الرئيسية / صحف ومقالات / الديار: أكثر من 11 مليار دولار حجم تهريب البنزين خلال عشرة أعوام ‏والتداعيات كارثية الدولار تجاوز الـ 18 ألف ليرة.. وأكثر من 100 مليون دولار أميركي ‏أرباح التجار غاز لبنان على مشرحة المفاوضات الدولية.. والسلطة السياسية “تفرّط ‏به” على طبق من ذهب
الديار لوغو0

الديار: أكثر من 11 مليار دولار حجم تهريب البنزين خلال عشرة أعوام ‏والتداعيات كارثية الدولار تجاوز الـ 18 ألف ليرة.. وأكثر من 100 مليون دولار أميركي ‏أرباح التجار غاز لبنان على مشرحة المفاوضات الدولية.. والسلطة السياسية “تفرّط ‏به” على طبق من ذهب

كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : يستمرّ مُسلسل إنهيار الدولة والذلّ اليومي للمواطن على أبواب الصيدليات، والمُستشفيات، ومحطات ‏الوقود وغيرها من الخدمات العامة. والسلطة المنشغلة بتغذية خلافاتها على توزيع المصالح والسلطة، ‏ستصبح حتماً عاجزة عن القيام بأبسط الإجراءات التي تُخفّف من وطأة الأزمة على المواطن. كل هذه ‏المؤشرات، تُشير إلى أن النظام القائم يتجه إلى الزوال نزولا عند رغبة ثوار 17 تشرين والذين هُوجِموا ‏من قبل السلطة أنذاك على إستخدام شعار “الشعب يُريد إسقاط النظام”، فإذا بالقوى السياسية تقلب مطلب ‏الثوار وتُسقط الشعب حفاظأً على ما يمكن من سلطة النظام.‏

تشكيل حكومة جديدة “قادرة على القيام بإصلاحات وعزل لبنان عن الصراعات الإقليمية” كما طالب ‏الإتحاد الأوروبي، أصبح حلمًا لا يُمكن أن يتحقّق إلا بتغيير النظام الحالي، ولكن من سيغير هذا النظام؟ ‏وما هي هذه الآلية؟ ومن يمكن أن ينفذ هذه الآلية؟ والظاهر من تسلسل الأحداث أن المحفز لهذا التغيير ‏سيأتي من الباب الاقتصادي الذي يتردّى دراماتيكيًا كل يوم بفضل الضغوطات الخارجية، والعصابات ‏الداخلية واللامبالاة الحكومية، بدءًا من وزارة الاقتصاد المعني الأول في هذه الأحوال الاستثنائية مروراً ‏بكل ما من شأنه السهر على الحقوق المحمية في الدستور.‏

تهريب البنزين
أصبحت طوابير السيارات على محطات الوقود من المشاهد اليومية التي يواجهها اللبناني وكل ذلك بحجة ‏عدم فتح الإعتمادات من قبل مصرف لبنان. إلا أن هذا السبب الذي تُعطيه الجهات النفطية في وسائل ‏الإعلام هو أثر الحقيقة المرّة التي باتت مكشوفة للعامة ألا وهي تشريع “التهريب” السلطوي.‏

المعلومات المتوافرة على موقع الجمارك اللبنانية والتي تمتدّ من العام 2011 إلى العام 2020، تُشير إلى ‏أن كمية إستيراد البنزين (بفرضية أن التبويب صحيح) تراوحت بين 1,615,220 طن في العام 2011 ‏و2,102,817 طن في العام 2019. هذه الكمّية إنخفضت إلى 1,664,810 طن في العام 2020 نتيجة ‏الإقفال الناتج عن جائحة كورونا.‏

هذه الأرقام قد لا تعني شيئًا للقارئ العادي، إلا أن تحــويلها إلى صفائح بنزين وقسمتها بعدد السيارات ‏تُوصل إلى نتيـــجة صادمـــة وهي أن إستهلاك السيارة في لبنان من العام 2011 والعام 2019، فاقت ‏الثلاث صفائح بنزين في الأســبوع الواحد! هذا الأمر غير المنطقي يقترح أن كل الكميات المُستوردة لم ‏تكن للسوق اللبناني فقط بل كان التجّار يستفيدون من عمليات تهريب مُمنهجة.‏

وبإعتبار أن مُعدّل إستهلاك السيارة الأسبوعي يتراوح بين نصف وثلاثة أرباع الصفيحة في الأسبوع، فإن ‏حجم البنزين المُهرّب (الفائض) خلال عشر سنوات بين العام 2011 والعام 2020 يتراوح بين 10 و11 ‏مليار دولار أميركي وهي ممولة من الدولارات الموجودة في مصرف لبنان! بالطبع هذه الأرباح كانت ‏تذهب لجيوب التجار والمهرّبين وأصحاب النفوذ الذين غطّوا عمليات التهريب هذه.‏

وبالتالي وبالسؤال عن الودائع بالدولار الموجودة في المصارف، يُمكن الإستنتاج أن 10 مليار دولار ‏أميركي من هذه الودائع ذهبت إلى تمويل إستيراد بنزين الى أسواق غير الأسواق اللبنانية. هذا حال ‏البنزين، فكيف هو الحال إذا ما إحتسبنا المازوت، والسيارات، وغيرها من السلع والبضائع!‏

القرار الإستثنائي الذي أخذه رئيس الحكومة حسان دياب ينصّ على إقتراض مبلغ من الدولارات من ‏مصرف لبنان (عملا بالمادة 91 من قانون النقد والتسليف) وبالتحديد من أموال المودعين الموجودة في ‏الإحتياط الإلزامي لكي يتمّ تمويل إستيراد البنزين على الأشهر الثلاث المقبلة. هذه العملية تُسمّى “دعم” ‏بحكم أنها آتية من الخزينة العامة في حين أن ما كان يحصل سابقًا هو عبارة عن عمليات بين المصرف ‏المركزي والمصارف لحساب الشركات التي تستورد البنزين.‏

إذا الدولة إقترضت المال من أموال المودعين وتتوقّع أن تُعيد هذه الأموال من عائدات الموسم السياحي ‏الذي قدّرته ما بين 1 و2 مليار دولار أميركي وهو، بحسب الحكومة، كافٍ لتغطية كلفة الإستيراد التي ‏قدّرناها بحدود الـ 600 مليون دولار أميركي على الأشهر الثلاث المقبلة. بالطبع إحتساب الدولار على الـ ‏‏3900 ليرة لبنانية بدل السعر الرسمي – أي 1515 ليرة لبنانية – تُخفّض الكلفة على الليرة اللبنانية من ‏ناحية أنها ستسمح بتفادي طبع 1.3 تريليون ليرة لبنانية وهو ما يدّعم الليرة اللبنانية التي تنهار يومًا بعد ‏يوم أمام جشع التجّار والحسابات السياسية.‏

هذا النموذج من التهريب كان يعمل بشكلٍ جيد قبل العام 2019، أي العام الذي فرضت فيه الولايات ‏المُتحدة الأميركية ومعها العديد من الدول الأخرى تضييقًا شديدًا على قدوم الدولار إلى لبنان، لكنه لم يعد ‏يستطيع الإستمرار اليوم نظرًا إلى أن إحتياطي مصرف لبنان أستنزف بالكامل.‏

في ظل هذا المشهد المؤسف، إصطفت طوابير السيارات أمام محطات المحروقات للتزود بالبنزين قبل ‏إرتفاع سعر الصفيحة إبتداءً من اليوم الإثنين. هذه الطوابير الضخمة هي إثبات إضافي للذل الذي أصبح ‏يواكب اللبناني في حياته اليومية.‏

الدولار والتجار
عملية رفع سعر صفيحة البنزين يعني رفع أسعار كل السلع والخدمات. هذا أقلّه ما يتوقعه التجار الذين ‏بدأوا بإقفال محالهم التجارية بإنتظار التسعيرة الجديدة لصفيحة البنزين وهذا ما سيسمح لهم بتحقيق أرباح ‏عن غير وجه حق (عملا بالمرسوم الإشتراعي 73/83) قدّرناها بأكثر من 100 مليون دولار أميركي ‏نظرًا إلى حجم السوق ووجود سلع لدى التجار تمّ شراؤها أصلا على أسعار دولار أدنى. ولكي يتمّ تعظيم ‏هذه الأرباح غير القانونية، تعمد العصابات من خلال التطبيقات إلى رفع سعر صرف الدولار في السوق ‏السوداء خلال عطلة نهاية الأسبوع لكي تزيد الأرباح.‏

وككل الإستراتيجيات المُستخدمة لضخّ الفوضى في بعض الدول، تلعب السياسة دورًا محوريًا في رفع ‏سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء من خلال أدواتها التي تتواجد بين ‏الصرافين والتجّار الوهميين وغيرهم.‏

بالطبع لا يُمكن تبرئة بعض المصرفيين من جريمة شراء الدولارات في السوق السوداء لإعطائها ‏للمودعين عملا بدقائق التعميم 158. وهنا نُشدّد على عبارة “مصرفيين” نظرًا إلى أن قرار تدخل ‏مصرف في السوق السوداء لا يُمكن أن يكون على صعيد الإدارة والذي يؤدّي إلى شطب المصرف عن ‏لائحة المصرف.‏

وفي خِضمّ كل هذه الفوضى، يبرز إلى العلن طلب على الدولار الأميركي من قبل المواطنين الذين ‏يخشون على أموالهم بالليرة اللبنانية، لذا نرى أن العديد من المواطنين قاموا بتحويل كميات من الليرة إلى ‏الدولار في الأيام الماضية.‏
كل هذا يدفع إلى ترجيح إستمرار ارتفاع سعر صرف الدولار خصوصًا أن السلطة التنفيذية ما زالت ‏مصرّة على عدم الرقابة وملاحقة المُخالفين.‏

الإحتجاجات الشعبية
العديد من المناطق اللبنانية شهدت قطعاً للطرقات إحتجاجًا على الأوضاع المعيشية والذلّ الذي يتعرّض ‏له المواطن. وبغض النظرعن حجم هذه الإحتجاجات، إلا أن الأكيد أن الرقابة التي يقوم بها فريقا حماية ‏المُستهلك وأمن الدولة على محطات الوقود، لن تستطيع وقف جشع التجار وإحتكارهم الملعون أخلاقيًا ‏ودينيًا وقانونيًا.‏

للأسف السلطة التنفيذية التي من المفروض أنها مكوّنة من النخبة لحماية مصالح المواطنين وتحسين ‏حياتهم، فشلت في مهمتها وستواجه غضب الناس خصوصًا عندما يتمّ رفع الدعم بالكامل عن سعر صفيحة ‏البنزين. حينها لن يكون بمقدور المواطن الذهاب إلى عمله لأن كلفة التنقل من وإلى العمل ستكون أكثر ‏من أجره الشهري. عندها سيكون المشهد اللبناني مُختلفاً عما نعرفه مع ظهور العصابات المُسلّحة والأمن ‏الذاتي. ويبقى السؤال: هل يفرض الجيش عندها حالة الطوارئ؟

بالطبع الجيش، المؤسسة الوحيدة الصامدة في وجه العاصفة حتى الساعة، بدأت تتأثر بالوضع الاقتصادي ‏والمالي والنقدي. وبالتالي وفي غياب ترجمة فعلية لمؤتمر الدعم الدولي الذي نظمته فرنسا منذ أسبوعين، ‏ستكون السيطرة على الفوضى على الأرض أصعب. ويأتي وجود النازحين السوريين في لبنان ليُعقّد ‏الأمور أكثر خصوصًا إذا ما إنخرط هؤلاء في عمليات شغب على الأرض.‏

الغاز على المشرحة
عدم القدرة على تشكيل الحكومة هو ترجمة للتخبّط السياسي بين القوى السياسية والذي شهدنا أخر فصوله ‏حربًا بالمدفعية الثقيلة على مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الأخيرين مع إتهامات متبادلة بالفساد ‏والسرقة دون أن يُحرّك القضاء ساكنًا.‏
لكن من السطحية الظنّ أن الخلافات الداخلية هي العائق الوحيد أمام تشكيل الحكومة، فغاز لبنان القابع ‏في البحر والذي قدّرناه في العام 2011 (خلال مؤتمر الجيش الأول) بعدّة مئات المليارات من الدولارات ‏مع إحتمال 95% وحتى أكثر من 1 تريليون دولار أميركي مع إحتمال 5%، هو عامل أساسي في الوضع ‏الذي يعيش فيه لبنان. بالطبع الخلافات السياسية الداخلية والإرتهان الخارجي والفساد المُستشري وغياب ‏الإصلاحات كلها عوامل سهّلت لا بل قدّمت على طبق من فضّة لبنان على مشرحة المفاوضات الدولية.‏

الإجتماعات الدولية بين الدول الكبرى والتي تهتم بالشأن اللبناني من الباب الإنساني والعلاقات الوطيدة، ‏تمتد أيضًا لتأمين مصالح هذه الدول. وهذا الأمر ليس بخفي على أحدّ أن لا شيء يعلو فوق مصالح الدول ‏وهو ما يُعرف في اللغة السياسية بعبارة “في السياسة لا يوجد عدو إلى الأبد”.‏

عمليًا الصراع القائم حاليًا هو صراع روسي – أميركي على تقاسم غاز الحوض الشرقي للبحر الأبيض ‏المتوسط بحكم أن الوجود العسكري في هذه المنطقة هو بالدرجة الأولى روسي وأميركي. المُشاركة ‏الأوروبية – من الباب الفرنسي – ظاهرها العلاقات التاريخية، ولكن باطنها الاهتمام بالثروة الغازية وهي ‏التي تعتمد على الغاز بشكل أساسي في التدفئة والإستهلاك المنزلي.‏

التصريحات الدولية تقول إن المُشكلة لبنانية – لبنانية وبالتالي على المسؤولين أن يتفقوا على تشكيل ‏حكومة قادرة على القيام بإصلاحات وعزل لبنان عن الصراعات الإقليمية. هذا الأمر تعرف الدول ‏الكبرى أنه غير مُمكن في ظل الترابط العضوي بين القوى السياسية المحلية والخارجية وبالتالي هناك مثل ‏غضّ نظر عن التردّي الحاصل في لبنان نظرًا إلى أن وضع إقتصادي ومالي ونقدي وإجتماعي سيىء، ‏يجعل لبنان أكثر طوعًا في المفاوضات على الغاز. والأصعب في الأمر أن كلما مر الوقت، كانت الخسائر ‏أعظم وبالتالي الفاتورة أكبر ولن يكون بمقدور لبنان على المدى المتوسط أو البعيد النهوض وحيدًا وهو ‏ما سيُجبره على رهن غازه.‏

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *