الرئيسية / صحف ومقالات / الديار: مسقط محطة حاسمة: الرئيس عون بحث وساطة ثلاثية الأبعاد لإنقاذ لبنان.. هل وجود النازحين السوريين في لبنان… ورقة ضغط بيد الشرع؟
الديار لوغو0

الديار: مسقط محطة حاسمة: الرئيس عون بحث وساطة ثلاثية الأبعاد لإنقاذ لبنان.. هل وجود النازحين السوريين في لبنان… ورقة ضغط بيد الشرع؟

كتبت صحيفة “الديار”: في منطقة تمزقها المواجهات العسكرية، برزت سلطنة عُمان كملاذ دبلوماسي آمن، بفضل نهجها المرن مع مختلف الأطراف المتصارعة وابتعادها عن أي محور. وفي هذا الإطار، اراد رئيس الجمهورية جوزاف عون من خلال زيارته لمسقط حيث التقى السلطان هيثم بن طارق بن تيمور أل سعيد، ان يضع في صلب المحادثات ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية لمنع اندلاع الحرب الواسعة التي تهدّد «إسرائيل» بشنّها ضد لبنان.

وتعقيبًا على الزيارة، وصف مستشارٌ لدى إحد المراجع السياسية هذه الخطوة بأنها «أمّ الزيارات»، نظرًا إلى الدور المحوري الذي يمكن أن تضطلع به السلطنة في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة، بوصفها حاضنة قادرة على القيام بمهمة بالغة الحساسية قد تفضي إلى حلّ ينقذ لبنان ان من الانفجار الداخلي أو من شرور الحرب الإسرائيلية المحتملة بخاصة بعدما ادت الوقائع على الارض والمواقف الى زيادة التصلب لدى حزب الله الذي بات يعتبر ان سلاحه مسألة وجودية ان بالنسبة الى الحزب او الى البيئة الحاضنة.

وفي السياق ذاته، قالت مصادر اعلامية في مسقط للديار بان المباحثات التي اجراها الرئيس عون مع السلطان هيثم بن طارق تناولت قيام السلطنة بدور الوساطة لعلاقتها الوثيقة بكل من طهران و«تل ابيب»، فضلا عن علاقتها مع واشنطن، بحيث ان المصادر اياها وصفت تلك الوساطة بانها «ثلاثية الابعاد»، كون معالجة الازمة اللبنانية تحتاج الى اتصالات مع كل من ايران و«اسرائيل واميركا في اوقات متزامنة.

الحلقة الديبلوماسية المقفلة

هذا بعدما بات واضحا ان المبادرة المصرية بدأت تدور في حلقة مفرغة دون ان تلقى الصدى الملائم سواء في واشنطن او في «تل ابيب»، وكذلك بعدما اظهر المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان اعتراف الاليزيه بانه لم يتمكن من احداث اي خرق في الموقف الاميركي او «الاسرائيلي»، لا بل ان «الاسرائيليين» يعتبرون ان باريس تعمل في اتجاه معاكس لمصالحهم الاستراتيجية، وان صدرت عنها مواقف مؤيدة لمواقف الاسرائيليين دون ان تتعدى في نظرهم المجال الاعلامي البحت.

اذا اتت الزيارة الرئاسية الى سلطنة عمان بعدما اظهرت التطورات ان تسمية السفير سيمون كرم، المعروف بمواقفه المعادية «جدا» لحزب الله وكذلك البدء بالمفاوضات لم يغير في اللهجة «الاسرائيلية»، حتى ان السفير الاميركي لدى لبنان ميشال عيسى صرح لدى خروجه من اجتماع مع الرئيس نبيه بري في عين التينة بأن «اسرائيل»:» تفرق بين المفاوضات مع الحكومة اللبنانية وحربها ضد حزب الله»، مضيفا بأن « ما يحصل هو محاولة للتوصل الى حل». وهذا يعني ان الطيران المعادي «الاسرائيلي» قد لا يستهدف المؤسسات والمرافق التابعة للدولة اللبنانية، لتقتصر ضرباته على مواقع ومراكز تزعم «اسرائيل» انها لحزب الله، كما لو ان الارض التي يتواجد فيها الحزب ليست ارضا لبنانية. اما الاخطر من ذلك، هو كلام السفير عيسى الذي بدا كأنه تبرير اميركي للموقف التصعيدي «الاسرائيلي».

مساران للمفاوضات اللبنانية مع «اسرائيل»

في التفاصيل، رأت مصادر ديبلوماسية للديار بأن لبنان متجه الى مسارين في المفاوضات مع «اسرائيل». المسار الاول يرتكز على المسائل التقنية من ناحية وقف اطلاق النار حيث يشارك في الوفد التفاوضي ضباط عسكريون بهدف تعزيز الجانب الأمني والعسكري في المحادثات ودعم المواقف الرسمية خلال المفاوضات.

اما المسار الثاني فهو مسار سياسي يتناول الاوضاع التي يمكن معالجتها دون الوصول الى التطبيع على غرار ترسيم الحدود البرية واستخراج النفط والغاز وما الى ذلك. وهنا، اشارت المصادر الديبلوماسية انه في المسار السياسي سيكون هناك حالة تطبيع ولكن غير رسمية.

تظاهرات النازحين السوريين: تهديد متصاعد يواجه لبنان

بموازاة التركيز على اتصالات عمان التي يمكن ان تبدأ في أي وقت، انشغلت جهات سياسية وامنية مسؤولة بالتظاهرات للنازحين السوريين التي جرت في اكثر من منطقة لبنانية، في الذكرى السنوية الاولى لتغيير النظام في سورية،حيث ابدت هذه الجهات تخوفها من تبعات ما جرى، وانعكاس ذلك على المشهد العام في البلاد الى حد التساؤل ما اذا كان النازحون السوريون بمثابة «الجيش السوري البديل» على الارض اللبنانية والذي يمكن ان يؤشر الى تطورات داخلية خطيرة.

وهناك بين الاوساط السياسية من يسأل ما اذا كانت السلطة الجديدة في سورية تستعمل ورقة النازحين للتدخل في المسار السياسي والاستراتيجي للدولة اللبنانية كما كان الحال خلال وجود النظام السابق وحيث تم استخدام الورقة الفلسطينية ما ادى الى اندلاع الحرب الاهلية عام 1975، وفي ظل ظروف تجعل من اي صدام داخلي اكثر تهديدا للكيان اللبناني برمته ودون ان يبدو في الافق اي مجال لاعادة اكثر من مليون نازح سوري الى بلادهم حتى على امتداد السنوات المقبلة. وتزيد من مخاطر المشهد، التصريحات المتلاحقة للمبعوث الاميركي توم براك حينا بالكلام عن الحاق لبنان ببلاد الشام وحينا بضم لبنان وسوريا باعتبارهما ينتميان الى حضارة «رائعة».

رجي وزيارة طهران

وفي غضون ذلك، وفي حين يبدو لبنان انه يبحث عن مصباح مضيء عن اي طريق يوصل الى الخروج من المأزق الراهن، يبدو ان وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي ما زال مصرا بان يكون ممثلا لمعراب لا ممثلا للحكومة في ادائه الديبلوماسي. والحال ان رجي اعتذر رسميا عن عدم تلبية دعوة نظيره الايراني عباس عراقجي لزيارة طهران، موضحا في الوقت ذاته ان الاعتذار عن قبول الزيارة لا يعني رفض الحوار مع طهران، بل يعود الى غياب الظروف المؤاتية في الوقت الراهن دون ان يحدد طبيعة هذه الظروف. هذا الامر حمل البعض على التساؤل ما اذا كان لبنان في حالة حرب مع ايران؟

الانتخابات النيابية: الاتجاه نحو ارجائها

الى ذلك، تشير جهات على بينة من الاتصالات التي تجري داخليا وخارجيا في الظل هو ان الاتجاه يشير الى ارجاء الانتخابات النيابية المفترض حصولها في الربيع المقبل في عام 2026 ، ليس فقط بسبب الاجواء الاقليمية الحالية وحيث سيقف لبنان امام احتمالات مجهولة وانما بسبب الاجواء الداخلية المحمومة توترا على الصعيد الطائفي والمذهبي.

واعتبرت اوساط سياسية رفيعة المستوى للديار ان الانتخابات النيابية المقبلة ستكون انتخابات لاستكمال التشرذم اللبناني الموجود حاليا.

نبذة عن المسار الزمني لسلطنة عمان(2025-1980)

منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت سلطنة عُمان ترسم لنفسها دورًا فريدًا في الشرق الأوسط، يقوم على الحياد الإيجابي والابتعاد عن سياسة المحاور. وخلال الحرب العراقية–الإيرانية، كانت من الدول الخليجية القليلة التي حافظت على قناة اتصال مع طهران، مما وضع الأساس لدورها كجسر دبلوماسي.

في التسعينيات، وبعد توقيع اتفاق أوسلو، انفتحت عُمان على اتصالات هادئة مع «إسرائيل»، فوصلت العلاقات إلى زيارة شمعون بيريس لمسقط عام 1996 عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء. هذه الزيارة كانت إشارة مبكرة إلى أن السلطنة قادرة على التحدث مع أطراف متخاصمة دون إثارة حساسيات إقليمية. وفي تلك الفترة، اتخذت عُمان خطوة غير مسبوقة في الخليج، إذ سمحت بفتح مكتب تمثيل تجاري «إسرائيلي» في مسقط، لتكون أول دولة خليجية تقدم على هذا النوع من الانفتاح قبل أي دولة أخرى في المنطقة، مع حفاظها في الوقت ذاته على عدم الدخول في أي محور سياسي أو أمني.

ومع مطلع الألفية، بدأت عُمان تتحول إلى منصة تواصل غير معلنة بين إيران والولايات المتحدة، خصوصًا في ملفات شائكة تتعلق باحتجاز مواطنين أميركيين أو تبادل الرسائل غير المباشرة. وبحلول عام 2013، بلغت هذه الوساطة ذروتها حين استقبلت مسقط المفاوضات السرية بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين، وهي اللقاءات التي قادت لاحقًا إلى الاتفاق النووي لعام 2015.

وفي عام 2018، استقبلت السلطنة زيارة بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد، في خطوة عكست رغبة عُمان في إبقاء قنواتها مفتوحة مع الجميع، حتى مع الأطراف التي لا تجمعها بها علاقات رسمية. لم تكن الزيارة إعلانًا عن تحالف، بل استمرار لسياسة الأبواب غير المغلقة.

خلال السنوات اللاحقة، ورغم التوتر المتصاعد في المنطقة بين إيران و»إسرائيل»، حافظت عُمان على نهجها الثابت: لا تنحاز، لا تهاجم، ولا تقطع خطوط التواصل مع أي طرف. وحين اندلعت الحرب المباشرة بين إيران و»إسرائيل» عام 2025، كانت مسقط واحدة من العواصم القليلة القادرة على استقبال وفود الطرفين أو حلفائهما في محادثات تهدف إلى الحد من التصعيد.

وبذلك، عبر أكثر من أربعة عقود، تحولت سلطنة عُمان إلى مساحة دبلوماسية محايدة في منطقة تمزقها المواجهات، وجسر الهوة بين دول متخاصمة دون أن تكون طرفًا في الصراع، بل وسيط يحافظ على الهدوء حين تعج المنطقة بالصخب.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *