الرئيسية / غير مصنف / فلحه حاضر في ندوة مهنية بعنوان”الريادة النسائية في الهيئات العربية للإذاعة والتلفزيون” في تونس حول الريادة النسائية اللبنانية في الإعلام العربي: الدور والمهام
فلحه 1

فلحه حاضر في ندوة مهنية بعنوان”الريادة النسائية في الهيئات العربية للإذاعة والتلفزيون” في تونس حول الريادة النسائية اللبنانية في الإعلام العربي: الدور والمهام

الدراسة التي تقدم بها الدكتور حسان فلحه (مدير عام وزارة الإعلام اللبنانية)، في تونس بتاريخ 20/12/2022 خلال المشاركة بندوة مهنية حول “الريادة النسائية في الهيئات العربية للإذاعة والتلفزيون “، بعنوان: “الريادة النسائية اللبنانية في الإعلام العربي :الدور والمهام”.

فلحه 1 فلحه 2 فلحه 3 فلحه 4

منذ ان خلق الله آدم و حواء  والبشرية تتنازع المسؤولية حول المساواة بين الجنسين بين الرجل والمرأة
ومقدارها(المساواة)، وحجمها .

هذا الجدل المستديم لا يمكن إسقاطه بالتعميم  وفق القياس الكمي بين مجتمع وآخر أو بين فترة زمنية وأخرى لأن القاعدة هي النزوع نحو السيطرة الذكورية وطغيانها إلا من استثناءات بسيطة لا تعدو كونها إلا استثناءات عابرة في مسار بعض المجتمعات الحديثة إجمالا .

المرأة تشكّل نصف إمكانيات العالم و قدراته، والنساء يشكّلن أكثر من نصف سكانه عدداً، ما دفع إلى السعي الحثيث من أجل تمكين المجتمعات من إستثمار هذه الإمكانيات عبر إتاحة المشاركة الفاعلة والصحيحة لعمليات التطور المجتمعي والنمو الإقتصادي والترقي الثقافي والإكتساب المعرفي والتحصيل العلمي و تأمين  الرفاه الصحي و توفير الامان، ومدخل ذلك ، تلازم العدالة في الحقــوق( الحق لا يتجزأ)، والمساواة الإجتماعية العادلة والصحيحة، إنطلاقا من إقرار واقعي ومنطقي أنه ما من مساواة مطلقة لا تعير أهمية للخصوصية التي يتصف بها  كل من الرجل والمرأة، أقله من الناحية التكوينية أو الفيزيولوجية. المساواة بين الجنسين، وأنا أميل إلى  عبارة العدالة بين الجنسين بما يحفظ التوازن النوعي في تغطية النشاطات المتعلقة بالمرأة والرجل على حد سواء .الأمر المحوري هو تقاسم الأدوار وتوزعها على التكامل بين الجنسين في حركة الحياة المستديمة  التي لا تتوقف.

حقّ المرأة قبل الولادة، وحقّها في الحياة، وحقّها بعد الممات هو ليس منة بل طبيعة البشر الحقيقية، وكلّ ما عداها هو حالات تتصف باللاعدالة والشذوذ والإمتهان للإنسان ولكل إنسان. إلا أن الواقع يعطي إنطباعاً عن الأشكال المتعددة للعنف وعدم المساواة في الحصول على التعليم الجيد والصحة والأمان وصناعة شبكات الأمان الإجتماعية وإنتاج المشاركة الحقيقية في الحياة السياسية والإقتصادية، إذاً الهدف تحقيق تكافؤ الفرص المناسبة في تولي المناصب والوظائف كافة بما فيها الوظائف القيادية التى تؤثر في صناعة القرار وصياغته وتحويله من عمل توجيهي إلى عمل تنفيذي تطبيقي على  المستويات كافة وهذا منطق الأمور.

بموازاة ذلك، نحن نعلم أن الثقل الإجتماعي في مقاربة الأمور يتفوق في أحيان كثيرة على التشريعات الدينية ويتجاوزها ويتعداها مثل حق المرأة ودورها ومشاركتها في تحمل أعباء الحياة .

النظرة إلى  المرأة من حيث المبدأ ومن حيث المضمون والمبنى هي نظرة إحترام وتقدير لأنها مقاربة إنسانية صرف وليست تسليعاً او“تشييئا” والمقارنة بين مكانة الأديان وسطوتها وبين الضوابط الإجتماعية تظهر تفوق الأديان على كثير من المجتمعات في النظرة الإيجابية إلى  المرأة .

ميثاق الإمم المتحدة دعا إلى تحقيق التعاون الدولي لتعزيز إحترام حقوق الانسان والحريات الأساسية  للناس على قاعدة عدم التمييز بسبب الجنس او اللغة او الديـن ولا تفريق بين الرجال والنساء.

وفق مبدأ المساواة، حسب الطبيعة البشرية الحقيقية، حقوق الانسان تعني حق المرأة أسوة بالرجل تماما، وعند إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة شرعة حقوق الانسان أو الإعلان العالمي لحقوق الانسان. (1)

تم التأكيد إن “جميع البشر يولدون احرارا  ومتساوين في الكرامة والحقوق وان لكل فرد الحق في جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الاعلان دون تمييز من أي نوع مثل العرق أو اللون أو الجنس
أو اللغة أو الدين أو المولد أو أي وضع اخر”…

الخليفة عمربن الخطاب قال قبل ألف وأربعمائة سنة “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً “.

تعزيز دور المرأة في المجتمع ليس في سياق المنافسة لدور الرجل  بل التآزر مع دوره وفق طبيعة التكامل الإنساني ولما فيه خير الصالح  العام المتمثل بالمجتمع وأفراده .

ردم الهوة بين الطرفين لا السعي أو العمل لتوسيع الشرخ  او ايجاد عقدة التفوق او الدونية  .

يسرّ التقدم التكنولوجي وثورة الإتصال سبل التوعية وآفاق الإدراك وجودة المعرفة ولا سيما إذا ما إستثمر الإعلام بشكل جيد في التمكين من بناء شبكات أمان مجتمعية لأفراد الأسرة كافة .

مقدرة الإعلام بينة على تقديم صورة المرأة  الحقيقية والإجادة في هذا السياق من خلال زرع الثقافات الصلبة والمهارات المؤثرة .

التغييرات المجتمعية والبنيوية لوسائل التواصل والبنى المعرفية والثقافية القائمة على تكنولوجيا المعلومات والإتصالات قادرة على الحفاظ على منظومة القيم الإجتماعية والأخلاقية من دون الغرق في الشكليات التي غالباً ما تستند إلى  مفاهيم  اجتماعية ودينية خاطئة.

بعض الحركات المتطرفة والمغالية (النسوية)تصور الرجل أو الذكورية بشكل مغاير للواقع وتريد إنتاج وعي معاد للرجل من شدة المغالاة في تضخيم الدفاع عن المرأة.

الناشطة  والكاتبة الأمريكية  روبن مورغان Robin Morgan كتبت في مقال لها في مجلة MS الأمريكية: “نحن لا نستطيع أن ندمر عدم المساواة  بين الرجال والنساء إلى  أن ندمر الزواج “، معتبرة  أن “الزواج ممارسة تشبه العبودية “ (2)

إن عجز الخطاب الإعلامي عن الخروج من دوائر التبعية للسطوة الذكورية لا يبرر الحملات المنظمة للترويج  لمجتمع ما يعرف اليوم  بالـ “ميم “،

يدفع الاستغلال الواضح والمتنامي لبعض وسائل الإعلام وأبرز شبكاته العالمية إلى  الريبة والشك من الأهداف التى ترمي لضرب القيم والعادات والتقاليد والأعراف الحميدة التى إكتسبتها المجتمعات عبرالتراكم الثقافي والمعرفي وإتخذتها معايير أخلاقية لسلوكياتها، هذا التدمير الممنهج يدفع إلى الظن المشروع بالخلفيات السياسية  والدينية  والإقتصادية والمالية والإجتماعية والثقافية التي تسعى إلى فرض أنماط جديدة عرفتها البشرية كحالات غير مقبولة لتصبح متاحة وطبيعية.

ما نشهده في بعض الاعلام الوافد هو حالات سعي دؤوبة لتغيير كل المسلمات وإسقاط كل منظومات الاخلاق والقيم الانسانية، من هنا يستطيع الإعلام إنتاج ثقافات وازنة ورادعة تقوم على الذكاء المعرفي  لمواجهة هذا الكم الهائل والنوعي الذي يستهدف الطبيعة البشرية وإستبدالها  بأنماط سلوكية أقل ما يقال فيها أنها شاذة.

الاستخدام الصحيح للأفعال الإيجابية هو هدف ملح في إرساء معرفة التفاهم  والتخفيف من إستخدام  الأفعال السلبية  قدر المستطاع لتأمين سياسة الحوار الفاعلة والتفاهم وهذا هو المدخل إلى  ذلك .إذاً لا بد من الحديث علمياً عن دور الاعلام في تطور النظرة إلى  المرأة وتعزيز مكانتها وإعطائها حقوقها بشكل عام، وواقع المرأة في الإعلام  في لبنان بشكل خاص، نموذجاً.

لقد قلصت التقنيات المعرفية والبنى التواصلية من حجم الفجوات التقليدية  بين الرجل والمرأة عموما وبين مراكز الرجل والمرأة والمناصب التى يتولاها كل من الطرفين  خصوصا، وسدت وسائل المعرفة والتكنولوجية من حجم هذه الفجوات وقصّرت المسافات  وقربتها إلى  أضيق حدودها، وأسهمت في ردم ذكورية الأعمال الإعلامية المتسعة ولاسيما مع الإعلام الحديث إلا أن الفوارق مازالت كبيرة .

ولكننا نستنتج الملاحظات الاتية :

تغيير المفاهيم والسعي لتبديل المسلمات الحاكمة والمعتقدات الإجتماعية المعبّرعنها بمفاهيم الأخلاقيات العامة والخاصة، أيضا أصبح أمراً ضرورياً كي نستطيع تغيير السلوكيات  الجماعية والفردية.

والتمييز المفرط في تنميط صورة المرأة كعنصرإغراء وجذب، وهذا نقض للقيم ونقص ومعيب للمرأة والرجل.

التمييز واضح بين العاملين والعاملات في الحقل الإعلامي والخبري والبرامجي على مستوى موقع القرار أوما يعرف بالقيادات الإعلامية ،السطوة للرجال بشكل حاد.

الصورة النمطية في المضمون الإعلامي غير متوازنة  وفيها الكثير من المثالية ، التركيزعلى تربية الأطفال، الإهتمام بالبيت والمنزل  والملبس والموضة.  المطلوب عطاءات المرأة، ثقافات المرأة وخبراتها .

الاستغلال للمرأة وصورتها، والتسليع الحاد للمرأة هو إسقاط لها إلى  مستوى الأدوات والوسائل للإستفادة من عمليتي الجذب المادية والإعلامية وأغلب الإعلان ينزع إنسانية المرأة ويحيلها شخصا لا تعود له إرادة ووعي وحرية وكرامة واستقلالية هو “تشييئ المرأة “.(3)

إن بعض الإعلام التبشيري الجنسي يهدف إلى  ضرب كل القيم والإعتبارات الإجتماعية والأخلاقية التي يمكن أن تحمي الأنثى والمرأة والمجتمع أيضا ، وهذا ليس على المستويين العربي واللبناني فحسب، حيث  تظهر المرأة في الإعلام العالمي في ربع نشرات الأخبار وتشكل أقل من عشرين بالمئة كخبيرات في إعداد المواد الإخبارية أو الإشراف عليها ولا تتجاوز الأربعين بالمئة كعاملات في مجال المراسلات والمراسلين  .

هذا الامر  لا يقتصر على الاعلام بل يتعداه إلى  الشؤون السياسية والقيادية .

إذ إنّ مشاركة المرأة في البرلمانات العالمية لا تتجاوز حدود ال 24%  في العام 2020، وهذا رقم غير متفائل، ويؤشر إلى أن المشاركة السياسية في صناعة القرار وصياغته مازالت بسيطة. وكانت مشاركة المرأة  قبلا في العام 1995 لا تتجاوز ال 11%. (4)

 

الإتحاد البرلماني الدولي أعلن أن  نسبة مشاركة النساء في المجالس التشريعية بأنحاء العالم وصلت إلى 25.5%  العام 2022. (5)

 في حين أن مشاركة المرأة في العمل الاعلامي  وصلت أعلى نسبها إلى 46%  للفترة ذاتها. (6)

أما في لبنان فإن مشاركة المرأة في الانتخابات الاخيرة  للعام 2022 وصلت ترشحاً إلى  155 مقابل 1043 مرشحاً رجلاً أي ما  نسبته 15% ؜فقط (7) ما يعني أن واقع المرأة من الناحية الإعلامية في لبنان  أفضل من مشاركتها في العمل السياسي.

نساء 15% 155
رجال 85% 1043

 مشاركة المرأة ترشّحاً في انتخابات 2022

 

 

بعملية استدلالية يتضح ان التطور الاعلامي الكمي والنوعي اظهر بشكلٍ ملحوظ ان تغييرا كبيرا بدأ  يظهر في انماط المجتمعات ونوعية المشاركة السياسية، لكن هذا الامر ليس حصرا او خاصا بالاعلام بل انه يكشف ضعف مشاركة المرأة في الحياة العامة ككل .

أما اسباب التفاؤل ، فإنها تنتج من حجم التراكم الثقافي المبني على التواصل الإعلامي الذي أسهم في إعادة إنتاج ثقافة إجتماعية فاعلة ومؤثرة في الإقرار بحقوق المرأة وبدّل الكثير من الموروثات الاجتماعية والأخلاقية وخفف من السطوة الدينية .

إذاً التنمية الإنسانية تبدأ من إستثمار الإعلام لردم الهوة الطبقية إذا جازت العبارة بين النساء والرجال.

ان التربية والتعليم هما المدخل الواسع والقاعدة الصلبة والركيزة الأساس التي تسهم مع وسائل الإعلام في إسقاط تفوق النظرة الذكورية، وتواجه  إستراتيجية طمس الذكورية والأنوثة لصالح “الذكورانثية”، أو “المتلازمة الأنثوية”
أو “المتلازمة الذكورية”.

وعليه المطلوب، ليس تأنيث لغة التخاطب أو تذكيرها،  المطلوب الأنسنة للغة، وقد أسهم الإعلام إلى  جانب العوامل الأخرى في إيجاد التوازن الجندري وعزز من المشاركة  في تبوأ مراكز صناعة القرار الإعلامي وإدارة وسائل التواصل الإجتماعية ووسائل الإعلام .

سابقاً عانينا من موضوع دمج المرأة في المجتمع  وهو ليس هدفاً  بحد ذاته بل هو أمر واجب إنسانيا وأخلاقياً في سياق المجتمع العادل .

المسعى الحقيقي هو في رفع مستوى الأسرة الإجتماعي والمادي والثقافي والعلمي من خلال إستخدام وسائل الإعلام المختلفة  ، والمقدرة على الربط بين الإعلام الحديث والتقليدي في مقاربة مواضيع المرأة واهتماماتها . ولا سيما الضوابط الدينية والقيود الاجتماعية والعوامل الاقتصادية والقدرات التربوية والمستويات التعليمية التي  تسهم في صياغة القوانين والتشريعات التى تمكن المرأة من اعتلاء درجات المساواة الممكنة والمطلوبة مع الرجل ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(8) وأيضاً قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (9).

بالمقابل، فإن الاعلام ذاته الذي قد يشوه صورة المرأة هو ذاته قادر على تحقيق  المساواة بين المرأة والرجل حيث تكون المساواة منطقا و واقعا طبيعيين.

المرأة أثبتت التفوق في المجال العائد لها.

بناءً عليه نحن أمام أمرين يتعلقان بصورة المرأة في العالم العربي:

  • الأول: صورة المرأة في الإعلام العربي تتسم بالسلبية
  • الثاني: صورة المرأة تتسم بالإيجابية عند تضخيم إنجازاتها وأعمالها وعطاءاتها (وهي نظرة موازية أو مشابهة عند الحديث لدى البعض عن ذوي الاحتياجات الخاصة حيث تتم إنتاج مخيلات للأفعال والأعمال الخارقة من باب تحسين الصورة أو وضع صور فوتوشوب للحقائق)…

وإذا أردنا ان نحصر موضوع بحثنا هذا بواقع المرأة في الاعلام العربي واللبناني، فإن المنهجية الإعلامية التي تتوسل الوصول إلى  الحقيقة أو تصبو اليها، تستدعي  التركيز على ثلاثة محاور أو مستويات، ولكن لبنان بلد متنوع طائفياً توجد فيه سبع عشرة طائفة، وهناك حرّية إعلامية شديدة والاشكالية تتعلّق بالإعلام الحر، وهذه المحاور هي :

  • المستوي الكمي
  • المستوى النوعي
  • و مستوى المضمون

الأول يتركز على العدد والحجم

والثاني على المراكز والمواقع والمناصب

والثالث والأخيرالقضايا والمواضيع المطروحة والمتعلقة بالمرأة.

المرأة في الإعلام اللبناني، كاتبة، معدة، محللة،مذيعة ،منتجة،مخرجة، مهندسة وتتبوأ أي منصب أو مركز. وتجاري الرجل وتزيد إلا أن المرأة اللبنانية عملت بالدرجة الأولى ككاتبة ومذيعة في لبنان، المرأة لا تملك مؤسسات إعلامية إلا ما ندر وبحكم الوراثة،  عدا أن القانون المتعلق بالمرئي والمسموع أوجب الملكية المشتركة وخارج إطار العائلة من حيث القانون وإن كان ذلك يتم تجاوزه بأسماء تمتلك الأسهم اسميا وليس فعلياً.

الإعلام في لبنان مؤنث  والحرف الأكثر حضوراً هو تاء التأنيث والتاء المربوطة، ولكن القرار مذكّر.

إلا أن ذلك يستدعي إلقاء نظرة تاريخية حول واقع المرأة اللبنانية العاملة في الإعلام .

تعتبر السيدة هند نوفل أول صحفية لبنانية في العالم العربي وهي مُؤَسِسة الصحافة النسائية فيه، حيث قامت بإصدار مجلة “الفتاة “بالإسكندرية عام 1893، وكان الترخيص بإسم شقيقتها سارة، وكانت تصدر باللغة العربية، مرة واحدة في الشهر.

ثم تبعتها سليمى أبي راشد التى تولت إصدار صحيفة “فتاة لبنان “عام 1914 في لبنان ،وفيها كتبت مقالات أدبية وعلمية وروائية، وكانت تتقن أربع لغات العربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية ، ومن أقوالها: “علموا بناتكم، فالبنت يجب ان تكون دائرة معارف” (10).

كما أصدرت ماري زمار مطبوعة “فتاة الوطن” في مدينة زحلة عام 1917. وبعد الحرب العالمية الأولى قامت اللبنانية روز اليوسف بإنشاء الصحافة النسائية السياسية في وادي النيل عام 1925 (اسمها الكامل فاطمة محمد محي الدين يوسف)، وهي المؤسسة لمطبوعة مجلة روز اليوسف الشهيرة، وإبنها الكاتب الروائي إحسان عبد القدوس،

أنيسة صعب صاحبة  مجلة الحوادث المصورة 1923،

مي زيادة (1838-1941)، الشاعرة والصحافية التي أسهمت بإطلاق أكثر من مطبوعة في مصر ولبنان والعالم العربي

الأبرز أنه منذ العام 1893 وحتى العام 1925 نشأت  في  مصر أربع عشرة مطبوعة صحفية نسائية، أَسست إحدى عشرة مطبوعة منها على أيدي إعلاميات لبنانيات، واثنتان منها أسستاها سيدتان مصريتان، وواحدة  أسسها رجل مصري،  هو إبراهيم بك رمزي، مطبوعة “المرأة في الاسلام “1901 (11).

من المعروف أن لبنان شهد أول لجنة أو نقابة للعاملين في مجال الصحافة والإعلام  منذ العام 1911 هي لجنة الصحافة برئاسة خليل سركيس (12) ، وحتى تاريخه لم  تتولى أي سيدة هذا المنصب ولم تشارك أي سيدة كعضو
في مجلس النقابة إلى  ما بعد اندلاع الحرب الأهلية  في لبنان عام 1975.

ولم يشكل العنصرالنسائي أكثر من خمسة بالمئة من أعضاء مجالس هذه اللجان لاحقاً أي من أعضاء مجالس النقابات الصحفية والإعلامية  التي تعمل حتى يومنا هذا.

على سبيل المثال، أول لجنة جدول وتأديب للصحافة ألفها وزير الأنباء شارل الحلو عام 1949 (الذي أصبح لاحقاً رئيساً للجمهورية عام 1964)، واللجان التي تلتها حتى عام 1962 لم تشارك أي إمرأة أو صحفية فيها .

  • منذ انتخاب أول نقيب المحررين عام 1941 وحتى تاريخه لا توجد امراة واحدة تولت منصب نقيب .
  • عدد الصحفيات اللواتي سجلن في نقابة المحررين، ومارسن التحرير لغاية 1962 كان 23 صحفية
    (قانون المطبوعات المعمول به حالياً صدر سنة 1962 ) .

يبلغ عدد المطبوعات المرخص لها في لبنان 110 مطبوعة سياسية و2085 مطبوعة غير سياسية ( المرسوم الاشتراعي رقم 75 تاريخ 13 نيسان 1953 منع إصدار مطبوعات سياسية جديدة حتى تاريخه) .

عدد الصحفيين المسجلين والصحفيات المسجلات على الجدول النقابي لغاية 1/11/2022  ، هو 1585 صحفياً وصحفية  (873 صحفياً و712 صحفية ) النسبة متقاربة من حيث العدد إجمالا، ولكنه يوجد خلل حاد لصالح الذكور لجهة الملكية أو المسؤولية، إذ أن عدد الصحفيات اللواتي يتحملن مسؤولية مطبوعات هو 192 صحفية من أصل 2195 مطبوعة مرخصة (هناك العديد من الصحف المرخصة لا تصدر نهائيا لكن يجب ان يكون لها مدير مسؤول).

على سبيل المثال آخر دفعة انتسبت إلى  نقابة المحررين عام 2022 ، كان عددها 230 عضوا بينهم
127 أنثى أي أن الإناث أكثر من الذكور(13) .

على مستوى الإذاعة، أسست إذاعة لبنان عام 1938 في أول عاصمة عربية وبعد إذاعة الإسكندرية عام 1932،

ومن أبرز المذيعات والمقدّمات للبرامج السياسية، السيدة عبله أيوب الخوري وهي من بلد الكفير قضاء حاصبيا بجنوب لبنان وبدأت عملها في إذاعة دمشق عام 1949 ومن ثّم انتقلت إلى  إذاعة لبنان الرسمية ومن المذيعات في تلفزيون لبنان الذي أسس عام 1958 السيدة ليلى رستم والسيدة شارلوت وازن فضلاً عن السيدة ناهدة فضل الدجاني التي قدّمت العديد من البرامج في إذاعة لبنان الرسمية.

في القطاع العام إن عدد  العاملين والعاملات في وزارة الإعلام  للعام 2022  يبلغ 424  شخصاً ينقسم مناصفة بين الذكور والاناث تقريبا 209 ذكور و193 إناث، بعدما أحيل إلى  التقاعد اثنان وعشرون شخصاً ولكن اللافت أن الاناث تفوقن في تولي المراكز ذات القيادة الوسيطة  الفئة الثالثة ( 113 سيدة متعاقدة اي ما نسبته62% ) مقابل (68 رجلاً متعاقداً اي ما نسبته  38%  الذكور) (14)  .

    المراكز ذات القيادة الوسيطة  الفئة الثالثة

نسـاء 113 %62
رجــال 68 %38

 

 

 

عدد المراسلين والمراسلات العرب والأجانب المعتمدين والمعتمدات في لبنان للعام 2022،يبلغ 366 مراسلاً ومراسلة بينهم 102 مراسلة  اي نسبة 27.8% ، في حين أن الرجال يشكلون72.13 % (15)

وفي الإعلام الحديث، وسائل التواصل الاجتماعي، إن التوزع بين الذكور والإناث من ناحية الملكية، والمناصب القيادية هو على الشكل الآتي :

عدد المواقع التي تم تسجيلها في سجلات المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع هو 827 موقعا.

يبلغ عدد النساء  اللواتي يمتلكن أو يتحملن المسؤولية الادارية 195 امرأة  اي ما نسبته 23.5%  وقد تصل نسبة الخرجين إلى  4 خريجات مقابل خريج واحد في كليّة الإعلام بلبنان.

هذه الأرقام  الدقيقة تبدو متوافقة مع السياق العام الذي تشغله المرأة حتى على مستوى السياسة في الدول المتقدمة صناعياً وذات الرفاهية المعيشية الأعلى، حيث لم تتمكن المرأة من تجاوز الرجل في برلماناتها من حيث العدد والنسبة. ففي العام 2022 لم تتجاوز نسبة  مشاركة المراة أكثر من 26 %  من تكوين البرلمانات  العالمية.

إن الإستعراض الكمي لواقع المرأة في صناعة القرارات، وتأدية الأدوار تظهر تباطأ كبيراً في سياق ردم الفجوات مع الرجل على المستويات كافة، السياسية والًإعلامية في لبنان وفي العالم ككل على المستوى النوعي. وتبوء المناصب مازال فيه وضع المرأة وضعاً ثانوياً . أو أنها تحل دائماً في المرتبة الثانية بعد الرجل. وإن كانت تستمر في تأدية الدور الأساسي  كعنصر جذب وإثارة وفق الصورة النمطية، ولم يتح لها إستثمار إمكانياتها وقدراتها بما يسد الخلل واللاتوازن مع الرجل. هذا الأمر لا يقتصر على حقلي الإعلام  والسياسة فحسب بل  يتجاوز ذلك إلى  الأعمال المكتبية والإدارية والحسابية حيث أثبتت الدراسات أن  قدرات المرأة  تتفوق على قدرات الرجل، ولكنها ما زالت في الدرجة الثانوية أو الثانية.

أما على مستوى المضمون، فإن المرأة في الإعلام اللبناني تعاني من تصلب الصور النمطية بالرغم من إتساع حدود حرية التعبير إلى  مستوى يلامس ما لا تستسغه بعض المجتمعات الغربية ذات الضوابط المرنة . وما زالت أسيرة قوالب محددة الأدوار والمهام . ويتعرض الإعلام اللبناني إلى  تأثيرات حادة من الاعلام الغربي الوافد ولا سيما التطرق إلى  مواضيع غير مستساغة ولم تطرح من قبل بهذه الجرأة وهي  غريبة أوهجينة على امتداد الآفاق الفكري والمعرفي في لبنان والعالم العربي .لا شك أن هذا الامر يطرح جدلية خرق كل المحرمات المجتمعية. وسأركز  في  هذا الإطار على أمرين جوهريين :

الأول مقاربة أمور تخالف الطبيعة البشرية المعتادة مثل المثلية أو غير المألوفة أو المتوافق على ما دأبت عليها المجتمعات من ضوابط وأسس، أو ما ركنت إليه من قيم وأعراف وأخلاقيات كانت نتائج طبيعية للتراكم الثقافي والمعرفي والإنصياع الجماعي على مستوى الفرد والجماعة، مع الإقرار أن دور الإعلام ووسائل المعرفة وثورة الإتصالات والتكنولوجية غيرت وبقوة  من هذه العادات الإجتماعية وضوابطها، وقلص من صرامتها لا بل أطاح بها، وبالتالي الصراع بين الوافد وبين المعتاد وبين التغيير الذي أحدثه الإعلام والتواصل ، وبين المسلمات التى لم تعد تفيد معها عمليات التشدد المجتمعي، هذا أتاح ويتيح للمرأة أن تفرض الحصول على حقوقها، ولكنه زاد بالمقابل من حضور تسليعها.

فالمضمون لم يعد على شاكلته القديمة أو سابق عهده حتماً ولكنه  لم يعطها الحضور الإنساني كقيمة إنسانية بل زاد من إستغلال تسليع دورها وحضورها وفق أنماط جديدة لا تتوافق بأي حال مع  القبول الإجتماعي الذي يتعرض بواسطة الإعلام إلى  متغيرات متسارعة جداً  أسقطت كل المحرمات  كما أشرت آنفا وغيرت من القيم  وقلصت من الضوابط الإخلاقية ومن الإلتزامات الدينية .

ولا بد من القول أننا انتقلنا، في الإعلام من صورة نمطية  إلى  صور متبدلة متعددة الإبعاد هجينة لم يركن أو تركن اليها المجتمعات، ولكنها تتقبلها على مضض وبصور متدرجة.

الثاني في المضمون: لا بد من الإعتراف  بأن الإعلام يتعرض إلى  حملة لإعادة صياغة شاملة للغة لما تؤديه من قدرة تأثيرية فاعلة في صياغة المواقف الإعلامية والثقافية والإجتماعية والأدبية  تحت شعار تعزيز المساواة  بين الجنسين ومناهضة التمييز اللغوي . ولا بد من الوقوف هنا أيضاً عند عملية تحوير اللغة وطمس نوع الجنس البشري، مذكراً أو مؤنثا لإعطائه لغويا هوية جديدة لا تعطي المرأة ولا تسلب الرجل، وهذا ليس مساواة في لغة الإعلام ولا تطويراللغة بقدر ما قد يكون  إنتقاماً ويخطيّء السائد ويجيز ما عرف او ما يعرفه البعض بالشواذ. ففي فرنسا هناك محاولات لاستبدال كلمة il وElle ) SHE-HE) بكلمة واحدة iel  واستخدام  ما يعرف بالإنكليزية  بكلمة woke  للإيقاظ والتمرد والانتباه على (التمييز بين الجنسين وهذه الكلمة إستخدمت في ستينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية لمناهضة التمييز حسب اللون والعرق) والهدف الآن هو  تطويع اللغة  وفق قاعدة إزالة الإيحاء والمؤشر إلى  الجنس أي  أن تكون أمام لغةٍ بلا تأنيث أو تذكير .

هذا يشكل عملية إزالة لكل المعايير والقواعد التي دأبت عليها البشرية ويشكل ضرباً لجمالية اللغة ورهافتها، ولا يؤدي إلى  الصحوة أو إلى  تعزيز المساواة  وسيادة الحقوق على الجميع.

غدا سيقول الولد، إذا ما التشريعات التى تقرها وأقرتها بعض الدول لصالح طمس الجنس الإنساني الذكر أوالإنثى أن أمي وأمي أوصلاني أو أوصلتاني إلى  المدرسة أو أبي وأبي أتيا بي إلى  البيت هذا الانعطاف الوجودي سيقوم على إنتاج مجتمعات جديدة لم تعرفها البشرية سابقاً. ولم تستسغها ولم تقر بها مثل أصحاب الميول الجنسية الواحدة الذيي يتبنون أطفالاً .

بعض الإعلام العالمي يودي دوراً تسويقياً  لغرس مثل هذه (الإنحرافات )أو أن البعض الآخر لا يستطيع التصدي لمثل هذه الظواهر التى تنمو تحت حجج الحرية الشخصية، والتي  لا تأبه لأي نوع من أنواع الظوابط الإجتماعية والأخلاقية والدينية .

إذًا الإعلام العربي و منه الإعلام اللبناني الذي إستساغ سابقاً  إعتماد اللهجات  المحلية مكان اللغة العربية الفصحى سيواجه الآتي :

الصفة  الإيجابية إذا استطعنا أن نحدث فارقاً لغوياً  لا يتوسل الإنتقام من التنوع بين الجنسين ولا التنمر ولا يفقد اللغة مزياها وإبداعاتها التعبيرية أوعناصر جذبها  القائم على التناغم بين المبنى والمعنى وهنا أرى صعوبة فائقة.

والصفة السلبية أن اللغة وأي لغة ستفقد جمالياتها  ودلالاتها وأبعادها، وزخم تعبيرها  وخميرة التألق والتآلف والتخالف إزاء ما توصلت اليه البشرية من تطويع متفوق في أداء اللغة ورسالاتها .لمن يبحث عن المساواة الفعلية فلينظر إلى  المقابر . وسأختم بقول جورج برنارد شو ليس هناك امرأة في العالم  يمكن أن تقول وداعاً بأقل من ثلاثين كلمة ، اما انا فقد قلتها  بأكثر من ثلاثين سطراً ونيف.

 

للاطلاع على الدراسة كاملة مع الجداول البيانية pdf:

الريادة النسائية اللبنانية في الإعلام العربي الدور والمهام

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *