الرئيسية / أخبار مميزة / المستقبل :” نورما” ومستنقع التعطيل: البنى التحتية تغرق
ثلوج عاصفة

المستقبل :” نورما” ومستنقع التعطيل: البنى التحتية تغرق

كتبت صحيفة “المستقبل ” تقول : الحدث مناخي بامتياز هذا الأسبوع: “العاصفة نورما”. الثلوج لا تزال تنهمر بكثافة، الأمطار ما زالت تهطل ‏بغزارة، والاحتباس الحراري الذي أخذ يُشّوه قسمة الفصول المتوسطية الأربعة شيئاً بعد شيء، لا يبدو على قاب ‏قوسين من حمل شتائنا على الانكفاء. بقي أنّ البنى التحتية في المدن والأرياف اللبنانية تظهر جميع علاتها ‏وعناصر وهنها في كل مرة تعصف فيه الرياح أو تهطل فيه الأمطار، فكيف إذا كانت العاصفة معتبرة، سخيّة بما ‏تحمله، وبما يذهب بمعظمه هدراً بنتيجة تواضع السدود وأشكال الاستفادة المختلفة من متساقطات الشتاء‎.‎
لا يعني هذا ان البلد ما زال على حاله عمرانياً في ربع القرن الأخير، او أن كل ما بني فيه من طرقات وجسور ‏يمكن اختزاله في قراءة محض سلبية. بيد ان كل تفاقم مناخي يتحول في كل مرة الى اختبار عسير للبنى التحتية، ‏مثلما ان الاختلاف بين المدن اللبنانية الكبرى وبين الأرياف، يظهر بشكل أشد عندما يشتد الشتاء‎.‎
‎ ‎
بالمطلق، ثمة دائماً حدود لا يمكن ان يتجاوزها اي بلد لم يُنجز “الثورة الصناعية” المتوافقة مع سياقه وامكاناته، ‏لجهة تحديث بناه التحتية، ان على صعيد مصادر الطاقة او على صعيد الشبكة الطرقية. هذا الاعتبار الاساسي لا ‏يمكن اغفاله في كل مرة يجري فيه التطرق الى مشكلات البنى التحتية، وما يتنكبه الناس عند كل عاصفة من ‏مشقات‎.‎
‎ ‎
مع هذا، ليس هناك عواصف في اي بلد من العالم تمرّ أساساً من دون ان تُعرّض البنى التحتية للاختبار، ومن دون ‏ان تكشف مشكلات تعتور هذه البنى، وحاجة صيانتها وتحسينها هنا أو هناك، فكيف الحال اذا كنا في بلد ‏‏”متواضع التصنيع”، ويتسم بتكثف سكاني لاكثرية سكانه في بيروت الكبرى، وهجران قسم واسع من المناطق ‏في الشتاء واختزال زمان هذه المناطق في “الاصطياف” وحده. فالمشكلة مرتبطة بهذا النمط من التكثف السكاني ‏المتفاوت للغاية بين الساحل وبين الداخل‎.‎
‎ ‎
ما يعانيه الناس جراء هذا النوع من العواصف يحرمنا الى حد كبير من التفاعل الايجابي مع هذه الظاهرة المناخية ‏التي لا يمكن ان تكون بحد ذاتها سوى جيدة ومطلوبة، وفي وقتها تماماً. والمعاناة تبلغ أشدها في مخيمات اللاجئين ‏السوريين البقاعية، وتزيد في الريف والمناطق الجبلية عنها في المدن‎.‎
‎ ‎
تلهينا “العاصفة نورما” نوعاً ما، ولأيام، عن يوميات السياسة التي لم يعد لها على ما يبدو، فعلاً، يوميات، في بلد ‏رازح تحت العرقلة والتعطيل، من دون حكومة جديدة منذ ايار الماضي، وقد أبعد أكثر فأكثر عن المسار ‏الدستوري الذي على اساسه تتشكل حكومات، وتمثل امام البرلمانات، وتعمل وتحاسب‎.‎
‎ ‎
والعاصفة الحالية مثل سواها من الاحوال، تبرز المسافة المتعاظمة بين استمرار شكوى الناس “اين الدولة؟” وبين ‏استمرارنا في “حالة تصريف الاعمال” حكومية وغير حكومية. نحن امام تركيبة كاملة، أوسع من السياسة ‏بمعناها الضيق، لكنها قائمة على “تصريف الاعمال” ليس أكثر‎.‎
‎ ‎
الحدث المناخي يذكّرنا رغم كل ذلك بأن بلدنا جميل، وجميل أكثر عندما تكتسي معظم مناطقه بالثلوج، وأنّه كما ‏تذهب معظم المياه فيه هدراً، جراء غياب السدود، كذلك الاستثمار في مزاياه الطبيعية والمناخية يقتصر على ‏منسوب محدود‎.‎
‎ ‎
يمكن ان تُذكّرنا العاصفة بأشياء كثيرة، بالقدر نفسه الذي تحاول فيه ان تُنسينا ان كل هذه الاعتبارات، والتحديات، ‏والحاجات للتحديث، والتطوير، تبقى بلا قعر، بلا افق، في خاتمة الامر، طالما البلد يسجن نفسه بنفسه في وسط ‏دوامة، طالما انه يحاول عبثاً الفصل بين الاعتبارات السيادية الاساسية التي تبنى على اساسها الدول، وبين ‏القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. صحيح انه لا يمكن اختزال هذه في تلك، لكن لا يمكن الفصل بين هذين ‏المستويين جزافاً. العاصفة، بالبياض الذي بات يلف قممه ومرتفعاته وعدداً واسعاً من بلداته اليوم، وبتمدّد عطلة ‏نهاية السنة اياماً اضافية بطبيعة الحال، هي ايضاً، استراحة لنا، من التفكير في تلك المعضلات المستعصية‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *