الرئيسية / أخبار مميزة / الشرق الأوسط: الطائف” أمام محاولات تعديله بالممارسة
الشرق الاوسط

الشرق الأوسط: الطائف” أمام محاولات تعديله بالممارسة

كتبت صحيفة “الشرق الأوسط ” تقول : يشكو معظم أهل السياسة في لبنان من استمرار الخروق التي تعيق تطبيق اتفاق “الطائف”، وتدفع في اتجاه تعديله ‏بالممارسة لا في النصوص، على رغم أن جميع الأطراف يتبارون في الدفاع عنه والتمسك به، ويرون أن تطويره ‏لتنقيته من الشوائب، يجب أن يحظى بالإجماع بدلاً من أن يتيح لفريق الغلبة على الآخر‎.‎

لكن الحرص الذي يبديه جميع الأطراف في دفاعهم عن “الطائف”، والتمسك به لا يصرف في مكان في ظل اتباع ‏البعض الازدواجية في الخطاب السياسي التي من شأنها أن ترفع من منسوب المخاوف على مصيره، وتفتح الباب ‏أمام وجود نيات مبيّتة لتعليق التقيُّد به، وصولاً إلى إحالة هذا الاتفاق الذي أنهى الحرب في لبنان ومهّد للتوافق على ‏تسوية سياسية بدعم عربي ودولي، على “التقاعد‎”.‎

ولا يمكن من خلال قراءة أولية للاشتباك السياسي الذي مر فيه البلد بعد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل ‏حكومة “العهد الأولى”، كما يريدها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتياره السياسي المتمثل بـ”التيار ‏الوطني الحر”، تجاهل الهفوات الدستورية التي رافقت عملية التأليف التي كان يراد منها إيجاد منظومة جديدة ‏يتعامل معها البعض على أنها الناظم السياسي الوحيد للعلاقات بين المؤسسات الدستورية ومن خلالها الأطراف ‏التي تتشكل منها المكونات الأساسية في البلد، بديلاً عن “الطائف‎”.‎

إلا أن صمت الرئيس الحريري حيال الخروق التي تستهدف “الطائف” لا يعني أبداً أنه في وارد التكيُّف مع ‏المحاولات الهادفة إلى تعديله؛ لما يترتب عليه من إقحام لبنان في فوضى سياسية، بمقدار ما أنه اعتمد سياسة ‏الصبر لعل البعض يبادر إلى الكف عن مغامراته للعب بالنسيج الوطني للبلد‎.‎

كما أن صمته على الأقل لجهة تفضيله عدم الانجرار إلى سجال عقيم يمكن أن يزيد من التأزّم السياسي في البلد ‏الذي أخذ يقترب من الانهيار، لا يعني في المطلق أنه لم يقارب هذه المشكلة في لقاءاته الثنائية مع الرئيس عون، ‏مبدياً امتعاضه من غلو البعض في الترويج لهفواته الدستورية‎.‎

لذلك؛ فإن التداعيات السياسية التي ترتبت على الجلسة الأولى للحكومة برئاسة رئيس الجمهورية ما زالت تتفاعل ‏على خلفية ما صدر من مواقف عن الأخير في رده على المداخلات التي أدلى بها بعض الوزراء حول ربط إعادة ‏النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم بتطبيع العلاقة بين لبنان وسوريا‎.‎

ناهيك عن أن الرئيس القوي من منظور أطراف سياسية فاعلة في البلد هو الرئيس الجامع للبنانيين، والقادر على ‏التوفيق فيما بينهم، وبالتالي فإن الجنوح إلى الاستقواء لا يخدم التوجّه العام للحفاظ على الاستقرار للمضي في ‏التحضير لإفادة البلد من مؤتمر “سيدر”؛ لمساعدته على النهوض الاقتصادي، وإعادة انتظام المالية العامة بما ‏يضمن في آن واحد خفض العجز، وأيضاً خدمة الدين العام‎.‎

ولعل مبادرة رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام إلى إصدار أكثر من موقف، ‏وأحياناً في حضور الرئيس الحريري قبل ولادة الحكومة تأتي في سياق التحذير من المس بصلاحيات رئيس ‏الحكومة، وصولاً إلى تعديل “الطائف” بالممارسة، وليس في النصوص لوجود صعوبة في الاحتكام إلى المجلس ‏النيابي في هذا الخصوص‎.‎

والرؤساء الثلاثة لم يكن هدفهم – كما اتهمهم البعض – تطبيق عملية تأليف الحكومة، وإنما أحسوا بوجود خطر ‏حقيقي يتهدد “الطائف” اضطرهم إلى دق ناقوس الخطر للحفاظ على شبكة الأمان السياسية التي أوجدها هذا ‏الاتفاق وكان وراء تحقيق الشراكة في السلطة من جهة وفي تهيئة الأجواء للقبول بالرأي الآخر‎.‎

وعليه، فإن العودة لإعادة الاعتبار إلى “الطائف” تبدأ، كما تقول مصادر نيابية ووزارية، باعتماد مقر خاص ‏لمجلس الوزراء يرأس الجلسات رئيس الحكومة، وفي حال حضور رئيس الجمهورية فإنه يرأس جلساته، ‏خصوصاً أن هناك ضرورة إلى سماع الرأي والرأي الآخر للوزراء‎.‎

وتسأل المصادر هذه: “ما المانع من أن يرأس رئيس الحكومة جلسات مجلس الوزراء، وأن يرأسها رئيس ‏الجمهورية في حال حضوره، شرط أن يصار إلى تحديد مقر خاص لمجلس الوزراء؟”. وتؤكد المصادر نفسها، ‏أن هناك ضرورة إلى تعزيز عامل الثقة بين الرئيسين على قاعدة مراعاة الحريري الذي لم يتردد في تقديم ‏التضحية تلو الأخرى من كيسه الخاص بدءاً بتسهيل انتخاب الرئيس، ومروراً بقانون الانتخاب وانتهاءً بتشكيل ‏الحكومة، علماً بأن بعض تضحياته لم تلق ارتياحاً لدى البعض في جمهور تيار “المستقبل‎”.‎

أما القول إن تضحياته كانت وراء إسناد رئاسة الحكومة إليه، فإن هذا لا يعكس ميزان القوى الحقيقي باعتبار أنه ‏الأكثر تمثيلاً في طائفته من ناحية، ويشكل حاجة دولية وعربية؛ لما يتمتع به من ثقة ولديه القدرة على توظيف كل ‏هذا للانتقال بالبلد من التأزم إلى الانفراج ولو على دفعات، شرط أن يلاقيه هذا الطرف أو ذاك في منتصف الطريق ‏بدلاً من اللجوء إلى المزايدات “الشعبوية‎”.‎

وعليه، لا بد من إعادة الاعتبار إلى “الطائف” ليكون الناظم الوحيد لتأمين الاستقرار السياسي بدلاً من أن يصرّ ‏البعض على “مكافأة” الحريري من كيسه، وهذا ما يرفضه الأخير من منطلق أن صمته لن يبقى إلى الأبد، ‏وسيأتي الوقت الذي يضطر فيه إلى أن يبقّ البحص لوضع النقاط على الحروف، انطلاقاً من أن التسوية تقوم على ‏التزام المعنيين بها، ولا تقتصر التضحيات على فريق دون الآخر‎.‎

وفي الختام، تستحضر المصادر بعض “الهفوات” الدستورية التي كادت تهدد “الطائف” لو لم يتم تطويق مفاعيلها ‏السلبية التي ترتد على إعادة إنتاج السلطة في لبنان‎.‎
ومن هذه “الهفوات” لجوء البعض إلى التهويل على الحريري من خلال الصعوبات التي واجهها في مرحلة ‏المشاورات لتشكيل الحكومة، تارة بتلويحه بسحب تكليفه تشكيل الحكومة، وأخرى بوضع تقاليد وأعراف لا صلة ‏لها بـ”الطائف”، إضافة إلى الالتفاف على صلاحيات رئيس الحكومة، وأبرزها أنه الناطق الوحيد باسمها وعدم ‏تفرّد الوزراء باتخاذ مواقف تحرج الحكومة، وتشكّل خروجاً على سياسة النأي بالنفس التي تلتزم بها، إضافة إلى ‏أن الحكومة مجتمعة هي التي تتولى رسم السياسة العامة للبنان، ومن غير الجائز أن ينتدب هذا أو ذاك نفسه لاتخاذ ‏مواقف تتعارض مع الخط البياني العام لمجلس الوزراء‎.‎

لذلك؛ تعتقد المصادر أنه آن الأوان لضبط الإيقاع العام للحكومة لمنع بعض من فيها من الانزلاق في متاهات تؤثر ‏سلباً على خريطة الطريق التي وضعها الحريري لنفسه لاستعادة الثقة العربية والدولية بلبنان، مع تأكيدها أن هناك ‏فرصة أمام لبنان باستثمار تحييده عن الصراعات في المنطقة والالتفات إلى معالجة مشكلاته مشروطة بتوفير ‏الحماية للتسوية الداخلية؛ لأن ليس هناك من يتحمل أن يدفع ثمن الفاتورة السياسية في حال العودة بالبلد إلى ‏الوراء‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *