الرئيسية / قضايا / تثبيت الحدود البرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة وليس ترسيمها.. رأي قانوني للدكتور خضر ياسين
حدود الهدنة لبنان فلسطين

تثبيت الحدود البرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة وليس ترسيمها.. رأي قانوني للدكتور خضر ياسين

كتب الدكتور خضر ياسين*:

خضر ياسين

بعد إنجاز إتفاق ترسيم الحدود الجنوبية البحرية في تشرين الأول من العام 2022 ودخول لبنان في مرحلة التنقيب عن النفط والغاز، وما تحتاجه هذه المرحلة من إستقرار على المستويين السياسي والأمني، إنطلاقاً من مقولة (لا إستثمار دون إستقرار)، طرح حديثاً مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي عاموس هوكشتاين ملف الحدود الجنوبية البرية مع فلسطين المحتلة، لذلك لا بد من مقاربة هذا الموضوع من الناحية القانونية وكذلك عبر السياق التاريخي فيما يتعلق بموضوع حدود لبنان الجنوبية.
وفقاً لمصادر الجيش اللبناني يبلغ طول الحدود البرية مع فلسطين المحتلة 100 كلم وفق القرار 1701، وينتشر على هذا الخط كل من لواء المشاة الخامس( من الناقورة إلى رميش)، ولواء المشاة السابع(من العديسة إلى شبعا وجبل الشيخ)، وفوج التدخل الخامس( من يارون إلى العديسة)، ويوجد 13 منطقة متحفظ عليها وهي مناطق لبنانية، وفي هذا السياق لا بد من العودة فيما يخص موضوع الحدود الجنوبية البرية إلى مرجعين ذات علاقة، اللواء عبد الرحمن شحيتلي، والعميد الركن بسام ياسين، فاللواء شحيتلي ترأس وفد لبنان في مفاوضات الخط الأزرق في الناقورة بين عامي 2007 و2013، حيث يعتبر أن الحدود البرية معترف بها دوليا، لكن المشكلة أن الأمم المتحدة رسّمت خطاً لا يتطابق مع الحدود الدولية ب 13 نقطة، وهو الخط الأزرق، فلبنان يريد تصحيح الخط الأزرق حتى يتطابق مع الحدود الدولية المسجلة في الأمم المتحدة، أما العدو الإسرائيلي يطلب تعديل الحدود حتى تتطابق مع الخط الأزرق. والمعلوم أن الخط الأزرق هو خط إنسحاب وليس حدوداً دولية، وهذه النقاط ال (13) تبلغ مساحتها 485 الف متر مربع. من جهة ثانية ترأس العميد الركن بسام ياسين الوفد التقني العسكري اللبناني المفاوض بشأن الحدود الجنوبية البحرية، ويوضح بأن هذه النقاط هي نقاط خلافية تمتد من رأس الناقورة المعروفة بالنقطة (B1) إلى بلدة الغجر، وممنوع على العدو الإسرائيلي أن يقترب منها أو يبني جداراً داخلها وأن يقوم بأي أشغال فيها، والنقاط المذكورة هي بقع صغيرة والخلاف عليها لا يتعدى الأمتار المعدودة، لكن المسألة لا تكمن في المساحات بل في الأرض التي هي مقدسة ويمنع التنازل عن شبر منها.
تنقسم الحدود اللبنانية مع الدول العربية المجاورة إلى قسمين: قسم الحدود اللبنانية – الفلسطينية وقسم الحدود اللبنانية – السورية. فعلى صعيد قسم الحدود اللبنانية – الفلسطينية إن هذه الحدود تخضع لإتفاقية (بوليه – نيوكومب) وذلك بعدما تشكلت لجنة لترسيم الحدود عرفت بلجنة بوليه – نيوكومب بدأت أعمالها في العام 1920 وأقرّت بشكل نهائي بتاريخ 7/3/1923 ثم أودع محضر الترسيم لدى عصبة الأمم بتاريخ 6/2/1924، مما يعني أن خط الحدود بين لبنان وفلسطين أصبح خطاً معترفاً به دولياً، وبالتالي فإن الحدود اللبنانية مع فلسطين التي أقرتها الإتفاقية المذكورة هي ثابتة وغير قابلة للجدال.
أما فيما يتعلق بالحدود اللبنانية – السورية فإنه ليس لهذه الحدود أية صلة بإتفاقية (بوليه – نيوكومب) وإنما خضعت لإرادة الدولة المنتدبة (فرنسا) التي تجلّت بداية بالقرار(318) الذي وضع حدود لبنان الكبير وفقاً لما سبق ذكره. ونظراً لأن لبنان وسوريا كانا تحت سلطة الدولة المنتدبة ذاتها فإنها لم تر حاجة لترسيم دقيق للحدود عكس ما جرى مع فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني مما إستوجب إجراء عملية ترسيم دقيق لحدودها مع لبنان.
كذلك الأمر أثناء عملية الإنسحاب كان من الضروري التحقق من انجازها وفقاً لمتطلبات القرار(425) الذي يدعو اسرائيل للإنسحاب حتى الحدود الدولية، فعيّنت الدولة اللبنانية لجنة عسكرية برئاسة العميد الركن الدكتور أمين حطيط للتأكد من هذا الأمر، كما عيّنت الأمم المتحدة لجنة دولية لمراقبة تنفيذ القرار والتحقق من الإنسحاب، حيث قامت اللجنة الدولية برسم خط للحدود سمّي بالخط الأزرق، إلأّ ان الدولة اللبنانية تحفّظت عليه بشأن كل من مناطق مزارع شبعا ورميش والعديسة والمطلة، وأصرّت على اعتبار هذا الخط خطاً ظرفياً ذو طبيعة محددة تتمثل بالتحقق من الإنسحاب دون أن ينعكس ذلك على حدود لبنان المعترف بها دولياً، وهذا التحفظ كرّسته اللجنة الدولية على الخريطة التي وضعتها بهذا الشأن.
إضافة إلى ذلك، ونتيجة للقرار رقم (62) الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 16/11/1948 وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة تم عقد هدنة بين لبنان واسرائيل بتاريخ 23/3/1949، هدفت الى وضع أطر قانونية وقواعد أساسية ملزمة للطرفين، تمثلت بعدم اللجوء الى القوة العسكرية وعدم القيام بأي عمل عدواني ضد الطرف الأخر وعدم تعريض المدنيين في أقليم أحد الأطراف الى الاعتداءات، كما لحظ الاتفاق تشكيل لجنة دولية لمراقبتها، ولذلك تشكل إتفاقية الهدنة النص الأساسي الأول، الناظم للعلاقة بين لبنان واسرائيل والذي التزمت بموجبه باحترام حدود لبنان المعترف بها دولياً.
وتحدد الإتفاقية في الفقرة الأولى من المادة الخامسة مفهوم خط الهدنة بأنه يتبع خط الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، والغاية الأساسية من خط الهدنة هي تحديد الخط الذي لا يجوز أن تتخطاه القوات المسلحة التابعة لكل من الفريقين (الفقرة الثانية من المادة الرابعة)، ومن المعلوم أن الحدود بين لبنان وفلسطين تم إقرارها بشكل نهائي في العام 1923 بموجب إتفاقية بوليه- نيوكومب، وهذه الحدود محددة بدقة، وبالتالي يكون لإتفاقية الهدنة تأثير ملحوظ على تأكيد الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، كما يستفاد من نصّها على عدم دخول أراضي طرف من قبل طرف آخر، سواء في اجتياز خط الحدود أو بالإلحاق والدخول إلى أرض الآخرين، بحيث انها تشكّل إعترافاً اسرائيلياً خطياً وصريحاً باحترام سيادة لبنان وحدوده المعترف بها دولياً.
وبناءً على ما تقدم فإن اسرائيل مازالت تحتل اراضي لبنانية، وتعتبر قوة احتلال وفقاً لأحكام القانون الدولي وتنتهك المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظّر على كل الدول استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد الوحدة الأقليمية والاستقلال السياسي لأي دولة أخرى، بالمقابل يقرّ القانون الدولي لحركات التحرير الوطني أو المقاومة الوطنية بالحق في استخدام القوة المسلحة من أجل التحرير ورفع الاحتلال، وهو ما استندت اليه المقاومة اللبنانية التي مارست الكفاح المسلح ضد العدو الاسرائيلي لإجباره على الانسحاب من المناطق اللبنانية المحتلة مما يعطيها صفة المشروعية الدولية، على اعتبار ان الاحتلال يشكل حالة مؤقتة وغير مشروعة تعقب النزاع المسلح، وبالتالي تكون إسرائيل ملزمة بتنفيذ القرارت الدولية كاملةً وانهاء الاحتلال للأراضي اللبنانية بوصفه لب المشكلة برمتها والعلاج الناجح الوحيد لإنهاء الانتهاكات الخطيرة للقانون الانساني الدولي.

*استاذ محاضر في الجامعة الاسلامية في لبنان والجامعة اللبنانية

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *