الرئيسية / صحف ومقالات / الديار : الأزمة الاقتصادية تتزايد… وبعض الخطوات أصبحت ضرورية لتخفيف ‏وقعها جشع التجّار والمُهرّبين يتعاظم… وإجراءات إلزامية لوقف المُخالفات والتهريب
الديار لوغو0

الديار : الأزمة الاقتصادية تتزايد… وبعض الخطوات أصبحت ضرورية لتخفيف ‏وقعها جشع التجّار والمُهرّبين يتعاظم… وإجراءات إلزامية لوقف المُخالفات والتهريب

تقبع المصارف اللبنانية تحت ضغوطات كبيرة نتيجة عِدّة عوامل، بعضها نتاج أخطائهم والبعض الآخر ‏نتاج السياسة الاقتصادية للحكومة فيما يبقى العامل السياسي المُتمثّل بمواقف لبنان السياسية العامل ‏الأساسي في هذه المرحلة، إذا هو يقف حاجزا منيعاً أمام تلطيف أو معالجة العاملين السابقين. وأما ‏المودع، فما يهمّه هو أن تعود له أمواله من دون أي اقتطاع سواء أكان مُباشرا أم غير مباشر، وهو أمر لا ‏يُمكن للمصارف التنصّل منه إذا ما أرادت أن تستمر في عملها مستقبلاً. وحصول هذا الأمر يفرض ثباتًا ‏نقديًا كي لا تختفي قيمة الودائع بالليرة اللبنانية، إضافة إلى تجنب اقتطاع أي قرش من الودائع بالعملة ‏الصعبة (وهو أمر مكفول بالدستور).‏

الثبات النقدي ‏
تحقيق الثبات النقدي أُسس الحفاظ على الودائع بالليرة اللبنانية من ناحية، ومن ناحية أخرى عامل ثبات ‏القدرة الشرائية للمواطن التي تختفي مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وقد يُمكن الجزم ‏أن كل ما يُعانيه المواطن اللبناني اليوم من ضائقة ناتج من غياب الثبات النقدي الناتج من غياب سياسات ‏الدولة الإقتصادية وتفشّي الفساد.‏
وبالتالي يُمكن استعادة جزء من الثبات النقدي من خلال عدد من الخطوات (في ظل غياب حلّ سياسي ‏يسمح بتحرير الحل الاقتصادي):‏
أولا – سحب الليرة اللبنانية من قبضة المضاربين في السوق السوداء وهو أمر مُمكن أن يُكتب له النجاح ‏من خلال المنصّة الإلكترونية القادرة على سحب عنصر المضاربة على سعر صرف الليرة. فالمعروف أن ‏كل مُتغيّر اقتصادي (‏Time Series‏) يحوي على ثلاثة مكونات: عنصر اتجاهي (‏Trend‏)، عنصر ‏موسمي (‏Seasonal‏)، وعنصر مضاربة (‏Speculations‏). العنصر الاتجاهي لا يُمكن تفاديه إلا من ‏خلال حلّ اقتصادي شامل، وهو ما يتطلّب حكومة تقوم بإصلاحات شاملة مع برنامج “صندوقي” يسمح ‏بإدخال الدولارات إلى الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي. وأما العنصر الموسمي فغائب في حال سعر ‏صرف الدولار مُقابل الليرة اللبنانية، وبالتالي يبقى عنصر المضاربة الذي يُمكن حذفه من خلال المنصّة ‏الإلكترونية.‏
ثانيا – وقف عملية خروج الدولارات من القطاع المصرفي، خصوصا التهريب الذي يقضي على أي قدرة ‏للّيرة على الصمود من باب المكون الاتجاهي. وبالتالي هذا الأمر يفرض تشدّداً على المعابر الشرعية ‏وغير الشرعية التي تمرّ عبرها السلع المُهرّبة من جهة، وبطريقة أعظم عبر مُمارسات التجّار ‏والمُصدّرين الذين يُخرجون أموالهم من لبنان من باب الدعم، ويتم ذلك بإرغام كل مُصدّر على إعادة ‏الدولارات إلى لبنان إذا ما استفاد المُصدّر من دولارات مدعومة.‏
ثالثا – يتوجّب ترشيد استخدام الدولارات المؤمّنة من مصرف لبنان. والحديث عن بطاقة تمويلية تعُطى ‏للعائلات الفقيرة هو حديث فارغ نظرا إلى غياب التمويل ونظرا إلى الزبائنية التي ستحكم توزيع ‏البطاقات. من هذا المُنطلق، نرى ضرورة وقف الدعم عن كلّ ما يتمّ تهريبه باستثناء بعض الأمور ‏الأساسية مثل الطحين والأدوية على أن يتمّ خفض عدد الأدوية المدعومة لأقل من 100 دواء وتشجيع ‏تصنيع الأدوية الجنيريك في معامل الأدوية اللبنانية. أمّا بالنسبة للمحروقات (خصوصا البنزين) التي هي ‏أكثر كلفة وأكثر تهريبًا، فيجب وقف الدعم بالكامل، على أن يتمّ إطلاق بطاقة تسمح بعدد مُعيّن من صفائح ‏البنزين لكل اللبنانيين الذين يمتلكون سيّارة.‏
رابعا – تحرير الأملاك النهرية المُصادرة من قبل أصحاب النفوذ وإسنادها إلى الجيش للإشراف على ‏زرعها وتأمين العديد من المنتوجات الغذائية التي يحتاجها السوق اللبناني. ويتوجّب أيضا الطلب من ‏البلديات تأمين أراضٍ لاستغلالها زراعيا علماً بأن أكثر من نصف مساحة لبنان صالحة للزراعة بكل ‏أنواعها. أضف إلى ذلك استغلال قسم من هذه الأراضي لتربية الأبقار والمواشي، نظرًا إلى حاجة السوق ‏اللبناني الماسة إلى اللحوم.‏
خامسا – الطلب إلى البلديات تأمين أراضٍ لبناء مصانع لتصنيع مواد غذائية وصناعات تحويلية يحتاجها ‏السوق اللبناني. هذا الأمر يُمكن أن يكون تحت إشراف الجيش أيضاً لمنع الاحتكار والزبائنية.‏
سادسا – تحرير الاستيراد بكل أنواعه من الاحتكار الحاصل حيث أن هناك ما يُقارب الـ 80 شركة تتحكّم ‏بمصير لبنان واللبنانيين، وما أزمة المحروقات والأدوية إلا أوضح مثال على ذلك.‏
سابعا – مكننة كل هذه العمليات على مثال ما تمّ القيام به في القطاع الصحي (منصّة التلقيح)، على أن ‏يكون هناك شفافية مُطلقة في كل ما يتمّ القيام به على هذا الصعيد.‏
ثامنا – إستخدام الأموال التي كانت مُخصّصة لمشاريع عِديدة مثل سدّ بسري أو غيره لتمويل هذه الخطّة.‏
بالطبع هذه القرارات تحتاج إلى اتفاق سياسي عام من أركان السلطة ومن ثم إلى اجتماع واحد لحكومة ‏الرئيس حسان دياب المستقيلة، ومن ثم يتمّ رفعها إلى المجلس النيابي لإقرارها بهدف تأمين الغطاء ‏القانوني لحكومة تصريف الأعمال. هذه الخطّة لا تحتاج إلى تنازلات سياسية بين الأطراف السياسية، ‏وبالتالي يُمكن لفخامة رئيس الجمّهورية العماد ميشال عون دعوة الرئيس حسان دياب إلى عقد اجتماع ‏لحكومة تصريف الأعمال لجلسة واحدة لإقرار هذه الخطّة.‏

القطاع المصرفي والإجراءات الواجب اتخاذها ‏
يربط القطاع المصرفي أي حلّ للأزمة التي تعصف به، بحلّ سياسي يقضي بتشكيل حكومة تضع خطّة ‏تُنشل البلد من أزمته، وهذا أمر صحيح إلى حدٍ بعيد من وجهة النظر الاقتصادية، سيما أن وزن العامل ‏السياسي في الأزمة كبير، إذ في ظلّ تعثّر الحلّ السياسي لا يُمكن البقاء بدون أي خطّة تُعطي وزناً شبه ‏معدوم للعامل السياسي! فالاستمرار على هذا النحو سيقضي على المصارف التي أصبح من مصلحة ليس ‏فقط كل مودع الحفاظ عليها، بل الاقتصاد ككل.‏
من هذا المُنطلق، نرى أن المعلومات التي طلبها مصرف لبنان بعد انقضاء مُهلة القرار الأساسي 154، ‏ستسمح للجنة الرقابة على المصارف التي من مهامها رقابة هذا القطاع، اقتراح خطّة نهوض بالحدّ ‏الأدنى. هذه الخطّة التي تبدأ بخطوة أطلقها المركزي وتنصّ على بدء دفع قسم من الودائع بعملة الوديعة ‏ابتداءً من حزيران المُقبل، يجب أن تُعطي هذه الخطوة العامل السياسي وزناً ضئيلاً، بمعنى عدم التعويل ‏جداً على الانفراجات السياسية المعقدة واعتبار أن لا حلّ سياسي في المدى المنظور، وبالتالي تحديد ‏الخطوات بحدّها الأدنى لاستعادة الثقة به.‏

الاحتكار في الاستيراد ‏
ما لا يُعقل كيف أن عشرات من الشركات تُسيطر على اقتصاد لبنان وتتحكّم بمصير لقمة عيش اللبنانيين. ‏وهنا تبرز الصورة السوداوية لتقاطع مصالح أهل السلطة وأهل الاحتكار في ديمومة هذه الحالة الخانقة ‏على الشعب التي حولت البلد إلى ما يشبه النظام الاقطاعي المتحكم بأرزاق الطبقة العاملة. وقد أثبتت ‏التجربة الماضية أن المستوردين قد أخفقوا على مستويين بالحدّ الأدنى: الأول ظهر من خلال عمليات ‏التهريب التي قام بها تجار نافذون إلى خارج لبنان وكانت السلع المُهرّبة تأتي من التجار تحت مسمى ‏‏(سلع مدعومة)، والثاني من خلال الاحتكار الذي مارسوه، ولا يزالون يُمارسونه من خلال عدم تسليم ‏السلع والبضائع بانتظار دفع مصرف لبنان وبغطاء سياسي.‏
من هذا المُنطلق، نرى أن تحرير الاستيراد من قبضة هذه الشركات أصبح ضرورة قصوى، على أن ‏يشمل جميع القطاعات بدون استثناء (المحروقات، الأدوية، المواد الغذائية…).‏
وعلى هذا الصعيد، لم تقم حكومة حسان دياب بما يجب لإيصال قانون التنافسية إلى المجلس النيابي حيث ‏هناك ضرورة لهذا الأخير أن يضع يده على هذا الملف لأن أموال المودعين وأموال المصرف المركزي ‏تذهب إلى قلّة قليلة خلافًا لمبدأ حرية الاقتصاد المنصوص عليه في الدستور اللبناني.‏
في الواقع، لا يجب الاتكال على الضمير في الأزمات حيث أثبتت التجربة غياب أو بالأحرى انعدام ضمير ‏التجار، بل يجب فرض القوانين التي ترعى المصلحة العامّة.‏

الكهرباء
على صعيد الكهرباء، أصبح معروفا أن لا حلّ في الأفق نظرًا إلى الصراع السياسي القائم وسوء الإدارة ‏التي نتج منها ديون طائلة. من هذا المُنطلق، يتوجّب فتح هذا القطاع للمنافسة من خلال الشركة بين ‏القطاع العام والخاص ومن خلال الـ ‏BOT، خصوصًا أن آخر هذا الشهر سيكون كارثيًا على صعيد ‏التغذية من الشركة وعلى صعيد فاتورة المولد الذي سيعمل ساعات أكبر.‏
إن الاستمرار على الوتيرة الحالية، سيفقد اللبناني أهم مؤشر لتطور المُجتمعات – أي التغطية الكهربائية – ‏وهو ما سيؤدّي إلى تراجع على كل الأصعدة، مع حرمان المواطن من عامل أساسي في حياته اليومية.‏

قطاع النفط والغاز ‏
مما لا شكّ فيه أن الأنظار مُسلّطة اليوم على تحديد الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة ‏للبنان. وقد أثبت التاريخ أن هناك طمعاً واضحاً من قبل العدو الإسرائيلي. وقد أثبت الجيش اللبناني أن ‏حقوق الدولة اللبنانية أكبر مما هو موضوع الخلاف، أي 860 كيلومتراً مُربّعاً. المفاوضات غير المباشرة ‏التي تتمّ بين لبنان وإسرائيل برعاية أممية ووساطة أميركية مُتوقّفة حاليًا نظرًا إلى تعنّت الجانب ‏الإسرائيلي. ومع احتدام العدوان على قطاع غزّة والضفة الغربية، من المُستبعد أن يكون هناك أي ‏مفاوضات قبل نهاية هذا العدوان.‏
من هذا المُنطلق، لا يُمكن للبنان انتظار نتائج هذه المفاوضات بل يتوجّب على الحكومة أن تعمد إلى ‏الطلب إلى شركة توتال بدء التنقيب عن الغاز في الرقعة الرابعة والرقعة التاسعة. إن هذا الطلب بمجرد ‏صدوره سيبعث ارتياحاً في الأسواق وانخفاضاً في سعر الصرف من وجهة النظر الاقتصادية.‏
هذا الأمر يجب أن يكون في أسرع وقت مُمكن نظرًا إلى الرافعة الكبيرة التي قد يُشكّلها استخراج الغاز، ‏سواء بالنسبة للمالية العامّة أو للاقتصاد اللبناني ككل.‏

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *