كتبت الباحثة و الخبيرة التربوية ليال غدار مقالا تحت عنوان “قيادة الفعّالة والتعليم الذكي: إدارة المستقبل في عالم متغيّر”، أوضحت فيه كيف ان النجاح التربوي أصبح مرتبطًا بشكل كبير بقدرة الإدارة على تبنّي رؤية تعليمية جديدة، تستخدم أدوات التعلّم الحديث وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI). وجاء في المقال:
في عصر يشهد تحوّلات تكنولوجية سريعة، لا يقتصر النجاح التربوي على جودة المحتوى أو كفاءة التدريس فقط، بل أصبح مرتبطًا بشكل كبير بقدرة الإدارة على تبنّي رؤية تعليمية جديدة، تستخدم أدوات التعلّم الحديث وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI). إن الإدارة الفعّالة هي المكوّن الأساسي الذي يربط بين الإمكانات التكنولوجية، المعلم، والمتعلم، وتحوّل الرؤية إلى واقع ملموس داخل الفصول والمنصات الرقمية.
أهمية دور القيادة التربوية في التحول الرقمي
- في دراسة بعنوان “The influence of school principals’ digital leadership on teachers’ competency in integrating artificial intelligence”، تبين أن “القيادة الرقمية” (digital leadership) التي تتبنّى نمط القيادة التحوّلي (transformational leadership) تُسهّل تبنّي المعلمين لتقنيات الذكاء الاصطناعي. هذه القيادة توفر بيئة داعمة من حيث الموارد، التدريب، والثقافة المؤسسية — ما يزيد من احتمالية الاستخدام الفعّال للتكنولوجيا في التعليم.
- كذلك، بحث بعنوان “دور القيادة الرقمية في تعزيز التميز المؤسسي من خلال الذكاء الاصطناعي“، في سياق الجامعات المصرية، أظهر أن الإدارة الرقمية مرتبطة ارتباطًا إيجابيًا بتبنّي الذكاء الاصطناعي ورفع مستوى التميز المؤسسي.
إذًا، الإدارة ليست فقط إدارة موارد أو جداول؛ بل قيادة استراتيجية تتطلّب رؤية، مرونة، وقدرة على الابتكار والاستعداد للتغيير.
كيف تساهم الإدارة في تطبيق التعلّم الحديث وتقنيات الذكاء الاصطناعي
1 تبنّي رؤية واضحة ومتكاملة
الإدارة يجب أن تحدد هدفًا استراتيجيًا — مثل التحوّل نحو نظام تعلم مرن، تفاعلي، وشخصي — وتدمج هذا الهدف بخطة تعليمية طويلة المدى. القيادة التحوّلية تعني تشجيع الابتكار، تحفيز المعلمين، وضمان أن التكنولوجيا تخدم الأهداف التربوية وليس العكس.
2 بناء بيئة مؤسسية داعمة
نجاح التعلّم الحديث يعتمد على بنية تحتية تقنية (منصات، شبكات، أدوات AI، تعليم إلكتروني) + ثقافة مؤسسية تشجّع على التغيير. دراسات عديدة أكدت أن القائد التربوي يلعب دورًا حاسمًا في تمكين هذه البيئة، من خلال إدارة المنصات الرقمية، وضمان توفير تدريب مستمر للمعلمين.
3تأهيل المعلمين وتمكينهم مهنيًا
حتى تصبح التكنولوجيا أداة فعالة، من المهم أن يتقن المعلمون استخدامها. الإدارة الفعّالة تدعم برامج تدريب مستمر، تشجع على التجريب، وتُقدِّم دعماً معنوياً ومادياً. هذا يعزز من قبول المعلمين للتقنيات الجديدة ويُسهم في دمجها بشكل طبيعي داخل الفصول.
4 اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات
واحدة من أهم إسهامات الذكاء الاصطناعي هي قدرته على تحليل بيانات الأداء، التعلم، التفاعل — وهو ما يمكّن الإدارة من تقييم نتائج التعليم بشكل دقيق، وتحديد نقاط القوة/الضعف، وتعديل الخطط. هذا يرفع فعالية التعليم ويُسهم في تحسين النتائج.
5ضمان عدالة التعليم وتخصيصه حسب حاجة المتعلم
من خلال الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي يمكن تقديم مسارات تعلم شخصية لكل طالب، تواكب قدراته ومستوى تقدمه. الإدارة الفعّالة تضمن أن لا يكون الوصول إلى هذه التقنيات حكرًا على فئة معينة، بل متاحًا للجميع.
6تهيئة ثقافة مؤسسية مرنة ومبتكرة
التعلّم الحديث ليس مجرد أدوات، بل تغيير ثقافي. إدارة تمتلك “عقلية رقمية” (digital mindset) — أي مرنة، متفتحة، مستعدّة للتجربة والتعديل — قادرة على تحويل المدرسة/المؤسسة إلى مجتمع تعلم مستمر، يشعر فيه المعلم والطالب بالمسؤولية والمشاركة.
التحديات التي تواجه الإدارة وكيفية التعامل معها
التحول نحو التعليم الذكي والاعتماد على الذكاء الاصطناعي ليس سهلاً، وهناك عدة تحدِّيات، منها:
- الفجوة التقنية أو عدم تساوي الإمكانات بين المدارس أو بين الطلاب، ما قد يخلق تفاوتًا في الفرص.
- مقاومة التغيير من بعض المعلمين أو أولياء الأمور، خاصة إذا لم يُفسّر الهدف بشكل واضح.
- قضايا خصوصية البيانات والأخلاقيات عند استخدام أدوات AI — مثل تقييم الطلاب، تحليل بياناتهم، الخ. في هذا السياق، يُوصى بأن تتبنى الإدارة سياسات واضحة وشفافة لحماية خصوصية المتعلمين.
- الحاجة إلى تدريب مستدام لأن التكنولوجيا تتطوّر سريعاً، وما اليوم حديث قد يصبح عتيقاً غداً — لذا من المهم أن تكون هناك خطة تدريب مستمر وتجديد دوري للمهارات.
نموذج مقترح لقيادة تربوية تتبنّى التعلم الحديث والذكاء الاصطناعي
بناءً على ما سبق، يمكن اقتراح نموذج قيادي يدمج ما بين:
- قيادة تحوّلية (Transformational Leadership) — لرسم رؤية تعليمية تواكب العصر وتحفيز المعلمين.
- قيادة تعليمية رقمية/تكنولوجية (Digital & Instructional Leadership) — لإدارة المنصات، البنية التحتية، وضمان التنفيذ.
- نهج TPACK + AI — أي تكامل المعرفة التربوية، المحتوى، والتكنولوجيا، مع استخدام أدوات AI ضمن خطة منهجية. هذا ما اقترحت دراسة بعنوان “Integration of Transformative Leadership, Artificial Intelligence, and the TPACK Framework for Efficient Pedagogy” كإطار عملي لمديري المدارس.
بهذا النموذج، تصبح الإدارة محركاً أساسياً للتحوّل — ليس فقط بتوفير التكنولوجيا، بل بإعادة تصميم ثقافة التعليم، طرق التدريس، والتفاعل بين المعلمين والطلاب.
الخلاصة
إن الإدارة الفعّالة اليوم ليست فقط من تدير الموارد أو الجداول، بل من تمتلك رؤية مستقبلية، عقلية مرنة، وقدرة على الدمج بين الإنسان والتكنولوجيا. عندما تقود إدارة بهذه المواصفات، يصبح التعلّم الحديث والذكاء الاصطناعي أدوات تطوير حقيقية، ترفع جودة التعليم وتحقّق نتائج أفضل للمتعلمين.
إن دمج القيادة التربوية الفعّالة مع التعلّم الحديث والتكنولوجيا لا يوفّر فقط بيئة تعليمية مواكِبة للعصر، بل يُحضّر المتعلمين اي جيل اليوم ليكونوا مواطنين قادرين على التأقلم، الإبداع، والمساهمة في بناء مجتمعات متقدمة ومستدامة.
وزارة الإعلام اللبنانية