الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية: عقوبات قيصر: لبنان مُستثنى.. بعد “النكسة” اشتباك.. ومن يحمي أموال المودعين؟
الجمهورية

الجمهورية: عقوبات قيصر: لبنان مُستثنى.. بعد “النكسة” اشتباك.. ومن يحمي أموال المودعين؟

يبدو أنّ البلاد دخلت في استراحة مؤقتة في انتظار بروز مادة خلافيّة جديدة تملأ الفراغ السياسي، وتتلهّى بها المكوّنات السياسيّة على جاري عادتها منذ بداية الازمة وحتى اليوم. كان في الإمكان افتراض أنّ هذه الاستراحة قد تطول، لو أنّ ايقاع الخطاب السياسي العام مضبوط تحت سقف الاستقرار، الا أنّ الأكيد أن عمرها قصير جدا، في ظل الغليان السياسي الحاكم للمشهد الداخلي، وحاجة بعض المكوّنات الى تفجير القنابل الشعبويّة بعدما حسمت خياراتها بالصدام وتصفية الحسابات على طريق الانتخابات النيابية التي باتت على مسافة اربعة اشهر. هذا الوضوح في الصورة السياسية الآيلة للاشتباك في أي لحظة، يُقابله غموض مريب في الصورة المالية، التي يكتنفها إرباك صارخ، وجنون واضح للدولار صعودا الى سقوف خيالية على ما حصل في الايام الأخيرة، ونزولا على ما حصل يوم أمس، بحيث لا يعرف من يتحكّم به، سواء أكانت السوق السوداء او السوق الرسمية او الصرافون او تجار العملة، وفي حالتي الصعود والهبوط، طرف وحيد يدفع الثمن هو المواطن اللبناني، في نشل ما تبقى لديه من مدّخرات، وفي استفحال الغلاء وزيادة الأسعار. اضافة الى أنّه يضع سؤالاً ملحّاً برسم كل المعنيين: ما مصير ودائع اللبنانيين؟

 

ماذا عن الدولار؟

الساعات الماضية شهدت انخفاضا، أو بالاحرى تخفيضا لسعر صرف الدولار دون سقف الـ30 ألف ليرة الذي قفز فوقه مع بداية الاسبوع الجاري. الا ان هذا التخفيض لم يلغ حال الارباك في ظل انعدام الثقة به، ربطاً بالتجارب السابقة للقطاعات المالية الرسمية التي فشلت في الامساك بزمام الدولار. اضافة الى التشكيك الذي رافقه، الذي ادرج التخفيض في سياق امتصاص الليرة اللبنانية، وتذويب ما بقي من مدّخرات دولاريّة للبنانيين. واذا كان ثمة من رحّب بالاجراء الذي اتخذه مصرف لبنان في هذا الاتجاه للامساك بالدولار، فثمة في المقابل من اعتبره «إبرة مخدّرة» بمفعول آني سرعان ما سينتهي مفعولها، لتتبدّى معها سلبيّة فاقعة، بإذابتها جزءاً أساساً من احتياطي «مصرف لبنان».

فما جرى بالأمس، هو أن سعر صرف الدولار واصل هبوطه ولكن بوتيرة اسرع من بداية هبوطه امس الاول، عندما بوشر في تنفيذ قرار «مصرف لبنان» بيع الدولارات الى المصارف والى زبائنها ممّن يمتلكون المال النقدي بالليرة، على سعر منصة صيرفة التي تسعّر الدولار بأقل 10 الى 20% من سعره في السوق السوداء.

وفي المعلومات ان المصارف تساهلت امس اكثر مع الزبائن الراغبين بالحصول على الدولار الفريش بإيعاز من المصرف المركزي للضغط على الدولار ودفعه الى التراجع اكثر. وهذا ما حصل، اذ نزل سعر العملة الخضراء الى ما دون عتبة الـ27 الف ليرة، اي ما يزيد عن 20% في ساعات قليلة، قبل ان يعود الى الارتفاع ويلعب على سعر وسطي بلغ 28500 ليرة.

 

مصرف لبنان

وفيما اعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان التعميم 161 يهدف الى تقليص حجم الاوراق النقدية بالليرة اللبنانية المتداولة، وان عملية تقليص الاوراق النقدية هذه ستكون بين المصرف المركزي والمصارف التجارية»، اعلن مصرف لبنان انه «بناءً على مقررات الاجتماع الذي ترأسه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بحضور وزير المال يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان يوم الثلاثاء 11 كانون الثاني 2022، والذي جاء فيه ما يلي: اضافةً الى المفاعيل الاساسية للتعميم 161 يحق للمصارف زيادةً عن الكوتا التي يحق لها شهرياً سحبها بالليرة اللبنانية واصبحت تأخذها بالدولار الاميركي على منصة Sayrafa ان تشتري الدولار الاميركي الورقي من مصرف لبنان مقابل الليرات اللبنانية التي بحوزتها او لدى عملائها على سعر منصة صيرفة من دون سقف محدد. يودّ حاكم المركزي التأكيد ان مصرف لبنان مستمر في تنفيذ هذا القرار».

 

السياسة خاوية

سياسيّاً، عادت السياسة الى خوائها الكامل من دون أيّ مؤشّرات الى تحوّل في الصّورة السياسية المعطّلة حكوميا، في الاتجاه الذي يعيد احياء جلسات مجلس الوزراء. بحيث بدا أن هذا الانسداد بات مسلّما به كأمر واقع، وهذا ما يؤكّده الإنقطاع الكلّي لحركة التواصل بين المعنيين بالملف الحكومي، وتمترس كلّ طرف خلف موقفه وذرائعه من موضوع تعطيل الحكومة. وكذلك الرسائل الاتهاميّة المتبادلة في ما بينهم سواء في الاعلام او غيره.

وبالتوازي مع فشل الحوار الرئاسي الذي افترض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انّه فرصة لبلوغ انفراج في الأزمة الداخلية السياسية والاقتصادية، تداولت بعض الأوساط السياسية بفكرة حلّ لمعضلة التعطيل الحكومي، عبر إطلاق «حوار بين الرئاسات» يُهيّء ظروف اعادة انعاش الحكومة، ويبدد كلّ الالتباسات والتعقيدات المانعة لانعقاد مجلس الوزراء، فإن انعقد مثل هذا الحوار فمن شأنه أن يفك ما يزيد عن 70 في المئة من العقد. ويؤسّس الى اعادة تحصين البلد على كل المستويات، وتنفيس الاحتقانات وكسر التوترات، وتوفير شبكة امان اكبر للبلد وضمانة لاستقراره، وكذلك بدء الخطوات العملية والجدية لإعادة احياء المؤسسات، واعادة انتاج الدولة بإجراء اصلاحات.

 

حوار الرئاسات!

الا أن مصادر سياسية مسؤولة أبلغت الى «الجمهورية» قولها: ان فكرة عقد «حوار بين الرئاسات» تبدو طموحة ومبالغة في تقدير نتائجه، خصوصا أن الأزمة التي يعانيها لبنان أكبر من الرئاسات، وبمعزل عن اسبابها، فإنّ علاجاتها مسؤولية على الرئاسات وكذلك على المكوّنات السياسية من دون استثناء».

اضافت المصادر: بمعزل عما إذا كانت هذه الفكرة جدية او مجدية او عكس ذلك، فإنّ «الحوار بين الرئاسات» لا يقلّ صعوبة عن الحوار الفاشل الذي سعى اليه رئيس الجمهورية لجَمع المكونات السياسية في بعبدا، ذلك ان المواقف الرئاسيّة نهائية ومحسومة سلفاً، بين طرف رئاسي يؤكّد على انعقاد جلسات مجلس الوزراء من دون النظر الى اي اعتبارات تعطيلية، وبمعزل عن التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، وبين طرف رئاسي آخر يرى انّ مفتاح باب جلسات مجلس الوزراء مربوط بعدم المس بصلاحيات المجلس النيابي، وتصحيح مسار التحقيق واعتماد الاصول الدستورية، وعدم القفز فوق صلاحيات المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

 

مكسر عصا!

الى ذلك، اكّدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انه «على رغم الجهود التي يبذلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لاعادة احياء الحكومة، فحتى الآن لا مخرج لهذه الازمة يلوح في الافق، وهذا ما قد يوسع دائرة الاحتمالات في المرحلة المقبلة حول مصير الوضع الحكومي برمّته».

ولم تكشف المصادر ماهية هذه الاحتمالات، الا انّها لفتت الانتباه الى أن رئيس الحكومة يبذل كلّ جهد مستطاع لإعادة اطلاق العجلة الحكومية على قاعدة وفاقية ومنعاً لأيّ توترات يمكن أن تنشأ امام أي خطوة متسرّعة قد تعتبر استفزازا او تحديا لأيّ طرف، ومن هنا فإن الكرة في ملعب سائر الشركاء، علما ان قراره بتحمّل المسؤولية لا يعني ان تترك الأمور على غاربها».

وردا على سؤال عن مطالبة بعض الاطراف، ولا سيما التيار الوطني الحر بعقد جلسة مساءلة للحكومة، قالت المصادر الوزارية: الاختباء خلف الاصابع لا يجدي نفعا، فالوضع السياسي في اكثر اوقاته تعقيدا، واسباب تعطيل الحكومة واضحة ومعلنة من الاطراف التي ترفض العودة الى مجلس الوزراء، وبالتالي من غير الجائز ان يأتي أي طرف لتحميل الحكومة وزر التعطيل ومسؤولية الانهيار وتحويلها الى مكسر عصا عبر التلويح بجلسات لمُساءلتها.

وفي السياق ذاته، ابلغت مصادر حكوميّة إلى «الجمهوريّة» قولها «ان الاولوية الراهنة هي التحضير للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والتي ستنطلق في القريب العاجل بعد اكتمال كل هذه التحضيرات التي أصبحت في خواتيمها، وهذا يفترض ان يواكب بوضع سياسي وحكومي محصّن يدعم المفاوض اللبناني وصولا الى اتفاق مع الصندوق على برنامج مساعدات عاجلة للبنان».

واكدت المصادر عينها «ان مصلحة لبنان تكمن في التقاء العقلاء على تحقيقها بعيدا عن منطق الأنانية والأهواء والمصالح الفئوية والسياسية، فالحلول ليست مستحيلة بل ما زالت ممكنة، والسبيل الاساس اليها يكمن في عودة الحكومة الى تحمل مسؤولياتها واتخاذ ما هو مطلوب منها من قرارات وخطوات في هذا الاتجاه».

 

إرتدادات النكسة

في هذه الأجواء، بقي المشهد الداخلي تحت تأثير ارتدادات فشل المبادرة الرئاسية الى الحوار، التي ظهرت في الساعات الماضية في مواقف الفريق القريب من رئيس الجمهورية التي توالت على مواقع التواصل الاجتماعي، التي جاءت بنبرة هجومية حادة في شتى الاتجاهات، مكمّلة الهجوم الذي شنّه رئيس الجمهورية على من سمّاهم معطّلي الحوار، وهو الأمر الذي سيكون للتيار الوطني الحر موقف حياله في الساعات المقبلة. وقوبلت هذه المواقف بردود قاسية، ولا سيما من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي اعتبر الحوار الرئاسي «مبادرة بعناوين براقة وفضفاضة لإنقاذ الذات، وانتشالاً لفريق سياسي»، مؤكدا «أنّ من يريد أن يتهم الناس بتعطيل الحوار والمكابرة كان عليه ألّا يُعطّل البلد 9 سنوات من أصل 16 عاماً في إدارته لشؤون البلاد». ومشيرا الى «أن هذه المسرحيات غير موفقة، ونحن مع الحوار بعناوينه الصحيحة التي تنقذ البلاد، وليست التي تغرقه بسجالات لا تفيد بشيء. وإذا كان لا بُدّ من حوار فالمجلس النيابي موجود، ويتضمّن كل القوى السياسية، ونناقش كافة الأمور السياسية والمهمة فيه».

 

تطمين اميركي

على الجانب السياسي الآخر، وفي موازاة الجمود السياسي، تلقى لبنان تطمينا أميركيا باستثنائه من عقوبات «قانون قيصر» الخاص بسوريا.

هذ التطمين نقلته السفيرة الاميركية دوروثي شيا الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، امس، حيث قالت بعد اللقاء: نقلت الى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي كتاباً رسمياً خطياً من وزارة الخزانة الأميركية أجابت خلاله عن بعض الهواجس التي كانت لدى السلطات اللبنانية في ما يتعلق باتفاقيات الطاقة الإقليمية التي ساعدت الولايات المتحدة الأميركية في تسهيلها وتشجيعها بين لبنان والأردن ومصر.

أضافت: لن تكون هناك أي مخاوف من قانون العقوبات الأميركية، وهذه الرسالة التي تم تسليمها تمثل زخماً الى الأمام وحدثاً رئيسياً في الوقت الذي نواصل فيه إحراز تقدم لتحقيق طاقة أكثر استدامة ونظافة للمساعدة في معالجة أزمة الطاقة التي يعانيها الشعب اللبناني.

 

التحقيق العدلي

قضائيا، تتسارع التطورات على خط التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، فبعيداً عن الجمود او التجميد الذي كان يحكمه منذ اسابيع، برز في الآونة الأخيرة تطور لافت تمثل في احالة القاضي روكز رزق على التقاعد، بما يفقد الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي تنظر في دعاوى مسؤولية الدولة، نصابها القانوني، وهو الأمر الذي يؤدي حتماً الى تأخير البت في الدعاوى المقدمة إليها بشأن ملفّ تفجير مرفأ بيروت، الا اذا بادرت السلطات المعنية الى تعيين بديل له. وهو أمر يبدو ان تحقيقه متعذر بالنظر الى الاختلافات السياسية حول الملف القضائي، التي سبق لها ان عقّدت التحقيق العدلي في انفجار المرفأ، إضافة الى أنّها عطّلت صدور التشكيلات القضائية العالقة لدى رئيس الجمهورية من فترة طويلة.

وفي سياق متصل بتحقيقات المرفأ، التقى رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود أمس أعضاء الهيئة التأسيسية لتجمع أهالي شهداء وجرحى ومتضرري انفجار مرفأ بيروت، وأوضح الناطق باسم الهيئة إبراهيم حطيط «انّ الزيارة جاءت لمراجعة الرئيس عبود بالمراسلة السابقة التي أرسلناها عبر وزارة العدل». وقال: «ان السياسة المعتمدة من قبل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لم تعد مقبولة لأنها سياسة استنسابية وباطلة».

وسأل: «لماذا يتجاهل القاضي البيطار سياسيين وقادة عسكريين كانوا على علم بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ ولم يستدعهم للتحقيق»؟ وأكد «أنّ أعضاء الهيئة أبلغوا القاضي عبود أنهم بصدد الذهاب نحو طلب تنحية القاضي البيطار عن الملف من أجل خدمة القضية والوصول الى العدالة»، رافضاً «شيطنة عائلات شهداء المرفأ».

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *