الرئيسية / سياسة / “الجمهورية”: الأزمة الإقتصادية تتحوَّل سياسية… وتؤخِّر إقرار الموازنة
الجمهورية

“الجمهورية”: الأزمة الإقتصادية تتحوَّل سياسية… وتؤخِّر إقرار الموازنة

كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : إحتقنَت في الاقتصاد والمال وانفجرت في السياسة، لتنثر في الاجواء ‏علامات استفهام حول الغاية من دفع الوضع اللبناني الى هذا ‏المستوى من التوتر، خصوصاً أنّ من شأنه أن يُلقي تعقيدات إضافية ‏تُفاقم الأزمة على مختلف المستويات. فالمواطن انتظر حلولاً للأزمات، ‏فإذا به يلقى مساجلات بين من يفترض بهم إيجاد المعالجات، وقد ‏تفاجأ كثيرون باستحضار ملفات خلافية سياسية مثل ملف العلاقة مع ‏سوريا وغيره، طارحاً البحث في العلاجات اللازمة لها فيما الأزمة ‏الاقتصادية والمالية هي التي تحتاج الى معالجة سريعة ومُلحّة من ‏خلال إقرار موازنة 2020 مُتضمّنة إصلاحات تستجيب لمتطلبات مؤتمر ‏‏”سيدر” والدول المانحة، وكذلك من خلال اتخاذ مزيد من الاجراءات ‏والضوابط التي توقِف الهدر في المال العام وتَضع البلاد على سكّة ‏المكافحة الفعلية للفساد. أوّل غيث الخلافات السياسية كان بين ‏الحزب “التقدمي الاشتراكي” و”التيار الوطني الحر”، وشَكّلت ‏تغريدة رئيس الحزب وليد جنبلاط، تعليقاً على إعلان رئيس “التيار” ‏الوزير جبران باسيل انه ذاهب الى سوريا، بداية التصعيد الذي ‏استُكمِل بمسيرة منظّمة “الشباب التقدمي” في يوم إضراب الافران ‏أمس من الكولا الى ساحة الشهداء، والتي انتهت بانتقادات نارية ‏وَجّهها الوزير وائل ابو فاعور الى باسيل، حيث اتهمه بأنه ذاهب الى ‏سوريا لـ”تَوَسّل” رئاسة الجمهورية، لينتقل التوتر بعدها الى طاولة ‏مجلس الوزراء في السراي الحكومي حيث كانت جلسة عاصفة بين ‏المُتساجلين الاشتراكيين والعونيين، الأمر الذي اذا استمرّ فإنه قد ‏يؤدي الى عدم إقرار موازنة 2020 ضمن المهلة الدستورية لإحالتها ‏الى مجلس النواب التي تنتهي الثلثاء المقبل، حيث يبدأ العقد ‏التشريعي العادي الثاني لهذا المجلس‎.‎

خلاصة ما انتهى اليه إضراب الافران والسجال الدائر حول الازمات السياسية ‏والاقتصادية والمالية، كانت فشل مجلس الوزراء في إقرار موازنة 2020 وإحالتها ‏الى مجلس النواب في موعدها الدستوري الذي يستحق اليوم، وساد مساء ‏أمس جو من التشاؤم إزاء مصير هذه الموازنة بعدما تبيّن انّ المواقف خلال ‏الجلسة انقسمت بين داعية الى إقرارها مخفوضة العجز عبر زيادة بعض الضرائب، ‏وأخرى تمسّكت بإقرارها ضمن سلّة متكاملة تتضمن الاصلاحات والاجراءات ‏الضريبية والكهرباء، وإلّا لا موازنة‎.‎
ولعل أبسط ما يُقال عن جلسة مجلس الوزراء، التي خصّصت لمتابعة مناقشة ‏الموازنة وقيل انها نهائية قبَيل جلسة الاقرار في القصر الجمهوري، أنها عكست ‏الارباك الذي تتخبّط فيه الحكومة، وزادَها “بلّة” المواقف التي فجّرها باسيل في ‏ذكرى 13 تشرين‎.‎

ولعلّ حالة الغضب التي سيطرت على وزير المال علي حسن خليل، دفعته الى ‏القول لدى خروجه: “نحن بدولة مش دولة، والناس بمكان ونحن بمكان آخر ولا ‏تَحمّل للمسؤولية”، مُستشهداً بقول كمال صليبي: “نحن في بلد بيت بمنازل ‏كثيرة‎”.‎
وقد عكس موقف خليل المشهد الذي وصلت اليه الحكومة في إدارة درس ‏الموازنة. وعلمت “الجمهورية” انّ النقاش احتَدّ في ربع الساعة الاخير من ‏الجلسة، قبل ان يرفع رئيس الحكومة سعد الحريري صوته قائلاً بحدّة: “إذا هَيك ‏بدّو يكفّي النقاش بَلاها الجلسة من أصلها‎”.‎
ورفع الحريري الجلسة مُغادراً القاعة‎.‎

وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انّ “ما حصل يطرح سؤالاً كبيراً هو: هل هناك ‏أجندات مخفية عند كل فريق؟”. ورأت انّ “موقف باسيل كشفَ السياسة التي ‏يتّبعها وظهرت واضحة، فإمّا السلة الكاملة أو لا موازنة. والسلة الكاملة هي: ‏إجراءات ضريبية، اجراءات اصلاحية وقوانين، موازنة وكهرباء، معاً في مشروع واحد، ‏الأمر الذي رفضه خليل رفضاً قاطعاً‎.‎

وعلمت “الجمهورية” انّ خليل خاطبَ باسيل قائلاً: “سبق وأكدت انني لن أحمل ‏الموازنة فرساناً اتّضَح من خلال تجربة موازنة الـ 2019 انها غير ذي جدوى، ‏واستُنزِفنا بدون فائدة، كما اننا لن نسير في أي ضرائب جديدة. نحن التزمنا المهل ‏الدستورية، وأكدنا اننا سنحيل مشروع الموازنة قبل انتهاء المهل، أما الأمور الأخرى ‏فناقشوها على حِدة من الآن، وحتى نهاية السنة نناقش جنس الملائكة فيما ‏المطلوب إقرار الموازنة وأشرفنا على الانتهاء منها‎”.‎

باسيل
وقالت مصادر “التيار الوطني الحر” لـ”الجمهورية” انّ باسيل ظل خلال الجلسة ‏مُنكَبّاً على درس الموازنة، ولم يُعِر كلمة ابو فاعور اي انتباه، فيما اشار رئيس ‏الحكومة الى ضرورة عدم اثارة اي مواضيع خارج جدول الاعمال، ولم يعلّق أحد من ‏الوزراء على كلام ابو فاعور‎.‎
واشارت الى انّ باسيل استكمل مناقشة نقاط اساسية في الموازنة، ومناقشة ‏نقاط مرتبطة بها، وأكد موقفه السابق المشدّد على وجوب إقرار الموازنة مقرونة ‏بالاصلاحات. واكدت انّ كلام وزراء “القوات” اللبنانية جاء متجانساً مع مطالب ‏باسيل بالنسبة الى الموزانة‎.‎

الحريري
وعلمت “الجمهورية انّ الحريري استهلّ الجلسة سائلاً: “هل يريد احد الكلام قبل ‏ان نبدأ مناقشة الموازنة؟”، وذلك في خطوة بَدت انها متّفَق عليها مسبقاً‎.
فطلب ابو فاعور الكلام وبلهجة قاسية، انتقل من الكلام عن حماية الحريات الى ‏الاستدعاءات التي يقوم بها جهاز امن الدولة، واستخدم عبارات في وصفه عالية ‏السقف، ثم تطرّق الى مواقف باسيل وسمّاه بالاسم متوجّهاً إليه بالقول: “اللي ‏بَدّو يجرفنا لم يقرأ التاريخ، وإذا كان لا يعرف التاريخ نَنصح ان يقرأوه له. نحن مَن ‏يَجرف، ومنذ وجدنا معاركنا كلها رابحة”. ووصف ابو فاعور خطاب باسيل ‏بـ”الصهيوني” وتوجّه اليه سائلاً: “انت قلت انّ هناك من يتآمَر على البلد وعلى ‏الاقتصاد، واذا كانت لديك الجرأة أعطي الاسماء الآن أمام مجلس الوزراء‎”.‎
فلم يجب باسيل، وتلهّى بأمور جانبية وهو يحتسي “الشاي”. عندها، خرج ابو ‏فاعور، ثم عاد غاضباً جداً وبَدا مستاء جداً. وقال: “انا لم أسمع الجواب”. وتوجّه ‏الى رئيس الحكومة قائلاً: “انت يا دولة الرئيس مسؤول عن جهاز أمن الدولة، ‏ويجب ان تستدعي قائد الجهاز وتستجوبه في ما يحصل. ونطلب منك ان تسأل ‏الآن مَن قصد جبران باسيل بالذين يتآمرون على الدولة؟ وإلّا فهم يفترون ويجب ان ‏نوضِح هذا الامر الآن‎”.‎
وسانَد الوزير اكرم شهيّب ابو فاعو،ر قائلاً: “النبع بينبع من رأس الجبل وبينزل ‏نزول، والجبال هي التي تجرف والسيول تسير من فوق الى تحت، في إشارة الى ‏موقع الجبل‎”.‎
وغادر شهيّب وابو فاعور للمشاركة في تظاهرة منظّمة “الشباب التقدمي” الى ‏ساحة الشهداء‎.‎

أجواء إيجابية
وإذ استهلّ النقاش في الموازنة وكانت الاجواء ايجابية، تحوّل فجأة نقاشاً عقيماً. ‏ولكن تبيّن من طريقة تغيير مسار النقاش، انّ المطلوب هو عدم الوصول الى إخراج ‏الموازنة، بحسب مصادر وزارية كشفت أنّ الحريري وباسيل طلبا تضمينها الاجراءات ‏الضريبية الثلاثة‎ tva ‎والبنزين والدخان، فرفض وزراء حركة “أمل” و”حزب الله” ‏و”القوات” هذا الامر. لكنّ باسيل اقترح فجأة السلّة الكاملة، فردّ الحريري انه يريد ‏إنهاء الموازنة، وقال: “هناك إجراءات صعبة علينا جميعاً تحمّلها، هناك إصلاحات ‏اتفقنا عليها يمكن تضمينها في مشروع الموازنة، والأمور الأخرى نناقشها بعد ‏إحالة الموازنة الى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية‎”.‎
وإذ رفض وزراء “حزب الله” المَسّ بتقديمات الموظفين في القطاع العام، طلب ‏‏”التيار الوطني الحر” العودة الى النقاش في مشروع الموازنة “بالقُلب”. فتوتّر ‏الجو واستاء وزير المال، فما كان من رئيس الحكومة إلّا أن رفع الجلسة من دون ‏تحديد أي موعد آخر. ولكن لاحقاً، حددت الدوائر هذا الموعد اليوم‎.‎

عبدالله
وفي المواقف، أكّد عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبدالله أنّ أساس ‏‏”تحرّكنا في الأمس كان لدعم الحريات، مقابل سياسة سجن وملاحقة المدوّنين ‏الذين يعبّرون عن رأيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فيُجابَهون بإجراءات ‏تعسفية وصلت الى حد اعتقالهم، وتحميلهم والاعلام مسؤولية الأزمة الإقتصادية. ‏أضِف الى ذلك خطاب الوزير باسيل الذي ذهب بعيداً في خياراته السياسية، وعاوَد ‏استحضار تعابير تُشَنِّج الشارع‎”.‎

وقال عبدالله لـ”الجمهورية”: “المسألة ليست مسألة فعل وردّة فعل، هناك ‏مؤشرات واضحة الى رغبة هذا الفريق بالانقضاض على النظام، فما الذي يقصده ‏بقلب الطاولة؟ هل يريد قلب الطاولة على الحكومة ورئيسها؟ فليقلها بصراحة: لم ‏نعد نريد سعد الحريري، لم نعد نريد إتفاق الطائف، ونريد الالتحاق بمحور ‏الممانعة‎”.‎
وأضاف: “هناك ما يعرف المصلحة الوطنية العليا، لم يعد مسموحاً أن يستأثروا بها، ‏كما حصل في جامعة الدول العربية، حيث عكسَ باسيل موقفه الخاص وليس ‏موقف الدولة الرسمي، وهذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها باسيل مواقف ‏مماثلة، وقد تأخّر مجلس الوزراء في وضع يده على الموضوع، كان يجب مساءلته ‏سابقاً لكي لا يصل به التمادي الى هذا الحدّ”. وختم: “السكوت لم يعد جائزاً بعد ‏اليوم‎”.‎

الحجّار
واستغرب عضو كتلة “المستقبل” النائب محمّد الحجّار “المواقف التحريضة التي ‏تصدر من الأطراف السياسية، ولا تخدم المواطن ولا تخرجه من أزمته الإقتصادية”. ‏وقال لـ”الجمهورية”: “هذه المرحلة إقتصادية بامتياز، والمطلوب البحث عن حلول ‏لأزماتنا، فالبلد سينهار وأيّ سجال مهما كانت طبيعته لن يخدم الحلّ، لأنّ التصعيد ‏سيقابله التصعيد والسقف العالي سيقابله السقف العالي، والنتيجة ستكون ‏تضييع البلد في خضَمّ السجالات‎”.‎

وعن موضوع عودة سوريا الى جامعة الدول العربية، لفت الى أنّ المكتب الاعلامي ‏للحريري أوضح موقف لبنان الرسمي من هذا الموضوع، وكذلك حَدّد بيان القاهرة ‏الخطوات الضرورية لكي تتمكن سوريا من العودة الى الجامعة‎.‎

وعن موضوع زيارة باسيل لسوريا قال الحجار: “لن يكون هناك موقف رسمي ‏للحكومة اللبنانية من هذه الزيارة أو أيّ زيارة يقوم بها أيّ وزير آخر في هذا ‏التوقيت، فهذه الزيارة تتعلّق به وحده”. وقال: “اذا حقّق باسيل من زيارته الهدف ‏الذي قال انه ذاهب لأجله، وهو إعادة النازحين، فنحن أكثر من يتمنّى ذلك اليوم ‏قبل الغدّ، أمّا اذا كان الهدف عودة النظام السوري الى لبنان، فهذا موضوع آخر‎”.‎

أزمة وراء أزمة
إقتصادياً، ما ان تَخبو أزمة حتى تطلّ أخرى، وكأنّ البلد قد دخل في مدار الأزمات ‏والمطبّات المتتالية. ويبدو جليّاً انّ ما يشهده اليوم من أزمات طحين ودواء ‏ومحروقات، هي مجرد إفرازات للأزمة الكبرى المتمثّلة في الكارثة المالية ‏والاقتصادية التي تقترب أكثر فأكثر‎.‎

وفيما نجح رئيس الحكومة سعد الحريري في تجميد أزمة الرغيف في الأفران لمدة ‏‏48 ساعة، برزت أمس أزمة صحية على مستوى عمل المستشفيات، إذ أعلنت ‏الشركات المستوردة للاجهزة والمستلزمات الطبية انها قد تضطرّ لوقف الاستيراد، ‏بسبب عدم قدرتها على تأمين الدولار من المصارف ممّا سيؤدي الى تَخلّفها عن ‏دفع مستحقاتها للشركات العالمية المصنّعة في الخارج، ما يؤدي إلى توقفها عن ‏تسليمنا البضائع المطلوبة لتأمين احتياجات المستشفيات والمرضى، وعلى ‏سبيل المثال لا الحصر: طاولات العمليات، أجهزة التنفس الاصطناعي، الادوات ‏والخيوط الجراحية، الإبَر وأجهزة المختبر، الأشعة وأجهزة علاج السرطان، ماكينات ‏التعقيم، راسور وبطارية القلب والصمام، ماكينات غسيل الكلى، مسامير جراحة ‏العظام والمفاصل وكثير غيرها، بالاضافة الى كامل مستهلكاتها وقطع الغيار، علماً ‏انّ لبنان يستورد 100 في المئة من هذه البضائع، ولا يوجد أي بديل محلي‎”.‎

وفي السياق، حذّر نقيب اصحاب المستشفيات سليمان هارون من وضع دقيق ‏تواجهه المستشفيات، بسبب عجزها عن دفع مستحقات مورّدي الادوية ‏والمستلزمات الطبية. وقد يؤدي الأمر الى توقّف الشركات عن تسليم هذه المواد ‏الحيوية الى المستشفيات‎.‎
وقال هارون لـ”الجمهورية”: “انّ الأزمة في القطاع الصحي أصعب بكثير من أزمة ‏المحروقات وأزمة الطحين والخبز وأكثر تعقيداً، لأننا نتحدث عن متأخرات مستحقات ‏المستشفيات، والتي تجاوزت 2000 مليار ليرة، وهي الى ازدياد لأنّ وتيرة الدفع ‏بطيئة جداً وهي أقل بكثير من وتيرة الفَوترة‎”.‎

وأضاف: “تبلّغتُ من مستوردي الاجهزة الطبية توجّههم للتوَقّف التحذيري ليوم ‏واحد عن تسليم المعدات والاجهزة الطبية، على ان يتخذوا خطوات تصعيدية تباعاً. ‏وقد أبلغتهم ان ليس في مقدورنا الدفع، اذا لم تدفع لنا الدولة المستحقات ‏المتوجبة عليها‎”.‎

وكانت أزمة الرغيف قد جُمّدت بعد استقبال رئيس الحكومة وفد اتحاد نقابات ‏المخابز والأفران، الذي أعلن تعليق الاضراب. وقال رئيس الاتحاد كاظم إبراهيم بعد ‏اللقاء، ان الحريري “وَعدهم خيراً”، طالباً “48 ساعة لحلّ الموضوع على ‏مسؤوليته‎”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *