الرئيسية / صحف ومقالات /  النهار:الحكومة تحتمي من السقوط بالتصعيد السياسي
flag-big

 النهار:الحكومة تحتمي من السقوط بالتصعيد السياسي

اذا كان من خلاصة سريعة للتطورات المحمومة والمتصلة بالتدهور المالي المطرد والعجز الحكومي الفادح عن احتواء مختلف تداعياته، فيمكن إيجاز المشهد السياسي الداخلي بأن حكومة الرئيس حسان دياب باتت واقعياً في حكم السقوط ولكن مع وقف التنفيذ ربما لأسابيع وليس أكثر. ذلك أن الكلمة المتسمة بمكابرة واسعة لرئيس الوزراء في مستهل جلسة مجلس الوزراء، أن لجهة استعادة هجماته على المعارضين والخصوم الداخليين أم لجهة حملته “المستأخرة” بمفعول رجعي على السفارتين الأميركية والسعودية من غير أن يسميهما طبعاً، بدت بمثابة الدليل الاضافي القاطع على المضي في سياسة الهروب من مواجهة الفشل الحكومي بافتعال المعارك العبثية فيما تلهث البلاد وراء حلول عاجلة للأزمات المتفاقمة في كل المجالات. كان رئيس الوزراء يلهو بترف مهاجمة المعارضين والالتحاق بركب مهاجمي السفارتين الأميركية والسعودية، فيما بدت البلاد تنزلق بسرعة مقلقة للغاية نحو طبعة مختلفة ومتطورة من الانتفاضة الاحتجاجية المتسعة بفعل الاعتصامات وقطع الطرق والتجمعات والتظاهرات المنذرة بشارع ملتهب مجدداً على وقع دولار أضحى سعره بسقوفه المحلقة يهدّد بإحراق البلد غضباً واحتجاجاً. ومع دولار تجاوز سعر صرفه في السوق السوداء العشرة آلاف ليرة، انفلشت مجموعات المتظاهرين والمعتصمين منذ ساعات الصباح الى ساعات الليل في مختلف المناطق وخصوصاً في وسط بيروت ليرسموا العينة المتقدمة عن الاحتجاجات المنذرة بإشعال موجات ضخمة ومستمرة هذه المرة أمام تفاقم الأزمات المعيشية والغلاء المستفحل وأزمة العتمة وتقنين الكهرباء بالاضافة الى أزمات البطالة والاستشفاء وكل ما يتصل بأزمة المصارف وأموال المودعين.

 

ومع أن الرئيس سعد الحريري وضع حداً حاسماً لاحتمال عودته خلال العهد العوني الى تولي رئاسة الوزراء الا ضمن شروط يبدو واضحاً أنه لا يناور حيالها كما يصعب توقع تلبيتها، فإن مجرد اطلالة الحريري أمس وتناوله الأزمة المتفاقمة زاد إثباتات طرح الوضع الحكومي بجدية في كواليس الداخل وربما ايضا في كواليس ديبلوماسية خارجية بدأت المعطيات تتحدث عن تداولها إمكان التغيير الحكومي في لبنان لمصلحة حكومة خبراء مستقلين فعليين هذه المرة.

 

الحريري

 

ورأى الرئيس الحريري في دردشة مع الاعلاميين أن “الفراغ مدمر للبنان والفرصة للانقاذ قائمة والحل بتغيير الآلية ‏والمحاصصة وبناء البلد على أسس جديدة”، وقال: “لدي شروط للعودة إلى رئاسة الحكومة ونقطة على السطر، والبلد يحتاج الى طريقة مختلفة بالعمل كلياً، وإذا لم نخرج من المحاصصة وغيرها فلن يتغيّر أي شيء”. وأضاف: “لدينا أزمة اقتصادية والمطلوب إجراء إصلاح، وسمعت ما قاله الرئيس دياب الذي لم يتحدث عن الكهرباء والإصلاح، هو فقط يهاجم السلك الديبلوماسي الذي نحن في حاجة إليه من أجل مساعدة لبنان. هذه الأزمة ضربت الاقتصاد، إلا أن صندوق النقد يريد أن يساعد، لكن أين الإصلاحات وأنا اليوم مصدوم من كلام الرئيس دياب عن المؤامرة، وعلى الحكومة أن تساعد نفسها”. وحذّر من أنه “سيكون لنا كتيار مستقبل موقف قاس جداً إذا كان العهد أو رئيس الحكومة يفكران بإقالة رياض سلامة أو أي حاكم نحن في حاجة إليه في هذه الظروف”. ولاحظ أنه “لم نسمع أصواتا شبيهة عندما تحدث السفير السوري من قبل كالأصوات التي سمعناها ضد السفيرة الأميركية”. وأكد أنه “لن أغطي أحداً قريباً مني لترؤس أي حكومة”.

 

وعلى وقع تفاقم الأزمة، شهدت الساحة السياسية سلسلة اتصالات لافتة. فالتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل. وكشفت مصادر المجتمعين “أن اللقاء كان جيّداً تم خلاله الاتفاق على مجموعة من الخطوات أبرزها قيام مصرف لبنان بما عليه لضبط تفلّت سعر صرف الدولار باعتباره شرطا أساسيا لمنع حصول أي اضطراب اجتماعي”. اما على صعيد الحكومة، فأجمع الرئيس بري وباسيل على “حضّ الحكومة على القيام بالإصلاحات المطلوبة والتعاون بينها وبين مجلس النواب، كما تم التفاهم على عدد من الإجراءات المطلوبة في هذا المجال”. أما المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فشدّد الرئيس بري وباسيل على “اعتبار المفاوضات مع الصندوق خياراً أساسياً، وضرورة قيام الحكومة ومجلس النواب كل ضمن نطاق عمله بما يستطيعان لتأمين الحصول على برنامج إصلاحي من صندوق النقد لا يتعارض بأي من شروطه مع سيادة لبنان ومصلحته”.

 

والتقى الرئيس الحريري نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي الذي اعتبر أنه “لا يوجد أي مؤشرات للطمأنينة ولا بد من القيام بالنشاط المطلوب من أجل التفكير في وسائل الخلاص أو وضع البلد على طريق الخلاص”. وقال “كلنا متفقون على أن الرئيس الحريري هو مدخل رئيسي في صناعة لمّ الشمل اللبناني من أجل إنقاذ البلد ووضع حدّ للتدهور والانقسامات وأعتقد أنّ مسألة إعادة النظر في التركيبة الحكومية أمر أصبح من اللزوم وأناشد رئيس الحكومة حسان دياب أن يذهب في اتجاه تسهيل الأمر لإيجاد حكومة بديلة”.

 

في غضون ذلك، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر “تويتر”: “يبدو انّ هذه الحكومة والملائكة التي تحرسها فقدت كل اتصال بالواقع المأسوي والانهيار الحاصل وتعيش في غير عالم وتتخيل مؤامرات وهمية وحاصرت نفسها بنفسها. إنها حكومة اللاشيء والعدم والإفلاس والجوع”.

 

هجوم دياب

 

وكان الرئيس دياب ألقى كلمة نارية في مجلس الوزراء رأى فيها “أننا في لحظة الاصطدام، وهناك جهات محلية وخارجية، عملت وتعمل حتى يكون الاصطدام مدوياً، وتكون النتيجة حصول تحطم كبير، وخسائر ضخمة”. وقال: “بكل أسف، هناك جهات في الداخل لا تهتم لمستقبل البلد، ولا يهمها إلا دفتر حسابات المصالح الشخصية المغلفة بحسابات سياسية وطائفية. هذه الجهات إما هي أدوات خارجية لإدخال لبنان في صراعات المنطقة وتحويله إلى ورقة تفاوض، أو هي تستدرج الخارج وتشجعه على الإمساك بالبلد للتفاوض عليه على طاولة المصالح الدولية والإقليمية” وأضاف: “اخترنا مواجهة التحديات. وسنكمل بمواجهتها. نعلم جيدا أن هناك قراراً كبيراً بحصار البلد. هم يمنعون أي مساعدة عن لبنان. حصار سياسي – مالي لتجويع اللبنانيين. يلعبون لعبة رفع سعر الدولار الأميركي، والمضاربة على الليرة اللبنانية، ويحاولون تعطيل إجراءات الحكومة لمعالجة ارتفاع سعر الدولار. لعبة الدولار أصبحت مكشوفة ومفضوحة”.

 

ثم قال “سكتنا كثيرا عن ممارسات ديبلوماسية فيها خروق كبيرة للأعراف الدولية، والديبلوماسية، حرصاً على علاقات الأخوة والانتماء والهوية والصداقات، لكن هذا السلوك تجاوز كل مألوف بالعلاقات الأخوية أو الديبلوماسية. والأخطر من ذلك، بعض الممارسات أصبحت فاقعة في التدخل بشؤون لبنان”. وأصاب كلام دياب كل الخارج ملمحاً الى صندوق النقد الدولي أيضاً. لكن الوزراء أكدوا وسط هذا المناخ أن لا استقالة للحكومة وأن قرار المواجهة مستمر وفسّر لقاء دياب بعد الجلسة مع السفير الصيني والبحث معه في تفعيل الشراكة مع لبنان ضمن أوراق الحكومة.

 

الى ذلك، اتفق أمس على آلية جديدة لمعالجة أزمة الدولار يحول بموجبها مصرف لبنان مبلغ الأربعة أو الخمسة ملايين دولار التي كان يضخها يومياً للصرافين الى المصارف من أجل تأمين الدولار للاستيراد. وستعمل المصارف على اعتماد سعر محدد للدولار بـ 3890 ليرة. وفي شأن ما تردّد عن توقف اجتماعات صندوق النقد الدولي مع الوفد اللبناني، نفى وزير المال غازي وزني لـ”النهار” ذلك وقال إن الاجتماعات لم تتوقف ويمكن استنئنافها في أي وقت. وأوضح أن ما طلبه وفد الصندوق هو أن يتفق الوفد اللبناني على مقاربة واحدة للخسائر المالية وأن تنفذ الحكومة الاصلاحات المطلوبة وعندما نبدأ باصلاحات الكهرباء يمكننا دعوة الصندوق للاجتماع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *