الرئيسية / صحف ومقالات / الديار : مصارفٌ لبنانية مُهدّدة بالخروج من المشهد المصرفي. .. وأخطاء ‏استراتيجية استثمارية وقف التعامل بالدولار وإجراءاتٌ لإستعادة الودائع ضرورة كبيرة ‏لاستعادة الثقة شائعاتٌ عن وقف التعامل بالشيكات المصرفية والمطلوب مُلاحقة مافيا ‏مُطلقيها
الديار لوغو0

الديار : مصارفٌ لبنانية مُهدّدة بالخروج من المشهد المصرفي. .. وأخطاء ‏استراتيجية استثمارية وقف التعامل بالدولار وإجراءاتٌ لإستعادة الودائع ضرورة كبيرة ‏لاستعادة الثقة شائعاتٌ عن وقف التعامل بالشيكات المصرفية والمطلوب مُلاحقة مافيا ‏مُطلقيها

كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : تنصّ النظرية الاقتصادية على أن دور المصارف في اللعبة الاقتصادية هو تمويل الاقتصاد بشقّيه ‏الاستثماري والاستهلاكي. ماذا فعلت المصارف التجارية في الحقبة الماضية؟ الجواب هو أن ‏المصارف موّلت الإستهلاك، وموّلت الدولة اللبنانية بشكل أساسي وبشكل أقلّ الاستثمار. وبعد بدء ‏الأزمة في أيلول من العام 2019، تحوّلت هذه المصارف إلى شبابيك للسحوبات النقدية‎ (Counters) ‎وأصبح دورها محصورًا بشكل خاص على إعطاء المودعين قسمًا من ودائعهم بالليرة اللبنانية، ودون ‏السعر السوقي للدولار الأميركي. وهذا يعني في الواقع بالنسبة للمودع عملية مزدوجة من الكابيتال ‏كونترول الإستنسابي والهيركات‎!!‎

من التبريرات الشائعة القول أن المصارف اللبنانية تعرضت لكمٍ هائل من الضغوطات على رأسها ‏التراجع الإقتصادي الكبير، العجز في الموازنة العامة، جائحة كورونا، قرار وقف دفع سندات ‏اليوروبوندز، الأزمة السياسية#0236 وغيرها. إلا أن جميع ذلك لا يعفيها من تحمّل قسم كبير من ‏المسؤولية في الأزمة المصرفية، ولعل أبرزها وقوعها في مخاطر التركيز والطمع في الربح السريع.‏

فقد فضلت أكثر المصارف إقراض الدولة على تمويل القطاع الخاص بشقّيه الإستثماري والإستهلاكي، ‏مُعتبرة أن المخاطر على القطاع الخاص كبيرة جدًا وبالتالي وعملاً بالنظرية المالية التي تنصّ على أن ‏الدولة هي اللاعب الأكثر ملاءة، قامت بإقراضها بشكل مُفرط وغير مدروس! فبحسب أرقام كانون ‏الأول 2017، أقرضت المصارف الدوّلة اللبنانية 14.18 مليار دولار أميركي على شكل سندات ‏يوروبوندز. في المُقابل أقرضت هذه المصارف القطاع الخاص (بالدولار الأميركي) ما يُقارب الـ 41 ‏مليار دولار أميركي من أصل 115.9 مليار دولار أميركي ودائع القطاع الخاص بالعمّلة الصعبة وإذا ‏ما حسمّنا أيضًا الإحتياطي الإلزامي والبالغ 17.39 مليار دولار أميركي، فهذا يعني أن هناك 43.5 ‏مليار دولار أميركي تمّ توظيفها خارج الماكينة الإقتصادية.‏

المُشكلة في التوزيع السابق هو الآتي: قيمة القروض إلى الشركات في نفس الفترة بلغ حدود الـ 20 ‏مليار دولار أميركي بأحسن الأحوال (تقديراتنا) أي ما يوازي 41% من الناتج المحلي الإجمالي في ‏حين أن إجمالي ما أقرضته هذه المصارف إلى الدوّلة بالعملة الصعبة يوازي 29% من الناتج المحلّي ‏الإجمالي. بمعنى أخر، بلغت نسبة التركيز في القروض بالعملة الصعبة للدولة اللبنانية مستوى هائلاً ‏جدًا في حين أن مبدأ التنويع والإحتراز يفرض أن لا يزيد هذا التركيز عن 5%. يضاف إلى ذلك، ‏وعملاً بالنظرية المالية، أن ملاءة الدولة هي بعملتها وليس بالعملة الصعبة! فأين كانت المصارف من ‏هذه المخاطر؟ وأين كانت لجنة الرقابة على المصارف من هذه النسبة من التركيز؟ هذه الأسئلة ‏المشروعة تأتي في ظلّ عجز الموازنة والفساد المُستشري والذي جعل من العجز مرضًا خبيثاً منتشراً ‏ومُزمنًا بحيث صارت العلاقة بين العجز والدين علاقة ميكانيكية!‏

وبالنظر إلى هيكلية الدين الإجمالي للبنان أي دين القطاع العام إضافة إلى دين القطاع الخاص، نرى ‏أن دين القطاع العام بلغ 150% من الناتج المحلّي الإجمالي مقارنة بـ 116% للقطاع الخاص (أرقام ‏العام 2017). والمعروف أن نصف دين القطاع الخاص (أقلّه) كان على شكل قروض إستهلاكية، وإذا ‏ما وضعنا جانباً القروض الإستثمارية التي دعمها مصرف لبنان ضمن رزمه التحفيزية، نستنتج أن ‏المصارف اللبنانية أقحمت نفسها في موقف صعب مع تعرضها للنشاط الإقتصادي المُتردّي أصلاً وذلك ‏على صعيدين: القطاع الخاص الذي يقترض بهدف الإستهلاك ويُسدّد من نشاطه الإقتصادي (المبني ‏على الإستيراد)، والقطاع العام الذي يستدين لسد عجزه ويُسدّد من ضرائب على النشاط الإقتصادي.‏

وإذا ما قارنا هيكلية الدين الإجمالي في لبنان مع بعض الدول الأجنبية (أرقام العام 2017) نرى أن ‏حجم الدين الإجمالي كان موازيا تقريباً لحجم معظم الدول (لبنان: 257% من الناتج المحلّي الإجمالي، ‏أميركا: 269%، المانيا: 258%، الصين: 283%، كوريا الجنوبية: 286%)، إلا أن هناك خللاً يُمكن ‏ملاحظته في هيكلية الدين الإجمالي اللبناني. ففي حين أن الدين العام في هذه الدول السابقة الذكر هو ‏تحت عتبة الـ 90% من الناتج المحلّي الإجمالي، نرى أن الدين العام في لبنان تخطى الـ 150%. كما ‏أن قروض القطاع الخاص في هذه الدول تتخطى الـ 150% من الناتج المحلّي الإجمالي في حين أن ‏هذه النسبة في لبنان هي 116% ومعظمها قروض إستهلاكية (أقلّه النصف) وليست إستثمارية ‏للشركات. وعلى هذا الصعيد، يجدر الذكر أن مشكلة الصين الحالية هي مُشكلة معاكسة للبنان من ‏ناحية أن دين الشركات الخاصة عالٍ جداً نسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي ويبلغ ضعف دين الشركات ‏الخاصة في الولايات المُتحدة الأميركية. وكخلاصة، يُمكن الإستنتاج أن المصارف اللبنانية كانت توظّف ‏الأموال بشكل أساسي في الـ ‏repo‏ وسندات الخزينة (‏See the Income Statement of the ‎Banks‏). وهذا الأمر أفقدها دورها الإقتصادي وجعلها رهينة الوضع المالي الحكومي السيئ.‏

القرار الأساسي رقم 6939 وموضوعه الإطار التنظيمي لكفاية رساميل المصارف العاملة في لبنان، ‏وبالتحديد المادة الحادية عشرة تفرض على كل مصرف وضع خِطّة شاملة لإعادة التقيّد بالمتطلبات ‏الرأسمالية وبالأنظمة المفروضة من مصرف لبنان وتحوي هذه الخطّة على إستراتيجية المصرف، ‏والفترة التي يحتاجها المصرف لتنفيذ هذه الخطّة، والأخذ بعين الإعتبار المؤونات المطلوبة من قبل ‏السلطات النقدية والمصرفية وما قد يترتّب على ذلك من مخاطر قد تتعرّض لها المصارف. هذا التعميم ‏صدر في 2020/8/26 أي بعد جريمة مرفأ بيروت!‏

القرار الأساسي رقم 154 هو قرار يذهب بإتجاه إستعادة المصارف دورها الذي أنيط بها من قبل ‏النظرية الإقتصادية أي تمويل الإستهلاك والإستثمارات، وهذا ممرّ إلزامي! القرار يحوي على العديد ‏من النقاط، ومنها (1) رفع رأسمال المصرف بنسبة 20% و(2) إمتلاك حساب خارجي حرّ من أي ‏إلتزامات لدى المصارف المراسلة لا يقلّ عن 3% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية، و(3) حثّ ‏الزبائن الذين حوّلوا مبالغ تفوق الـ 500 ألف دولار أميركي على إعادة 15% أو 30% للأشخاص ‏المعرّضين سياسيًا.‏
فيما يخصّ شرط رفع رأس المال، تُشير المعلومات المتوافرة إلى أن مُعظم المصارف تقريبًا إستوفت ‏هذا الشرط، إلا أن المُشكلة هي بزيادة السيولة لدى المصارف المراسلة وهو أمر صعب التحقيق ‏بالنسبة للعديد من المصارف. هذا الأمر هو نتيجة طبيعية لنموذج عمل العديد من المصارف الموجودة ‏عن غير جدارة أي أنها أمّنت أرباحها من الفوائد على القروض للدولة اللبنانية من أموال المودعين. ‏لذلك من الطبيعي القول أن المصارف غير القادرة على إستيفاء شروط القرار الأساسي 154، يتوجّب ‏عليها تغيير مهنتها! وبحسب تقديراتنا، فإن أكثر من العديد من المصارف سيتمّ دمجها أو إستحواذها من ‏قبل مصرف لبنان وبالتالي فإن المشهد المصرفي لن يكون كالسابق.‏

بالنسبة لحثّ الزبائن الذين حوّلوا أكثر من 500 ألف دولار في الفترة المُمتدّة ما بعد 2017/7/1، على ‏إعادة 15% أو 30% (للمعرّضين سياسيًا)، يجب معرفة أن الإقتصاد اللبناني هو إقتصاد حرّ وبالتالي ‏لا يوجد أي قانون يُلزم هؤلاء بإرجاع أموالهم أو قسم منها. من هذا المُنطلق، يحوي القرار الأساسي ‏‏154 على تهديد وتحفيز في نفس الوقت لحثّ هؤلاء على إعادة الأموال:‏

‏- على صعيد التهديد، هناك قانون رقم 44/2015 المُتعلّق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ‏والذي يسمح لهيئة التحقيق الخاصّة وهي هيئة لا تسري عليها السريّة المصرفية، أن تقوم بالبحث عن ‏مصدر الأموال غير المشروعة كما حدّدتها المادة الأولى من القانون 44/2015 والتي تصنّف الأموال ‏غير المشروعة ومن بينها الفساد، التهريب، التهرّب الضريبي، الإثراء غير المشروع وغير ذلك من ‏النقاط التي تنصّ عليها شرعة حقوق الإنسان. لذا فإن المودع الذي يستطيع إثبات مصدر أمواله ‏وشرعيتها، يُمكنه تجاهل هذا الطلب، لكن في حال كان مصدر الأموال غير شرعي، فيحق في هذه ‏الحالة لهيئة التحقيق الخاصة عملاً بالمادّة السادسة من القانون 44/2015 أن تُجمّد أموال الشخص ‏المعني سواء في لبنان أو في الخارج.‏

‏- على صعيد الحثّ، المادّة الثانية من القرار الأساسي رقم 154، تنصّ بكل وضوح على دفع فوائد ‏على هذه الأموال المُجمّدة دون التقيّد بسقوف الفوائد المعمول بها. أيضًا في نفس المادّة، هناك إلزام ‏للمصارف بإعادة هذه الأموال إلى أصحابها بعد إنقضاء فترة الخمس سنوات بنفس الطريقة التي ‏إستلمتها بها مهما كانت الظروف.‏
ويبقى السؤال: هل يُمدّد مصرف لبنان مهلة تطبيق القرار الأساسي 154 أو أنه سيعمد إلى تطبيقه مع ‏علمه المُسبق أن العديد من المصارف لا تستوفي الشروط؟

من الناحية العملية، أولاً هناك مخاوف لدى المصارف اللبنانية من ناحية إلزامها تمويل الإستيراد في ‏ظّل إستمرار التهريب، خاصة أن المادّة الثانية من القرار الأساسي رقم 154، تنصّ على إستعمال ‏الأموال لتسهيل العمليات الخارجية المُحفّزة للإقتصاد. وبالتالي يتساءل القيمون على المصارف اللبنانية ‏عن جدوى الإلتزام بهذا التعميم في ظل غياب أفق سياسية لحلحة الوضع.‏

وثانياً، إبتداءً من نهار الإثنين ـ أي اليوم ـ ، ستقوم المصارف بإرسال ملفّاتها إلى المصرف المركزي ‏لكي تقوم لجنة الرقابة على المصارف بدراسة هذه الملفات ومن ثم ترفع توصياتها إلى المجلس ‏المركزي الذي سيأخذ القرار المُناسب. في الواقع، الوضع السياسي، قد يضغط لصالح تمديد الشق ‏المُتعلّق بزيادة السيولة لدى المصارف المراسلة لبعض المصارف التي تُظهر جدّية في قدرتها على ‏تأمين السيولة.‏
تطبيق هذا القرار الأساسي يضع مصرف لبنان أمام إمتحان مصداقية أمام الأسواق المالية خصوصًا أن ‏فشل تطبيق هذا القرار يعني نهاية القطاع المصرفي الذي تدخل المحافظة عليه ضمن نطاق مهام ‏مصرف لبنان التي نصّت عليها المادة 70 من قانون النقد والتسليف. هذه المصداقية تنصّ على مُعالجة ‏الثغرات التي شابت عمل المصارف في المرحلة السابقة خصوصًا من ناحية السياسة الإقراضية التي ‏إتبعتها هذه المصارف ولكن أيضًا إخراج المصارف التي لا تستطيع حماية الودائع الموجودة عندها، ‏من القطاع المصرفي. وبالتالي فإن مصداقية مصرف لبنان تنصّ على إلزام المصارف وضع خارطة ‏طريق واضحة لإعادة الودائع إلى أصحابها. وإذا كانت المصارف اللبنانية تأخذ الوضع السياسي القائم ‏على أنه عذر شرعي لها في عملية النهوض، إلا أن الأخذ بعين الإعتبار هذا العامل قد لا يشكل عاملاً ‏أساسياً بالنسبة للنظرة الخارجية بحكم أن هذه النظرة صنّفت وستُصنّف المصارف اللبنانية على أنها ‏معرضة بقوة، أي أكثر مما يجب للمخاطر السياسية. وهذا قد لا يساعدها في النهوض في المستقبل ‏بحكم إن العامل السياسي المتقلب والضاغط في لبنان لا يتوقع زواله لا قريباً ولا مستقبلاً، لذا، برأينا ‏يجب أن تنأى المصارف في خططها عن إعطاء هذا العامل وزناً ثقيلاً…‏

في هذا الوقت، أخذ بعض الصرافين الرئيسيين في بعض المناطق (نتحفظ عن ذكرها) بتعميم شائعات ‏عن قرب وقف العمل بالشيكات المصرفية وبالتالي فإن نسبة الكاش إلى قيمة المبلغ ستُصبح 20% بعد ‏أن كانت سابقًا 30% مما يعني زيادة أرباح بعض المضاربين! هذا الأمر يعني خلق فوضى في السوق ‏خصوصًا أن بعض المودعين سيعمد إلى الإستعجال بسحب أمواله عبر شيكات مصرفية وبالتالي ‏سيؤدي ذلك الى إرتفاع بسعر صرف الدولار في المرحلة المُقبلة وتسجيل خسارة كبيرة على المودعين!‏

إن وقف العمل بالشيكات هو قتل للقطاع المصرفي ومن خلفه الإقتصاد ومن بعده ضرب معيشة الناس! ‏من هذا المُنطلق، المطلوب من الأجهزة الرقابية ملاحقة مُطلقي هذه الشائعات إضافة إلى تجّار ‏الشيكات التي خلقت ‏Arbitrage‏ بحكم القيود على السحب. هذا الأمر يفرض إقرار قانون الكابيتال ‏كنترول ولكن أيضًا وقف التعامل بالدولار الأميركي بكل أشكاله في التعاملات التجارية الداخلية ووقف ‏التجارة بالشيكات المصرفية لأن الحلقة الأضعف في كل هذه اللعبة القذرة، والضحية من وراء كل ذلك ‏سيبقى بدون أدنى شكّ المواطن اللبناني.‏

ومن هنا لا بد للنظام المصرفي إذا ما أراد النهوض من جديد في ظل التعاميم التي تحاول جاهدة أن ‏تحيي من جديد روح الثقة، ليس فقط أن تؤكد على أحقية قبض التحويلات الخارجية نقدًا، فهذا أضعف ‏الإيمان، ولكن أن ترسم النظرة المستقبلية للودائع المحجوزة لديها، وإلا فما أدرانا أن الحساب ‏‏”لفريش” الآن لن يتحول مع أي أزمة جديدة إلى فئة دولارية جديدة.‏

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *