الرئيسية / صحف ومقالات / النهار: المحروقات تلهب الناس والشارع… والحكومة مشلولة
النهار

النهار: المحروقات تلهب الناس والشارع… والحكومة مشلولة

قبل أسبوع تماماً كان لبنان كلّه يرتجف على وقع التوترات الدامية الخطيرة التي اثارتها أحداث الطيونة وعين الرمانة. وأمس، عشية الذكرى الأسبوعية الأولى لهذه الاحداث، ارتجف اللبنانيون غيظاً وغضباً وقلقاً وتشنجاً ولكن بفعل واقعة ليست امنية، وانما مالية اجتماعية من شأنها ان توسّع هذه المرة دائرة الفقر والركود والبطالة والغلاء إلى سقوف غير مسبوقة، عبر رفع فجائي مباغت لكل ما تبقى من الدعم المتدرج لأسعار البنزين والغاز، بعدما رفع سابقاً هذا الدعم نهائياً عن المازوت. وقع جدول أسعار المحروقات الجديد الصادر صباح أمس وقع الصاعقة على اللبنانيين نظراً إلى التحليق العالي جداً والحارق لأسعار المحروقات كافة ولا سيما البنزين بما بدا مؤشراً إلى الرفع النهائي المفاجئ غير المتدرج للدعم. أعاد هذا التطور الأولوية المطلقة في المشهد الداخلي إلى الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، وبدت الحكومة في موقع ضعيف ومحرج للغاية امام الالتهاب الشعبي الذي تسبب به هذا الاجراء وأعاد تحريك الشارع بقوة واتساع من خلال قطع الطرق في مختلف المناطق والتحفز لتحركات احتجاجية مقبلة.

جرى ذلك فيما الحكومة معطلة، وجلساتها معلقة حتى اشعار آخر، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليس في وارد الدعوة إلى جلسة طالما ان الازمة التي طرحت على طاولة مجلس الوزراء بشأن التحقيق العدلي لم تعالج بعد. وسيزور ميقاتي بعبدا اليوم، وعلم من مصادره ان هذا الموعد مقرر منذ ثلاثة ايام للتشاور مع رئيس الجمهورية في ملفات حكومية غير الدعوة إلى عقد جلسة. وفهم ان لا علاقة لهذه الزيارة بالكلام الذي أعلنه وزير الثقافة محمد مرتضى عن انه وزملاءه وزراء “امل” “وحزب الله” سيحضرون الجلسة لا سيما وانه هو من فجّر المشكلة على طاولة مجلس الوزراء، وأدى إلى تعليق جلساته.

وعلم ان بعبدا مستعدة لمعاودة جلسات مجلس الوزراء، وتنتظر ميقاتي ليتشاور ورئيس الجمهورية في الدعوة المفترض ان يوجهها لانعقاد مجلس الوزراء. ومن وجهة نظرها، فصل وزير العدل هنري خوري بين القضاء والوزارة، وتالياً حكومة الانقاذ يجب ان تجتمع وان تتحمل مسؤولياتها في الإنقاذ والإصلاح. والثنائي “أمل – حزب الله” فتح الباب من خلال كلام الوزير محمد مرتضى. لذلك لن يكون الرئيس ميقاتي مستفزاً لأحد إذا دعا إلى عقد جلسة.

ولكن وفق المعلومات فان المشكلة التي اثارها الوزير مرتضى على طاولة مجلس الوزراء لم يتوافر لها حل بعد. وهو لم يتحدث باسمه انما باسم “أمل”و”حزب الله”. وعندما قال انه وزملاءه سيحضرون جلسة مجلس الوزراء إذا دعا إليها الرئيس ميقاتي، فإنما استخدم عبارة “إذا” الشرطية، باعتبار ان ثمة ازمة والواجب الوطني يستدعي التصدي كل ضمن صلاحياته ودوره. والرئيس ميقاتي يدرك هذا الامر ويتصرف على أساسه.
لذا تشير المعطيات إلى أنه لن تكون هناك دعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، قبل الوصول إلى اتفاق يقضي بفصل المسار القضائي عن المسار الحكومي في أزمة سياسية- قضائية عطلت مجلس الوزراء وقد تنفجر فيه مجدداً.

الرفع الحارق للدعم
ولكن اجراء تسعير المحروقات أمس على أساس الدولار في السوق أي بما يناهز العشرين ألف ليرة معطوفا على الارتفاع العالمي في سعر النفط في الآونة الأخيرة أعاد إلى البلد تشنجاً كبيراً بفعل الارتفاع الناري الحارق دفعة واحدة في أسعار المحروقات إذ تجاوز سعر صفيحة البنزين 312 ألف ليرة وصفيحة المازوت 270 ألف ليرة وقارورة الغاز 229 ألف ليرة. ومع ان كل المؤشرات كانت تنذر منذ فترة طويلة بان رفع الدعم النهائي عن المحروقات سيدفع بأسعارها إلى سقوف عالية للغاية، فان اعتماد الطريقة المتدرجة في زيادات الأسعار وفي الرفع المتدرج للدعم ساعد على احتواء نسبي لهذا الاستحقاق وسط انتظار بدء تنفيذ اعتماد البطاقة التمويلية. ولكن التأخير الحاصل في بدء اعتماد البطاقة ناهيك عن الارتفاع الناري المفاجئ في الأسعار أمس، بدأ يضع البلاد امام متاهة تفاقم كبير جدا للازمة الاجتماعية خصوصا على أبواب موسم الشتاء.
وبإزاء هذا الارتفاع الجنونيّ لأسعار المحروقات، بدأت ترجمة غليان الشارع بقطع الطرق وكانت البداية أمس بقطع الطريق في ساحة الشهداء في بيروت كما تمّ قطع السير عند تقاطع جامع عبد الناصر كورنيش- المزرعة بالاتّجاهين. كما تم إقفال المسلك الشرقي من بيروت إلى الدورة مقابل الفوروم من قبل عدد من العسكريين المتقاعدين. وشهدت مدينة صيدا أيضاً تحرّكات احتجاجية من قبل سائقي السيارات العمومية، تمثلت بقطع الطريق عند الكورنيش البحري وكان السائقون العموميون قد قطعوا الطريق صباحاً عند ساحة النجمة. وتمدد المشهد إلى عكار، حيث قطع عدد من المحتجّين طريق عام البيرة القبيات ثم تمدد إلى طرابلس حيث قطع عدد من المواطنين أوتوستراد البالما، والأوتوستراد في الملولة طرابلس وطريق دوار أبو علي. وقام شبان مساء بقطع مدخل مدينة بعلبك الجنوبي. كما قطع مواطنون المسلكين الشرقي والغربي لأوتوستراد جونية عند جسر السولديني بالإطارات المشتعلة.
وحاولت وزارة الطاقة والمياه تبرير الاجراء فأصدرت بيانا اكدت فيه انها “ليست الجهة المتحكمة بالأسعار، إذ أن عوامل عدة تؤثر بشكل مباشر على تركيبة جدول الأسعار لهذه المشتقات توقيتاً ومضموناً، والجدول يخضع لآلية اعتمدت بناءً على أمرين: أولاً عدم الاستقرار في اسعار الدولار داخلياً فالسعر يُحدده مصرف لبنان لإستيراد هذه المشتقات من قبل الشركات المستوردة وفق منصة “صيرفة” والأمر الثاني ناتج عن الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية، مما إنعكس ارتفاعاً على السعر المحلي أيضاً بالإضافة إلى احتساب الكِلف الإضافية كالنقل وخدمة المحطات وغيرها”.

المفاوضات مع البنك الدولي
وسط هذه الاجواء، عقد الرئيس ميقاتي اجتماعاً مع وفد من البنك الدولي ضم المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البنك ساروج كومار جاه، ممثلة البنك في لبنان منى قوزي، في حضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، والوزير السابق نقولا نحاس. وتم خلال اللقاء البحث في وضع برنامج شبكة الأمان الاجتماعي وتحريك الإصلاحات في مجالَي الطاقة والمياه.
وإفادت أوساط مطلعة “النهار” ان عجلة العمل الحكوميّ انطلقت بشكلّ مباشر مع صندوق النقد الدولي، ما من شأنه الفصل بين الجانب السياسيّ والآخر الاقتصادي. وتشير المعطيات التي استقتها “النهار” إلى أنّ ما من عرقلة لمساعي الحكومة في هذا السياق بل إنّ العمل الوزاريّ حاضرٌ في ظلّ مشكلة حقيقيّة كامنة وفق نظريّة رئيس الحكومة في أنّ الدّعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء في الأجواء الراهنة تؤدّي إلى مشكلة مطلوب معالجتها من خارج إطار مجلس الوزراء، من أجل ألا يفسّر الموضوع على أنّه نوع من التحدّي. وتستمرّ الحكومة في وضع خطّة للموضوع المالي والاقتصادي على السكّة الفعليّة من خلال اجتماع السرايا بين رئيس الحكومة والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محي الدين. وقد حصل التباحث في الموضوع الاقتصادي إضافةً إلى اجتماع صندوق النقد مع الفريق المتخصّص التابع لرئيس الحكومة ورئيس اللّجنة الوزارية التي تدرس خطّة “الصندوق” برئاسة نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي. ويُرتقب أن يُستَكمل البحث في الملف الاقتصاديّ إضافةً إلى اجتماع صندوق النقد مع الفريق المتخصّص التابع لرئيس الحكومة ورئيس اللجنة الوزارية التي تدرس توجّهات الصندوق.

جولة هوكستين
في غضون ذلك بدت الزيارة الأولى للوسيط الأميركي الجديد في عملية التفاوض غير المباشر في شأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اموس هوكستين على المسؤولين أمس بمثابة مؤشر اولي إلى احتمال إعادة احياء المفاوضات في الناقورة بعد توقف طويل. وجال هوكستين ترافقه السفيرة الأميركية دوروثي شيا على الرؤساء عون ونبيه بري وميقاتي وعرض معهم مسار عملية التفاوض في شأن ترسيم الحدود البحرية والتوجهات المقبلة في هذا الملف. وبدا لافتا ان أي معطيات علنية رسمية لم تصدر عن بعبدا والسرايا فيما وحدها عين التينة وزعت معلومات مفادها انه جرى تأكيد إتفاق الإطار الذي أُعلن في تشرين الأول العام الماضي.
وأشار الرئيس بري إلى أننا “أمام فرصة جديدة لإستئناف المفاوضات في الناقورة مع المساعي الاميركية الجديدة التي تبذل في هذا الإطار”. كما أثار الرئيس بري خلال لقائه هوكستين “أهمية استثناء لبنان من ضوابط قانون قيصر في موضوعي إستجرار الغاز المصري والكهرباء من الاردن”، وقد عكس الموفد الاميركي للرئيس بري اجواء تفاؤلية بالتقدم إيجاباً حول هذه العناوين.
والتقى هوكستين وشيا أيضا وزير الطاقة والمياه وليد فياض إلى مأدبة غداء. وافاد مكتب فياض أن البحث تناول الحلول لقطاع الطاقة وخصوصا المُبادرة المتعلقة بإستجرار الغاز من مصر وإستبداله في سوريا عبر تقنية “سواب” واستجرار الكهرباء من الأُردن عبر سوريا. وشكر فياض هوكستين وشيا على الجهود التي يتم بذلها مع البنك الدولي خصوصاً وأن الولايات المتحدة الاميركية هي من أكبر المساهمين في هذه المؤسسة، مما يُعبّد الطريق أمام تقدُّم الإتفاق لإنجاز تمويل هذا المشروع. وفي هذا الإطار، أطلع هوكستين فياض على خبر جديد جيد بأن الإدارة الأميركية قد أصدرت رسالة تطمين تؤمن حماية المشروع والأفرقاء المشاركين فيه من تداعيات عقوبات “قانون قيصر”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *