الرئيسية / قضايا / كلاس: الحياد ومسؤولية الإختباء من الحقيقة.. الى أي مدى يمكن ان يكون إعلام الحياد فَناً للتخاذل وللهروب من الجرأة ؟
كلاس جديدة

كلاس: الحياد ومسؤولية الإختباء من الحقيقة.. الى أي مدى يمكن ان يكون إعلام الحياد فَناً للتخاذل وللهروب من الجرأة ؟

كتب وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور جورج كلاس:
يكثر في زمن الازمات و النزاعات إستخدام اللغط الإعلامي المقصود لبعض المصطلحات السياسية و محاولة توظيفها في غير دلالاتها الصحيحة تجهيلاً و تضليلا، رغبة من البعض ببناء حيثية فكرية وثقافية واجتماعية تمكِّنهم من تسويق تراكيب معجمية و قاموسية تؤهلِّهم لإيجاد حيِّزٍ يُطلُّون من خلاله على الرأي العام بعبارات يصطدم فيها المعنى بإشكالات التفسير و تقنيات التعبير ، و يختبئ بها التفكير العلمي القويم العوائد لصالح التنظير الإعلامي العديم الفوائد .
ان تحوير المفهوم الصحيح لكلمة ( حياد ) بما تعنيه من عدم اتخاذ موقف واضح بين متخاصمين او متنافسين في ظرف معين و يشكل حراجة للبعض وفق أجندة مصالحهم الشخصية ، لا يعني ابدا تبرير عدم إعلان موقف واضح و صلب من تحديات قاسية تعترض الوطن في مسيرته النضالية و مساره التطوري و تتطلبها المرحلة المتشظية بدقتها و تشعباتها التي يتهامش فيها مفهوما الإلتزام و الإنتماء مع مفهوم الحرية . فالحياد في الخلافات الداخلية هو نقيصة بذاته ، في حين ان المطلوب هو الموضوعية العقلانية بدل إتخاذ موقف سلبي إختبائي لمصطلح الحياد السياسي الذي يتم تسويقه ظَرفيّاً .
أيُّ مسؤولية للإعلام في صناعة الحياد في حالات الأزمات و النزاعات و الخلافات و الحروب ؟
يتشكل من هذه الإضمامة من التعابير مستويات عدة من الاجابات التي تتلاقى مع مفاهيم الحياد و علاقته بالمواطنة و تبيان خطوط التلاقي و التباين و التباعد عند ترسيم حدود الحياد السلبي و الايجابي ، و إقامة مقاسها العملي بين مثلث : الوسطية الفاشلة، و التوفيقية التصالحية ، و التوافقية المصلحية .
فالحياد الداخلي السياسي و الإعلامي يمكن فهمه ، لا تبريره ، في الخلافات الداخلية بين جماعات البلد الواحد ، في حين انه ساقط و مرفوض في الازمات و النزاعات و الحروب ، حيث المطلوبُ و اجبُ و جرأةُ إعلانِ المواقف جهراً و اتخاذ القرارات بصراحة بعيدا عن اي موارباتٍ لفظية او مناورات كلامية . ما يعني ان الاعلام السياسي مناطة به مسؤولية ان يكون ناطقًا باسم الوطن ، لا منظراً في ظروف المحن و المساومات . فالحياد موقف تخاذلي و حالة اللاّموقف ، إذ كيف يقف الجندي على الحياد في زمن الحرب ؟ بل كيف يجرؤ إنسان ان يبقى على الحياد إذا وقعت أمُّه في مشكلة مثلا ؟ و هنا تطرح مشكلة ما اذا كان الحياد هو ( رأي عام ) أم موقف جهة ذات مرجعية وازنة و لها حضورها و فعلها ، و مدى علاقة ذلك بفعالية المثقف و حيادية الجماعة في بلد تحكمه دستورية المؤسسات و لم تعلن مؤسسة دستورية الحياد تجاه وضعية استثنائية ، خصوصا في مجتمع يتصف بالتكاملية الوطنية لا بالتعددية التغالبية .
إزاء هذه القضايا تُقاس قدرة الإعلام على تقديم معلومات عادلة تجمع بين الصح و العدالة . و تتصف العدالة الاعلامية بتجاوز التحديات المهنية و الخلقية التي تحكم سلوكات بعض وسائل الاعلام ، مع وجوب الفصل بين الافكار و الأحداث و آراء الاعلاميين حيال قضية محددة ، لأنه من حق الناس ان تعرف تبريرات اتخاذ موقف حيادي من قضايا مفصلية . و هذا ما يضفي عنصر الثقة بالإعلام المستندة الى التنوع في مصادر الاخبار و توفير رؤى مختلفة حول الاحداث و الماجريات . و تترافق عملية تدعيم الثقة بالاعلام مع مسؤولية الشهادة للحق و الدفاع عن الحقيقة و تنوير الجمهور و الانحياز الى الحقيقة المطلقة ، حتى لو إستوجب ذلك فرض إقامة موازنة دائمة بين ما يجب قوله و ما يجب السكوت عنه موقتا .
فالحياد الداخلي هو موقف شخصي غير ذي جدوى و لا اهمية و لا فعل. اما الحياد في الامور المصيرية و القضايا الوطنية فلا يمكن فصله عن التخاذل و الهروب و التجابن ، من دون ان يعني ذلك ان عدم اعلان الحياد هو إصطفاف و مبايعة عمياء لأي جهة ، لأن المطلوب هو اعلان موقف يفصل بين الابيض و الاسود ، إذ ليس من دمج بين الخير و الشر ، و لتكن كلمة الحق فيصلًا بين ( اللّا ) و ( النعم ) ، و كلُّ ما عدا ذلك فمن الشرير يكون .
د. جورج كلّاس
وزير الشباب والرياضة

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *