كتبت صحيفة “البناء”: في لحظة فارقة تعبر بها العلاقات الأميركية السورية بعد حادثة تدمر ومقتل ثلاثة جنود أميركيين برصاص تنظيم داعش عبر اختراق أجهزة الأمن الحكومية المرافقة لقوة أميركية، وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إخضاع طلبات السفر التي يتقدّم بها السوريون إلى أميركا لشروط هي الأكثر تشدداً، أراد الرئيس ترامب التذكير بتوقيع قرار الموافقة على ضمّ «إسرائيل» للجولان السوري المحتل والاستيلاء عليه، مشيراً إلى أنه اكتشف أن الأمر يعادل تريليونات الدولارات، مضيفاً ربما كان يجب أن أطلب شيئاً بالمقابل، ويأتي كلام ترامب قبيل انعقاد لقائه المرتقب مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد عشرة أيام، حيث وضع سورية إضافة إلى لبنان وغزة على طاولة المحادثات، بينما سجل حراك سياسي ودبلوماسي روسي صيني فنزويلي إيراني يفتح طريق الدبلوماسية في ملفي فنزويلا وإيران، وسط تصعيد أميركي على فنزويلا وتهديد «إسرائيل» لإيران.
في لبنان، قال رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إن هناك من يهوّل بالحرب ليستثمر بذلك في الانتخابات، في إشارة واضحة إلى موقف حزب القوات اللبنانية، بينما كانت القوات تخسر معركة تعطيل نصاب الجلسة النيابية المقررة اليوم، بعدما رفعت مستوى الموقف من حضور الجلسة إلى تخوين المشاركين، وبعدما حسمت كتل وازنة المشاركة بما يكفي لتأمين نصاب الجلسة، حيث حسمت إضافة لكتلتي ثنائي حركة أمل وحزب الله كتل اللقاء الديمقراطي والتيار الوطني الحر والاعتدال إضافة إلى نواب مستقلين حضور الجلسة التي على جدول أعمالها عدد من الاستحقاقات المتصلة بإقرار قروض ومشاريع لا تحتمل التأجيل كما فسّرت الكتل قرار مشاركتها، وكما قال نواب مقربون من رئيس الجمهورية العماد جوزف عون والحكومة نواف سلام إنهم سمعوا تشجيعاً على الحضور.
حول الوضع في الجنوب قال القيادي في حزب الله غالب أبو زينب إن لبنان أنجز ما هو مطلوب منه جنوب الليطاني وإنه ينتظر أن تنفذ «إسرائيل» ما عليها من وقف الاعتداءات والانسحاب كي يتسنى إعلان انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى ترحيب حزب الله بالمبادرة المصرية، بينما سجل ميدانياً تراجع الاحتلال عن تنفيذ تهديده باستهداف مناطق طلب تفتيشها من الجيش اللبناني للمرة الثانية، وبعد يانوح طلب الاحتلال عبر الميكانيزم تفقد وجود نفق في خراج بلدة تولين، حيث قام الجيش اللبناني بالوصول إليه والكشف عن خلوّه من أي سلاح أو عتاد، وكانت لجنة مراقبة وقف إطلاق النار قد اتفقت على هذه الآلية منذ تشكيلها لكن الاحتلال لم يلتزم بها بل لجأ إلى الاستهداف الفوري وعندما كان يطلب التفتيش يعاود الاستهداف متجاهلاً تقارير الجيش اللبناني.
ويحفل الأسبوع السياسي الأخير من العام الحالي بجملة استحقاقات أساسية في تحديد وجهة المرحلة المقبلة، ويبدأ بالاجتماع الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي ـ اللبناني الذي يُعقد في باريس اليوم ويحضره قائد الجيش العماد رودولف هيكل والموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس والموفد الفرنسي جان إيف لودريان والموفد السعودي يزيد بن فرحان، حيث تعوّل مصادر نيابية على نتائج هذا الاجتماع لا سيّما أنه سيكون اللقاء الأول بين هيكل وأورتاغوس بعد المشادة التي حصلت بينهما في لقائهما الأخير منذ أشهر، ما قد يفتح أبواب واشنطن أمام قائد الجيش في وقتٍ قريب. كما أشارت المصادر لـ»البناء» إلى أنّ الاجتماع بحدّ ذاته يعكس اهتماماً فرنسياً ودولياً بلبنان والحرص على دعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية للقيام بمهامها واستكمال تطبيق القرار 1701 واتفاق 27 تشرين الثاني 2024 وضبط الحدود السورية ـ اللبنانية، واستكمال عملية حصر السلاح بيد الدولة.
ووفق معلومات «البناء» فإنّ الفرنسيين سيطلبون خلال الاجتماع رفع مستوى التنسيق في الميكانيزم بين أعضائها وتعديل آليات العمل في اللجنة باتجاه أكثر وضوحاً لنزع ذريعة «إسرائيل» بالاستمرار بالاعتداء على لبنان تحت ذريعة تخزين حزب الله للسلاح في المنازل على الحدود، وبالتالي يمكن للجيش اللبناني أن يوثق عملياته في جنوب الليطاني كما حصل في الجولة الإعلامية في أحد الأنفاق والجولة الدبلوماسية على الحدود وتفعيل التنسيق الأمني والمعلوماتي مع الميكانيزم للحدّ من استهداف «إسرائيل» للمنازل والأهداف المدنية.
ولا تعلّق مصادر دبلوماسية الآمال على اجتماع باريس لجهة توفير الدعم المالي والتسليحي للجيش، وتعزو المصادر عبر «البناء» الأسباب، إلى رفض أميركي حازم لتسليح الجيش بسلاح دفاعي وأجهزة مراقبة متطورة لكي لا تستنفز «إسرائيل» أو تشكل خطراً عليها مستقبلاً، إلا من أسلحة خفيفة وعتاد عسكري ومناظير ليلية لمراقبة حركة حزب الله والعثور على الأنفاق لا لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وحماية الحدود، فيما لم تجد السعودية أنّ الظروف نضجت لتقديم دعم مالي للجيش وللدولة اللبنانية حتى حلّ مسألة سلاح حزب الله.
بالتوازي، تعقد لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار «الميكانيزم» اجتماعها الثاني بعد تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني التفاوضي. ونفت مصادر عليمة لـ»البناء» الحديث عن تعيين عضو شيعي وآخر سني في لجنة الميكانيزم، لكنها تخوّفت من وضع «إسرائيل» مطالب وشروط جديدة على لبنان مثل رفع مستوى التمثيل في الميكانيزم، أو تكليف وزراء في الحكومة للمشاركة أو مفاوضات سياسية ـ اقتصادية منفصلة عن المفاوضات التقنية العسكرية لجرّ لبنان إلى فخ السلام والتطبيع الاقتصادي.
وفي سياق ذلك، التقى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قصر بعبدا رئيس الوفد المفاوض في «الميكانيزم» السفير السابق سيمون كرم، وزوّده بتوجيهاته قبيل الاجتماع المقرّر للجنة يوم الجمعة المقبل.
وأكد رئيس الجمهورية خلال استقباله المجلس الجديد للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، أننا «نعمل من خلال التفاوض على تثبيت الأمن والاستقرار خصوصاً في الجنوب، والتفاوض لا يعني استسلاماً»، مشيراً إلى «أني كرئيس للجمهورية، سأسلك أيّ طريق يقودني إلى مصلحة لبنان، والمهمّ في ذلك إبعاد شبح الحرب وإعادة الإعمار وتثبيت الناس في أرضهم وإنعاش لبنان اقتصادياً وتطوير دولته». وشدّد على ضرورة نقل الاغتراب الصورة الحقيقية عن لبنان في الخارج، «لأنه وللأسف، فإنّ البعض من اللبنانيين فيه ينقلون الصورة السيئة»، معتبراً أنّ من يسوّق للحرب انفضحت لعبته لأنّ ثمة من يعيش على نفَس الحرب لإجراء الانتخابات على أساسها، مطمئناً إلى أنّ الوضع في لبنان جيد وزيارة البابا أعطت صدى إيجابياً.
وعشية توجه قائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الأميركي ـ السعودي ـ الفرنسي تحضيراً لمؤتمر دعم الجيش، والذي سيناقش (اي الاجتماع) أيضاً خطة الجيش لحصر السلاح، لفت نائب رئيس الحكومة طارق متري إلى أنّ الحكومة قامت بما هو ممكن في ظلّ الظروف القائمة، معتبراً أنّ الجيش اللبناني يؤدي دوراً جيداً ويتمتع بمصداقية واضحة، وهو ما لمسه السفراء ميدانياً خلال جولاتهم. وفي ما يتعلق بسلاح حزب الله، أوضح متري أنّ قائد الجيش اقترح خطة من خمس مراحل، تنطلق من تعزيز قدرات الجيش، وأنّ بسط سلطة الدولة في المنطقة المحيطة بالليطاني يشهد تقدّماً تدريجياً، مع اقتراب الجيش من إنهاء مهمته جنوب الليطاني تمهيداً للانتقال إلى مراحل لاحقة. أما لجنة الميكانيزم، فرأى فيها مساحة نقاش وإطاراً للإشراف والتحقق من احترام الاتفاقات، مؤكداً التزام لبنان بها منذ اليوم الأول، في مقابل استمرار الخروق الإسرائيلية.
ميدانياً، وبعد فضح ادّعاءات جيش الاحتلال في بلدة يانوح، أشارت معلومات إلى أنّ الجيش اللبناني أجرى كشفاً داخل بلدة تولين جنوبي البلاد، في مكان كان تعرّض سابقاً لغارة إسرائيلية، بناءً على طلب من «الميكانيزم»، على خلفية ادّعاءات إسرائيلية بوجود نفق في المنطقة.
وأفادت معلومات «البناء» بأنّ جيش الاحتلال سيكرّر ما فعله في يانوح وتولين، في الضاحية الجنوبية وسيدّعي وجود أسلحة وذخائر وصواريخ في أبنية في الضاحية لكي يجرّ الجيش اللبناني إلى البدء بتفتيش المنازل في الضاحية.
إلى ذلك، واصل الإعلام الإسرائيلي الترويج للحرب على لبنان كجزء من الحرب الإعلامية النفسية، وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن «إسرائيل تستعدّ لمواجهة عسكرية مع حزب الله مع اقتراب الموعد النهائي لنزع سلاحه جنوبي نهر الليطاني نهاية العام، فيما لا تزال واشنطن ترى إمكانيّة منع التصعيد». ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين أنّ «المواجهة مع حزب الله باتت حتمية لأنّ التنظيم «يتعافى ويتعزز بوتيرة أسرع»، وأنّ «»إسرائيل» أبلغت واشنطن أنّ الجيش اللبناني لا يقوم بالمهمة المطلوبة».
في غضون ذلك، تتجه الأنظار مجدداً إلى ساحة النجمة التي ستشهد جلسة تشريعية دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم لاستكمال جدول أعمال الجلسة الماضية التي عطل انعقادها نواب حزبي القوات والكتائب والتغييريين وآخرون، فيما لاحت بوادر التأجيل التقني للانتخابات النيابية المقبلة من كلام نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب بعد لقائه رئيس الجمهورية.
وفيما تقاطع الجلسة التشريعية اليوم كتل «الجمهورية القوية» و»الكتائب» و»تجدد» والنائب أشرف ريفي و»تحالف التغيير»، تمكّن الرئيس بري عبر لقاءاته واتصالاته مع عدد من الكتل وفق معلومات «البناء» إلى تأمين نصاب انعقاد الجلسة. حيث أعلن النائب هادي أبو الحسن، عقب الاجتماع الدوري لكتلة «اللقاء الديمقراطي» برئاسة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط، «المشاركة في الجلسة التشريعية»، وأكد أن «لا مانع من تأجيل تقني للانتخابات لمدة شهرين كحدّ أقصى إذا كان هناك موجب لذلك»، وشدّد على «التمسك بحقوق المودعين». فيما شدّد تكتّل «الاعتدال الوطني» في بيان بعد اجتماعه الدوري حضور الجلسة، مشيراً إلى أنّ «موقفنا السابق كان إعطاء الفرصة لإتمام تسوية تتعلق بإجراء الانتخابات النيابية مع إقرار التعديلات المطلوبة لتأمين اقتراع المغتربين. لكن للأسف لم تصل الأمور إلى النتائج المرجوّة، والاستمرار في مسار التعطيل يحمّل البلد تبعات تعطيل إقرار القوانين التي تهمّ المواطن اللبناني».
فيما يحضر تكتل لبنان القوي الجلسة، حاول رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعحع ممارسة الضغط والترهيب السياسي والمعنوي على النواب ومصادرة حقهم في الحضور أو المقاطعة، واعتبر عبر منصة «إكس» أنّ الرئيس بري يحاول ابتزاز نواب الشمال في بند مطار القليعات. فيما ذهب النائب في القوات غسان حاصباني أبعد من جعجع بتهديد النواب والتحريض عليهم بقوله: «احفظوا أسماء المشاركين في الجلسة التشريعية، وراقبوا النتائج، واحكموا لاحقاً في صناديق الاقتراع».
بدوره، أكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي خريس أنّ «حركة أمل وحزب الله مع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد وحسب القانون النافذ، وكلّ مَن يدعو إلى إجراء تعديلات على هذا القانون وكأنه يقول بطريقة غير مباشرة لا يريد إجراء الانتخابات».
وقال نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في بعبدا، «لمستُ لدى الرئيس تمنياً على جميع النواب الموجودين في كتل، أو المستقلين، أن يحضروا الجلسة التشريعية لأنّ هناك قوانين تعني المواطنين. قوانين إصلاحية أو تلك التي لها علاقة باتفاقيات مع البنك الدولي، وهناك ضرورة للتشريع. وهو ضدّ شلّ عمل التشريع بأيّ شكل من الأشكال لأنّ كل ما يمكن للإنسان مناقشته، يناقش في الاجتماعات ومن خلال الحوار والتشاور. والتعطيل يضرّ اللبناني كما المصلحة العامة للحكومة والعهد خاصة في الظروف الصعبة التي نمرّ بها في لبنان».
وقال: «ماذا يعني فتح المهل من جديد؟ يعني ذلك أننا سنؤجّل الانتخابات ولو تأجيلاً تقنياً. التأجيل التقني إذا أقرّينا هذا التعديل في شهر واحد، لأنّ الوقت يداهمنا، فإنّ هذا يعني أنّ الأمور ذهبت إلى شهر آب وليس إلى حزيران أو تموز. لماذا؟ لأنّ هناك مهلاً معينة علينا احترامها حتى يتمكن وزير الداخلية من إنجاز التعديلات المطلوبة. وبكلّ الأحوال إذا كان الجميع يطالب حالياً ويريد بالفعل الانتخابات لـ 128، فهذا يعني أنه يطالب في الوقت نفسه بالتأجيل التقني لأنّ الأمور لا تتمّ خلاف ذلك».
وأشارت مصادر نيابية من أكثر من كتلة نيابية لـ»البناء» إلى احتمال تأجيل الانتخابات لعام أو عامين، لأنّ هناك مصلحة لأكثر من جهة سياسية بالتأجيل لأسباب متعددة. وكشفت أن هذا الخيار تمّ بحثه خلال لقاءات بين مسؤولين سياسيين في أكثر من اجتماع بانتظار أن تتظهّر الصورة وتحسم الأمور مطلع العام الجديد.
إلى ذلك وفي تطور قضائي قد يساهم في ردع كلّ من يمسّ الشعور القومي ويضع حداً للتحريض العنصري والطائفي، أصدر قاضي التحقيق في بيروت، حسن حمدان، قراراً ظنّياً اعتبر فيه أنّ فعل المحامي أنطوان س. يشكّل جناية تنطبق عليها المادة 295 من قانون العقوبات، التي تنصّ على أنّ: «كلّ من قام في لبنان، في زمن الحرب أو عند توقّع نشوبها، بدعاية ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية، عوقب بالاعتقال المؤقّت».
ويأتي هذا القرار بحق المحامي المذكور، بعد ادّعاء القاضي زاهر حمادة عليه، على خلفية نشره منشوراً على صفحته عبر مواقع التواصل الاجتماعي اعتُبر تحريضاً على عدم التبرّع بالدم لـ»جرحى البيجر»، وذلك عقب العملية التي نفّذها العدو الإسرائيلي في أيلول من العام الماضي، والتي عمد خلالها إلى تفجير أجهزة البيجر التي كان يستخدمها عناصر في حزب الله ومسؤولون فيه.
وقد أُحيل الملف إلى الهيئة الاتهامية في بيروت لإصدار قرارها الاتهامي بحق المحامي، إمّا بفسخ قرار القاضي حمدان أو بالمصادقة عليه، وفي حال المصادقة، يُحال المحامي أمام محكمة الجنايات للمحاكمة.
وزارة الإعلام اللبنانية