أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية، بالتعاون مع وزارات العدل والداخلية والبلديات والعمل والدفاع وبدعم من المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، وثيقة “الإجراءات العملية الموحّدة لتحديد ضحايا الاتجار بالأشخاص، مساعدتهم وحمايتهم في لبنان”، وذلك في خلال حفل أقيم في فندق سمولفيل – بدارو، في حضور وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد، وزيري الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجّار والعدل عادل نصّار وممثلة عن وزير العمل السيدة مارلين عطالله، وعدد من الشخصيات الرسمية والديبلوماسية، من بينهم سفير مملكة هولندا، والقائم بأعمال السفارة الأميركية، النائب ميشال موسى وممثّلين عن الوزارات والأجهزة الأمنية والهيئات الدولية والجمعيات الأهلية.
تشكل هذه الوثيقة محطة وطنية أساسية في مسار مكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص في لبنان، إذ ترسم خارطة طريق شاملة لتحديد أدوار ومسؤوليات الجهات الرسمية والأمنية والاجتماعية، بما يضمن الحماية الكاملة لضحايا الاتجار، ولا سيّما النساء والأطفال باعتبارهم الفئات الأكثرعرضة للاستغلال.
وزيرة الشؤون
وفي كلمتها، اوضحت وزيرة الشؤون الاجتماعية “ان هذه وثيقة لم تلد في مكتبٍ أو على ورق، بل وُلدت من تجربة ميدانية حقيقية، ومن تعاونٍ بين مؤسسات الدولة والوزارات المعنية والقضائية والأمنية، والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية، لتكون خارطة طريق وطنية لحماية الإنسان من أبشع أشكال الاستغلال”.
وأضافت:” اعتماد هذه الإجراءات اليوم ليس نهاية طريق، بل بداية مرحلةٍ جديدة من العمل، والتنسيق، والشجاعة. مرحلةٍ لا تكتفي بالبيانات، بل تصنع التغيير من الميدان، من حيث يلتقي القانون بالقيم الإنسانية، والمؤسسات بالناس.”
وزير العدل
وألقى وزير العدل كلمة استهلها بعبارة للمحامي والسياسي الشهير إبراهام لنكولن قال فيها: “إذا ألفتم قيود العبودية، فأنتم تهيئون أطرافكم لارتدائها”.
وأوضح أن “اللامبالاة ليست حيادا، وحين يعرض مجتمع عن قيود الآخرين، فإنه يضعف حريته ويخون إنسانيته”، وقال: “ما نشهده اليوم يتجاوز عرض وثيقة تقنية، إنه إعلان قيم والتزام مؤسسات، ووعد لكل ضحية وناج عاشا رعب الاتجار بالبشر. إنه تأكيد جماعي أن لبنان يرفض اختزال الإنسان إلى سلعة، وأن استجابتنا كدولة يجب أن تكون متماسكة، إنسانية، وثابتة”.
وأشار إلى أن “الاتجار بالبشر ليس جريمة فحسب، بل اعتداء مباشر على الكرامة الإنسانية، الحرية، والأسس الأخلاقية لمجتمعنا”، وقال: “غالبا ما يكون الضحايا من أكثر الفئات هشاشة، عالقين في فقر أو إكراه أو خداع أو عنف، معاناتهم صامتة في أغلب الأحيان، وقصصهم مخفية، وكرامتهم أول ما ينتهك. لقد اتخذ لبنان خطوات قانونية مهمة لمواجهة هذه الجريمة، ومع إقرار القانون رقم 164 لعام 2011، جرمت كل أشكال الاتجار بالبشر، وتواءمت التشريعات اللبنانية مع المعايير الدولية، بما فيها بروتوكول باليرمو. ومع ذلك، لا يزال التطبيق قاصرا، ولا تزال الفئات الضعيفة ، لا سيما العمال المهاجرون، والنساء، والأطفال تفتقر إلى الحماية الكافية. وفي بعض الحالات، لا يزال الضحايا يعاملون كمذنبين، أو يتعرضون للتوقيف والترحيل. وهذه الثغرات تذكرنا بأن إقرار القوانين لا يكفي، فالتنفيذ هو المعيار الحقيقي للعدالة”.
أضاف: “من هنا، يجب أن تتمحور استجابتنا حول الضحية لا الجريمة فحسب، فالعدالة لا تتوقف عند الملاحقة، بل تمتد إلى الحماية والمساعدة وإعادة التأهيل والتمكين. توفر إجراءات التشغيل الموحدة (SOPs) إطارا موحدا وعمليا لتحقيق ذلك، إذ توضح الإجراءات، وتقوّي التنسيق بين المؤسسات، وتضمن ألا يسقط أي ضحية في فجوات البيروقراطية أو تضارب الصلاحيات. وتؤكد وزارة العدل اللبنانية التزامها الثابت بأن تحقق جرائم الاتجار تحقيقا كاملا، وأن تلاحق وتحاكم وفق أعلى معايير العدالة، انسجاما مع التزامات لبنان الدولية، لكننا ندرك أيضا أن الملاحقة وحدها لا تكفي، فالاسترقاق الحديث يزدهر حيث يسود الصمت، والضعف، والإفلات من العقاب، ولا يمكن القضاء عليه، إلا عبر مقاربة وطنية شاملة وتعاونية تجمع بين القضاء والأمن والخدمات الاجتماعية والمجتمع المدني والشركاء الدوليين”.
وأثنى وزير العدل على “الدور الأساسي الذي تؤديه قوى الأمن الداخلي، والجهود المخلصة للمؤسسات الاجتماعية، والإسهام القيم للمنظمات غير الحكومية والعاملين في الصفوف الأمامية الذين يعملون يوميا لحماية الناجين ودعمهم”، وقال: “أنتم الواجهة الإنسانية لهذه المعركة، أنتم أول من يسمع صرخة الاستغاثة، وأول جسر بين اليأس والعدالة. لن يكون لإجراءات التشغيل الموحدة التي نطلقها اليوم معنى ما لم ننفذها بإيمان راسخ وبما تنص عليه بنودها. وهذا يتطلب تدريبا، وموارد، وتنسيقا، وفهما مشتركا بأن الضحايا لا يعاملون كمذنبين، وأن سلامتهم وكرامتهم يجب أن تكون في صميم كل إجراء وكل مقابلة وكل قرار نتخذه”.
أضاف: “إن هذه اللحظة محطة مفصلية، لكنها أيضا بداية. مهمتنا الآن أن نحول هذا الإطار إلى ممارسة يومية، وأن نضمن أن يتحدث كل قاضٍ، وكل ضابط، وكل عامل اجتماعي، وكل مؤسسة بلغة واحدة: لغة الحماية والإنسانية والمساءلة. معا، يمكننا بناء منظومة لا يجد فيها المتجرون مأمنا، ويجد فيها الناجون العدالة والأمان وفرصة لحياة متجددة. وباسم وزارة العدل اللبنانية، أجدد التزامنا الكامل هذه المهمة المشتركة، وأتوجه بالشكر إلى وزارة الداخلية والبلديات، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وشركائنا في المنظمة الدولية للهجرة (IOM) على دعمهم القيّم. كما أعبر عن امتناننا للمملكة الهولندية على دعمها السخي والتزامها المستمر حماية الكرامة وحقوق الإنسان في لبنان، فلنتقدم معا، متحدين في الهدف، ثابتين على المبدأ، مؤمنين بأن لكل إنسان الحق في أن يعيش بحرية وأمان وكرامة”.
وزير الداخلية
وأشار وزير الداخلية والبلديات في كلمته “ان هذه الوثيقةُ البالغةُ الأهميةِ هي ثمرة جهد وطني مشترك، وتعبر عن إرادةٍ راسخة لدى الدولةِ اللبنانيةِ في مواجهةِ هذه الجريمةِ الخطيرةِ التي تنتهكُ أبسطَ حقوقِ الإنسانِ وتهدّدُ أمنَ المجتمعاتِ واستقرارَها”.
وزارة العمل
وعبرت ممثلة وزير العمل “استعداد الكامل للوزارة على التعاون لبذل كافة الجهود التي تساهم في مكافحة الاتجار بالبشر وأي شكل من أشكال العمل القسري في لبنان”.
السفير الهولندي
وقد أوضح السفير الهولندي في لبنان ان ” ترجمة هذه الإجراءات إلى دعم فعلي وملموس للضحايا، يتطلّب استمرار التنسيق وإنشاء هيئة وطنية تُشرف على هذه العملية. نلتزم، بالسير جنبًا إلى جنب مع حكومة لبنان وكافة الشركاء لمواصلة بناء نظام لا يكتفي بتحديد الضحايا ومساعدتهم، بل يسعى أيضًا إلى استعادة حقوقهم وكرامتهم وأملهم.”وأضاف مدير مكتب المنظمة الدولية للهجرة في لبنان (IOM)”اليوم هو يوم الوضوح، الحماية، والمساءلة. تحت قيادة الحكومة اللبنانية، نُطلق إجراءات التشغيل المعيارية الوطنية التي تُجسّد وعداً حاسماً: عندما يتعرّض أيّ إنسانٍ للاستغلال، سيتحرّك النظام فوراً، وبشكلٍ منسّق، مع صون الكرامة الإنسانية في كلّ خطوة”.
وقد تمّ إعداد هذه الإجراءات عبر فريق عمل مشترك ضمن “مجموعة العمل الوطنية لمكافحة الاتجار ب بالبشر ” (CTWG)، التي أُطلقت عام ٢٠١٨ وتضم كل من وزارات الدفاع والعمل والعدل والداخلية والبلديات، إلى جانب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، والمديرية العامة للأمن العام، والجيش اللبناني، في إطار تنسيق مؤسساتي شامل، بدعم من المنظمة الدولية للهجرة، لتنسيق الجهود بين الوزارات والأجهزة الأمنية والمنظمات غير الحكومية والهيئات الأممية.
ولقد كان لوزارة الشؤون الاجتماعية دور قيادي في تنسيق الجهود بين الوزارات والأجهزة الأمنية مما ساهم في الحصول الموافقة عليها من قبل مجلس الوزراء في آذار ٢٠٢٥ لتصبح أداة حكومية جامعة تُكرّس استدامة العمل الوطني في هذا المجال.
وأكد المتحدثون خلال الحفل أنّ هذه الوثيقة تمثّل نقطة تحوّل في جهود لبنان لمكافحة الاتجار بالبشر، وتجسّد التزام الحكومة اللبنانية بحماية الفئات الأكثر ضعفًا، ومواءمة السياسات الوطنية مع المعايير الدولية خاصّةً أنّها تتضمّن مبادئ أساسية كـفترة التعافي، ومبدأ عدم المعاقبة للضحايا على أفعال غير قانونية ارتكبوها نتيجة تعرّضهم للاتجار، وتوفير الدعم غير المشروط لهم. كما أشاد المشاركون بدعم وزارة الخارجية الهولندية من خلال برنامج COMPASS، والمنظمة الدولية للهجرة (IOM) والسفارة الأميركية، الذين رافقوا لبنان في هذا المسار منذ انطلاقه، وبالتعاون البنّاء بين مختلف الوزارات والأجهزة الذي أثمر هذا الإنجاز الوطني.
واختُتم الحفل بالتأكيد على أهمية إنشاء هيئة وطنية للتنسيق تُعنى بمتابعة تنفيذ الوثيقة، وتفعيل آلية إحالة وطنية متكاملة بين المؤسسات الرسمية وغير الحكومية لضمان التطبيق الفعلي لهذه الإجراءات، بما يعزز حماية الضحايا ويصون كرامتهم الإنسانية.
وزارة الإعلام اللبنانية