الرئيسية / صحف ومقالات / الديار: ما بين ارتفاع اسعار المحروقات والتهريب… ما الهدف من وراء تعاميم مصرف لبنان؟ ارتفاع أسعار النفط العالمية: هل تنسحب على السوق المحلّي وتُقوّض مفاعيل التعاميم؟ تعقيدات جيوسياسية لخفض إنتاج «أوبك+» والعرقلة قد تطال إتفاق ترسيم الحدود
الديار لوغو0

الديار: ما بين ارتفاع اسعار المحروقات والتهريب… ما الهدف من وراء تعاميم مصرف لبنان؟ ارتفاع أسعار النفط العالمية: هل تنسحب على السوق المحلّي وتُقوّض مفاعيل التعاميم؟ تعقيدات جيوسياسية لخفض إنتاج «أوبك+» والعرقلة قد تطال إتفاق ترسيم الحدود

ما يمر به لبنان من أزمة إقتصادية مُستفحلة خصوصًا على صعيد إرتفاع الأسعار، يُثبّت ما تنص عليه النظرية الإقتصادية من ناحية أولويات الحكومات. فالمهمّة الأولى المنوطة بكل حكومة هي تحقيق التوازن الداخلي والذي يحوي شقّين إستقرار الأسعار والتوظيف الكامل.

تعاميم مصرف لبنان

سابقًا قبل الأزمة، كان ارتفاع الأسعار يعود بشكل شبه حصري إلى إجراءات (؟) من قبل التجار. أما اليوم فإرتفاع الأسعار أصبح مرهونا بثلاثة عوامل رئيسية: مستوى الأسعار العالمية، دولار السوق السوداء، والتلاعب بالأسعار من قبل التجار.

من ناحية الأسعار العالمية، تنصّ التوقعات على إرتفاع الأسعار بشكل هيكلي إلى مستويات المئة دولار أميركي للبرميل الواحد خصوصًا بعد قرار دول الأوبك+ بتقليص الإنتاج بقيمة مليوني برميل يوميًا. هذا القرار أتى على إثر الاجتماع الأخير للمنظّمة والذي إستند إلى المعطيات الإقتصادية العالمية وتراجع الطلب نتيجة السياسات النقدية للمصارف المركزية في العالم أجمع، والتي تُنبئ بضرب النمو الإقتصادي العالمي أي الطلب على النفط. الاقتصاد العالمي من ناحيته، لم يتعاف بالكامل من تداعيات جائحة كورونا التي عصفت بالعالم في العام 2020 وإمتدّت إلى منتصف العام 2021، ليُعاود بعدها الاقتصاد العالمي ويتلّقى ضربة قوية نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية والتي رفعت أسعار النفط والغاز عالميًا ورفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية، وهو ما تُرّجم تضخّما في كل دول العالم تقريبًا مع حرمان العديد من الدول الفقيرة من الحبوب والمحروقات.

من ناحية سعر صرف الدولار في السوق السوداء، فالتوقّعات بلجم الإرتفاع خصوصًا بعد الإجراء الذي إتخذه المصرف المركزي من خلال تعميميّه الوسيطين 643 و644 واللذين نصّا على وقف شراء الدولارات على منصة صيرفة مع فرض التدقيق على فتح الإعتمادات في الخارج وذلك بهدف التأكّد من أن الأموال التي حُوّلت إلى الخارج، خدمت هدف التحويل أي شراء المحروقات وجلبها إلى لبنان. ونصّت المادة الأولى من التعميم الوسيط رقم 644 على «يُطلب، إستثنائيًا من المصارف أخذ موافقة مصرف لبنان المسبقة على فتح الإعتمادات أو دفع الفواتير المخصصة لإستيراد المشتقات النفطية (بنزين، مازوت، غاز) على أن يتمّ، لاحقًا، تزويد مديرية القطع والعمليات الخارجية لدى مصرف لبنان بالفاتورة النهائية ووثيقة الشحن ومحضر التفريغ». كما نصّت المادة الأولى من التعميم الوسيط رقم 643 على وقف إعطاء الدولارات من مصرف لبنان لشراء المشتقات النفطية وحصر طلب الدولارات حصريًا بالقمح والأدوية والمستلزمات الطبية، وحليب الرضع لغاية عمر السنة والمواد الطبية التي تدخل في صناعة الأدوية.

في الواقع هذه التعاميم تأتي على خلفية حجم التهريب المزدوج: (1) لرؤوس الأموال من قبل التجار الذين يُرسلون الأموال بهدف الإستيراد من دون أن تعكس قيمة السلع المستوردة حجم الأموال المحوّلة، و(2) تهريب المشتقات النفطية عبر الحدود إلى دول مجاورة أو مباشرة إلى دول أخرى من دون المرور في الأراضي اللبنانية!

وتُظهر حساباتنا إلى أن نصف الإستيراد (بما فيه المحروقات) يذهب إلى التهريب وبالتالي، فإن عملية التشديد على الفواتير ووثائق الشحن ومحاضر التفريغ، يُخفف من عملية التهريب وبالتالي من إستهلاك الدولار المحلي.

أما على صعيد التلاعب بالأسعار من قبل التجار، فهذا الأمر أصبح شبه طبيعي في بلدٍ غابت فيه الرقابة بسبب الوسائل المتوفرة أو بسبب التواطؤ. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أظهر برنامج على إحدى المحطات التلفزيونية المحلية أن الفواتير التي يُقدّمها التجار تُعدّل فيها الأسعار لترتفع بشكل غير مبرر بالدولار الأميركي وبالتالي بالليرة اللبنانية. كما أظهر البرنامج الذي بُثّ نهار الجمعة الماضي، إعترافات واضحة بعمليات التهريب عبر الحدود.

أيضًا من الأمثلة، هو رغبة زبون دفع ثمن صفيحة البنزين بالدولار الأميركي على محطات الوقود، حيث يتم إحتساب الدولار على سعر صرف أقلّ من السوق السوداء التي يتبعها التجار بما قيمته 4000 إلى 5000 ليرة للدولار الواحد وهو ما يؤمّن لصاحب المحطّة ربحًا بقيمة 80 ألف ليرة عن كل صفيحة من فارق سعر الصرف فقط!

تعاميم مصرف لبنان قد تُعطي مفعولها إذا ما تواكبت مع إجراءات من قبل الأجهزة الرقابية والقضائية والأمنية. حيث أنه من الممكن الإمساك باللعبة بالكامل خصوصًا أن المخالفين الكبار معروفون بالأسماء وضبطهم رهينة قرار سياسي «محجوز» في مكان ما.

أزمة ديون سيادية في الأفق

عالميًا، الأزمة الروسية – الأوكرانية، والصراع الأميركي – الصيني حول الملف التايواني، والإصطفافات الدولية حول هذين الملفين بالإضافة إلى قرار أوبك + تقليص إنتاجها من النفط، أعاد إلى الواجهة أزمة الديون السيادية في العالم. فقد حذّر رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، يوم الجمعة الماضي، من أنّ العالم يواجه «موجةً خامسة من أزمة الديون» مطالبًا الدول القادرة على تقديم مزيد من الدعم للدول التي تعاني صعوبات. فصندوق النقد الدولي سجّل رقمًا قياسيًا من ناحية القروض إلى البلدان التي تُعاني أزمات مالية نتيجة وباء كورونا والارتفاع الحاد في أسعار الفائدة العالمية مما أجبر عشرات الدول على طلب مساعدة صندوق النقد الدولي. وبحسب الأرقام، بلغ حجم القروض التي صرفها الصندوق 140 مليار دولار في 44 برنامجاً منفصلاً (في العامين 2020 و2021)، بالإضافة إلى إلتزامات (قروض متفق عليها ولكن لم يتم صرفها بعد) بأكثر من 270 مليار دولار. وحذّر باحثون في جامعة بوسطن من أن 55 من أفقر دول العالم تواجه مدفوعات ديون بقيمة 436 مليار دولار بين عامي 2022 و2028، مع استحقاق نحو 61 مليار دولار هذا العام وفي عام 2023، ونحو 70 مليار دولار في عام 2024.

وفي ظل توقعات بإرتفاع في أسعار الفائدة وزيادة كلفة الإقتراض، فإن العديد من الدول خصوصًا الفقيرة لن تستطيع الوفاء بإستحقاقاتها وهو ما سيدفعها إلى طلب مساعدة الصندوق الذي يمتلك موارد بقيمة تريليون دولار أميركي يُمكن له إقراضها. هذه الموارد لن تكون كافية خصوصًا إذا ما إحتاجت بعض الدول الكبيرة وهي كثيرة إلى مساعدة صندوق النقد الدولي. وبالحديث عن أزمة الديون يُذكر أنه بالإضافة إلى 55 دولة فقيرة في العالم تواجه صعوبات في ديونها السيادية، هناك أيضًا العديد من الدولة الكبرى التي تحوم حولها مخاوف من صعوبات في ديونها السيادية على مثال إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان… وغيرها. وبنظرة إلى الديون السيادية للدول الأكثر مديونية، نرى أن الولايات المتحدة تحتل المركز الأول مع 31.8 تريليون دولار، تليها الصين مع 15.5 تريليون دولار، واليابان مع 12.9 تريليون دولار، وفرنسا مع 3.3 تريليون دولار، وإيطاليا مع 3.1 تريليون دولار، والهند مع 3.1 تريليون دولار، وألمانيا مع 3 تريليون دولار، وبريطانيا مع 3 تريليون دولار. أما عربيًا فتحتل مصر المرتبة الأولى مع 410 مليار دولار، والسعودية 251 مليار دولار، والإمارات 159 مليار دولار، والجزائر 110 مليار دولار، والعراق 104 مليار دولار، والمغرب 103 مليار دولار، ولبنان 100 مليار دولار والسودان 90 مليار دولار، والبحرين 52 مليار دولار، وسلطنة عمان 49 مليار دولار.

هذه العينة من الديون تُظهر محدودية قدرات صندوق النقد الدولي على مساعدة عدة دول كبيرة في آن واحد خصوصًا أن الديون السيادية العالمية بلغت 97 تريليون دولار أميركي وقدرات الصندوق تريليون دولار أميركي.

في الواقع نداء رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس إلى الدول القادرة على المساعدة، إعطاء المزيد من الدعم يتوجّه إلى دول مثل الصين التي لها ديون على بلدان أفريقية بمعظمها فقيرة بقيمة تفوق الـ 380 مليار دولار أميركي. وهذا يعني طلبا مباشرا بإعادة هيكلة ديون هذه الدول بطريقة عادلة تسمح لشعبوها بسدّ مستحقاتها وفي نفس الوقت عيش حياة كريمة.

تداعيات قرار «أوبك+»

قرار أوبك+ زاد من التعقيدات السياسية بين الدول خصوصًا بين الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الخليجية. فقد حثّت الولايات المتحدة الأميركية دول الأوبك+ على عدم خفض الإنتاج وذلك لتفادي التضخّم وقتل النمو الإقتصادي من خلال ارتفاع الكلفة على الاقتصاد. إلا أن قرار الأوبك+ أتى ليُعقدّ الأمور على الصعيد السياسي إذ من المتوقّع أن تعمد الولايات المتحدة الأميركية إلى الردّ على ثلاثة مستويات:

المستوى الأولى: التساهل مع دول خاضعة للحصار مثل فنزويلا وإيران من خلال زيادة الكميات المسموح ضخّها في الأسواق.

المستوى الثاني: تعقيدات في عدد من الملفات الإقليمية (سياسية وإقتصادية) والتي يطال البعض منها لبنان.

والمستوى الثالث: على صعيد الملفات ذات الطابع الإقتصادي والإقتصادي-العسكري، حيث سيتم أخذ إجراءات مُعينة في عملية رد واضحة على قرار هذه الدول.

من الواضح أن العالم يتوجّه بخطى ثابتة نحو الإنقسام إلى قطبين شرقي وغربي وسيكون لكل قطب طريقته في التعامل مع دول القطب الأخر. والأشهر والسنين القادمة ستشهد حكمًا إعادة تموضع لبعض الدول التي ستنضمّ حكمًا إلى القطب الأكثر صمودًا والأكثر ديمومةً.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *