الرئيسية / نشاطات / ثمانية وثلاثون عاماً على تغييب الإمام السيد موسى الصدر … الوطن والمواطنية في فكر الامام الصدر
maxresdefault1

ثمانية وثلاثون عاماً على تغييب الإمام السيد موسى الصدر … الوطن والمواطنية في فكر الامام الصدر

محمد نصرالله: الوطن هو الأساس ولا حياة لهذا الوطن بدون الإحساس بالمواطنية والمشاركة

ثمانية وثلاثون عاماً، تمر على تغييب الإمام السيد موسى الصدر، الظاهرة الفريدة التي يفتقدها اللبنانيون، القدوة في المواطنية والانسانية، حضن بعباءته المواطن والوطن، وكلل بعمامته حصون العزة والكرامة، فالمقاومة والانسان والكلمة الحرة والحوار والتنوع ..  كلها مداميك بناء الاوطان وحفظ وحدتها والانطلاق الى ربوع الكون والبشرية، ايماناً منه بأن المرء قدره أن يكون إنساناً كونياً.

نقف اليوم على أعتاب معرفة الحقيقة بعد مرور ثمانية وثلاثين سنة على تغييبه وأخويه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي الأستاذ عباس بدر الدين.

في هذه الذكرى، طرحت مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية في وزارة الإعلام موضوع المواطنية بمفهوم الامام الصدر على السيد محمد نصرالله رئيس الهيئة التنفيذية في حركة أمل، الذي عاصر الإمام ابان مرحلة وجوده في لبنان، وغرف من افكاره وتعاليمه الكثير، سائراً على نهجه، متابعاً لمسيرته، مؤمناً بان وطناً وجد فيه سماحة الامام السيد موسى الصدر لن يموت وسيبقى شامخاً شموخ الامام كما شموخ أرزه وشتلة تبغه.

وانطلاقاً من الواجب الصحفي والإعلامي والوطني، وهو الميدان الذي قال عنه الإمام في تأبين الصحافي كامل مروة:أن الصحافة من أهم ميادين الجهاد وأن الصحافة تنظم مجتمع الإنسان، وتنظم بيئة الإنسان، وهي خادمة للمجتمع والإنسان والفرد معاً وعلى هذا فإنها دعامة من دعامات تكريم الإنسان”. فكانت هذه المقاربة للسيد محمد نصر الله حول الوطن والمواطنية في فكر الإمام الصدر:

لقد آمن الإمام موسى الصدر بلبنان أرضاً وشعباً إيماناً كاملاً وسعى منذ اللحظة الأولى التي انطلق فيها بجهاده في لبنان من إظهار هذه الحقيقة وعبر عن ذلك في كل مناسبة.

فالأساس الذي انطلق منه الإمام هو حسم الجدل حول لبنان ككيان بقوله: “نريد أن يبقى لبنان وطناً لجميع أبنائه”، وبذلك نعى أية فكرة تدعو إلى تقسيم لبنان أو إلى تأجيج الصراعات الفئوية فيه أو حتى إلى تصنيف مواطنيه.

انطلاقاً مما تقدم فقد سعى الإمام إلى تعزيز الشعور بالمواطنية كأساس لبقاء الوطن وعبّر عن ذلك بقوله: ” لا حياة للوطن بدون الإحساس بالمواطنية والمشاركة”، إذن هي دعوة واضحة لنعيش كلبنانيين الشعور بالمواطنية التي اعتبر فقدانها يشكل خطراً على لبنان فقال: “إن عدم الشعور بالمواطنية هو الخطر الذي يفتح الباب على مصراعيه للاستعمار ولإسرائيل وحتى لمن هو أضعف من اسرائيل”، ومن هنا كان دأب الإمام السعي من أجل تعزيز الشعور بالمواطنية وذلك بالحركة الدائمة من أجل تحقيق التواصل بين اللبنانيين والانفتاح عليهم ومناقشة الهموم الوطنية على منابرهم على اختلاف عناوينها، فكان رجل الدين الأوحد الذي حطم أعرافاً شكلت حواجز بين مكونات المجتمع اللبناني خاصة والإنساني عامة، فدخل الأديرة والكنائس خاطباً فيها كما خطب في المساجد والحسينيات، والكلام كان واحداً في جميع المواقع، معيداً بذلك إلينا صورة استنصار الرسول (ص) بالنجاشي في لحظة من لحظات التاريخ لأن الهدف واحد بين دين النجاشي المسيحية ودين محمد (ص) الإسلام وهو الإنسان وكرامة الإنسان كما يعرف ويعّرف الإمام موسى الصدر.

والتفت الإمام موسى الصدر على حقيقة مفادها أن الشعور بالمواطنية كأساس لحفظ الأوطان لا بد أن يقترن بوحدة داخلية من جهة وبعدالة اجتماعية من جهة أخرى.

من جهة الوحدة الداخلية فقد رأى الإمام موسى الصدر أن هناك عدو يتربص بلبنان وابنائه وهو الطائفية التي اعتبرها الشر المستطير الذي يقوض كل بنيان، فدعا من موقعه الديني إلى نبذ الطائفية لأنها ليس برأيه من الإسلام في شيء ولا من المسيحية في شيء، وكان يرى أن تعدد الطوائف في لبنان نعمة أما الطائفية فهي نقمة، وأعلن صراحة “نحن نرفض التمييز الطائفي، نحن أبناء وطن واحد لا نقبل التمييز ولا نسكت”، هذا ورفض الإمام تصنيف المواطنين في لبنان سواء لاعتبارات طائفية أو لأي اعتبار آخر.

وكان الإمام يرى أن لبنان هو رسالة، كما اسماه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وأن العيش المشترك بين مكوناته لاسيما الدينية منها، ليس فقد مصدر غنى للبنان، بل أيضاً حاجة إنسانية شاملة رأى ذلك بقوله: “أن لبنان باحترامه للقيم الإنسانية والمذاهب والعقائد والثقافات وصيانته لها ضرورة إنسانية وحضارية”. لذلك رأى أن سقوط تجربة لبنان ستؤدي إلى ظلم الحضارة الإنسانية لعقود طويلة من الزمن.

وقد راعى الإمام هذه المبادئ بسلوكه، الذي شكل انتقاله بين الكنائس والمساجد شكلاً من أشكالها، كذلك رفضه للحرب اللبنانية التي اندلعت عامي 1975 و 1976، فكان الاطفائي الذي ينتقل جسدياً من موقع إلى آخر ليساهم في اطفاء الحرب، وواحد من الصور التي تعبر عن مضمون انتمائه وسلوكه الوطني كان تلك الحادثة التي دفعت عدداً من الشبان في منطقة بعبلك واثناء الحرب 1976 للدعوة للانتقام من المسيحيين بسبب ادعاء اعتدائهم على المسلمين في بيروت، وكان الإمام موسى الصدر معتصماً في مسجد العاملية ضد الحرب، فغادر اعتصامه وانتقل إلى بعلبك خطيباً في المساجد قائلاً: “أن كل طلقة تطلق على دير الأحمر أو القاع أو شليفا (قرى مسيحية) إنما تطلق على بيتي وعلى قلبي وعلى أولادي”، ثم راح يتنقل بين هذه القرى ويخطب ويقول: “يا أبناء دير الأحمر، إنني على استعداد للموت في سبيل المحرومين منكم وفي سبيل خدمة المحرومين من الموارنة”.

أما من جهة تعزيز المواطنية بخلق شعور لدى المواطن بأن الوطن الذي هو على استعداد ليفديه بدمه وبماله يسدد له هذه الاستعداد كرامة من خلال تحقيق العدالة الإجتماعية بين المواطنين ولتمكينه من تحصيل حاجاته للعيش بكرامة دون ذل فرسم معادلة جاء فيها: “سلامة الوطن من سلامة بنيه وصيانة الوطن من صيانة مواطنيه”، إذن هناك علاقة متوازنة في الحقوق والواجبات بين الوطن والمواطن تقوم على تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وعدم تصنيف المواطنين.

هذا، ورأى الإمام موسى الصدر أن حماية الوطن من الأخطار لاسيما الإسرائيلية منها تستدعى أيضاً تعزيز الشعور الوطني لدى المواطنين اللبنانيين، واعتبر أن التصدي لهذا العدو هو واجب وطني يقع على الدولة مباشرة وعلى جميع المواطنين من مختلف الشرائح الوطنية رافضاً مسؤولية جهة أو فئة أو طائفة عن هذا الأمر لذلك عمل على تأسيس المقاومة في لبنان بعنوان: أفواج المقاومة اللبنانية “أمل” مناشداً الجميع المساهمة فيها بقوله: “أناشد جميع اللبنانيين من كل منطقة وفي كل طائفة، أناشدهم جميعاً أن ينخرطوا في أفواج المقاومة اللبنانية“.

كخلاصة لما ذكرنا، فإن الوطن هو الأساس لدى الإمام موسى الصدر، وتعزيز الشعور بالمواطنية هو الطريق الوحيد لحفظ الوطن وحمايته من الأخطار سواء الخارجية منها التي تمثلت بالعدو الإسرائيلي وأطماعه الدائمة في لبنان، أو الأخطار الداخلية التي تؤدي إلى الانقسام الداخلي والذي يضعف من قدرة لبنان ومناعته أمام الأطماع الخارجية.

إننا نتمسك بهذا الخط والنهج والأسلوب وندعو جميع اللبنانيين إلى الإيمان الحقيقي والعملي بهذه المبادئ باعتبارها المعبر الإلزامي والطبيعي والإيماني الوحيد للوصول إلى لبنان الغد الذي نريده لبنان وطن العدل وتكافؤ الفرص الذي يتساوى فيه الجميع أمام القانون، لبنان لا طائفياً، لبنان دولة معاصرة كما رأى الإمام موسى الصدر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *