الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار : هل يعود دياب عن استقالته؟
الاخبار

الأخبار : هل يعود دياب عن استقالته؟

مرّ شهران على استقالة حسان دياب. في الظروف العادية شهران من ‏تصريف الأعمال يؤديان إلى إنهاك البلد، فكيف إذا كان البلد منهاراً أصلاً. ‏الفشل في تشكيل الحكومة لا يعني الاستسلام لمخالفة الدستور والتغاضي ‏عن المسؤولية، أقله في السعي إلى وقف الإنهيار. وذلك يتطلب في الحد ‏الأدنى تفعيل عمل الحكومة وعودتها إلى الاجتماع، وفي الحد الأقصى ‏عودة دياب عن استقالته، فهل هذا ممكن؟

عند الثامنة من مساء 10 آب، تسلم رئيس الجمهورية استقالة رئيس الحكومة حسان دياب. مرّ نحو شهرين على ‏تصريف الأعمال. حتى الأمل الذي أضفاه تكليف مصطفى أديب تشكيل حكومة جديدة ضاع مع اعتذاره. الوضع يزداد ‏مأساوية يوماً بعد يوم وسط توقعات بأن تطول فترة تصريف الأعمال. رئيس الجمهورية لم يدع إلى استشارات نيابية ‏جديدة ولا إشارات إيجابية بشأن تشكيل قريب. “تصريف الأعمال بالمعنى الضيق” يزيد من صعوبة الموقف في ظل ‏الحاجة إلى قرارات تنفيذية ضرورية تحدّ من سرعة الانحدار في الوضع المعيشي والاقتصادي والنقدي في البلد. أما ‏القول بأن تغيير هذا التفسير يؤدي إلى مخالفة الدستور، فهو كان ليكون مفهوماً لو أن السلطة لم تذهب إلى خيار ما ‏يسمى “الموافقة الاستثنائية” لتمرير قرارات تتخطى مفهوم تصريف الأعمال. منذ العام 2013، ابتكر الرئيس نجيب ‏ميقاتي، بالتعاون مع الرئيس ميشال سليمان، تفسيراً خاصاً لتصريف الأعمال (التعميم رقم 10/2013 تاريخ ‏‏19/4/2013)، خلص فيه إلى الطلب من الوزراء “في حال أن ثمة قراراً إدارياً يدخل في نطاق أعمال التصرفيّة التي ‏تقتضي الضرورة اتخاذه في خلال فترة تصريف الأعمال إيداع مشروع القرار رئاسة مجلس الوزراء للاستحصال ‏بشأنه على الموافقة الاستثنائية لفخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء‎”.

الأعمال التصرفية، بحسب قرار صادر عن مجلس شورى الدولة في العام 1969، هي تلك الأعمال التي ترمي ‏إلى “إحداث أعباءٍ جديدةٍ أو التصرّف باعتماداتٍ هامة أو إدخال تغييرٍ جوهري على سير المصالح العامة أو في ‏أوضاع البلاد السياسية والإقتصادية والإجتماعية تحت طائلة المسؤولية الوزارية”. منذ ذلك التعميم، وحتى ‏التعميم الذي صدر عن دياب في 11 آب الماضي، كل رؤساء الوزراء اعتمدوا الصيغة نفسها عند استقالتهم أو عند ‏اعتبارهم بحكم المستقيلين، على أن يعاد طرح كل القرارات الاستثنائية على الحكومة الجديدة عند تشكيلها، على ‏سبيل التسوية‎.

بالنسبة للخبير الدستوري وسام اللحام فإن هذا النص يستحدث آلية غير ملحوظة في الدستور، وهو ينقل ‏صلاحيات مجلس الوزراء إلى رئيسي الحكومة والجمهورية. يعتبر اللحّام أنه في حال وُجد ظرف استثنائي، فهذا ‏يستدعي اتخاذ أعمال تصرفية تسمح لصاحب الاختصاص باستعادة هذا الجزء من صلاحياته لمعالجة الوضع. ‏أي في هذه الحالة للوزير المعيّن أو لمجلس الوزراء المستقيل أن يجتمع ويتخذ القرار المناسب. علماً أن ذلك ليس ‏جديداً في لبنان. السوابق عديدة في هذه الحالة. في العام 1969، أقرت حكومة الرئيس رشيد كرامي مشروع ‏الموازنة بعد استقالتها. وفي العام 1979 اجتمعت حكومة الرئيس سليم الحص بعد استقالتها لإقرار عدد من ‏القوانين. وكذلك فعلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2013، حيث شكلت الهيئة العامة للإشراف على ‏الانتخابات‎.

تمديد “الطوارئ‎”
مسألة الظروف الاستثنائية تعتبر مبرراً كافياً لانعقاد الحكومة في فترة تصريف الأعمال. الوزير السابق بهيج ‏طبارة يؤكد أن واجب الحكومة المستقيلة تصريف الأعمال إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة عملاً بمبدأ استمرارية ‏سير المرافق العامة، ولو بالحد الادنى، للحؤول دون حصول فراغ في مؤسسات الدولة. لكنه يضيف إنه “في ‏الأزمات الكبيرة التي يمر فيها البلد يصبح واجبها أن تمارس صلاحياتها العادية للتصدي لهذه الأزمات ‏ومواجهتها‎”.
أليس البلد في أزمة كبرى حالياً؟ بعيداً عن الأسباب الاقتصادية، يكفي ان السلطة نفسها اعتبرت بعد انفجار المرفأ ‏أن هنالك كارثة تستدعي إعلان حالة الطوارئ. إعلان يتطلب اجتماع مجلس الوزراء، وصدور القرار بموافقة ‏ثلثي أعضائه، ولاحقاً بموافقة مجلس النواب. هذا ما حصل في الخامس من آب، لكن تمديد حالة الطوارئ جرى ‏بمرسوم استثنائي، من دون موافقة مجلس الوزراء ولا مجلس النواب. أما التمديد الثاني فجاء بطريقة أكثر غرابة، ‏إذ اكتفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإصدار مذكرة استثنائية مبنية على الموافقة الاستثنائية تسمح بتمديد حالة ‏الطوارئ! الطرفة هنا أن عدم توقيع رئيس الجمهورية لمراسيم إعفاء المدير العام للجمارك والمدير العام للنقل ‏البري والبحري رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة المرفأ كانت حجته أن الأمر بحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء! هل ‏إعلان حالة الطوارئ أقل أهمية من إعفاء موظف؟‎

العودة عن الاستقالة‎
كل ذلك يقود إلى عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، بوصف ذلك أقل الأضرار، لكن اللحّام يذهب إلى أبعد من ذلك. ‏يسأل ألا يحق لرئيس مجلس الوزراء العودة عن استقالته؟ ثمة سابقة لذلك. في نهاية السبعينات، عاد الرئيس سليم ‏الحص عن استقالته، وقد وافق حينها رئيس الجمهورية الياس سركيس على ذلك. بالنسبة لمصدر مطلع، فإن تلك ‏الحالة لا يمكن أن تنطبق على فترة ما بعد الطائف. قبله كان رئيس الحكومة بمثابة موظف أو مساعد لرئيس ‏الجمهورية الذي يعيّن الوزراء ويسمي رئيساً من بينهم. لا يتجاهل اللحام الفارق في وظيفة مجلس الوزراء ودوره ‏بين ما قبل الطائف وما بعده، لكنه في ما يتعلق بالاستقالة وقبولها، فإنه لا يعتبر أن الأمر يختلف بين الحقبتين. ‏المشكلة تتعلق بكيفية تحويل الممارسة الدستورية التي كانت سائدة إلى نص دستوري في الطائف. ولذلك جرى ‏الدمج في المادة 69 بين الحالات الحكمية لاعتبار الحكومة مستقيلة وبين قبول رئيس الجمهورية لاستقالة رئيس ‏الحكومة. وهو ما لم يحصل في المادة 53 على السبيل المثال‎.‎

في الفقرة السادسة منها التمييز واضح بين الأمرين: “يصدر رئيس الجمهورية منفرداً مراسيم قبول استقالة ‏الحكومة أو اعتبارها مستقيلة”. في الممارسة أيضاً روعي هذا الفارق في كل المراسيم التي صدرت بين العام ‏‏1990 وبين العام 2013. عندما يستقيل رئيس الحكومة يصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بقبول استقالته. منذ ‏استقالة ميقاتي في العام 2013، اختلف الأمر واستمر في عهد الرئيس ميشال عون. صارت المراسيم تصدر ‏باعتبار الحكومة مستقيلة ليس فقط عند بداية ولاية جديدة للمجلس النيابي أو عند انتخاب رئيس الجمهورية، بل ‏أيضاً عند استقالة رئيس الحكومة. هنا يستغرب اللحام كيف لعون الذي يعلن حرصه على صلاحيات الرئاسة ‏الأولى أن يتخلى عن حقّه الدستوري في قبول الاستقالة، بدلاً من أخذ العلم بها فقط؟ خلاصة القول بالنسبة للحّام أن ‏واقعة العام 78 لا تزال ممكنة اليوم. وبالتالي، فإن رئيس الحكومة يمكنه دستورياً العودة عن الاستقالة، ويمكن ‏لرئيس الجمهورية الموافقة على ذلك أو الرفض‎.

الاجتماع فوراً‎
يعرف اللحّام أن لا إجماع على ذلك بين الفقهاء الدستوريين، لكنه يذكّر أن الحكومة لا تزال حاصلة على ثقة ‏المجلس. النائب السابق الخبير الدستوري حسن الرفاعي، على سبيل المثال، يعارض مبدأ العودة عن الاستقالة. ‏يعتبر أن المطلوب لعودة الحكومة إلى العمل هو إصدار مراسيم تعيينها من جديد. أما في الدراسة التي أعدّها طبارة ‏بشأن تصريف الأعمال، فيعيد التذكير أن المادة 64 التي نصّت على أن “لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها ‏الثقة وبعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال”. ويشير إلى أن “الحكومة في ‏الأنظمة البرلمانية تستمد شرعيتها من الثقة التي يمنحها مجلس النواب. وفي حال نزع الثقة او في حال استقالة ‏الحكومة تبعاً لاستقالة رئيسها فإنها تفقد شرعيتها وتصبح خارج رقابة مجلس النواب‎”.
حكماً ليس النقاش دستورياً فقط. بحسب التجربة فإن تفسير الدستور منذ الطائف إلى اليوم مرتبط بالمصالح ‏والتوازنات السياسية. وإذا كان متعذّراً الاتفاق على الأخذ بدستورية العودة عن الاستقالة، وإذا رفض دياب ‏المبادرة إلى التراجع عن الاستقالة، فعلى الأقل يُفترض البدء فوراً بإنهاء حال المراوحة المستمرة منذ استقالة ‏الحكومة، بالبحث عن طريقة لإعادة تفعيل عملها. المبرر الدستوري موجود بحسب اللحّام وطبّارة. الأول يعتبر ‏أن ذلك أمر بديهي في الظروف الاستثنائية، وهو حكماً أولى من المراسيم الاستثنائية المخالفة للدستور، فيما الثاني ‏يؤكد أن “الأزمة الخطيرة التي يمر بها لبنان ليس فقط تبرر عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، بل تستدعي ان ‏يكون مجلس الوزراء في حالة انعقاد دائم لمتابعة المستجدات ومناقشتها واتخاذ ما يلزم من تدابير سريعة ‏لمعالجتها‎”.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *