كتبت الدكتورة فيولا مخزوم مقالا تحت عنوان “الإعلام الرقمي والتكنولوجيا: شراكة المستقبل”، تناولت فيه التحولات الجذرية في الإعلام في العقود الأخيرة بفعل التطورات التكنولوجية السريعة، جاء فيه:
شهد الإعلام في العقود الأخيرة تحولات جذرية بفعل التطورات التكنولوجية السريعة، إذ لم يعد الإعلام يقتصر على الوسائل التقليدية، بل أصبح في قلب الثورة الرقمية التي غيرت بشكل جذري طبيعة صناعة المعلومة وتوزيعها. يمثل الإعلام الرقمي اليوم أحد أهم منصات التواصل والتأثير في المجتمعات، وبدون التكنولوجيا الحديثة وخاصة الذكاء الاصطناعي، لما كان بالإمكان الوصول إلى هذا الكم الهائل من المحتوى المتنوع بسرعة ودقة. هذه الشراكة بين الإعلام والتكنولوجيا تفتح آفاقًا واسعة لتحسين نوعية الإعلام وفاعليته، لكنها في الوقت نفسه تطرح تحديات أخلاقية وتنظيمية تستوجب اهتمامًا بالغًا.
في جوهر الإعلام الرقمي تكمن فكرة تحويل المحتوى إلى شكل يمكن نشره عبر منصات إلكترونية متنوعة، تشمل المواقع الإخبارية، وسائل التواصل الاجتماعي، المنصات التفاعلية، وغيرها. هذا التحول سمح بتجاوز القيود الجغرافية والزمنية، حيث يمكن لأي مستخدم في أي مكان حول العالم الوصول إلى المعلومات في لحظات معدودة. كما ساعدت التكنولوجيا في جعل الإعلام أكثر تفاعلية وشخصية، إذ تعتمد الكثير من المنصات اليوم على خوارزميات متطورة تحلل سلوك المستخدمين وتقدم لهم محتوى يتناسب مع اهتماماتهم، مما يزيد من مستوى المشاركة والانخراط.
يأتي الذكاء الاصطناعي كأحد أبرز عناصر التكنولوجيا التي لعبت دورًا محوريًا في تطوير الإعلام الرقمي. فهذه التقنية لا تقتصر على تسهيل عمليات التحرير والإنتاج، بل تتعداها إلى تحليل البيانات الضخمة التي تجمعها المنصات، واستخلاص الأنماط، والتنبؤ بما يهم الجمهور. بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في صياغة تقارير إخبارية بشكل آلي، مثل نشرات الطقس أو تقارير الأسواق المالية، مما يسرّع في عملية النشر ويضمن دقة التفاصيل. كما تستخدم تقنيات التعلم الآلي في تصحيح الأخطاء اللغوية وتحسين جودة المحتوى بشكل تلقائي.
على الرغم من هذه الفرص الكبيرة التي توفرها التكنولوجيا، يظل الاعتماد المكثف عليها يطرح العديد من التحديات التي تؤثر على مصداقية الإعلام وجودته. من أبرز هذه التحديات هي ظاهرة الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة، التي أصبحت أكثر انتشارًا بفضل إمكانية توليد المحتوى الزائف عبر تقنيات مثل التزييف العميق، حيث يمكن إنشاء فيديوهات أو صور تبدو حقيقية لكنها في الأصل مزيفة. هذه الظاهرة تهدد ثقة الجمهور في وسائل الإعلام وتضعف من دورها كمنبر للمعلومة الصحيحة.
كما أن الخوارزميات التي تعتمد عليها المنصات الرقمية قد تحمل تحيزات ضمنية، إذ يمكن أن تعزز من انتشار وجهات نظر معينة وتهمش أخرى، مما يؤدي إلى خلق ما يُعرف بفقاعات المعلومات التي تعزل المستخدمين عن آراء متنوعة. إلى جانب ذلك، يثير جمع البيانات الشخصية وتحليلها مخاوف كبيرة تتعلق بالخصوصية والأمان، مما يتطلب وضع ضوابط قانونية صارمة تحمي حقوق المستخدمين وتحدد آليات التعامل مع بياناتهم.
لمواجهة هذه التحديات، بات من الضروري وضع أُطر أخلاقية وتنظيمية واضحة تحكم استخدام التكنولوجيا في المجال الإعلامي. يجب أن تلتزم المؤسسّات الإعلامية بمعايير الشفافية والمصداقية، وأن تفصح عن دور الخوارزميات في تقديم المحتوى للجمهور. كما ينبغي تعزيز ثقافة المسؤولية المهنية بين العاملين في الإعلام، ليتعاملوا بوعي مع التقنيات الحديثة ويتخذوا قرارات تعزز من جودة المحتوى وتضمن احترام حقوق الأفراد.
من جانب آخر، يلعب الإعلاميون والمؤسسّات الإعلامية دورًا حيويًا في مواكبة التطورات التقنية والتكيف معها بفعالية. يحتاج العاملون في المجال إلى التدريب المستمر على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية، كما يتوجب عليهم تطوير مهارات التفكير النقدي والقدرة على التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها. كذلك، يتطلب الأمر تعاونًا بين الإعلاميين، التقنيين، والجهات التنظيمية لوضع استراتيجيات تضمن الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا دون المساس بالقيم الأخلاقية.
في الختام، يمكن القول إن الإعلام الرقمي والتكنولوجيا يشكلان معًا شراكة حيوية لمستقبل صناعة المعلومة، حيث توفر التكنولوجيا أدوات متطورة تعزز من سرعة ودقة الإعلام، في حين يظل الإنسان هو الضامن الحقيقي لسلامة الرسالة وموثوقيتها. إن بناء إعلام رقمي مسؤول ومستدام يتطلب تضافر الجهود بين جميع الأطراف، مع الالتزام بالقيم المهنية والأخلاقية التي تحمي المجتمع وتثري حياته الثقافية والمعرفية.
وزارة الإعلام اللبنانية