الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية: مهمة لودريان: لقاء.. فحوار.. فحَلّ سريع.. وإلّا انهيار أسرع.. “المركزي”: أفق مسدود
الجمهورية

الجمهورية: مهمة لودريان: لقاء.. فحوار.. فحَلّ سريع.. وإلّا انهيار أسرع.. “المركزي”: أفق مسدود

خلافاً للزيارة الاولى التي لم ينلْ فيها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان مُبتغاه في كسر إرادة التعطيل، فإنّ زيارته الثانية التي أدرجها تحت عنوان “الوساطة والتسهيل”، عكست مجرياتها الاوليّة انّ إحداث خرق نوعي في الجدار الرئاسي في المدى القريب أمر ممكن. إلّا ان العبرة تبقى في الخواتيم، وفي استجابة اطراف الانقسام الرئاسي للجهد الفرنسي المُغطّى دوليّاً، والرامي الى طي الملف الرئاسي والتعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية كخطوة اولى لِلَملمة أشلاء الدولة واعادة انتظام الحياة السياسية في لبنان.
واذا كانت بعض الأوساط السياسية قد أدرجت زيارة لودريان الثانية في سياق مهمّة مستحيلة لاستخراج الماء من صحراء جافة، مُستندة بذلك الى ارادة التعطيل القابضة على رئاسة الجمهورية منذ نحو تسعة اشهر، والعادِمَة لفُرص الانفراج في الملف الرئاسي، فإن مصادر موثوقة أبلغت الى الجمهورية” قولها ان الموفد الفرنسي نفسه لا يُقلّل من صعوبة مهمته، بل هو مدرك لحجم التعقيدات الماثلة في طريقه، وما سمعناه في زيارته السابقة وكذلك في زيارته الحالية، يؤكد عدم التسليم بهذه الصعوبة او الاستسلام لها”. ويتلاقى ذلك مع ما اكد عليه مرجع سياسي مسؤول لـ”الجمهورية” بأنّ لودريان آتٍ في مهمة مزدوجة، عنوانها انقاذ لبنان بالتعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية، وجوهرها انقاذ اللبنانيين من انفسهم”.

ولفت المرجع عينه الى ان لودريان يريد لمهمته ان تنجح مهما كلّف الامر، ومن هنا فإن زيارته الثانية لبيروت، خلاصتها توجيه رسالة مباشرة الى اطراف الانقسام الرئاسي مفادها انّ وقت اللعب والعبث قد انتهى، وآن أوان الجد والحسم، وعليكم ان تختاروا بين ان تتقدموا ببلدكم الى الامام وتُنجزوا استحقاقاتهم الدستورية، وبين ان تعود به تناقضاتكم الى الوراء وتُلقي به على هامش الاهتمامات والاولويات الدولية، ولا يجد من يلتفت اليه او يرمي له حبل النجاة”.

ماذا طرح لودريان؟
لودريان، وبحسب معلومات “الجمهورية”، عكست لقاءاته التي أجراها في الساعات الأخيرة أنّ المبادرة الفرنسيّة لحلّ رئاسي في لبنان، ما زالت قائمة، ومُحصّنة بقوّة دفع وَفّرتها لها “دول الخماسية” التي تتشارَك الرغبة والقرار بالحسم السريع للملف الرئاسي.

وعلى ما تقول مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” فإنّ لودريان، وخلافاً للاصوات التي شَرعت بِنَعي مهمته، واستبقت لقاءاته بحياكة سيناريوهات تفيد بأنّ الموفد الفرنسي سيرفع الراية البيضاء ويستسلم، ويغادر لبنان خالي الوفاض، مُثقلاً بفشل تتقاسَمه باريس وسائر دول الخماسية، بدا في ما طرحه حاسماً في التأكيد على ان مهمّته تأسيسية لحل رئاسي طال انتظاره، لا بدّ لللبنانيين من أن ينخرطوا فيه. ولاحَظ مُحدّثوه، من مقاربته التي بدت محيطة بكلّ التفاصيل المرتبطة بالملف الرئاسي ومواقف الاطراف منه وتناقضاتهم حوله، أنّه بَدا عازماً على ان يصرف القدر الأعلى من رصيد حنكته السياسية، لإنجاح مهمّته على النّحو الذي يميل بالدفّة الرئاسية في الاتجاه الذي تتوخّاه المبادرة الفرنسية، ورسمته “خماسية الدوحة” في اجتماعها الاخير.

جرعة تفاؤل
واذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد تعمّد بعد لقائه لودريان تقديم جرعة تفاؤلية بحديثه عن كوّة فُتحَت في جدار الملف الرئاسي، عكست انّ ما يطرحه الموفد الرئاسي إنْ بُنِيَ عليه وتم التفاعل الايجابي معه كما يجب، يمكن ان يعجّل بالقطاف الرئاسي. فإنّ هذه الجرعة، ووفق معلومات “الجمهورية”، بُنيت على جوّ مريح جدّاً ساد المحادثات بينه وبين الموفد الفرنسي، وما طرحه لودريان يتّسِم بجدية اكبر بل باندفاع اكبر لا يعكس فقط الحماسة الفرنسية في بلورة حلّ سريع لأزمة الرئاسة في لبنان، بل شراكة كاملة فيها من قبل سائر دول “الخماسية”.

وبحسب المعلومات، فإنّ لودريان لم يبادر إلى طرح أي اسم من اسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية، كما لم يدخل في مفاضلة فيما بينهم، بل ان الاسماء جاءت من الطرف اللبناني، الذي استفسَر حول مصيرها، فيما تمحور الطرح الاساس للموفد الفرنسي حول وضع الملف الرئاسي على طاولة النقاش والحوار والتشاور بين الأطراف اللبنانيين للحسم الجدي والنهائي له، حوار مسؤول يجري في المدى المنظور، وضمن فترة لا تتعدى اسابيع قليلة مَداها آخر آب او مطلع ايلول المقبلين. وبالتأكيد، لن تكون باريس ولا سائر دول الخماسيّة بعيدة عنه، وهذا يؤشّر الى زيارة ثالثة قد يقوم بها لودريان لمواكبته. والفترة الفاصلة عن ذلك، تعتبر تحضيرية لهذا الحدث، سواء في الداخل اللبناني او مع دول الخماسية، ويفترض خلالها ان تتبلور مواقف الاطراف النهائية من هذا الطرح لناحية الاستجابة له او رفضه على نَحو ما جرى مع سلسلة الدعوات السابقة للحوار حول رئيس الجمهورية”.

تأكيدات

ووفق مصادر سياسية موثوقة، فإنّ مهمة لودريان حملت في جوهرها تأكيدات على ما يلي:

اولاً، المبادرة الفرنسية تشكّل أساس الحل الرئاسي في لبنان.
ثانياً، لا حل مفروضاً من الخارج على اللبنانيين، بل اطار اساسي لهذا الحل مرسوم بشراكة تامة بين دول الخماسية، إخراجه النهائي مسؤولية اللبنانيين الذين عليهم ان يتفاعلوا ايجابا مع هذه الفرصة، ويدركوا ان الوقت ليس في صالح لبنان. فحاجة لبنان مُلحّة جدا لإعادة انتظام حياته السياسية ومؤسساته، واستعادة دوره وحضوره وموقعه على المستوى الدولي. وقد بلغ الدائرة الحرجة حيث ان استمرار لبنان بلا رئيس للجمهورية وبلا حكومة وبلا مؤسسات، يعني مزيدا من الاهتراء، وانحدارا سريعا جدا الى فوضى اكبر واشمل.
ثالثاً، لا فيتوات مسبقة على ايّ اسم لرئاسة الجمهورية، والكلمة الفصل هنا هي للبنانيين، في تحديد اسم الرئيس ومواصفاته.
رابعاً، لا عذر لأي طرف لبناني في ان يُصادِم الارادة الدولية في تسريع الحل الرئاسي. وتضييع هذه الفرصة قد يجعل من تكرار مثلها امرا صعبا، وستترتّب على هذا التضييع مصاعب اضافية على لبنان، وكذلك على مضيّعي هذه الفرصة بشكل خاص.

ولفتت المصادر عينها الى ان قوة الدفع الاساسية التي تتمتّع بها المبادرة الفرنسية، تتجلى في أنها تعبّر عن “الخماسية” اولاً، وثانياً، وهنا الاساس، في الموقف الاميركي المتناغم كلياً مع الموقف الفرنسي، وتَرك لباريس مسؤولية حسم الاستحقاق الرئاسي بما يُلبّي حاجة لبنان الى انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن من دون اي شروط مسبقة. وثالثاً في الموقف السعودي الذي تشبوه ليونة اكبر حيال الملف الرئاسي في لبنان، وهو ما لمسه الموفد الرئاسي الفرنسي في زيارته الاخيرة الى السعودية قبل ايام قليلة من حضوره في زيارته الثانية الى بيروت.

لقاءات
وكان لودريان قد اجرى في الساعات الماضية سلسلة لقاءات مع مختلف التوجهات النيابية، وشملت رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في البياضة. واعلن التيار بعد اللقاء ان “محادثات لودريان مع باسيل اتسمت بالصراحة الإيجابية. وعُلم أن الموفد الفرنسي طرح فكرة مدعومة من الدول الخمس التي اجتمعت أخيرا في الدوحة، مفادها أن يعود لودريان في أيلول المقبل لإجراء مشاورات تنطلق من نقطة الصفر في فترة زمنية سريعة ومحددة للاتفاق على البرنامج الذي يحتاجه لبنان وعلى اسم المرشح المؤهل لحمل هذا التصور على أن يَلي ذلك عقد جلسات برلمانية متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية. وقد أبدى رئيس التيار الوطني الحر تجاوباً مع هذا الطرح”.

المجالس بالأمانات
كذلك التقى لودريان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب، وقال جعجع رداً على سؤال: “أفضّل أن تسألوا الفرنسيين عن مساعيهم بشأن الرئاسة، وتحدثنا بالعمق بعيداً عن الرسميات”. وأكد أن “الخلوة كانت جيدة، لكنّ “المجالس بالأمانات”، ولم نطرح أسماء جديدة الّا مرشحنا المُعلن عنه، ولم نأخذ القرار بأي مشاورات يطرحها لودريان حتى الآن”. اضاف: “الرئيس بري هو الذي يُعطّل مجلس النواب الذي يتوجّب عليه انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة”.

ودية وإيجابية
والتقى لودريان ايضا رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، في منزل النائب طوني فرنجية في بيروت. وبحسب بيان للمكتب الاعلامي لفرنجية، فإن اللقاء كان ودّياً وإيجابياً، وتمّت خلاله مناقشة كل الملفات الراهنة، وجرى تبادل للأفكار والحلول الممكنة للخروج من الأزمة الرئاسية”.

أفق مسدود
من جهة ثانية، دخلت الازمة المرتبطة بحاكمية مصرف لبنان ومَن يَنوب عن حاكم المصرف رياض سلامة بعد انتهاء ولايته آخر الشهر الجاري، في أفق مسدود، مع انعدام امكانية تعيين حاكم جديد في مجلس الوزراء، واصرار نواب الحاكم وخصوصا النائب الاول لحاكم المصرف المركزي وسيم منصوري على الاستقالة.

وفيما تأرجَح الموقف في الساعات القليلة الماضية بين انّ استقالة النواب الاربعة حتمية، وبين عدم الاستقالة، اكدت مصادر مالية لـ”الجمهورية” ان هذه الازمة شديدة الخطورة، والايام الفاصلة عن انتهاء ولاية سلامة مفصلية، ليس فقط على الصعيد النقدي وما قد يحيط بذلك من تداعيات شديدة الخطورة إن اعتمدت اي خطوة متسرّعة او غير مدروسة، بل على مستوى مصرف لبنان ومصير هذه المؤسسة المالية التي تشكّل عصب الدولة، وآخر عوامل استمرارها”.

ويفترض ان يدرج موضوع الحاكمية في جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم الخميس في السرايا الحكومية، الا ان الجو السائد عشيّة الجلسة يميل الى التعقيد أكثر، بحيث ان جلسة مجلس الوزراء مهددة بالانفراط، لعدم اكتمال نصاب انعقادها وكذلك نصاب تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان الذي يتطلب ثلثي اعضاء مجلس الوزراء، وذلك بعد اعلان عدد من الوزراء مقاطعتهم المسبقة لهذه الجلسة، لا سيما وزير الاعلام زياد المكاري الذي قال انه ووزير الاتصالات جوني القرم لن يحضرا من الاساس أي جلسة تهدف الى تعيين حاكم جديد أو التمديد لرياض سلامة. كما كشف وزير السياحة وليد نصار انه لن يشارك في اي جلسة حكومية تخصّص للتمديد لحاكم مصرف لبنان او تعيين حاكم جديد. فيما اعلن الحزب الديمقراطي اللبناني ان الوزير عصام شرف الدين سيقاطع جلسة مجلس الوزراء الخميس وأي جلسة تهدف الى التمديد لحاكم مصرف لبنان أو تعيين حاكم جديد.

القرم يقاطع الجلسة
وفي هذا الإطار، صدر عن المكتب الإعلامي لوزير الإتصالات المهندس جوني القرم بيان جاء فيه: “إن الوزير جوني القرم سيقاطع جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم الخميس”.

وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قد عقد أمس اجتماعاً مع نواب حاكم مصرف لبنان: وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان، في حضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ووزير المالية يوسف الخليل، والامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة ومستشار رئيس الحكومة الوزير السابق نقولا نحاس. وأعلن وزير المال بعد الاجتماع انّ “الجَو يميل حتى الآن الى عدم الاستقالة”.

ولفت في هذا السياق، ما اعلنه المكتب الاعلامي لوزارة العدل حول انّ الوزارة “تتحضر للتقدم بطلب تسمية مدير موقّت لدى قضاء العجلة الإداري أمام مجلس شورى الدولة، وذلك في ضوء ما يمكن ان يستجد من تطورات خلال اليومين المقبلين، وتفادياً لأي فراغ يصيب مركز حاكمية مصرف لبنان، وتأميناً لسير المرفق المالي والنقدي”. فيما اعلن امس عن انّ مجلس شورى الدولة رفضَ طلب الحكومة إمكانية الاستقراض من الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *