الرئيسية / سياسة / “الشرق الأوسط”: شح المياه و”التخبط الحكومي” حوَّلا الليطاني إلى مستنقعات ملوثة خُمس لبنان مهدد بالسرطان والفقر… وتراجع السياحة وصيد السمك
تلوث الليطاني

“الشرق الأوسط”: شح المياه و”التخبط الحكومي” حوَّلا الليطاني إلى مستنقعات ملوثة خُمس لبنان مهدد بالسرطان والفقر… وتراجع السياحة وصيد السمك

كتبت صحيفة “الشرق الأوسط ” تقول : ‎عشرات الإنذارات القانونية، أرسلتها “المصلحة الوطنية لمياه الليطاني”، لمصانع وبلديات حولت مياه الصرف ‏الصحي إلى مجرى النهر الأكبر في لبنان، ووثقت بمقاطع فيديو نشرتها المصلحة في مواقع التواصل الاجتماعي، ‏كدليل على التجاوزات على نهر بات بؤرة للتلوث نتيجة حجم التعديات عليه، ونتيجة “تخبط” الإدارات الحكومية ‏و”سوء استخدام الثروة المائية” و”إهمال المؤسسات الرسمية”، حتى باتت البيئة الزراعية والحضرية حول ‏النهر مهددة بالسرطان والفقر‎.‎
‎ ‎
ولم تنفع المناشدات والخطط الحكومية منذ عام 2016 في إنقاذ نهر الليطاني الذي يعبر 20 في المائة من الأراضي ‏اللبناني، بمسافة 170 كيلومتراً، بدءاً من البقاع شرق البلاد، وصولاً إلى البحر المتوسط في جنوبها. لا يزال ‏التعدي على حوض النهر ومجراه، متواصلاً، لجهة تحويل مياه الصرف الصحي والمصانع إليه، ورمي نفايات ‏على ضفافه، إلى جانب مخالفات البناء العشوائية في حوضه، فضلاً عن المخالفات في حفر آبار ارتوازية قلصت ‏التغذية المائية للنهر أكثر من النصف، مما أدى إلى تراجع منسوب المياه في بحيرة القرعون. واللافت أن حفر ‏الآبار الارتوازية غير المرخصة، تزايد قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو ما دفع مصدراً رسمياً للقول إن ‏‏”الصوت التفضيلي في الانتخابات كان مقابل استثناء حفر بئر ارتوازي”، وهو أكثر توصيف لحجم الاستثناءات ‏على حساب القانون في فترة الانتخابات‎.‎
‎ ‎
وعلى الرغم من أن مصلحة الليطاني كثفت الإنذارات القانونية خلال الفترة الأخيرة، في متابعة للتعديات على النهر ‏في إطار تطبيق قانون المياه الصادر في 13 أبريل (نيسان) الماضي لحماية نهر الليطاني، فإن التعديات لا تزال ‏مستمرة، وهو ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري للتشديد خلال لقاء الأربعاء النيابي على “أهمية تطبيق ‏القوانين وعلى ملاحقة كل المخالفين وضبط المخالفات المتعلقة بتلوث الليطاني ومحيطه”. وتعقد لجنة الأشغال ‏العامة والنقل والطاقة والمياه في البرلمان اللبناني يوم الأربعاء المقبل جلسة لمتابعة الاستماع لكل الوزارات ‏والإدارات والجهات المعنية، من أجل اتخاذ القرارات التي تؤول إلى تسريع الأعمال وإنهائها، تلك العائدة لمنطقة ‏حوض نهر الليطاني من المنبع إلى المصب‎.‎
‎ ‎
واتبعت مصلحة الليطاني استراتيجية الإنذارات القانونية بوصفها الحق القانوني الوحيد المعطى لها لمواجهة ‏التعديات. في مكتب رئيس المصلحة الدكتور سامي علوية، لا تهدأ الاتصالات من قبل أطراف وُجّهت إليهم ‏الإنذارات. جوابه الوحيد: “القضاء وحده يقرر”، في إشارة إلى تحويل الملفات إلى القضاء اللبناني. فمهمة رفع ‏التعديات، ورفع “الظلم” وإنقاذ الناس من المرض والفقر، “هو خيار أمضي به حتى النهاية”، كما يقول، وذلك ‏‏”بالطرق القانونية”. ويضيف لـ”الشرق الأوسط”: “من شدة التلوث والظلم، يهدد النهر بالسرطان والفقر لسكان ‏يعيشون حوله”، مستذكراً مقولة لنائب لبناني وصفه بأنه “بات صورة عن إهمال الدولة اللبنانية”. ويقول: “بات ‏حوض الليطاني منطقة موبوءة. الحوض الأعلى صار مجروراً لمياه الصرف الصحي، ولا خلاص إلا بتطبيق ‏القوانين اللبنانية وإنقاذه وإنقاذ المحيطين فيه‎”.‎
‎ ‎
محطات الكهرباء مهددة
‎ ‎
والحديث عن الفقر، يعود إلى أن النهر الذي يعبر خُمس مساحة لبنان، شُيدت عليه أربع محطات كهرومائية لتوليد ‏الطاقة، باتت مهددة بتوقفها عن العمل نتيجة شح المياه، كما أن الكثير من المزارعين يروون مزروعاتهم منه، ‏وشيدت فيه مزارع لتربية الأسماك. الآن، وبفعل التلوث، توقف المزارعون عن ري مزروعاتهم من مياه النهر، ‏في منطقتي البقاع والجنوب، كما تراجعت تربية الأسماك بفعل التلوث، فضلاً عن أن التعديات على النهر قلصت ‏حجم حوضه. هذا، وأدى الشح في مياه النهر إلى جفافه في بعض المناطق، والقضاء على موسم سياحي بالنسبة ‏لكثير من المتنزهات التي أقيمت على ضفافه في الجنوب، وتحديداً في منطقة القاسمية‎.‎
‎ ‎
ومع أن اقتراحات حكومية تحدثت عن ضرورة تنظيف مجرى النهر وحوضه من التلوث، إلا أن مشكلة الليطاني ‏لا تُعالج، من دون معالجة الأسباب المؤدية إلى تفاقم الوضع البيئي، وهو ما أكده رئيس مجلس الإدارة المدير العام ‏للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية بالإشارة إلى القانون 63 الصادر في عام 2016، حيث أقرت ‏اعتمادات مالية بقيمة 1067 مليار ليرة (70 مليون دولار تقريباً)، لتنفيذ مشاريع خلال مدة 7 سنوات، يجب أن ‏تُنجز في عام 2023، موزعة على وزارات معنية، ومن بينها وزارة الطاقة لإنجاز محطات تكرير لمياه الصرف ‏الصحي وتنظيف الحوضين الأعلى والأدنى للنهر، لافتاً إلى أن مجلس الإنماء والإعمار بدأ بالعمل. لكن علوية ‏توقف عند عدة مشكلات أبرزها أن “الدراسات المتعلقة بمحطات التكرير غير منضبطة، بينما المحطات المنجزة ‏لا تعمل بالكفاءة المطلوبة ولا تعالج بالشكل المطلوب”، أما المحطات التي لم تُنجز “فثمة تأخير في الانطلاق ‏بتشييدها، وثمة تأخير في صرف الاعتمادات المالية المخصصة لها‎”.‎
‎ ‎
وقال: “حتى إنجاز محطات التكرير، تفاقم المشكلة، وهو ما دفعنا لاتخاذ إجراءات، أهمها وضع استراتيجية ‏سريعة للبلديات تقوم على وضع مياه الصرف الصحي في برك عبارة عن حفر ترطيب أو منطقة رطبة، قبل نقل ‏المياه إلى مجرى النهر للتخفيف من التلوث حتى معدلات منخفضة جداً، وذلك في حال وجود شبكات صرف ‏صحي قائمة، أما في عدم وجود تلك الشبكات، فيمنع تشييدها ما لا تنتهي إلى محطة تكرير، والاستعاضة عنها ‏بحفر لتجميع مياه الصرف الصحي بشكل مؤقت”. وقال: “هذا الحل المنطقي مضينا به حتى استكمال ‏الاستراتيجية القائمة لحل مشكلة الأسباب المؤدية للتلوث‎”.‎
‎ ‎
صرف صحي ونفايات
‎ ‎
لكن علوية، اصطدم بعدة مشكلات تعرقل المشروع، وهو ما دفعه للتأكيد بأن المشكلة “لن تعالج طالما أن التعديات ‏مستمرة، والتي يجب إيقافها فوراً”. وتتمثل التعديات في مكبات النفايات التي وضعتها القرى قرب حوض النهر أو ‏قرب مجراه، وتعديات البلديات من خلال تحويل مجاري الصرف الصحي باتجاه مجرى النهر، ومياه الصرف ‏الصناعي غير المعالج، وبناء المخالفات على حوض النهر وقرب مجراه، فضلاً عن الحفر العشوائي للآبار ‏الارتوازية، تلك التي أدت لشح في مياه النهر ومنابعه‎.‎
‎ ‎
والواقع أن المخالفات تصطدم بتعامل أقل صرامة من قبل الوزارات، أبرزها “قرار لوزير البيئة الأسبق محمد ‏المشنوق قضى بمنح مهل إضافية، واكتفاء وزارة الصناعة بإرسال تنبيهات إلى المصانع المخالفة وليس إقفالها، ‏بذريعة أن سلطة إقفالها عائدة إلى مجلس الوزراء وليس للوزارة وحدها”، كما قال علوية، في وقت تنتشر اتهامات ‏للقوى الأمنية بـ”التقاعس” عن قمع مخالفات المصانع التي تلوث المياه، خلافاً لقمعها مخالفات المزارعين الذين ‏يروون مزروعاتهم من المياه الملوثة‎.‎
‎ ‎
وقال علوية: “بدأنا بإرسال الإنذارات القانونية عبر القضاء اللبناني، وقمنا بجهد كبير بالتعاون مع مفرزة زحلة ‏في قوى الأمن لتثبيت مخالفات المصانع”. وإذ دعا وزارة الصناعة “لممارسة صلاحياتها” لجهة إقفال المصانع ‏المخالفة، دعا وزارة البيئة أيضاً “لتصحيح القرار الذي اتخذه الوزير الأسبق”. وقال: “المطلوب يتمثل في جدول ‏زمني من وزارات الصناعة والبيئة والطاقة ومجلس الإنماء والإعمار لوضع تصور لتسلسل المشاريع وكيفية ‏إنفاقها” بهدف الإسراع في تنفيذ مشاريع إنقاذ الليطاني‎.‎
‎ ‎
واللافت أن القانون لا يعطي مصلحة الليطاني القدرة على قمع المخالفات، وهو ما دفعها لاتباع الخطوات القانونية ‏واتخاذ الإجراءات عبر القضاء اللبناني. وقال علوية: “لو كان القانون يسمح لي بإجراءات أكثر ضراوة، ‏لاتخذتها. أنا ذاهب في مشروع إنقاذ نهر الليطاني حتى النهاية”. وعن خطوات الضغط في المستقبل لدى انتهاء ‏المهل التي تتذرع بها الوزارات في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، قال علوية: “أتواصل الآن مع الاتحاد العمالي ‏العام لتنفيذ استراتيجية مشتركة لحماية الناس

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *