الرئيسية / صحف ومقالات / النهار: الاستحقاق الحكومي على وقع الصدمة البرلمانية
النهار

النهار: الاستحقاق الحكومي على وقع الصدمة البرلمانية

وسط أجواء شديدة الضبابية زادتها غموضاً وارباكاً الانتكاسة التي منيت بها تكتلات الأكثرية النيابية الجديدة في استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، اتجهت بوصلة الأولويات الدستورية عقب الاستحقاق البرلماني الى الاستحقاق الحكومي تكليفا وتاليفا، وهو الاستحقاق الأكثر تأثيرا على مجريات الأوضاع الداخلية في ظل الازمات الاخذة في التفاقم. والواقع انه على رغم الكثير من التجارب السابقة التي غالبا ما كانت فيها عملية التكليف والتأليف تشهد مراوحة متعمدة، او نتيجة ظروف عدم بلورة الشخصية التي يتم التوافق على تكليفها تأليف الحكومة، فان البلد يبدو امام تجربة جديدة تثير الكثير من الحذر والقلق والتساؤلات والشكوك في ظل المتغيرات الكبيرة التي طرأت على الخريطة النيابية والسياسية عقب الانتخابات النيابية، ولا سيما منها على صعيد الساحة السنية التي ستستقطب الاهتمامات بقوة في مجال البحث الذي بدأ عن الشخصية التي يمكن ان تسمى لتشكيل الحكومة الجديدة. وبالاستناد الى المعطيات القائمة غداة انتخابات الهيكلية الرئاسية لمجلس النواب، فان أي اتجاه واضح للملف الحكومي لم يتبلور بعد، ويبدو انه سيكون من الصعوبة بمكان مقاربة الاتجاهات والخيارات التي ستعتمدها الكتل النيابية والقوى السياسية حيال تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة العتيدة قبل الأسبوع المقبل. وعلى صعوبة التكهن باي اتجاهات وسط هذا الغموض، بدا لافتا ان معظم تكتلات الأكثرية الجديدة ركزت في تقويماتها غداة الصورة السلبية التي تركتها النكسة التي منيت بها الاكثرية في انتخابات رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتبه على ان مجريات هذه التجربة لا تعني انها ستتكرر في الاستحقاقات المقبلة علما ان بضعة أصوات فقط حالت دون تحقيق الأكثرية التوازن المطلوب في انتخاب نائب رئيس المجلس بما يعني ان باب التنسيق الواسع بين قوى الأكثرية حقق خطوة أساسية بارزة وسيجري الانطلاق منها لتحصين الموقف في الاستحقاق الحكومي وما يليه. وتعكس الانطباعات الأولية حيال اسم الرئيس المكلف احتمال ان تتجه القوى التي صوتت للرئيس نبيه بري ونائبه وهيئة مكتب المجلس الى إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بالأكثرية إياها التي انتخبت بري، فيما لم يعرف بعد أي اتجاه للقوى الأخرى علما ان ثمة أسماء عدة بدأت تطرح للترشيح.

وقد برز في هذا الاطار الموقف الأول الذي اعلنه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من أن “القوّات” سترفض كل شخص متحالف مع “حزب الله” لمنصب رئيس الوزراء وستلتزم مقاطعة الحكومة إذا تشكلت حكومة توافقية جديدة. وقال:”إذا حكومة مثل العادة مع الكل أكيد ما منوافق وما منشارك”.

وفي مقابلة مع “رويترز”، قال جعجع “ما ينبسطوا كتير “حزب الله”، مضيفاً أن الانقسامات في البرلمان ستؤدي إلى “مواجهة كبيرة” بين “حزب الله” وحلفائه من جهة وحزب “القوات اللبنانية” من جهة أخرى.

وعن التعاون مع نواب المجتمع المدني، قال جعجع: “نحن كلنا سوا بحاجة لبعضنا لكي نقدر على القيام بعملية التغيير والانقاذ المطلوبة”.

ورفض جعجع الإفصاح عما إذا كان حزب “القوات اللبنانية” سيدعم فترة ولاية جديدة لرئيس الوزراء الحالي والمرشح الأوفر حظا نجيب ميقاتي أو أن حزبه سيدعم اسماً مختلفاً. أما بالنسبة للإنتخابات رئاسة الجمهوريّة، فأكّد جعجع أن حزبه ضد أي مرشح رئاسي يدعمه “حزب الله” هذه المرة.

وأفادت معلومات امس ان رئاسة الجمهورية تنتظر تبلغ خريطة توزيع الكتل النيابية من دوائر مجلس النواب التي لم تنجزها بعد من اجل تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الشخصية التي ستكلف تشكيل الحكومة، ولذا لم يوجّه رئيس الجمهورية ميشال عون الدعوة بعد الى الاستشارات.

باريس والوضع اللبناني
في غضون ذلك نقلت مراسلة “النهار” رندة تقي الدين امس عن مصادر فرنسية رفيعة في باريس قولها ان الاخبار التي نشرت في لبنان عن احتمال زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان عارية من الصحة. وأضافت ان فرنسا مستمرة في التعبئة من اجل دفع المسؤولين في لبنان الى القيام بالاصلاحات الملحة. وكانت باريس رحبت باجراء الانتخابات في موعدها ولكنها اسفت لاحداث ومخالفات لاحظتها لجنة الاتحاد الاوروبي لمراقبة مجريات هذه الانتخابات وطالبت بكشف الحقيقة حول ما حصل. واضافت المصادر ان نتائج هذه الانتخابات ولو انها جرت في ظروف من الضيق، عبرت عن تطلعات عميقة من الشعب اللبناني الى التغيير بحيث ان “حزب الله” وحلفاءه خسروا اغلبيتهم حتى لو ان الاحزاب التقليدية بقيت، ولكن هناك قوى انبثقت عن ثورة تشرين الأول 2019 تمكنت من الدخول الى البرلمان . وترى هذه الاوساط ان الاولوية الآن هي لتعيين رئيس للحكومة دون تأخيروتشكيل حكومة جديدة. كما ترى انه في هذا الوقت على السلطات الموكلة تصريف الاعمال ان تستمر في تحمل مسؤوليتها بالنسبة لتنفيذ الاصلاحات على اساس الاتفاق الاطار الذي تم توقيعه مع صندوق النقد الدولي، وتشير الى ان هذا الاتفاق هو خطوة اولى نحو برنامج أساسي لصندوق النقد لنهوض البلد وسط استمرار ازمته الخطيرة حيث وصل الدولار الى 37000 ليرة مع ارتفاع مستمر لاسعار البنزين والمواد الغذائية وتوقف معمل دير عمار. وشددت على ان تبني الحكومة اللبنانية خطة انقاذ في 20 ايار كان عملا ايجابيا. وفي غياب الاصلاحات لن يكون هناك برنامج لصندوق النقد الدولي الذي يمثل الشرط لعودة الثقة والدعم البنيوي للبنان، وهذا يمر عبر عمل جدي من البرلمان وتشكيل حكومة جديدة بسرعة وتعبئة جميع المسؤولين اللبنانيين. واكدت الاوساط ان فرنسا مستمرة في دعم لبنان على طريق الاصلاحات وللنهوض وستبقى الى جانب الشعب اللبناني.

أصداء “الهزيمة”
وغداة الجلسة الانتخابية لمجلس النواب تواصلت ترددات خسارة قوى الاكثرية في انتخابات الرئاسة الثانية وسط دعوات الى رص الصف. في هذا الاطار، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط “بعد هزيمة الامس للأغلبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس نتيجة سوء التنسيق قد يكون من الأفضل صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من اجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية الإيرانية التي للتذكير ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكل الوسائل ولن ترحم احد”.

وأكد عضو كتلة الكتائب النائب سليم الصايغ “أن التجربة الأولى للنواب أثبتت أن هناك سوء تنسيق بينهم، في وقت توجد كتل نيابية متفقة مع بعضها، وانتخاب بري لم يكن ليحصل لولا دعم التيار الوطني الحر المباشر فالمطلوب كان الا يخسر وألا يربح بأصوات كبيرة.”
بدوره، رأى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك أنه “إذا توحدت المعارضة المتنوعة تصبح أكثرية، وإذا تفرقت تحولت إلى جزء من المنظومة أو إلى مطايا أو أحصنة طروادة يعتليها حزب الله”.

اما النائب غسان سكاف الذي لم يحالفه الحظ في مواجهة الياس بو صعب فقال “ان “الخربطة” في انتخاب نائب رئيس المجلس أتت في الدورة الثانية، ونحن نعرف بأن بو صعب حصل على 65 صوتاً ولكن البوانتاج كان يدل على أنه قد ينال 58 صوتاً وهناك 7 أصوات أتت من التغييريين أو المستقلين وهم من أعطوا الفوز له”.

وفي سياق الاصداء الديبلوماسية ايضا التقى وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا التي “هنأت لبنان على انجازه العملية الانتخابية بشكل عام واقتراع المغتربين في الخارج، وكذلك على الجو الديموقراطي الذي ساد جلسة مجلس النواب يوم اول من امس” . وتم البحث في المرحلة المقبلة لجهة تشكيل الحكومة الجديدة والإصلاحات المطلوبة والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

حادث وخشونة
وسط هذه المناخات حصل اشكال في الجامعة اللبنانية كلية الحقوق والعلوم السياسية- الفرع الثاني في جل الديب بين الجيش وطلاب من “القوات اللبنانية” اثار ردود فعل ساخطة بسبب استعمال الجيش الخشونة المفرطة لدى معالجته الامر وتوقيف عدد من طلاب “القوات”، كما طاولت الممارسات العنيفة مسؤولين في الجامعة. وحصل الاشكال على خلفية نزع مناصري “التيار الوطني الحر” صورة كبيرة امام الجامعة مرخصة من البلدية للرئيس الشهيد بشير الجميل، ورفع لافتة مكانها تطالب بالتدقيق الجنائي من دون اخذ اذن رسمي، ما ادى الى تلاسن بين مؤيدي “القوات” و”التيار” قام بعدها عناصر الجيش بالاعتداء بالضرب والعصي على طلاب “القوات” كما أظهرت ذلك فيديوات مصورة للحادث. ومنع مدير الكلية الجيش من توقيف طلاب “القوات” الموجودين داخل حرم الجامعة.

واثار الحادث أصداء فاعتبر النائب نديم الجميل أن “أسوأ ما يمكن أن يحدث في لبنان هو أن يفقد الجيش هيبته واحترامه في هذه المنطقة الوحيدة الذي ما زال يفرض فيها قوته.” وقال: “نحترم الجيش وندعمه ونقدر جهوده لكن الإفراط باستعمال العنف الذي أصبح ممنهجا في وجه شبابنا زاد عن حده . لا تحولوا الجيش الى فرقة إنضباط عند التيار”.

وقال النائب الياس حنكش ان “الإعتداء على مدير ودكاترة وطلاب الجامعة اللبنانية كلية الحقوق في جل الديب مرفوض ومدان والعنف الذي إستعمل ضد طلاب أوادم غير مقبول. نطلب من قيادة الجيش اللبناني فتح تحقيق في الموضوع ومحاسبة العناصر المخالفة. ستبقى هذه الجامعة سيادية وطنية”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *