الرئيسية / صحف ومقالات / النهار: بدء المخاض الصعب لحكومة “منزوعة الأحزاب”
flag-big

النهار: بدء المخاض الصعب لحكومة “منزوعة الأحزاب”

قد لا يكون من المغالاة القول ان إقلاع رحلة تشكيل الحكومة الجديدة التي كلف بتأليفها مصطفى أديب يبدو بمثابة مؤشر الى تجربة فريدة يصعب جدا اطلاق توقعات وتقديرات ثابتة حيال مسارها اقله في مرحلة إقلاعها وقبل ان تتبلور حقائق كثيرة ستحكم على التجربة بنجاحها او فشلها. ذلك ان فائض “النيات الحسنة” والاستعدادات الكلامية الإيجابية في الاستشارات النيابية غير الملزمة التي اجراها امس الرئيس المكلف، وللمرة الأولى في عين التينة وليس في مجلس النواب في ساحة النجمة ، تحول الى مهرجان سياسي نيابي واسع لاعلاء صوت استعجال تأليف الحكومة والتغني بالرعاية الفرنسية للحل الداخلي التي ترجمت في الاندفاع الاستثنائي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارتيه المتلاحقتين لبيروت خلال اقل من شهر وإعلانه عزمه القيام بالزيارة الثالثة في كانون الأول. ولكن كل هذا الفائض من الاستعدادات بدا رهناً بمجموعة تساؤلات صعبة لن تكون الأجوبة عليها متاحة بسرعة اقله اذا قيست الأمور بمعايير حسابات القوى السياسية حين تترك لنفسها مجدداً. ويأتي في مقدم التحديات التي تواجه الرئيس المكلف السؤال الأساسي عما اذا كانت القوى السياسية والحزبية قاطبة ستسمح عمليا بتجربة تأليف حكومة اختصاصيين صرفة لا تضم حزبيين ولا ممثلي أحزاب بشكل مباشر او ضمني ولا تستنسخ تجربة حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب. وتالياً هل نجح ماكرون فعلا ان ينتزع موافقات ثابتة للقيادات السياسية التي التقاها طويلا مساء الثلثاء في قصر الصنوبر على حكومة “منزوعة الأحزاب” وتضم اختصاصيين فقط؟ ثم ان التحدي الثاني الذي لا يقل أهمية يتمثل في تسهيل الولادة الحكومية متى تمكن الرئيس المكلف من وضع مشروع تركيبة الحكومة باعتبار ان شياطين التفاصيل والاسماء والحقائب تكمن في لحظة اختبار القوى السياسية والحزبية اذا كانت فعلا ستتنازل هذه المرة عما تعتبره مكاسب تكرست لها مدى سنوات جراء المحاصصات التي كانت تعتمد في استيلاد الحكومات. واما التحدي الثالث فيتمثل في موضوع خلط أوراق “الإقطاعات” الوزارية المزمنة بمعنى انتزاع موافقات القوى التي دأبت على التمسك بحقائب وزارية باتت تعتبرها “حقوقا” مكرسة لها .ومع ان معظم هذه القوى تحدثت امام ماكرون كما خلال الاستشارات التي اجراها الرئيس المكلف امس عن استعداداتها للقبول بالمداورة في الوزارات فان ملامح الاشتراطات بدأت تبرز بوضوح من خلال طرح أسئلة افتراضية واستباقية سمعها الرئيس المكلف من أطراف بما يعني ان مهمته لن تكون سهلة كما سادت انطباعات فورية.

 

الحريري والجانب الفرنسي

وتقول مصادر واسعة الاطلاع انه في اللقاء الليلي لماكرون مع الرئيس سعد الحريري ليل الاثنين وضعت خريطة الطريق الفرنسية على سكة الحل.

اما مشروع برنامج للحكومة الجديدة فهي الورقة التي وضعها الفرنسيون وقد طبعت صباح الثلثاء ووزعت على القيادات السياسية على طاولة قصر الصنوبر.

والاتصالات الفعلية للتأليف بدأت مع انتهاء استشارات التأليف. فصحيح ان الرئيس المكلّف مصطفى اديب هو من سيؤلف الحكومة، لكن المصادر تؤكد ان الرئيس سعد الحريري هو في صلب هذه المشاورات. فهو الذي تبنى ترشيح اديب وهو الذي سيعمل مع الكتل الاخرى على تأمين اوسع مروحة توافق حول الحكومة.

وتؤكد المصادر ان الاتصالات ستكون ميسرة وولادة الحكومة قد تحتاج من ثلاثة الى أربعة أسابيع .وقالت ان السفيرين الفرنسيين السابقين في لبنان برنار ايميه رئيس الاستخبارات الخارجية والمستشار في الاليزيه ايمانويل بون يتوليان متابعة تفاصيل المبادرة مع القوى اللبنانية.

اما القطب المخفية فتتمثل في الحقائب الموزعة على الطوائف وبتمسك الاحزاب بتسمية ممثليها في هذه الوزارات.

والسؤال هل يتخلى الثنائي الشيعي عن وزارة المال لـ”امل” والصحة لـ”حزب الله”؟

كما ان رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل لن يسلم بالتخلي عن حقيبة الطاقة فيما القوى الاخرى تحتفظ بحقائبها.

في اي حال، الكل يتعاطى من منطلق انه لن يعرقل ولن يسجل طرف على نفسه عرقلة مبادرة تبدو الفرصة الاخيرة امام اللبنانيين للخروج من ازمتهم.

وتتوقع المصادر المعنية بالاتصالات ان تكون عملية التأليف ورغم تفاصيلها المعقدة ميسرة وولادة الحكومة تحتاج ما بين اسبوعين الى شهر.

وتشير المصادر الى انه لم يبحث بعد في شكل الحكومة ولا في عددها والارجح انها ستكون من عشرين وزيراً.

 

مشروع البرنامج

واكدت مصادر سياسية مواكبة للرعاية الفرنسية الدافعة نحو استعجال الولادة الحكومية وإطلاق ورشة انقاذية ان ما وصف بالورقة الفرنسية وهو واقعيا “مشروع برنامج للحكومة الجديدة” وضع بكثير من التدقيق وسمته البارزة تحديد الأولويات الأكثر الحاحا لاخراج لبنان من ازماته الراهنة . ويتدرج البرنامج من التصدي لجائحة كورونا الى مواجهة تبعات انفجار الرابع من آب من خلال المساعدات الإنسانية الدولية وحوكمة المساعدة الدولية وبداية إعادة الاعمار وإعادة تأهيل مرفأ بيروت . ثم يتناول البرنامج الإصلاحات بدءا بقطاع الكهرباء والرقابة المنظمة لتحويل الرساميل وحوكمة وتنظيم قضائي ومالي ومكافحة الفساد والتهريب وإصلاح الشراء العام والمالية العامة وصولا أخيرا الى الانتخابات التشريعية المبكرة ضمن مهلة سنة . وقالت ان هذا المشروع سيوفر على الرئيس المكلف والقوى المعنية استهلاك مزيد من الوقت للاتفاق على الإطار المرجعي للبيان الوزاري باعتبار ان كل القوى السياسية وافقت على البرنامج ويصعب ان تتراجع عن التزاماتها ما لم تكن هناك قطب مخفية لن تتأخر عن الانكشاف في حال غامر بعض القوى في تحدي المناخ الذي رسمته المبادرة الفرنسية .

في كل حال شدد الرئيس المكلف مصطفى أديب في بيان مقتضب في نهاية الاستشارات التي اجراها امس على “السرعة في تأليف حكومة تكون فريقا منسجما وينكب على معالجة الملفات الكثيرة أمامنا “. وقال “ان التحديات داهمة ولا تتحمل التأخير” كما شدد على تأليف “حكومة اختصاصيين تعالج بسرعة وحرفية الملفات المطروحة وتستعيد ثقة اللبنانيين المقيمين والمغتربين والمجتمعين العربي والدولي” وكرر ان “الوقت للعمل وليس للكلام “.

ومن المواقف التي برزت خلال الاستشارات ان “كتلة الجمهورية القوية” أعلنت بلسان النائب جورج عدوان انها مع حكومة مستقلة من أصحاب الاختصاص ولكن القوات اللبنانية لن تشارك فيها ولن تقدم أسماء ولن تشارك تاليا في تشكيلها كما دعا الى ان تحيد الحكومة نفسها عن الصراعات وتلتزم الحياد وذهب الى القول “لم نشعر بالعنفوان والسيادة عندما اسمعنا رئيس دولة حتى لو كان صديقا يتوجه الينا بهكذا كلام ” وقال ان “الإدارة السيئة والفساد هما أوصلانا الى هكذا كلام “.

كما ان رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل “تمنى ان تكون هناك مداورة في الوزارات ” . وشددت النائبة بهية الحريري باسم “كتلة المستقبل” على حكومة اختصاصيين ومستقلين فيما لم يعكس موقف النائب محمد رعد باسم “كتلة الوفاء للمقاومة” اتجاها ثابتا الى القبول بحكومة لا تضم حزبيين اذ ابدى استعداد حزب الله لكل تعاون وقال “اردنا حكومة فاعلة ومنتجة ومتماسكة تدرك الواقع السياسي الذي تتحرك فيه “. وفي سياق المواقف البارزة من الحكومة اعلن مجلس المطارنة الموارنة انه “ينتظر من الرئيس المكلف الإسراع في تأليف حكومة انقاذية بعيدة عن الانتماءات الحزبية والسياسية مع ضرورة منحها صلاحيات استثنائية لتتمكن من القيام بالإصلاحات ومكافحة الفساد والنهوض الاقتصادي “.

 

بومبيو وشينكر

وسط هذا المناخ وصل الى بيروت مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر الى بيروت في زيارة تستمر حتى غد الجمعة وتقتصر لقاءاته خلالها على المجتمع المدني وعدد من الشخصيات السياسية غير الرسمية . وسيحض شينكر خلال لقاءاته المسؤولين على تنفيذ إصلاحات تلبي مطالب الشعب اللبناني .

وتزامن وصوله مع اعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مواقف من الوضع في لبنان مؤكدا التنسيق الأميركي الفرنسي حياله .وقال بومبيو في مؤتمر صحافي “اعمل في شكل وثيق مع الفرنسيين نتشارك الهدف نفسه .” وأضاف “لم يعد يمكن ان يستمر الوضع كما كان سابقا انه غير مقبول .اعتقد ان الرئيس ماكرون قال الامر نفسه . ينبغي على هذه الحكومة ان تقوم بإصلاحات عميقة . اللبنانيون يطلبون تغييرا حقيقيا والولايات المتحدة ستستخدم وجودها ووسائلها الديبلوماسية لضمان ان يتحقق ذلك .”. وانتقد بومبيو مرة جديدة “حزب الله” فقال “نعرف جميعا تاريخ لبنان الجميع سلم أسلحته باستثناء حزب الله .انه التحدي الحالي”.

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *