كتبت صحيفة “البناء”: كثيرة هي التوقعات حول التصعيد الأميركي في البحر الكاريبي الذي ينسجم تماماً مع ما نصت عليه وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي، لجهة اعتبار القارة الأميركية مدى حيويّ للأمن القومي الأميركي مع تهدئة سائر جبهات النزاع والتركيز على دبلوماسية صفقات المصالح فيها، لكن الاحتمالات حول كيفية ترجمة الاستراتيجية الجديدة، بين خياري الحرب والتفاوض، والذين يقولون بخيار الحرب يجدون في الحشود الأميركية والحديث عن إسقاط نظام الرئيس نيكولاس مادورو دلائل على هذا الاتجاه، بينما يعتقد آخرون بأن هذا التصعيد تمهيد للتفاوض، والتفاوض المرجح هو وراء الستار مع الصين المستهدف الرئيسي في أميركا الجنوبية وفقاً لوثيقة الأمن القومي، وفي التفاوض كثير من الأهداف الأميركية منها وأهمها طلب العودة الصينية للاستثمار في سوق السندات الأميركية أمام استحقاقات سداد قرابة أربعة تريليون دولار لم تنجح الرسوم الجمركية الجديدة بتحصيل جزء بسيط منها، وإثر مصادرة وحدات عسكرية أميركية رسمياً وعلناً لناقلة نفط فنزويلية، وتصريح البيت الأبيض بأن العملية نفذت بقرار من الرئيس دونالد ترامب، تلقى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو اتصالاً تضامنياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤكد الوقوف مع فنزويلا بوجه الضغوط ويعلن المضي قدماً بتنفيذ مضمون اتفاق التعاون الاستراتيجي بين موسكو وكاراكاس، وسط تساؤلات عما يمكن أن يصدر عن الصين؟
الموقف الروسي الداعم لفنزويلا لا يحجب اتجاه التقارب الأميركي من روسيا في ملف الحرب الأوكرانية، حيث كانت التطورات العسكرية تجري بسرعة لصالح روسيا وفقاً لتطورات أمس، بينما أعلن الرئيس الأوكراني عن مشروع منطقة اقتصادية في شرق أوكرانيا تتبناه واشنطن اسوة برؤية المناطق الاقتصادية التي يحملها المبعوثون الأميركيون إلى مناطق النزاع، خصوصاً غزة ولبنان وسورية واذربيجان وأرمينيا، ورجّحت مصادر إعلامية أميركية ان يتم نقل مهمة المبعوث الأميركي إلى سورية ولبنان توماس برّاك إلى ملف أوكرانيا، بعدما تسببت مواقفه المؤيدة لتركيا بغضب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي عبر علناً عن موقفه من برّاك بوصفه سفيراً لتركيا، بينما صعد الصراع التركي الإسرائيلي حول سورية في تركيب القوة الدولية المرتقبة لغزة، حيث أعلن وزير الخارجية التركية حاقان فيدان عن عزم بلاده إرسال قوة من عشرة آلاف جندي إلى غزة ضمن إطار قوة حفظ الاستقرار، وهو ما تعلن “إسرائيل” رفضه بصورة قاطعة، وينتظر أن يكون الملف على طاولة الاجتماع المرتقب بين نتنياهو وترامب نهاية الشهر الحالي في واشنطن.
لبنانياً، مجموعة مواقف ترسم صورة المرحلة القادمة، حيث أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه في ظل عدم السير بقانون انتخابات يترجم ما نص عليه اتفاق الطائف وكرّسه الدستور بصيغة نظام المجلسين، مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف، فلا تعديل لقانون الانتخاب ولا تأجيل للانتخابات، بينما قال الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إن الحديث عن العصر الإسرائيلي لا يعني أنه علينا أن نستسلم مؤكداً رفض الاستسلام، ورفضه للمغامرة بالحديث عن دولة درزية، فيما كان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يبدي قلقه من مظاهر رفع الأعلام السورية وقطع الطرقات وأحداث الشغب التي رافقت احتفالات ذكرى سقوط النظام السابق في سورية، رافضاً ما وصفه بالدونية اللبنانية، مجدداً دعوته لعودة شاملة وعاجلة للنازحين السوريين، أما وزير الخارجية يوسف رجي فقد بقي اهتمامه محصوراً بخوض السجال مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على خلفية الدعوة التي وجّهها له عراقجي لزيارة طهران وردّ عليها بطلب اللقاء في بلد ثالث.
وأطلق رئيس مجلس النواب سلسلة مواقف من قضايا عدة خلال استقباله وفد نقابة الصحافة، حيث سئل عن التهديدات التي يطلقها بعض الدبلوماسيين، وخاصة ما صدر أكثر من مرة عن الموفد الأميركي توم برّاك لجهة ضمّ لبنان إلى سورية، فأجاب «ما حدا يهدّد اللبنانيين»، «لا يُعقل أن يتمّ التخاطب مع اللبنانيين بهذه اللغة على الإطلاق، خاصة من الدبلوماسيين ولا سيما من شخصية كشخصية السفير توم برّاك»، و»ما قاله عن ضم لبنان إلى سورية غلطة كبيرة» غير مقبولة على الإطلاق.
وأضاف رئيس المجلس: مجدداً أقول إن لا بديل ولا مناص للبنانيين لمواجهة المخاطر والتداعيات والتهديدات من أي جهة إلا بوحدتهم وبوحدتنا نستطيع أن نحرر الأرض .
وحول اتفاق وقف إطلاق النار والمفاوضات أجاب بري سائلاً: أليست الميكانيزم هي إطار تفاوضي؟ هناك مسلمات نفاوض عليها عبر هذه اللجنة هي: الانسحاب الإسرائيلي، انتشار الجيش اللبناني، وحصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني بيد الجيش اللبناني، وهذه اللجنة هي برعاية أميركية، فرنسية وأممية، وقلت أكثر من مرة إن لا مانع من الاستعانة بأي شخص مدني أو تقني إذا لزم الأمر ذلك، بشرط تنفيذ الاتفاق. وتابع: لبنان ومنذ تشرين الثاني عام 2024 نفذ كل ما هو مطلوب منه والجيش اللبناني انتشر بأكثر من 9300 ضابط وجندي بمؤازرة اليونيفيل، التي أكدت في آخر تقاريرها على ما نقوله لجهة التزام لبنان بكل ما هو مطلوب منه، في حين أن «إسرائيل» خرقت هذا الاتفاق بحوالي 11000 خرق. وكشف أنّ الجيش اللبناني نفذ 90% من بنود اتفاق وقف إطلاق في منطقة جنوب الليطاني وسوف ينجز بشكل تام ما تبقى مع انتهاء العام الحالي، وقال: هذا ما أكدته اليونيفيل والميكانيزم وقائد الجيش العماد رودولف هيكل. وتابع: لكن المؤسف أن أحداً لا يسأل ولم يسأل أين؟ ومتى؟ وكيف؟ نفّذت أو التزمت «إسرائيل» ببند واحد من اتفاق وقف إطلاق النار؟ بل هي زادت من مساحة احتلالها للأراضي اللبنانية.
وشددت مصادر مطلعة في قيادة قوات الطوارئ الدولية لـ «البناء» على أن الجيش اللبناني يقوم بواجبه على أكمل وجه في إنجاز المهمات الموكل بها وفقاً للقرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين وحقق 90 في المئة من إزالة المظاهر المسلحة وسلاح حزب الله ومواقع تخزين السلاح والأنفاق». وكشفت المصادر أن بعض المهمات ينجزها الجيش بالتنسيق مع اليونيفيل ويدخلان إلى مواقع ومناطق للمرة الأولى ومن دون اعتراض الأهالي نظراً للثقة التي يتمتع بها الجيش في مختلف مناطق الجنوب. وشدّدت المصادر على أن «إسرائيل» تعيق استكمال أعمال الجيش في جنوب الليطاني وتخرق اتفاق وقف إطلاق النار وتوسّع احتلالها وتعتدي على المدنيين وعلى الجيش وعلى قوات اليونفيل وبالتالي تهدّد الأمن والاستقرار على الحدود. ونفت المصادر «ادعاءات الإعلام الإسرائيلي وبعض الإعلام اللبناني عن تغطية الجيش على تحركات حزب الله»، مؤكدة أن الجيش يعمل بكلّ جدية واحترافية ضمن الإمكانات المتاحة.
وتوقفت أوساط سياسية عند الهجمة الدبلوماسية الأميركية الأوروبية العربية الكبيرة على لبنان وخلال فترة زمنية وجيزة، واللافت وفق ما تشير الأوساط لـ «البناء» هو زيارة السفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى إلى عين التينة للمرة الثانية خلال 24 ساعة ما يُنذر بأمر من اثنين إما أن هناك مسعى ما جدّي للحل استوجب الزيارة الثانية ويتطلب تبادل الرسائل بين الإدارة الأميركية والرئيس بري وإما لإبلاغ رسالة أميركية لبري تحمل تهديدات إسرائيلية بتصعيد كبير على لبنان مطلع الشهر المقبل إذا لم تلتزم الدولة بتطبيق حصرية السلاح على كامل الأراضي اللبنانية.
وتوقع مصدر نيابي عبر «البناء» أن يطول أمد التفاوض عبر الميكانيزم من دون التوصل إلى نتائج عملية لأن الإسرائيلي معروف بمراوغته بالتفاوض وغدره واستغلال الظروف لصالحه لا سيما أنّ أهدافه تتجاوز مسألة سلاح حزب الله إلى فرض مسار تفاوض مباشر وصولاً إلى التطبيع والتعاون الاقتصادي، كما بشر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. وتوقع المصدر تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً واسعاً لكن تحت سقف الحرب الواسعة بهدف فرض التفاوض تحت النار وانتزاع المكاسب من لبنان تدريجياً.
واستقبل رئيس الحكومة نواف سلام في السراي، وفد المجموعة الأميركية من أجل لبنان برئاسة إدوارد غبريال واستبقاه إلى مائدة غداء. كما استقبله قائد الجيش العماد رودولف هيكل في اليرزة، وتناول البحث الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة وسبل دعم الجيش والتحديات التي تواجهه حالياً في ظل الأوضاع الراهنة.
وشدّدت كتلة الوفاء للمقاومة خلال اجتماعها برئاسة النائب محمد رعد على أن السلطة ارتكبت سقطة أخرى في لبنان بتسميتها مدني للمشاركة في لجنة الميكانيزم التي تشرف على اتفاق وقف الأعمال العدائية مخالفة حتّى للمواقف الرسمية السابقة التي ربطت مشاركة المدنيين بوقف الأعمال العدائية.
وأضافت الكتلة في بيان أن الدولة اللبنانية قدّمت تنازلاً مجانياً لن يوقف العدوان، لأنّ «إسرائيل» تريد إبقاء لبنان تحت النار بتغطية ودعم من الولايات المتحدة الأميركية.
وتابعت أنَّ كتلة الوفاء للمقاومة ترى أنّ الفرصة لا تزال متاحة بيد السلطة اللبنانية لفرملة تنازلاتها المجانية المتسارعة أمام العدو من خلال حزم أمرها واشتراط التزام العدو بالاتفاق أولاً، خصوصاً أنَّ الخروقات والانتهاكات العدوانية قد بلغت آلافاً وأدّت إلى استشهاد وجرح مئات المواطنين اللبنانيين وتدمير العديد من الممتلكات الخاصّة والعامّة.
ولاحظت الكتلة ارتفاعاً في منسوب اللغة التصالحيّة من بعض الأطراف والشخصيات مع العدو الصهيوني مبررة جرائمه ومبدية تفهّمها لما يقوم به من اعتداءات وجرائم يوميّة بحق الوطن وأهله، وفتحاً لبعض المنصات أمام متحدّثيه أو ترويج مقولاته بما يشكل مخالفة واضحة وانتهاكاً فاضحاً للقوانين اللبنانية في التعاطي مع عدو رسميّ للبنان بموجب القوانين اللبنانية.
وأهابت الكتلة بالجهات المعنية من وزارة إعلام والمجلس الوطني للإعلام وكذلك الجهات القضائيّة وكل الجهات المعنية أن تتحرك فوراً وتقوم بواجباتها كاملة إزاء هذا التسيب الإعلامي الذي يضرب أساسيات وبديهيات الموقف الوطني ويؤدي إلى مزيد من الانقسامات ما يشجع العدو على تصعيد عدوانه والاستمرار فيه.
بدوره أشار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، إلى أننا “نريد القرار بيد دولتنا والسلاح بيد الجيش، لكن يجب أن نعرف كيف نزيل الاحتلال ونحقق حصرية السلاح من خلال مفاوض لبناني حر سيد مستقل غير خاضع لا للداخل ولا للخارج”.
ورأى باسيل في مقابلة مع “روسيا اليوم”٬ أن “السلطة اللبنانية خاضعة ومتقاعسة، وتتعاطى بدونية بكل شيء مع سورية، فمجرد القبول بالتفاوض حول عودة السجناء السوريين من لبنان هو تنازل”، مؤكداً “أن المسجونين بجرائم تسمح بإعادتهم يجب أن يُعودوا بلا تفاوض، والمسجونين الذين قتلوا وخطفوا واعتدوا على الجيش يجب ألا يكونوا خاضعين للمساومة”.
ولفت باسيل إلى أن ما حدث منذ يومين خطير جداً لناحية إنزال النازحين الذين سمّوا جيشاً ليحتفلوا، “وهو ما كاد يؤدي إلى فتنة”، مستهجناً “سكوت الحكومة وأطرافها”، داعياً إلى إعادة فورية للنازحين إلى بلدهم، معتبراً أن “الإجراءات الحالية أقل بكثير من المطلوب”.
وقال “في النهاية الحرب يجب أن تنتهي، وأن يسلّم حزب الله بعدم بقاء السلاح، فاليوم كلّ الشعب يريد حمل عبء الدفاع من خلال الجيش، ولذلك نقول باستراتيجية دفاع وطني وبرنامج يقوم على إلزام “إسرائيل” ومن معها بالانسحاب في مقابل الحل لموضوع السلاح”.
من جهته لفت النائب السابق وليد جنبلاط، في حديث تلفزيوني إلى أن “الجيش اللبناني يقوم بعمل جبّار في الجنوب بمصادرة السّلاح الاستراتيجي وأتمنّى ألا يستمرّ موضوع الإشكال البروتوكولي في عدم استقبال أميركا لقائد الجيش”، وتابع: “سمعتُ كلاماً قد يكون صحيحاً بأنّ 90 في المئة من السلاح الكبير الاستراتيجي دُمِّر فلماذا يُصرّ الإسرائيليّون إذاً على ضرب لبنان؟ وهل المطلوب تهجير الطائفة الشيعيّة بأكملها؟”.
وكشف أن “الوفد الأميركي الذي التقيته اليوم كان متعدّد الآراء ونرغب بأن نعرف من السفير عيسى مَن يتحدّث باسم أميركا؟ “تنعرف حالنا وين رايحين”، مؤيداً إجراء استفتاء شعبي بشأن انضمام لبنان إلى الاتفاقات الإبراهيميّة.
وشدّد جنبلاط على أنه ليس مع استخدام القوة في عمليّة تجريد السلاح، مشيراً إلى أننا “دخلنا في نوع جديد من الحروب مع اختراق إسرائيلي هائل في الداخل لذلك فلندافع عن الجيش اللبناني ونطلب تطويع 10 آلاف عسكري ولتعطنا أميركا سلاحاً مقبولاً”.
كما توقع أن تؤجَّل الانتخابات إلى تمّوز، وقال: “المهمّ أن يتّفقوا على قانون انتخاب و”لو بدّو يبقى تيمور وحده بالمختارة ما عندي مشكلة”.
وفي هذا السياق أكد الرئيس بري أن القانون الانتخابي الحالي نافذ والانتخابات لن تجري إلا وفقاً للقانون النافذ، وقال: “إلغاء ما في” و”تأجيل ما في” كل الناس تريد الانتخابات ولا زلنا منفتحين على أي صيغة تفضي إلى توافق حول المسائل العالقة التي هي موضع خلاف بين القوى السياسية خاصة في موضوع المغتربين، فلا أحد يريد إقصاء المغتربين، وقبل أن نبحث بأي تعديل أريد أن أذكر بأنني ومنذ أكثر من ثماني سنوات طالبتُ وطالبَت كتلة التنمية بتطبيق اتفاق الطائف في الشق المتعلق بقانون الانتخابات وإنشاء مجلس للشيوخ، علماً أن هذا الأمر يأخذ من صلاحيات مجلس النواب ورئيسه، ورغم ذلك قلت وأقول الآن أنا موافق، تعالوا لنطبق اتفاق الطائف في شقه المتصل بقانون انتخاب وإنشاء مجلس للشيوخ، لكن هل هم موافقون؟
وزارة الإعلام اللبنانية