الرئيسية / أخبار مميزة / تقرير: 25 أيار 2000، “تحرير الأرض” بين الذاكرة والمعادلة الذهبية
عيد المقاومة والتحرير

تقرير: 25 أيار 2000، “تحرير الأرض” بين الذاكرة والمعادلة الذهبية

في ليل من نيسان وقبل التحرير بشهر واحد عام 2000 ، تحسس الرئيس نبيه بري طالع الأيام المقبلة ، فقال كلاماً لضيفه السيد حسن نصرالله حينها، يتجاوز الزهو بهزيمة إسرائيل ، “إن عالماً عربياً وإسلامياً سيضيق على نصر يصنعه رجال من جبل عامل ”

وتتخذ ذكرى التحرير هذا العام نكهة مختلفة ، أشار إليها الرئيس نبيه بري في كلمته التي ألقاها بعيد إعادة انتخابه رئيساً للمجلس النيابي للمرة السادسة ب98 صوتاً قائلاً :” يجتمع مجلسنا النيابي الجديد في لحظة سياسية وطنية مميزة بإنجاز الاستحقاق النيابي التشريعي ليشكل أجمل هدية لشعبنا في الذكرى الثامنة عشرة لعيد المقاومة والتحرير الذي شكل أول إنتصار على المستوى الدولي في مطلع الألفية على الإستعمار والعنصرية ممثلة بإنموذج إرهاب الدولة التي ترتكب الآن المجازر “.وهو إذ أكد على أن مجلس النواب سيشكل الحصن على حدودنا البرية والحرية والجوية في الدفاع والرد الوطني دولة وشعباً ومقاومة على عدوانية إسرائيل وانتهاكاتها لحدودنا وأجوائنا ومياهنا الإقليمية ،أكد أيضاً على أهمية التمسك بالثالوث الذهبي الجيش والشعب والمقاومة ،هذه المعادلة التي قال عنها أيضاً الرئيس بري في العام 2015 “أنه بات من الملح أن يقتنع الجميع بأهميتها في حماية حدود الوطن كل الوطن وليس حدود طائفة أو مذهب “.

وعليه هل يمكن القول أن تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة عام 2000  كان تتويجاً لمسار تصاعدي من انتصارات سجلتها هذه المعادلة الذهبية ؟

وهل العودة إلى الخامس والعشرين من أيار العام 2000 ، عودة للزمن الجميل الذي رسخ قيمة المعادلة الذهبية تلك ؟أم أن السنوات المعدودة كافية لتمحو من الذاكرة ما حصل في العام 2000 في جنوب لبنان ؟

 

” الحمد الله اللي تحررنا” ، عبارة لا تزال تتردد على ألسنة كل من قاسى ويلات الاحتلال واعتداءات عملائه في جنوب لبنان ، ساعات الإنتظار الطويل على بوابات المعابر المذلة لا تزال شاهدة على قسوة الإحتلال ، ومعتقل الخيام الذي اختلط فيه صراخ المقاومين الأبطال بدماء رفاقهم لا يزال شاهداً على ماكان ، أما وادي السلوقي فلا يزال يشهد على رفات الشهداء وجراح الفارين من خدمة إلزامية  في صفوف العملاء ، وبعض من رجال عبروا الوادي في ليلة ظلماء هرباً من خيانة الأهل والوطن .

وإذا كانت ذاكرة الجنوبيين تتسع لسرد المزيد من ظلم الإحتلال وعملائه ، فهي تتسع أيضاً لتستذكر لغة نصر لم تزل قائمة منذ العام 2000 ، ثمانية عشر عاماً مرت ولا تزال زوايا الذاكرة تحكي قصص التحرير تلك !

شريط التحرير

بدأ شريط التحرير بتاريخ 21 أيار 2000 باكراً في ظل غياب أي موقف أو تصريح من قبل مسؤولي العدو السياسيين والعسكريين ، تسارعت وتيرة الإندحار، كتيبتان تابعتان لميليشيا العملاء في القطاع الأوسط أعلنت استسلامها ، تداعى الأهالي وخصوصاً أبناء القرى المحتلة من شتى المناطق استعداداً للاجتياح البشري المدعوم من قبل مجموعات المقاومة ، قوات الاحتلال شنت سلسلة من الاعتداءات البرية والجوية والبحرية لمنع مسيرة العودة للمواطنين لكنها لم تفلح .  بلدة الغندورية شكلت المحور الأول الذي تحركت منه الجموع البشرية باتجاه القنطرة ، فوصلت إليها مسيرة ضمت حوالي مئتي شخص ، وموقع الطيبة لا زال يحوي عددا من عناصر العملاء الذين قصفوا محيط الموقع في محاولة لإرغام الناس على التراجع ، ترافق ذلك مع تحليق لمروحتين صهيونيتين من طراز أباتشي ، حينها انقسم العملاء إلى فريقين ، فريق غادر باتجاه بلدة العديسة والمواقع الأخرى وفريق أخر سلم نفسه للأهالي ، ووصف حينها مراسل التلفزيون الصهيوني الإنسحاب من الطيبة “بالواقعة الدرامية “.

وقد أظهرت المجريات الميدانية السرعة القياسية التي انهار بها الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان ، فاعتباراً من ليل الثاني والعشرين من أيار العام 2000 تم تفكيك معظم المنشآت العسكرية الإسرائيلية في المواقع الممتدة على طول المنطقة المحتلة ، في حين لم تهدأ عمليات المقاومة التي استهدفت دوريات وجنود الإحتلال . والمتتبع لمجريات الأحداث يلحظ تجلي المعادلة الذهبية بأبهى صورها ، حيث وضعت المقاومة خطة مبرمجة من خطوات ثلاث قضت أولاً بدخول المقاومين إلى المناطق المحررة بغية إزالة المعابر والألغام التي تمنع وصول الأهالي إلى قراهم  يلي ذلك تجمع أبناء القرى المحررة عند مداخل قراهم ليدخلوا إليها بكثافة بشرية ، أما الخطوة الثالثة فقد تولت فيها المقاومة قصف ما تبقى من مواقع العدو والعملاء بهدف شل قدرتها على القيام بأعما ل عدوانية بحق القرى والأهالي العائدين ، ودفع العملاء إلى الفرار باتجاه فلسطين المحتلة أو الإستسلام للأهالي والمقاومة ليصار إلى تسليمهم إلى أجهزة الدولة اللبنانية في وقت لاحق .

معتقل الخيام

وفيما كان الزحف البشري لا يردعه تدخل ناري لقوات الاحتلال ، كان معتقل الخيام يتحضر لقصة التحرير الكبرى ، لا سيما بعد ما فشلت محاولات العدو في نقل الأسرى إلى داخل فلسطين المحتلة ، وبعد أن فشلت رهانات العملاء بالسيطرة على الشريط المحتل كخط دفاع أمامي للعدو. في الثالث والعشرين من أيار العام 2000 ، تدفق الأهالي والإعلاميون نحو معتقل الخيام دون معرفة خريطة له ولا مفاتيح الزنازين ، وأمسك البعض بجنط سيارة وراح يكسر به القفل والبعض الأخر بواسطة حجر كبير أما المفاجأة فكانت استعانة أحد الأهالي ببندقية “بي سفن ” الحربية ، راح يضرب القفل بكعبها ، كل ذلك يحصل وسط صراخ المعتقلين الذين أدركوا أن ساعة التحرير قد حانت ، فاعترت الجميع حالة هستيرية من الصراخ والضحك والبكاء إلى أن خرج المعتلقون ودخلت في ذلك اليوم  قرى القليعة مرجعيون  بلاط وقرى شبعا عهد التحرير الكامل ، في المقلب الأخر كانت بوابة فاطمة الشهيرة في بلدة كفركلا ترسم صورة مغايرة حيث شهدت اندحار أخر جندي صهيوني في لبنان برفقة عملاء اختاروا الهرب .

هلع وانقسام في صفوف العملاء

حالة هلع شديدة كانت تسيطر على العملاء وعائلاتهم في القرى المحررة ، وقد توجه المئات منهم إلى معابر فلسطين المحتلة طلباً للنجاة مما كانوا يتوقعونه من بطش ، وفيما كان الجيش اللبناني في طريقه إلى القرى المحررة ، كان يعمل جاهداً لتطمين عائلات العملاء أن أحداً من رجال المقاومة لن يقترب من منازلهم .

على جانبي الطريق بين بنت جبيل وعين إبل كان المشهد سوريالياً بامتياز ، شاحنات عسكرية على الطريق محملة بأنواع مختلفة من الأسلحة والذخائر ، ورشاشات متوسطة وخفيفة وبنادق من مختلف العيارات مرمية في كل مكان .

قرب معبر بيت ياحون ، سلّم نحو مئة عنصر من ميليشيا العملاء أنفسهم إلى حاجز الجيش اللبناني  وعشرات العملاء كانوا قد سلموا أنفسهم للمقاومة في بلدتي حولا والعديسة ، وقد بلغ عدد العملاء اللحديين الذين استسلموا للمقاومة والأجهزة الأمنية منذ صباح الأثنين 22 أيار 2000 وحتى الساعة الرابعة عصراً منه 87 عميلاً من مختلف الرتب . وأصيب مسؤول العملاء في بلدة العديسة روبين عبود بانهيار عصبي بعدما أعلن في وقت سابق أنه أعد العدة مع بعض عناصره للاستسلام إلى الجيش اللبناني .

استدعت قيادة الاحتلال عملاءها التابعين لجهاز 504 إلى ثكنة مرجعيون مع عائلاتهم ثم نقلوا إلى داخل فلسطين المحتلة على متن باصات ، وقد قدر عدد هؤلاء ما بين 50 و60 شخصاً من قرى إبل السقي ، الخيام ، مرجعيون ، القليعة ، دبين وبلاط .

وفي ظل الأحداث المتسارعة تحدثت الأنباء عن  توجه مسؤول المليشيا انطوان لحد إلى المنطقة المحتلة قادماً من باريس ، بعد أن أجرى مباحثات مع المخابرات الفرنسية طلب خلالها مساعدة فرنسا للقيام بحملة دولية من أجل تخصيص مئتي مليون دولار كتعويضات ل2500 عنصر من ميليشياته وتأمين هجرة 600 عائلة إلى الخارج .

وأعلنت إذاعة العدو أن سلطات الاحتلال قررت إقامة مراكز لاستقبال عناصر المليشيا اللحدية الذين يفرون إلى فلسطين المحتلة على الساحل الشمالي الشرقي لبحيرة طبريا ، مشيرة إلى أنهم سيمنحون رخص عمل على أن تتم دراسة وضعهم في مرحلة لاحقة .

وقال التلفزيون الصهيوني أن الصور التي نقلها المراسلون العسكريون للانسحاب تذكر بصور فيتنام ، فضباط المليشيا المسؤولون عن الأفواج التي تفككت بدؤا يصلون إلى معابر الحدود برفقة عائلاتهم طالبين اللجوء إلى الكيان الصهيوني .وبثّت شبكة التلفزيون الأميركي “سي أن أن “خبر اشتباك مسلح وقع بين جنود الاحتلال ومجموعات من العملاء ، حيث رفض الجنود السماح لهم بالدخول وأقفلوا المعابر في وجههم، ونقلت الوكالات الأجنبية أن الجنود الإسرائيليين احتموا خلف ألياتهم فيما سمع إطلاق نار من برج مراقبة يطل على المركز الحدودي في مستوطنة المطلة مما أثار الرعب في صفوف المئات من العملاء المحتشدين داخل سياراتهم وخارجها ، وقال أحدهم أنه انتظر خمس ساعات للحصول على تصريح دخول إلى الأراضي المحتلة .

 

مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية .

إعداد : زينب اسماعيل .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *