه لتشكيل حكومات في المستقبل، بل هو مشروط بتسهيل تشكيل حكومة الرئيس أديب بالمعايير ‏المتفق عليها، وتسهيل عملها الإصلاحي، من أجل كبح انهيار لبنان ثم إنقاذه وإنقاذ اللبنانيين‎”.

‎ما أعلنه الحريري أمس نقطة تسجّل عليه، لا له. وهو إن كانَ قد أعطى إشارة إيجابية في الشكل، لكن البيان في ‏مضمونه، يدين الحريري ويؤّكد أولاً أنه كانَ يتصرّف وكأنه الحاكِم المطلق، يضَع شروطاً للتأليف أمام أديب ويحدّد ‏له مواصفات الحكومة ووزراءها وكيفية توزيع الحقائب، كما يؤكّد أن المعالجة السياسية لهذا الملف لم تتأخر بسبب ‏إصرار الثنائي على تسمية وزير المالية، بل بسبب الحريري نفسه الذي تصرّف منذ تكليف أديب كما لو أنه الوصيّ ‏عليه والمفاوض الحقيقي في ملف التأليف وأن الرئيس المكلف هو مجرّد منفّذ لقرارات رئيس تيار “المستقبل”. وأكد ‏بيان الحريري أنه المسؤول عن عدم تواصل أديب مع الكتل التي سمّته، وأخذت عليه عدم تشاوره معها، وإصراره ‏على توزيع الحقائب، وفتح معركة مع الثنائي الشيعي لا معنى لها، ومحاولة فرض حكومة أمر واقِع‎.

وإذا كانَ أي انفراج في مسار الوضع اللبناني باتَ رهناً بمصير المبادرة الفرنسية، فإن ما أعلنه الحريري لا يعني أن ‏البلاد تتجه غداً إلى تأليف الحكومة، وخاصة أن وزارة “المالية” ليسَت وحدها العقدة، لكنّ التصويب عليها جعل العقد ‏الأخرى مخبأة. فبالنسبة الى وزارة “المالية”، أيّد الحريري أن تكون من حصّة الثنائي، على أن يتولاها “وزير شيعي ‏مستقلّ”، وهو ما استغربته مصادر الثنائي التي تؤّكد أن “الطرح ليسَ بجديد، وهو سبقَ أن تقدّم به الفرنسيون ‏ورفضناه، وكانَ موقفنا واضح لجهة التمسّك بتسمية الوزير، أو طرح عدة أسماء يختار منها الرئيس المكلف، وما زلنا ‏عند موقفنا ولا تراجع عنه”. ثم “من يظن الحريري نفسه ليخرج ويقول إنه يسمَح بذلك لمرة مرة فقط”؟ تسأل ‏المصادر، و”هل وجدَ في تفاصيل المبادرة الفرنسية التي يقول إنه سيساعد أديب لأجل إنجاحها، هل وجَد فيها بنوداً ‏تتعلق بالمداورة وحقه هو في تسمية الوزراء أو في إدارة ملف التشكيل وحده من دون التشاور مع باقي الأطراف؟ هل ‏أعطته المبادرة الفرنسية حقاً حصرياً في توزيع الحقائب كما يريد وفرض شروطه”؟ وتؤكّد المصادر أن “الثنائي لا ‏يزال عند موقفه في اختيار الوزير الذي يريد بالتشاور مع رئيس الحكومة، ونحن على استعداد لتقديم لائحة طويلة ‏بالأسماء، وليختَر أديب واحداً منها”. وعلمت “الأخبار” أن رئيس الجهورية العماد ميشال عون سيستقبل اليوم ‏شخصية قيادية من حزب الله، للتباحث في شأن تأليف الحكومة، علماً بأن التواصل لم ينقطع بين الحزب والنائب ‏جبران باسيل في الأيام الماضية‎.

وفي وقت رأت فيه أوساط سياسية أن “قرار الحريري قد يكون مقدمّة لتذليل العقدة، أي وضع الكرة في ملعب الرئيس ‏المكلف وفتح الباب أمامه للاتفاق مع الثنائي على اسم وزير للمالية، تحت عنوان وزير مستقلّ”، اعتبرت الأوساط أن ‏ذلك لا يعني الإفراج عن الحكومة، فهناك عقبات كثيرة تتعلق “بإدارة التشكيل مع الرئيس ميشال عون والحصة ‏المسيحية، فهل سيقبلَ عون بأقل مما قبِل به الثنائي، أي اختيار الوزارات وتسمية الوزراء”، وهل “سيبقى الوزير ‏جبران باسيل على تعفّفه بالبقاء خارج الحكومة، وسيقبل بأن يُعطي الحريري وزارات لجهة معينة ويمنع وزارات عن ‏جهات أخرى، أم سيفتَح هذا الأمر شهيته من جديد للتفاوض على حصته الى جانب رئيس الجمهورية”؟ خاصة أن ‏خطوة الحريري لم تحظَ بغطاء شركائه في “نقابة” رؤساء الحكومات السابقين الذين أعلنوا “عدم التزامهم بهذه ‏المبادرة الشخصية‎”.‎

وفي هذا الإطار، علمت “الأخبار” أن الحريري، وقبل إصداره بيانه الذي سرعان ما تبرّأ منه الرؤساء نجيب ‏ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة، كان قد اجتمع بالثلاثي. ولم يتضح إذا كان ما جرى أمس هو تقسيم للأدوار بين ‏الحريري وشركائه، أم هو خطوة تفرّد بها الحريري من دون موافقة الثلاثي ميقاتي سلام السنيورة. وبدا لافتاً في ‏بيان الثلاثي أنه حيّد أديب عن أي استهداف، مكتفياً بالتصويب على مبادرة الحريري. وفي هذا الإطار، قالت ‏مصادر قريبة من أديب إنه “يدرس خياراته كافة، ولديه مروحة واسعة منها، بدءاً بالمضي في التأليف، وصولاً ‏إلى الاعتذار. وهو سيتشاور مع رؤساء الحكومات السابقين جميعاً، ومع الفرنسيين، كما مع رئيس الجمهورية، ‏لاتخاذ القرار المناسب‎”.

لكن ما الذي أرغم الحريري على هذا التراجع المفاجئ، بعدَ أن كانَ رأس حربة في هذه المعركة، مستقوياً ‏بالخارج؟ يقول مطلعون على خطّ تأليف الحكومة والحركة الفرنسية إن “باريس كثفت اتصالاتها في الأيام ‏الأخيرة مع الحريري، وهي مصرّة على نجاح مبادرتها، لأنها تحقق مصلحة استراتيجية وفرنسية داخلية؛ إذ ‏سيكون من الصعب على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يخسر معركة العودة إلى بسط نفوذٍ لبلاده في لبنان، ‏لأن تلك الخسارة تعني تقدّماً لخصمه في شرق المتوسط، الرئيس التركي رجب طيب اردوغان‎.‎

ومن جهة أخرى، فإن الفشل في حل الأزمة اللبنانية سيمثّل مادة دسمة يستخدمها ضدّه خصومه في الداخل ‏الفرنسي”. ولذلك “واصلَ الفرنسيون الحديث مع مختلف الأطراف المعنيين بعملية التأليف عبر الاتصالات أو ‏عبر موفدين الى لبنان، مؤكدين أن المبادرة مستمرة، وأن أديب لن يعتذر إذا لم نطلب منه، ولن نطلب منه ذلك”. ‏كما أن باريس “كانت تؤكّد أنه على الرغم من إطلاق النار الأميركي على مبادرتها والعقوبات، فإنها مستمرة في ‏محاولاتها إيجاد حلول مع الولايات المتحدة”، من دون التأكيد “إذا ما كان تراجع الحريري مرتبطاً بموقف ‏أميركي جديد”، خاصة أنه “رفض وساطة النائب وليد جنبلاط بعد عودة الأخير من باريس ولقائه مدير ‏المخابرات الفرنسية الدبلوماسي السابق برنار أيمييه، تقوم على قبول إسناد حقيبة المالية للثنائي هذه المرة، كي لا ‏تكون ذريعة لتعطيل المبادرة الفرنسية”. كذلك وصلت إلى الحريري رسائل “شديدة الوضوح” من حزب الله ومن ‏الرئيس نبيه بري، تؤكد له “استحالة التراجع عن مطلب الشراكة في تأليف الحكومة من باب اختيار الوزراء ‏الشيعة، كما استحالة التراجع عن مطلب الحصول على حقيبة المال‎”.

في السياق، أعاد تكتل “لبنان القوي”، عقب اجتماعه الأسبوعي، تأكيد وقوفه إلى جانب رئيس الجمهورية ودعمه ‏لإزالة العراقيل أمام ولادة الحكومة. وحذّر التكتل من “تصلُّب المواقف الذي من شأنه أن يُفشل المبادرة الفرنسية ‏ويُدخل البلاد في أزمة مفتوحة، في وقت هي في أشدّ الحاجة إلى حكومة إصلاحية، وإلا فستذهب البلاد فعلاً إلى ‏المجهول”. وأشار التكتل إلى أنّ “تسهيل التكتل هدفه منع الانهيار، وليس الخوف من ضغوط قائمة أو عقوبات ‏مفترضة، هو ما يحاول بعض المأزومين الترويج له في مسألة الحكومة بحثاً عن كبش محرقة‎”.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *