الرئيسية / قضايا المرفأ / أزمة اللاجئين والتغيرات الثقافية في المجتمع الأوروبي
flag-big

أزمة اللاجئين والتغيرات الثقافية في المجتمع الأوروبي

فجرت مأساة الشعب السوري عشرات الإشكاليات والمسائل الأخلاقية والثقافية والسياسية، ومنها في الأيام الراهنة قضية اللاجئين التي استحوذت على الصفحات الاولى من الصحف العالمية ووسائل الاعلام كافة، ونقاشها في الآونة الأخيرة، خاصة مع ردود الفعل الأوروبية الرسمية على موضوع استقبالهم.

وسنتناول في هذه الدراسة جانبا معينا وهو المسألة الثقافية التي تنطوي عليها أزمة اللاجئين، أي موضوع هوية المجتمعات الأوروبية وموضوع البعد الديني في المركب الثقافي الأوروبي.

مستقبل مسألة الهوية الثقافية واللاجئين يرتكز على أمرين هما: مستقبل تعامل أميركا وأوروبا الغربية مع الحرب في سوريا، وسياسات الدول المضيفة وتصوراتها عن التوجهات المثلى بين الاندماج والتعددية الثقافية، وهي سياسات وتوجهات التجربة التاريخية والتوتر الاقليمي، وضرورات النظام الاقتصادي الرأسمالي وأسواق العمل والعولمة التي تفرض على الدول الكبرى استقبال الهجرات الطوعية والقسرية.

وأهم ما أكدته التقارير الغربية السابقة حول مسألة الثقافة عن اللاجئين السوريين أن وعي أجهزة الدولة والسياسيين الأوروبيين لا يزال قاصرا في بعض المراحل لدراسة التأثيرات الثقافية الأوروبية/الأميركية، فهناك بعض المفاهيم مثل حق الاختلاف، والتعددية الثقافية، والمدن الكوزموبوليتانية، والهوية الإنسانية، وحقوق الإنسان وغيرها ، لا تزال من الأمور التي تعيرها اوروبا اهتماما كبيرا ولها حدودها الخاصة في مجتمها.

ولكن بدأ القلق يظهرعند تجاوز هذه الحدود، ومن هذه الزاوية يصبح قلق الأوروبيين الثقافي مفهوما وليس مجرد مبالغات، ولكن يكمن السؤال هنا عن مدى التغيرات الثقافية التي تحدثها موجات اللاجئين في المجتمعات الأوروبية المضيفة.

وفي المرحلة الراهنة لا يمكن أن تحدث موجات اللاجئين السوريين هزات ثقافية كبرى خلال جيل واحد، ولكن يتركز “التأثير الآني” للاجئين – قبل استقرارهم النهائي وإنتاج جيل جديد مولود في البلد المضيف- في طريقة الحياة اليومية لا في هوية المجتمع، وهنا علينا التذكير دوما بأن اللاجئين السوريين عينة اجتماعية عشوائية وليسوا نخبة ثقافية قررت الهجرة جماعيا! وبالتالي فهي عينة من مجتمع عالم ثالثي هاربة من الموت، وستحمل معها كثيرا من المشاكل السيكولوجية وكثيرا من محمولاتها الثقافية، ولن ترميها في البحر لمجرد استقبال الأوروبيين لها.
ولأن المجتمعات الأوروبية ليست مجتمعات مهاجرين تاريخيا، فإن التكتلات السكانية للاجيئين في المناطق الاوروبية لم يتقبله افرادها بشكل كامل، وتفضل ان تكون هذه الصورة خارج حدود بلدها، وهذه عملية معقدة تحتاج إلى تعديل في سياسات دول تجاه توزيع اللاجئين.
هذا مع العلم بأن التجربة التاريخية القصيرة في أوروبا أثبتت أن عمليات الدمج المثالي الذي تحلم به أوروبا لا تحدث غالبا، وأحيانا لا تنجح مطلقا، وتبقى مجموعات سكانية تتحدث اللغة وتدخل وتستفيد من مؤسسات الصهر الاجتماعي (مدارس، جامعات)، ولكنها رغم ذلك تبقى متشبثة بتراثها الأصلي.
وتعاني هذه الجماعات نتيجة ذلك من اضطرابات حادة في الهوية، وهنا تقع المسؤولية على المهاجرين لا على الدولة المضيفة فقط.

في ستينيات القرن العشرين، بدأ مصطلح “التعددية الثقافية” في الظهور، وقد كرسته المفوضية الملكية الكندية وجعلته جزءا من تصورها للمجتمع الكندي ومستقبله. ولكن كان هذا في مجتمع مهاجرين وجيب استيطاني سابق في الأساس، وبالتالي فهو مجتمع لديه الإمكانية لتقبل تصورات مرنة للأمة والهوية. وينطبق ذات الأمر على الولايات المتحدة من منظور تاريخي، مع التذكير بتأثير البعد الديني وأهميته في الخطاب العام وتشكيل الهوية.

في أوروبا الغربية الوضع مختلف، فالمجتمعات الأوروبية في العموم ليست مجتمعات مهاجرين، وفي حالة فرنسا، كانت هناك هجرة أبناء المستعمرات إلى المركز، وهذه الهجرات أجهزت بشكل كبير على أي نموذج عرقي “للفرنسي”. ولكن بسبب تاريخ فرنسا القومي المتشدد في مسألة الهوية الوطنية، فإن الخطاب الرائج في مواجهة مسألة المهاجرين واللاجئين هو خطاب الاندماج لا خطاب التعددية الثقافية.

الحالة الأكثر لفتا للنظر في صراحتها ونفورها في التعامل مع مسألة اللاجئين السوريين هي دول أوروبا الشرقية، فتصريحات المسؤول السلوفاكي التي نقلته صحيفة واشنطن بوست، قوله إن بلاده ستستقبل عددا محدودا من اللاجئين السوريين بشرط أن يكونوا “مسيحيين”، يمكن اعتبارها ابتزازا دينيا غير مباشر- لمنع تدفق اللاجئين. وقد مثل هذا التصريح صدمة لبعض المراقبين والمثقفين العرب.

وما يزيد الأمر تعقيدا هو العامل الاقتصادي، فدول أوروبا الشرقية تقع في ذيل قائمة الإنتاج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع المتوسط العام للاتحاد الأوروبي، وتترجم ضفيرة العوامل الدينية/الاجتماعية والتاريخ السياسي والاقتصاد إلى صراحة في التعبير عن النفور من اللاجئين وإلى ممارسات فظة تجاههم والتعبير الواضح عن مكانة الدين في مركب الهوية الوطنية والهواجس بشأنها.

ويذكر التاريخ ان أثناء حرب البلقان استقبلت ألمانيا قرابة 400 ألف لاجئ، ولكن بمجرد إعلان ألمانيا كلا من مقدونيا والبوسنة والهرسك وصربيا “أوطانا آمنة”، كان لديها أساس أخلاقي قامت عليه تشريعات، لتعليق عشرات آلاف طلبات اللجوء من البلقان.
على الرغم من الاستجابة المشتركة بين الوكالات الواسعة النطاق، يزداد ضعف كل من اللاجئين السوريين واللبنانيين الموجودين في المجتمعات المحلية الأكثر تأثراً بحركة التدفق، كما أن الاحتياجات الإنسانية تتزايد، ومع امتداد فترة نزوح اللاجئين واستنزاف مدخراتهم، سيصبح اللاجئون أكثر ضعفاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
تشير التقديرات إلى وجود عشرات الآلاف من عديمي الجنسية ، ويكون اللاجئون السوريون المولودون خارج سوريا هم الأكثر عرضة للخطر بشكل خاص، حيث أظهر مسح تم إجراؤه في العام 2014 وشمل 5,779 مولوداً سورياً (على الحدود السورية) جديدا أن 72 في المئة منهم لا يحملون شهادة ولادة رسمية، ما يطرح مخاوف بشأن الاعتراف بجنسيتهم من جانب السلطات السورية.

وكتب المسؤولون عن تنظيم الاستطلاع الذي اجراها كل من معهد “سبيكترا” في مدينة لينس النمساوية ومعهد “إيماس” بمدينة ميونيخ الألمانية قائلين: “الشعب في البلدين متأكد تماما من أن المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا سيجلبون لبلديهم سلبيات أكثر من المزايا معربين عن مخاوفهم من فقدان الرفاهية التي يعيشونها.

وعلينا ألا ننسى في خضم هذا النقاش العالمي المحموم حول مسألة اللاجئين السوريين بتشابكاتها المختلفة، أن الإشكال يتمثل في حل الأزمة السورية ، وبالتالي فالواجب هو القيام بحل جزء كبير من المسألة الراهنة ومنع تفاقماتها، وإيقاف الحرب، وليس اختزال المأساة في إيواء اللاجئين.

 

وزارة الاعلام اللبنانية

مديرية الدراسات والمنشورات

اعداد: زينب زهران

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *