الرئيسية / سياسة / “الجمهورية”: مكوّنات الحكومة تُصدِّعها.. والموازنة تقترب.. ونصائح بتجنّب السقوط
الجمهورية

“الجمهورية”: مكوّنات الحكومة تُصدِّعها.. والموازنة تقترب.. ونصائح بتجنّب السقوط

كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: إذا كانت نعمة السماء قد غَطّت عجز السلطة، ورَأفَت بهذا البلد وأخمَدت بأمطارها الحرائق التي فَتكت بمساحات واسعة من الطبيعة اللبنانية الخضراء، فكيف مع سلطة باتت مُحترقة سياسياً وشعبياً ستُخمَد سلسلة الحرائق الدائمة المضطرمة سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً وكهربائياً وبيئياً، وفي كل مفصل من المفاصل المرتبطة مباشرة بحياة اللبنانيين؟

السؤال مبرّر، لكنّ جوابه في منتهى الصعوبة، فنعمة السماء، بتدخّلها في إضرام حرائق الطبيعة، نَطقت باسم اللبنانيين، وأصدرت حكمها وأدانت سلطة أمر واقع مفروض عليهم قسراً، حازت وبامتياز لقب “أم الأزمات”، لا بل صارت أسوأ من كل الازمات، التي جاءت مقارباتها لها بطريقة تِمساحية، من دون أن يصيبها شيء من خجل، أو حتى بعض احمرار تُعوّض فيه ماء وجهها الذي “نَشّف” بالكامل.

واذا كان دخان حرائق الطبيعة قد انقشَع بفضل نعمة السماء، إلّا أنّ مزايدات المُقصّرين والمستثمرين على الكوارث، استمرت من كل الاتجاهات. أمّا المناخ السياسي فعابِق بدخان الحرائق السياسية، والجديد فيه انّ الهَمس الذي كان محصوراً داخل جدران الصالونات الرسمية والسياسية، بدأ يتسرّب الى خارجها، ويكشف بشكل صريح تصدّعات عميقة في جسم السلطة، ترسم علامات استفهام كبرى عمّا اذا كان هذا الجسم سيبقى محكوماً بالمُساكنة القسرية بين مكوّناته، أم انّ هذه المساكنة ستنفرط في قابل الايام وتتفكّك؟

وما يبرّر رسم علامات الاستفهام تلك، المتاريس التي باتت منصوبة داخل الحكومة، والقصف المتبادَل بين مكوناتها داخل مجلس الوزراء وخارجه، وهو أمر جعل بعض كبار السياسيين يتخوّفون من فرضيّة “انّ الحكومة بدأت بالاهتزاز، وصارت قائمة على أرض رخوة”.

كلام قاس
وبحسب معلومات “الجمهورية” فإنّ نقاشاً جرى بشكل مكثّف في الآونة الاخيرة، بين مستويات رئاسية وسياسية رفيعة في الدولة، وثمّة كلام قاس صدرَ عن أحد الرؤساء حيال ما سمّاه “سياسة التعطيل المتعمّد للحكومة، ومحاولة كسرها من داخلها”. وصولاً الى تلويحه بـ”ان استمرّت هذه السياسة، ويبدو أنها ستستمر، فإنّ الجمرة الحكومية ستُلقى في أيدي الجميع، وساعتئذ ليتحمّل كل طرف مسؤوليته”.

السفارات تسأل
وتِبعاً لذلك، فإنّ أحد كبار المسؤولين كشفَ لـ”الجمهورية” انّ عدداً من السفارات الغربية في بيروت تطرح منذ مدة تساؤلات واستفسارات حول مصير الحكومة، في ظل الوضع الحكومي المتوتّر وغير المستقر، وانّ بعضها عَبّر لكبار المسؤولين في الدولة عن مخاوف جدية من هذا الوضع، ونَصح بتجنيب لبنان الدخول في منعطف سياسي خطير في ذروة الازمة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها، لأنّ من شأن ذلك أن يصيب لبنان بأضرار جسيمة، ويُفاقم أزماته الى مستويات شديدة الخطورة.

شر لا بد منه!
الى ذلك، علمت “الجمهورية” انّ الوضع المتوتر سياسياً وحكومياً، والمتأزّم اقتصادياً ومالياً، كان في الساعات القليلة الماضية محلّ تداول في “اجتماع داخلي” بين مسؤول كبير وأعضاء قيادة حزبه السياسي وكتلته النيابية.

وقد طرح على هذا المسؤول سؤال، في مستهلّ الاجتماع، عن مصير الحكومة، وهل انّ لبنان على أهبّة السقوط في أزمة سياسية حكومية الى جانب أزمته الاقتصادية؟

وبحسب المعلومات، فقد نقل عن المسؤول المذكور قوله جواباً عن هذا السؤال: إن حصل هذا الأمر، فهذا معناه طار البلد.

وأضاف: لا شيء يبعث على الاطمئنان، والانقسام بدأ يتعمّق في داخل الحكومة بلا أي سبب موجِب لذلك، والمعركة مفتوحة فيها على عدة خطوط، ما بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وما بين “التيار” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”. وهناك علاقة محتقنة ما بين “القوات” و”حزب الله”، وما بين “الحزب” ورئيس الحكومة، وعلاقة تصعد حيناً وتهبط أحياناً كثيرة، كما هو الحال هذه الايام بين “التيار” ورئيس الحكومة. ما يعني انّ وضع الحكومة لا يُبشّر بالخير.

واستغربَ المسؤول نفسه الحديث عن قلب الطاولات، فيما الطاولة مقلوبة أصلاً على رؤوس الجميع. وقال: إنّ افتعال المشاكل السياسية هو هروب واضح من المسؤولية ومن المعالجات والاصلاحات.

وأبدى خشيته من أن يكون البعض يدفع متعمّداً نحو تغيير الحكومة. وقال: المريب انّ التصعيد السياسي – الحكومي يأتي أمام استحقاقات كبرى تنتظر لبنان، لا نتحدث فقط عن “سيدر”، ولا عن بدء التنقيب عن النفط البحري قبل نهاية السنة، ولا عن تحذيرات البنك الدولي ونصائحه، بل عن وكالات التصنيف. فمنذ التخفيض الأخير لدرجة لبنان الائتمانية، اشتعلت أزمة شح الدولار والأزمات في كل القطاعات الحياتية، فماذا لو فاجَأتنا وكالات التصنيف بتخفيض جديد؟ وأيّ مستوى ستبلغه الأزمة فيما لو حصل ذلك؟.

ولم يخفِ المسؤول نفسه “أنّ كل الاحتمالات واردة، وليس خافياً انّ مكوّنات داخل الحكومة وقوى سياسية خارجها تُطالب بتغييرها”. وقال: الحكومة اليوم، وبرغم ما تعانيه من عجز وتقصير، هي في هذه الفترة شرّ لا بد منه، وبقاؤها مطلوب حتى ولو كانت مجرّد هيكل لأنّ بديلها هو الفراغ المفتوح، وإنّ تشكيل حكومة جديدة سيستغرق في أحسن الأحوال سنة على الأقل.

بري
الى ذلك، قالت مصادر الرئيس بري لـ”الجمهورية”: إنّ المسألة ليست مسألة حكومة، فالحكومة تعمل وتحاول جهداً، واجتماعات اللجان الوزارية تسعى لإيجاد حلول، بل انّ المسألة هي كيف نتفرّغ لإيجاد حلول للأزمة الخانقة التي يعانيها لبنان، وبلغت مستويات شديدة الخطورة ووضعت البلد على مفترق طرق. هذه هي الأولوية، وليس أي أمر آخر. لقد وضعنا خريطة طريق في اجتماع بعبدا، وينبغي سلوكه بإقرار سلة الاصلاحات التي اتفق عليها. أمّا لماذا تأخّروا في ذلك؟ الله أعلم.

وكانت لافتة أمس النبرة الانتقادية التي عَبّر عنها بري أمام “نواب الاربعاء”، حيث سأل: “لماذا نعيش حالة إنكار وكأننا لا نعاني أزمة مالية واقتصادية واجتماعية، بالرغم من توافقٍ بإجماع المستويات الرئاسية والقيادات المسؤولة على 22 بنداً في لقاء قصر بعبدا، وهي إصلاحات مهمة بدءاً من الموازنة مروراً بالكهرباء والى آخره من بنود؟

ونَوّه باجتماعات اللجنة الوزارية المتلاحقة، إلّا انه أبدى استغرابه لإعادة البحث من جديد بملف الاصلاحات طالما انه بُتّ به من ضمن البنود الـ22، وإلا فليحسم التصويت هذا الأمر. ونفى بري الشائعات التي تروّج لوَقف مفاعيل سيدر، حيث أكدت الجهات المعنية الفرنسية أن لا صحة لهذه الشائعات.

الحريري
وأكدت مصادر الرئيس الحريري لـ”الجمهورية”: انّ الجهود مُنصَبّة على كيفية بناء التحصينات للواقع اللبناني في ظل الازمة الاقتصادية الضاغطة، ورئيس الحكومة يعتمد المرونة الكاملة في أدائه، ويقوم بتدوير الزوايا في الاتجاهات التي تؤدي الى إنجاز الموازنة بالشكل المطلوب، والى مناخ سياسي هادىء بعيداً عن التشنجات التي تحصل بين الحين والآخر.

ورداً على سؤال عمّا اذا كان مصير الحكومة مطروحاً واذا كانت هناك محاولات لتطييرها في هذه الفترة التي برز فيها خلاف حاد بين بعض مكوناتها؟ قالت المصادر: الحكومة قائمة، والضرورة تعزّز بقاءَها، ثم ما البديل عنها في موازاة الكلام عن تطييرها؟ البديل هو الفراغ، وهل في الامكان تشكيل غيرها؟ وهل تحتمل الظروف هذا الفراغ؟ يجب ان ينتبه البعض الى الأداء المَرِن الذي يقوم به الرئيس الحريري، يجب ان يُقابَل بمِثله من مختلف القوى، والأهم انّ على البعض أن ينتبه الى انّ استمرار شَدّه في الحبل قد يقطعه في أي لحظة.

وحول الكلام عن قلب الطاولات، قالت المصادر انّ الرئيس الحريري كان واضحاً حينما قال: اذا لم نصل الى العلاجات المطلوبة، فإنّ الطاولة قد تنقلب وحدها على الجميع.

الموازنة
الى ذلك، بَدا واضحاً أمس، انّ مشروع موازنة 2020 هو أمام ساعات حاسمة، لإقراره قبل نهاية الاسبوع الجاري وإحالته الى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية، أي قبل يوم الثلثاء المقبل في 22 تشرين الاول الجاري.

وعشيّة انعقاد جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي أمس، تكثفت الاتصالات السياسية، والتي بدأها أمس الاول رئيس الحكومة سعد الحريري بلقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة، وما تخلله من أجواء استياء عَكسها الحريري حيال التراجعات في آخر لحظة من قبل “التيار الوطني الحر” عن إقرار سلة الاصلاحات التي يفترض ان تقترن مع مشروع موازنة 2020. واستكملت أمس بزيارة قام بها رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل للرئيس الحريري.

وعكست مصادر السراي أجواء إيجابية، من دون أن تتوسّع في تفصيلها. وهذا الأمر عكس نفسه على جلسة مجلس الوزراء، التي وصفتها مصادر وزارية بأنها كانت هادئة، وغابت عنها أي تشنّجات.

ويبدو انّ الصراع السياسي أخذ استراحة محارب أشبَه بهدنة مؤقتة إفساحاً في المجال لتمرير الموازنة.فمجريات الجلسة، جاءت معاكسة للجو السياسي المتشنّج، ووصَفها وزير الاتصالات محمد شقير من خلال حديثها عن أنّ الحرائق انطفأت في الخارج والداخل. والسبب الذي عَزَته مصادر وزارية لـ”الجمهورية” يعود الى اللقاءات التي سبقت الجلسة.

وقالت المصادر: انّ هناك تفاهماً قد حصل للانتهاء من الموازنة غداً على أبعد تقدير، وستحصل لقاءات جانبية تسهيلاً للاتفاق على الاجراءات التي ستتضمّنها الموازنة.

وبالفِعل، عُقد بعد جلسة الأمس اجتماع ضَمّ وزير المال علي حسن خليل ووزراء “التيار الوطني الحر” ووزراء “حزب الله”، ناقشوا خلاله النقاط العالقة قبل جلسة اليوم، التي ستناقش جدول أعمال عادياً أبرزه خطة المهجرين، واستكمال بحث الموازنة. حيث يُرتقَب أن تُبَت نهائياً في جلسة الغد.

وعلمت “الجمهورية” انّ مجلس الوزراء قرّر زيادة الرسوم على مشتقات التبغ المنتجة محلياً والمستوردة، وتكليف وزير المالية إدارة القرار في مهلة أقصاها الشهر الحالي على النحو التالي: 750 ل.ل. ضريبة على التبغ المحلي، 1200 على المستورد. 15 في المئة ضريبة على السيجار والتنبك، ما يوفّر إيرادات بقيمة 240 مليار ليرة. كما تقرر، وابتداء من 1/11/2019، فَرض رسم يومي مقداره 0.2 دولار اميركي عند إجراء اول مكالمة عبر بروتوكول الانترنت أو الـvideo call واستخدام أيّ من التطبيقات المختصة.

وعلمت الجمهورية انّ مجلس الوزراء يقوم بمهمة لجنة الاصلاحات بشكل موسّع لسرعة البَت في القرارات، ويبحث الورقة التي تمّ إعدادها من مختلف الاوراق الاقتصادية والاصلاحية المقدّمة، والبالِغ عددها 13 ورقة، وقد أبقى على الاجراءات الضريبية والرسوم المختلف عليها لِبَتها في الجلسة النهائية، ولاسيما منها زيادة الـ tva والبنزين والحسومات التقاعدية. ويتبيّن من هذه الورقة انّ الضرائب على الناس بدأت تطلّ برأسها.

قماطي
وقال الوزير قماطي لـ”الجمهورية”: هناك عدة أمور معلّقة بحثناها في الاجتماع بعد الجلسة للمتابعات التفصيلية، وخصوصاً زيارة سوريا، الكهرباء، المقالع والكسّارات والمحارق. واتفقنا على تسريع الامور.

وأضاف: أمّا موضوع الـ tva فقد عُلّق حتى إشعار آخر. نحن نعارضه اليوم وغداً وبعد غد. وعند إعادة طرحه، إذا تعقّدت الأمور، سنلجأ الى التصويت.

أمّا وزير المال فأكّد لـ”الجمهورية” انّ الموازنة شارفَت على نهاياتها، وأصبح النقاش في الشوط الاضافي الأخير.

حلقة مفرغة
إقتصادياً، بعد تقرير البنك الدولي حول دخول الاقتصاد اللبناني مرحلة الانكماش بدءاً من العام 2019 وصولاً الى العام 2020، جاء تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي ليؤكِّد المؤكَّد: سيؤدي مزيج ارتفاع أسعار الفائدة والمشاحنات السياسية والإنفاق على المستحقات القديمة، بالاضافة الى التأخير في الاتفاق على الإصلاحات المطلوبة، إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.8 في المئة في العام 2019.

وقد حذّر كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي، غربيس ايراديان، من أنّ مزيداً من التأخير في الاتفاق داخل الحكومة على التدابير والإصلاحات الهيكلية، بما فيها رفع ضريبة القيمة المضافة على السلع الفاخرة ورفع ضريبة الاستهلاك على البنزين وإقرار مراسيم لمحاربة التهرّب الضريبي وسَد عجز الكهرباء، سيؤدّي الى إحباط المستثمرين الأجانب والى مزيد من التأجيل في صَرف قروض “سيدر”.

وقال لـ”الجمهورية” إنه نتيجة لذلك سينكمش الاقتصاد في العام 2019 بنحو 1 في المئة، وقد يتقلّص مرة أخرى في العام 2020، “في حين أنّ هناك قدراً كبيراً من عدم اليقين في شأن التوقعات الاقتصادية بعد العام 2020”.

ورجّح معهد التمويل في تقريره أن يبقى لبنان، في ظلّ غياب الاصلاح الحقيقي والدعم الخارجي، في حلقة مفرغة من ارتفاع الديون وارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الاستثمارات الخاصة والنمو المنخفض.

ولفتَ الى أزمة شحّ الدولار الأميركي التي ظهرت في الأشهر الأخيرة، مشيراً الى تباطؤ نمو الودائع المصرفية رغم ارتفاع أسعار الفوائد، ما قد يجعلها غير كافية لتمويل العجز الكبير المزدوج. وذكرَ أنّ القلق في شأن شحّ الدولار، “والذي يُعزَى جزئيّاً إلى الزيادة الحادّة غير العادية في واردات الوقود، الذي يتم تهريبه جزئياً إلى سوريا، أثار مخاوف من احتمال خفض سعر الليرة اللبنانية”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *