كتبت الدكتورة فيولا مخزوم مقالا تحت عنوان “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في التحرير الصحفي العربي”، تناولت فيه نتائج استخدام الذكاء الاصطناعي في التحرير الصحفي ومدى الاتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية للصحافة، وكيفية مواجهة المخاطر المرتبطة باستخدامها، وجاء في المقال:
مع الانتشار الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي في جميع مجالات الحياة، لم تعد غرف الأخبار العربية استثناءً. فقد أصبح الاعتماد على هذه التقنيات في التحرير الصحفي جزءًا من الروتين اليومي، من التلخيص التلقائي للمقالات الطويلة إلى الترجمة الفورية والتحقق من المحتوى الرقمي، ما يمنح الصحفيين إمكانية الوصول السريع إلى المعلومات ومعالجتها بطرق لم تكن متاحة من قبل. ومع ذلك، يثير هذا التحول تساؤلات جوهرية حول مدى التزام هذه الأدوات بالمعايير المهنية والأخلاقية للصحافة، وكيفية مواجهة المخاطر المرتبطة باستخدامها.
تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي فرصًا كبيرة يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في الصحافة العربية. فمن خلال التلخيص التلقائي، يمكن للصحفيين تقديم نسخة مركزة من المقالات الطويلة للقراء، ما يوفر عليهم الوقت ويسمح لهم بالاطلاع على جوهر الأخبار بشكل سريع، خصوصًا خلال تغطية الأحداث العاجلة أو الأزمات السياسية. أما الترجمة الفورية، فهي تمكن الصحفي من الوصول إلى المصادر الأجنبية وفهمها بسرعة، كما تتيح توسيع الجمهور المستهدف دون الحاجة إلى مترجم بشري، وهو ما يعزز الانتشار الرقمي للمحتوى العربي. كذلك، تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في التحقق من المعلومات، مثل الصور والفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يقلل من فرص التضليل ويعزز مصداقية الأخبار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة بسرعة، ما يتيح للصحفي معرفة الاتجاهات العامة لدى الجمهور وتحديد الموضوعات الأكثر تأثيرًا.
على الرغم من هذه الفوائد، فإن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الصحافة لا يخلو من مخاطر جدية. فالبرمجيات القائمة على الذكاء الاصطناعي قد تعكس تحيزات موجودة مسبقًا في قواعد البيانات التي تم تدريبها عليها، ما يؤدي أحيانًا إلى نشر معلومات منحازة أو غير دقيقة. كما أن الاعتماد الكلي على هذه الأدوات قد يقلل من دور الصحفي في التحقق النهائي من المعلومات، ما يضع مصداقية الأخبار على المحك. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي الترجمة الآلية إلى فقدان المعنى الدقيق للخبر، خصوصًا عند التعامل مع التعابير الثقافية واللغوية العربية المعقدة. وفي سياق آخر، تشكل أدوات الذكاء الاصطناعي التي تجمع البيانات لتحليل سلوك الجمهور خطرًا على خصوصية القراء والمصادر، ما يرفع من الحاجة إلى وضع ضوابط صارمة لضمان حماية هذه البيانات.
لمواجهة هذه التحديات، يجب على المؤسسات الإعلامية العربية اعتماد مجموعة من الضوابط الأخلاقية. على سبيل المثال، يبقى التحقق البشري النهائي ضرورة لا غنى عنها حتى عند استخدام الأدوات الذكية، لضمان الدقة والمصداقية. ويجب أن تكون هناك شفافية واضحة بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في التحرير، مع توضيح قيود هذه الأدوات للجمهور. كما ينبغي مراعاة السياق الثقافي واللغوي للمواد المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وضمان عدم المساس بالدقة اللغوية أو المعنى الأصلي للخبر. إلى جانب ذلك، يمثل تدريب الصحفيين على الاستخدام الأخلاقي والمسؤول لهذه الأدوات جزءًا أساسيًا من استراتيجية أي مؤسسة إعلامية ترغب في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون الإضرار بالمصداقية.
في الختام، يشكل الذكاء الاصطناعي فرصة كبيرة للصحافة العربية لتسريع إنتاج الأخبار، توسيع نطاق الوصول، وتحليل البيانات بفاعلية أكبر. غير أن النجاح الحقيقي يكمن في تحقيق التوازن بين الابتكار والالتزام بالقيم الأخلاقية والمهنية. فالصحفي العربي اليوم ليس مجرد ناقل للمعلومة، بل حارس للقيم الصحفية، وموضع ثقة الجمهور، وضامن لدقة المحتوى في عصر تتداخل فيه التكنولوجيا والإنسانية، لتظل الصحافة العربية مرجعًا موثوقًا ونافذًا في خدمة الحقيقة وحق المجتمع في المعرفة.
وزارة الإعلام اللبنانية