الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار : “‎عجقة” عسكرية غربية… وباريس تتبنى الشروط الأميركية: حكومة “محايدة” وانتخابات مبكرة
الاخبار

الأخبار : “‎عجقة” عسكرية غربية… وباريس تتبنى الشروط الأميركية: حكومة “محايدة” وانتخابات مبكرة

تحت الضغط الأميركي تتراجع فرنسا تباعاً عن المواقف التي أعلنها ‏رئيسها ايمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة لبيروت. بعد التنصل من ‏فكرة حكومة الوحدة الوطنية، عادت باريس عن رفضها اجراء انتخابات ‏نيابية مبكرة، مُطالبة بحكومة حيادية تشرف على الإنتخابات في غضون ‏سنة

تتكثّف التحركات التي تشهدها الساحة اللبنانية تحت شعارات إصلاحية وإنقاذية، وهي تأتي في مرحلة مفصلية ‏من تاريخ المنطقة، جعلت من زلزال 4 آب فرصة لتفِد الدول الكبرى إلى لبنان حاملة معها مشاريعها السياسية ‏بلبوس إنقاذي. تحولّت بيروت بعد الإنفجار إلى محجّة، يتسابق إليها أصحاب أحلام استعمارية مستعادة أو ‏أجندات بدأت تخلع عباءة المُساعدات، وهو ما كشفه السجال الفرنسي – التركي أمس، بعدما اتهم الرئيس رجب ‏طيب أردوغان ماكرون بأن “همه الوحيد إنعاش الفكر الإستعماري مجدداً”. غير أن هذا السجال يبقى دون الوهج ‏الأميركي الطاغي الذي يدفع باتجاه اللااستقرار الشامل عبر الضغوط القصوى، وهو ما تُرجِم بتراجع فرنسي عن ‏كل الشروط التي أتى بها ماكرون. فبحسب مصادر بارزة، لم يتخلّ الرئيس الفرنسي حصراً عن فكرة حكومة ‏الوحدة الوطنية لصالح حكومة مُحايدة تُريدها الولايات المُتحدة، بل إن فرنسا طلبت “دبلوماسياً” ما سعت إليه ‏واشنطن عبرَ بعض النواب لإسقاط البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة. فقد علمت “الأخبار” أن سفير الفرتسي ‏في لبنان برونو فوشيه نقل، في اتصالات ولقاءات أجراها مع مسؤولين لبنانيين في اليومين الماضيين، مطلب ‏بلاده “بحكومة محايدة تُعيد الإعمار وتُشرف على انتخابات نيابية في غضون سنة‎”.

هذه المطالب الأميركية بلسان فرنسي تُسقِط مقولة أن واشنطن تريد إستقرار البلد، أو لن تسمَح بسقوطه. ‏فالمعطيات المتوافرة تؤكد بطلان هذه الفكرة، كما تؤكد أن لدى الولايات المتحدة لائحة شروط تسعى من خلالها ‏إلى تغيير في وجهة لبنان السياسية وإلغاء نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، مُستغلّة انفجار المرفأ، بعدَ فشل ‏رهانها على الضغوط الإقتصادية وحدها، وعجزها عن استثمار الشارع بعد 17 تشرين للإنقلاب على حزب الله. ‏واظهرت تحركات الشهرين الأخيرين أن المجموعات التي نزلت حاملة شعارات سياسية مُطالبة بنزح سلاح ‏المقاومة وتنفيذ القرارات الدولية (1559 و 1701)، كانت شبه معزولة في الشارع، ولم تحقق الهدف ولا يُمكن ‏التعويل عليها، رغم أن ما حصل الشارع زاد من وتيرة الضغط على حلفاء المقاومة، تحديداً رئيس الجمهورية ‏العماد ميشال عون والنائب جبران باسيل‎.

وبالتزامن مع قرب صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، في 18 الجاري، وبعد ‏سقوط الحكومة، من المتوقع أن تزداد الضغوط لتحقيق مكاسب سياسية، إضافة إلى التهديد بفرض عقوبات على ‏حلفاء المقاومة، وهو ما عبّرت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قبلَ يومين، في إطار الضغط على ‏الحلفاء وإبعادهم عن حزب الله، وتحديداً باسيل، من خلال التلويح بسيف العقوبات‎.

ومن مظاهر هذه الضغوط غياب باسيل عن جدول لقاءات الموفد الأميركي ديفيد هيل الذي وصل الى بيروت، ‏أمس، لجس نبض القوى السياسية ومدى استعدادها لحل الملفين الحكومي والنفطي. علماً أن هيل سبق أن التقى ‏باسيل أكثر من مرة في زياراته السابقة إلى لبنان، رغم عدم تأييد سفارة بلاده في بيروت، لكن هذا التغييب قد ‏يكون عرضة للتغيير في أي لحظة‎.‎

وليس من قبيل الصدفة أن تسارع بريطانيا وفرنسا إلى إرسال طائرات ومدمرات وجنود إلى بيروت، مع إعلان ‏الولايات المتحدة أن جنودها يساهمون في أعمال الإغاثة في العاصمة اللبنانية. هذه “العجقة العسكرية” الغربية لا ‏مبرر إغاثياً لها، بقدر ما هي تعبير عن رغبة بإظهار “توازن عسكري”، بصرف النظر عن مدى جدية هذا ‏التوازن او هزاله. فالقطع الحربية التي أرسلتها باريس ولندن لا حاجة لها لتقييم الأضرار في المرفأ، إذ أن هذه ‏مهمة يقوم بها خبراء في التفجيرات وفي اعمال الموانئ والكوارث يمكنهم ان يصلوا إلى بيروت جواً. كما لا حاجة ‏لأساطيل حربية لإرسال المساعدات، إذ في مقدور السفن المدنية القيام بالمهمة. يقود ذلك إلى الاستنتاج بأن ‏الحضور العسكري، له مهمة سياسية، فضلاً عن مهمته المتصلة بالتوتر بين تركيا ودول أوروبية في إطار ‏الخلاف على غاز شرق المتوسط وقضايا أخرى‎.

ولم يكُن ينقص المشهد اللبناني سوى إعلان الإمارات والكيان الصهيوني التطبيع الكامل للعلاقات، ما يعني سلوك ‏صفقة القرن طريقها الى التطبيق، في ظل تطبيع خليجي سيُعلن عنه تباعاً، ليبقى لبنان وسوريا والجزائر والعراق ‏‏(باستثناء كردستان) والكويت واليمن (الجزء الذي تحكمه “انصار الله”) خارج هذه المروحة. هذا التطوّر، ‏معطوفاً على مآلات أحداث الأشهر الماضية في بيروت، من شأنه دفع واشنطن باتجاه اطباق الخناق على لبنان، ‏بصفته يضمّ رأس حربة المحور المعادي لإسرائيل، ودفعه إلى مرحلة اللاستقرار الشامل، مع تعزيز مراكز نفوذ ‏لها عبر شبكة من المؤسسات والجمعيات، إلى جانب الجيش الذي طالبت الولايات المتحدة بحصر المساعدات بيده. ‏ومن شأن اللااستقرار، وفق النظرة الأميركية التي يرصدها سياسيون على تواصل دائم مع الإدارة الأميركية، أن ‏‏”يورّط حزب الله في معارك جانبية، وفي مسؤوليات امنية واجتماعية واقتصادية، ما يؤدي تالياً إلى إضعافه‎”.‎

داخلياً، لا تزال وتيرة المشاورات بينَ القوى السياسية بشأن تأليف الحكومة بطيئة، في انتظار نتائج زيارة هيل ‏التي تزامنت مع وصول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في زيارة تضامنية‎.
هيل الذي سيبقى في لبنان حتى يوم غد، أعلن أن مكتب التحقيقات الإتحادي (إف بي آي) سينضم إلى محققين ‏لبنانيين ودوليين في التحقيق في انفجار بيروت‎.

في السياق، شن الرئيس التركي هجوماً على الرئيس الفرنسي، قائلاً “لسنا في لبنان من أجل التقاط الصور أو ‏الاستعراض أمام الكاميرات كما يفعل البعض”. وفي كلمة خلال اجتماع رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية في ‏الولايات التركية، أشار أردوغان إلى أن “المسؤولين الأتراك الذين زاروا لبنان عقب انفجار المرفأ، لم يفعلوا ما ‏فعله ماكرون وهمه الوحيد هو إنعاش الفكر الاستعماري مجدداً‎”.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *