الرئيسية / صحف ومقالات / الشرق الأوسط : لودريان يخوض “معركة التجديد لماكرون” من لبنان الحريري ماضٍ في مهمته متمسكاً بالمبادرة الفرنسية
الشرق الاوسط

الشرق الأوسط : لودريان يخوض “معركة التجديد لماكرون” من لبنان الحريري ماضٍ في مهمته متمسكاً بالمبادرة الفرنسية

لا يكاد اللبنانيون يصدقون أن فرنسا؛ إحدى الدول الخمس الكبرى ذات العضوية ‏الدائمة في مجلس الأمن الدولي، أوفدت وزير خارجيتها جان إيف لودريان إلى ‏بيروت لتأمين خروجها “غير اللائق” من المبادرة التي أطلقها رئيسها إيمانويل ‏ماكرون لإنقاذ لبنان لوقف انهياره بتشكيل حكومة مهمة من جهة والاستغناء عن ‏خدمات المنظومة السياسية الحاكمة لمصلحة الرهان على منظومة بديلة تتمثل ‏في احتضان باريس الأحزاب والجمعيات المنضوية في الحراك المدني الذي ‏انتفض في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 احتجاجاً على تدهور الأوضاع ‏المعيشية والاقتصادية التي أدت إلى رفع منسوب التأزم بشكل بات يصعب ‏السيطرة عليه‎.
فالوزير لودريان أحسن الهروب إلى الأمام؛ من وجهة نظر رئيس حكومة ‏سابق، فضّل عدم ذكر اسمه، وقرر أن يعفي نفسه من ملاحقة المنظومة السياسية ‏وحثها على الالتزام بتعهداتها التي التزمت بها أثناء اجتماعها بماكرون في ‏‏”قصر الصنوبر” خلال زيارته الثانية للبنان في سبتمبر (أيلول) 2020، بذريعة ‏أنها غير مؤهلة للانتقال بلبنان إلى بر الأمان وأخذت تتبادل الاتهامات في رمي ‏المسؤولية حيال انقلابها على التزاماتها‎.
ويقول رئيس الحكومة السابق إن اجتماع لودريان بالرؤساء الثلاثة (الجمهورية ‏ميشال عون، والبرلمان نبيه بري، والحكومة المكلف سعد الحريري) لم يكن إلا ‏من باب رفع العتب انطلاقاً من مواقعهم الدستورية التي يشغلونها، رافضاً ‏البحث في الأسباب التي أدت إلى تعثر المبادرة الفرنسية، وقافزاً فوق تشكيل ‏الحكومة، ومراهناً في الوقت نفسه على أحزاب المعارضة وجمعيات المجتمع ‏المدني في إنتاج طبقة سياسية جديدة بديلاً للطبقة السياسية الحالية، داعياً إياها ‏للاستعداد لخوض الانتخابات النيابية في ربيع 2022 على لوائح موحدة‎.
ويلفت لـ”الشرق الأوسط” إلى أن لودريان لم يعتمد وحدة المعايير في استضافته ‏هذه الأحزاب والجمعيات في “قصر الصنوبر”، خصوصاً أن بعضها لا يزال ‏في مرحلة التأسيس، فيما استبعد أكثر من حزب وجمعية مع أنهم يعملون في ‏صفوف المعارضة، إضافة إلى أنه أدرج حزب “الكتائب” على لائحة المدعوين ‏في مقابل استبعاده حزب “القوات اللبنانية” بذريعة أنه ينتمي إلى المنظومة ‏السياسية التقليدية‎.
وفي هذا السياق، يسأل مصدر سياسي مواكب للقاء المعارضة مع لودريان عن ‏أسباب غياب أو تغييب القوى اليسارية عن لائحة المدعوين، وما إذا كان بعضها ‏قد دُعي واعتذر تجنُّباً لإقحامه في موقف مناوئ لـ”حزب الله”، خصوصاً أنه ‏يدور في فلك محور الممانعة، رغم أن بعض الحضور أثار مسألة سلاح الحزب ‏من دون أن يصدر أي تعليق عن لودريان‎.
كما يسأل عما إذا كانت الجرعة الفرنسية التي زوّد بها لودريان قوى المعارضة ‏قادرة على إحداث تغيير في المعادلة السياسية على حساب المنظومة الحاكمة، ‏وصولاً إلى قلب الطاولة على رؤوس القوى المنضوية فيها، استكمالاً لما قام به ‏في حصر لقاءاته بالرؤساء الثلاثة في إطارها البروتوكولي‎.
ناهيك بأن لودريان – بحسب المصدر – أقدم على دعسة ناقصة عندما حصر ‏الدعوة للقائه بأطراف يغلب عليها اللون الطائفي الواحد، مما أدى إلى طغيان ‏الحضور المسيحي في مقابل حضور رمزي للمسلمين، وهذا ما يطرح أكثر من ‏سؤال حول الجهة التي تولّت توجيه الدعوات واستحصلت على ضوء أخضر ‏من الوزير الفرنسي، بدلاً من أن يبادر إلى تعديلها بتوسيع الدعوات‎.‎
ويرى المصدر السياسي نفسه أنه ليس في موقع الدفاع عن المنظومة الحاكمة ‏التي تتحمل مسؤولية حيال الانهيار المتدحرج للبنان نحو السقوط، ويقول إنه ‏ينأى بنفسه عن الدفاع عنها، “لكن من غير الجائز أن يأتي لودريان إلى بيروت ‏على خلفية إصراره على تعميم التجربة التي أوصلت ماكرون إلى سدة الرئاسة ‏الفرنسية باعتماده على المجتمع المدني”، ويعزو السبب إلى أن الحراك المدني ‏في لبنان لا يزال في طور التأسيس ولم يتمكن من تنظيم صفوفه لتزخيم ‏الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) لدفعها إلى الأمام بدلاً من أن ‏تغرق في متاهات المزايدات الشعبوية التي أفقدتها زخمها‎.
ويؤكد أن استنساخ التجربة الفرنسية ونقلها إلى لبنان ليس في محله إلا إذا كان ‏يراهن لودريان على أن التحوّل في لبنان سيدفع باتجاه إيصال ماكرون لبناني ‏ليتزعّم المعارضة التي هي في طور الإنشاء، مع أنه أحضر معه رزمة من ‏المساعدات خص بها المؤسسات التربوية والصحية والأخرى العاملة في المجال ‏الإنساني‎.
ويعتقد أن لودريان أبقى الأزمة الحكومية مفتوحة على كل الاحتمالات وترك ‏للمنظومة السياسية أن تقلّع شوكها بيديها، وكأنه يربط مصيرها بالتطورات ‏الجارية في المنطقة بين الخصوم في ضوء المفاوضات الجارية والتي لا تزال ‏في بداياتها، ويقول إن باريس قررت مؤقتاً أن تسحب اعترافها بهذه المنظومة ‏وإن كانت ما زالت تراهن على تمسكها بالمبادرة الفرنسية ملوّحة باتخاذ ‏إجراءات ضد من يعرقل ولادة الحكومة‎.
ويؤكد أن انسحابها من الدور الذي أخذته على عاتقها لإزالة العقبات التي تؤخر ‏تشكيلها لم يكن ليحدث بهذه السرعة لو لم تشعر بأن مفاعيل تأخيرها بدأت ‏تنعكس على الداخل الفرنسي والتي يستفيد منها اليمين الفرنسي الذي يتحضّر ‏لخوض الانتخابات الرئاسية ضد ماكرون الذي يسعى للرئاسة في ولاية ثانية‎.
لذلك؛ فإن الانتخابات الرئاسية الفرنسية تتزامن مع موعد إجراء الانتخابات ‏النيابية في لبنان التي تصر باريس على إنجازها في موعدها، مهدّدة بفرض حجر ‏سياسي على لبنان في حال أُطيح بهذا الاستحقاق لانتخاب برلمان جديد يتولى ‏انتخاب رئيس جديد للجمهورية لخلافة الحالي ميشال عون‎.
وعليه؛ فإن لودريان أراد، وربما عن سابق تصوّر وتصميم، أن يخوض معركة ‏التجديد لماكرون من لبنان من دون أن يميّز بين من يسهّل تشكيل الحكومة وبين ‏من يعوق تشكيلها، وبالتالي فإنه وضع نفسه أمام اختبار جدي للتأكد من صوابية ‏رهانه على المعارضة التي ألبسها ثوباً فرنسياً وأخذت تتصرف منذ الآن على ‏أنها الخيار الوحيد لباريس‎.
ومع أن لودريان أوكل إلى المنظومة السياسية مهمة تشكيل الحكومة، رغم أنه ‏تصرّف كأنه أوشك على تعليق اعتراف باريس بدورها، فإن الأزمة الحكومية ‏إلى مزيد من التعقيد، ليس لأن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله أغفل ‏الحديث عنها في خطابه الأخير لتفادي الحرج الذي يلاقيه جراء توفيقه بين دعمه ‏تشكيل الحكومة وبين إحجامه عن الضغط على عون وصهره رئيس “التيار ‏الوطني الحر” جبران باسيل، مما فتح الباب أمام التعامل مع تجاهله هذا على ‏أنه يريد ترحيل تشكيلها إلى ما بعد جلاء المفاوضات الجارية في المنطقة‎.
وفي المقابل؛ ترصد القوى السياسية – بحسب المصدر نفسه – الموقف الذي ‏سيتخذه الرئيس المكلف سعد الحريري في ما بعد زيارة لودريان، وهذا ما أُدرج ‏أمس على جدول أعمال لقاء الحريري برؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي ‏وفؤاد السنيورة وتمام سلام الذين جددوا تأييدهم له ودعمهم لثباته وصموده على ‏موقفه وهم يلتقون في موقفهم مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مما يعني أنه ‏لا مكان لاعتذاره عن التأليف وسيمضي في تكليفه التزاماً منه بالمبادرة الفرنسية ‏رغم أن أصحابها تخلوا عنها وتركوها وحيدة بلا غطاء تواجه القضاء والقدر ‏اللبناني‎.
ويبقى السؤال: لماذا استثنى لودريان البطريرك الماروني بشارة الراعي من ‏لقاءاته وأسقط نفسه في هفوة عندما دعا الحريري للقائه في “قصر الصنوبر” ‏بدلاً من أن يزوره في “بيت الوسط” حسب الأصول البروتوكولية والموقع ‏الدستوري الذي يشغله؟ وهذا ما عرّضه للانتقاد وإن بقي صامتاً بعيداً عن ‏الأضواء‎.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *