الرئيسية / أخبار مميزة / المكاري في افتتاح مهرجان الكتاب في انطلياس: لبنان الكلمة والحرف سيبقى من ذهب.. المرتضى: الكتاب أمضى سلاح في معركة الوعي ضد هويتنا
مهرجان الكتاب في انطلياس المكاري

المكاري في افتتاح مهرجان الكتاب في انطلياس: لبنان الكلمة والحرف سيبقى من ذهب.. المرتضى: الكتاب أمضى سلاح في معركة الوعي ضد هويتنا

افتتحت الحركة الثقافية – انطلياس المهرجان اللبناني للكتاب بنسخته الأربعين بعنوان “ثقافة الحرية والمئوية الثالثة للحضور الانطوني في انطلياس”، في احتفال بمقرها في دير مار الياس، بحضور وزيري الاعلام والثقافة في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري القاضي محمد وسام المرتضى، النائب ادغار طرابلسي، رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران، رئيس بلدية انطلياس ايلي ابو جودة، وممثلي القيادات الامنية وشخصيات رسمية وسياسية وقضائية وروحية وفكرية وتربوية.

الصليبي

افتتاحا النشيد الوطني، وبعد تقديم من الدكتور الياس كساب، القت أمينة المعرض نجاة الصليبي الطويل كلمة قالت فيها: “في خضم الأحداث التي تعصف بوطننا، وما نشهده من تطورات اقليمية وحروب كبرى وتغييرات وتقلبات ديموغرافية وجيولوجية مرعبة، يلتبس علينا الكثير من القناعات السياسية، الحزبية، الطائفية والوطنية عامة، تبرز أبعاد مختلفة تعيد النظر بالكثير من القيم الموروثة، فنبحث عن أسس راسخة وثوابت جديدة، تكريسا لانسانيتنا ولشغفنا بالحياة”.

أضافت: “الركيزة الاساسية لتطور تراثنا الثقافي الواسع بجميع مكوناته، من علوم وفنون وآداب ولغات وللحفاظ على الذاكرة الجماعية هي الكتاب الذي يعكس فضاءات غنية للواقع ويرسم آفاقا جديدة لدروب مشعة”.

وتابعت: “ان تاريخ لبنان الثقافي المبني على ثقافة المواجهة خير دليل على قوتنا وعلى صراعنا للبقاء”.

واردفت: “معرضنا فعل تحد وواجب وطني وإنساني. وهذه السنة، تم استحداث فسحة خاصة لكتب بأسعار مخفضة، يستفيد منها القراء عامة والطلاب خاصة”.

وتحدثت عن النشاطات المرافقة من “ندوات تعالج بمجملها قضايا وطنية ملحة أو عامة، وتكريم لأعلام الثقافة. كما يجري الاحتفال بيوم المرأة ويوم المعلم، مع تحية تقدير لفنان في اليوم الاخير نختتم المهرجان معه بأمسية موسيقية. والجديد قراءات شعرية ضمن “ساعة شعر” الساعة الخامسة. كما ان للحركة منصتين: منصة للمنفردين تعرض الكتب غير الصادرة عن دار نشر، ومنصة ثانية لتواقيع الإصدارات الحديثة. كما تنشر الحركة هذه السنة، كتيب أعلام الثقافة الذين سيكرمون خلال المهرجان، وطبعت مؤلفا قيما يجمع دراسات ومداخلات لمجموعة من الاختصاصيين، قدمت خلال المؤتمر الوطني الذي أقيم العام الماضي تحت عنوان “التنمية في لبنان، خطوات إصلاحية للنهوض بالوطن”.

راجح

ثم قال رئيس دير مار الياس أنطلياس رئيس الحركة الاباتي انطوان راجح: “شاءت الهيئة الإدارية أن يتضمن عنوان هذه الدورة من المهرجان، اليوبيل المئوي الأنطوني لدير مار الياس الذي يحتضنها. هذا عرفان وامتنان، من شيم أعضاء حركة ثقافية ذات تاريخ تفخر به أنطلياس كما الوطن. فهم العالمون بأن حركتهم غير مقيدة بأي توجيه يفرض عليها، ومتحررة من أي قيد فكري يحرجها. إن الدير لا يمدها بسوى نفحات الرجاء، ولا يراها إلا بدالية من إليه تنتمي، وبها يفتخر”.

اضاف: “يفخر هذا الدير، بتحلق كوكبة من خيرة مثقفي البلاد، كمركز ثقل ثقافي ووطني، فخره بتلاقي العقول المنفتحة، تحت قبة مار الياس، تلاقيا فريدا، وانصهارها في بوتقة من فكر وعلم وفن، انصهارا مبهرا، على رغم تساؤلات بعضهم واستهجانهم”.

وتطرق إلى نهج الدير في الشؤون الوطنية، الاجتماعية والثقافية الفريدة، قائلا: “لا حرج في الدير من علمانية حركته الثقافية. ففي الواقع، دارت أحاديث كثيرة عن العلمانية، أبرزها ما أصدره الوقور الذكر، البابا بنديكتوس السادس عشر إرشادا رسوليا بعنوان: “الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة”، فقد لفت فيه إلى الغموض الذي يشوب الحوارات الدائرة حول موضوع العلمانية، فقال: “يختبر الشرق الأوسط، كباقي أنحاء العالم، واقعين متضاربين: العلمانية بأشكالها التي تصل أحيانا إلى التطرف، والأصولية العنيفة التي تدعي قيامها على أصول دينية. وبكثير من الارتياب، ينظر بعض المسؤولين من الجماعات كافة إلى العلمانية، باعتبار أنها تعني الإلحاد أو اللاأخلاقية”.

اضاف: “صحيح أن العلمانية قد تصل أحيانا، وبطريقة مختزلة، إلى اعتبار أن الدين ينحصر في النطاق الفردي وحسب، وكأنه ليس إلا عبادة فردية وبيتية بعيدة من الحياة، ومن الأنشطة الحياتية، ومن العلاقات مع الآخرين. وصحيح أن هذا الشكل المتطرف والإيديولوجي يحول العلمانية إلى تعلمن يمنع المواطن من التعبير العام عن دينه، معتبرا أن الدولة وحدها هي التي تستطيع تشريع شكلها العام. إلا أن هذه النظريات قديمة العهد، ولم تعد غربية وحسب. ويتابع قداسته قائلا: “العلمانية الإيجابية، بخلاف ذلك، تعني تحرير المعتقد من ثقل السياسة، وإغناء السياسة بإسهامات المعتقد، بحفظ المسافة اللازمة، والتمييز الواضح، والتعاون الذي لا غنى عنه، لكليهما، مع رفض السقوط في التجربة المستمرة للخلط أو للتحارب. غير أن كلا منهما مدعو، حتى داخل التمييز الواجب، إلى التعاون بانسجام، من أجل الخير العام. لذا، فإن العلمانية الإيجابية (وحدة وتمايز) ضرورية، بل لا غنى عنها، لكليهما. فكم بالحري إذا كانت العلمانية في الحراك الثقافي، وهو ليس ملك المدينة وحدها، ولا هو في جعبة الروح وحده، ولكنه يوحد الهدف، عنيت خدمة الإنسان وإعلاء كرامته، والحفاظ على حريته ومختلف حقوقه وانتظاراته”.

أما عن الدور الاجتماعي، فقال: “من هذا الدير، انطلقت الخدمات الرسولية لتغطي أرجاء البلدة ومنطقة الساحل، وغطى مذبحه اتفاقية لأطياف الوطن، ثم أتت الحركة الثقافية مباركة، لتعمم العمل والجهاد، فتسكبه وطنيا جامعا، بل تمده إلى بلاد عربية، وحصادها الجرأة النزيهة، والحرية، والمجانية، وعدم الارتهان، والاحترام”.

اضاف: “علينا رفض الاستسلام، مهما كثرت الضغوط غير المسبوقة، منذ أهوال حقبة الحرب العالمية الأولى، ومهما توقع خبراء منمآس متزايدة، فتاريخنا عبارة عن مراحل متتالية من مقارعة المشقات. وستبقى الثقافة والتربية عليها، تحتل طليعة اهتمامنا للإنماء، لأن الجوع إليها لا يقل إيذاء عن الجوع إلى الطعام. وستبقى بادراتنا مخففة لما يحدث هزات بدن فوق الأرض، بخلاف رعبنا من هزات باطن الارض وعجزنا المطبق أمامها. من جهتنا، كما أطلق الأسلاف أول فرن للخبز إبان الحرب العالمية الأولى إسهاما في جبه مآسي الجوع، أطلقنا بالأمس، على الصعيد الاجتماعي، وبدعم سخي من الشيخ جورج إيلي أبو جوده، تخليدا لاسم والده، مركزا للخدمات الطبية، بالمجان الكامل لجميع أبناء البلدة وبأسعار رمزية لأبناء المنطقة”.

وتابع: “إن أعيننا على عبور إلى ما نستحق ويليق بنا وبشعبنا، إنما نترقبه ونرجوه وشيكا”.

وختم: “رجاؤنا هو الذي يجر محبتنا وإيماننا بهذا الوطن، ويؤمئ إلى نهوض آت، لا محالة، وإن تأخر”.

ابي نادر

من جهتها، أكدت الامينة العامة للحركة نايلة أبي نادر أن “الكلمة نور، والفكر مسار نحو الحرية، والنهج مقاومة للجهل والتعصب والتقوقع في الظلمة”.

وقالت: “وسط الأمواج العاتية عقدت الحركة الثقافية، أنطلياس العزم على استعادة أنفاسها، ولملمة قواها، فقررت أن تغامر لتخوض بعد انقطاع ثلاث سنوات غمار تجربة كانت قد بدأتها منذ ما يزيد على أربعة عقود. عند اشتداد القلق وضياع البوصلة وتفاقم الخوف على المصير، تصبح الثقافة والكتابة ترفا مؤجلا ومشتهى، مع ذلك، بادرنا إلى إرسال الدعوة التي لبتها مجموعة من دور النشر، والمهتمين بأمور الكتاب، إنهم شركاؤنا في مواجهة التحديات الراهنة، وهي كبيرة يمكن ان نوحز منها:

– تراجع الاهتمام بالكتاب في مرحلة مصيرية كالتي تمر بها البلاد.

– انحسار جاذبية الكتاب مقابل الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي التي غزت الهواتف الذكية وأسرت في عالمها الافتراضي الملايين.

– انكفاء المفكرين والمبدعين عن عملية نشر مؤلفاتهم، إما يأسا وإما بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة أو بسبب غياب سياسة تنهم بالنهوض بالفكر باعتباره ركيزة في بناء الحضارة وترسيخ الوطن.

– انشغال الجيل الشاب بتأمين أكثر من فرصة عمل لكسب ما يمكنه من الاستمرار إلى جانب الأهل.

– الضغط الكبير الذي يرزح تحته المواطن اللبناني جعله يبحث عن أي وسيلة غير مكلفة لتأمين مصادره المعرفية التي يحتاج اليها”.

اضافت: “كل ما ذكرنا أعلاه وغيره لن يمنع المبدع من التفكير، والمؤسسات المختصة من النشر، والدليل على ذلك متابعة الإصدارات الجديدة، وإقامة المعارض الكبرى في دول عربية شقيقة عدة. هناك إرادة توحي بعدم الرغبة بالاستسلام، وعدم الوقوع في التراخي، إنما على العكس، تشبيك المساعي الطيبة، ومد الجسور للعمل معا على إعادة الوهج للكلمة المطبوعة، واستعادة التمتع بالاحساس بالورق وتقليبه والكتابة عليه بأحرف من حنين”.

وتابعت: “ان ما تقوم به الحركة الثقافية اليوم، وغيرها من النوادي والمنتديات الثقافية الناشطة يعبر بقوة عن رفض جذري لما يحدث من حولنا. هذا التوق الجارف نحو الفكر الحر، واللقاء المتفلت من قيود الإيديولوجيات الضيقة، والرفض القاطع لإقصاء الآخر بمجرد أنه مختلف في طروحاته الفكرية، هذا ما يحركنا ويجعلنا نغامر مع أصحاب دور النشر والجامعات المشاركة والمؤلفين المنفردين، باعتبارهم جميعا أمناء على الكلمة والفكر وثقافة الحرية”.

المكاري

أما وزير الاعلام فقال: “لا ينمو الجسم الا بالرياضة والطعام، ولا ينمو العقل الا بالمطالعة والتفكير. هذا ما يقوله مثل ألماني. أما نحن في لبنان فنضيف: الكتاب بهجة الفكر وزاد العقل ومحرك الثقافة”.

اضاف: “يستحق الكتاب أن نحتفل به في مهرجان ، كما في كل سنة، كما تستحق حركة أنطلياس الثقافية أجمل تحية لحرصها الدائم على هذا التقليد الثقافي الحضاري الذي يشكل علامة ساطعة ومتوهجة في ليل هذا الوطن”.

وتابع: “يضيق الأفق السياسي كأنه لن يتسع مجددا، ويتسع الأفق الثقافي كأنه لن يضيق. هذه هي المعادلة – المفارقة في بلادي. مهما بدا المشهد مأزوما، هناك من يغالب الأزمات ويكافح الضيقات ويملأ الفراغ بوزنات فكرية ومحمول ثقافي أبدي، هو كل تاريخنا الناصع والذي سيبقى ناصعا ويمتد الى حاضرنا والمستقبل، كيف لا والحركة الثقافية في أنطلياس هي الساهر الدائم على إرثنا والأمين الحكيم على كتابنا وحرفنا الذي هو حرفتنا؟”.

وقال: “عندما تشتد الازمات وتحكم قبضتها على وطن صدر الحرف وأسس أعرق الصروح التربوية، فلا بد أن يأتي الترياق من الكتاب، ومنه ابتدأ كل شيء. ونحن على بعد أمتار من عامية أنطلياس، وفي قلب مهرجان الكتاب وفي رحاب الحركة الثقافية، نشعر بأننا نجمع المجد من أطرافه كلها”.

اضاف: “رب قائل إن الكتاب من عصر أفل، ورب متسائل عن جدواه في عصر الرقمنة والتطور التكنولوجي الهائل والألواح الذكية والتطبيقات الغنية… والجواب واحد وتلقائي: لا قيمة تضاهي قيمة كتاب محمول يكتنز بين دفتيه فكرا أصيلا وليد بحث عميق وعلم راسخ لا يجنح الى سرعة أو تسرع ولا يطلب شهرة أو كثرة متابعين. الكتاب مقيم في الوجدان مهما تطورت التكنولوجيات وتسارعت الأصابع نقرا على الهواتف والألواح الالكترونية. نعم، هو مقيم في الوجدان وإن كان على رفوف المكتبات، يكتفي بذاته وآدابه وعلومه وتاريخه. رائحة أوراقه تزكم الأنف، وملمسه بين اليدين يثري الفكر ويمتع العين معا. أوليس الكتاب أصل كل العلوم وأساس كل فكر؟ هو الدستور والقاموس والتاريخ والأدب والثقافة والإنجيل والقرآن! الكتاب هو كل شيء. ولو لم يكن لما ولدت مشتقاته ومتفرعاته الرقمية التي أضافت إليه ولم تلغه، كما يعتقد البعض”.

وتابع: “اليوم مهرجان الكتاب وعرسه، واليوم نحتفل نحن ويفرح جبران خليل جبران ومخايل نعيمة وميشال شيحا وشارل مالك وسعيد عقل وغسان تويني وامين معلوف … وتطول اللائحة ولا ينتهي الحديث عن أهل القلم والفكر والعلم والكتاب. هوذا لبنان الوجه المشرق والبهي، لبنان الكلمة والحرف، والذي سيبقى من ذهب مهما التهبت النيران والتهمت، وفي النار يمتحن الذهب. هنيئا للحركة الثقافية في انطلياس بموسمها الفكري الجديد، وهنيئا لنا بهذه الحركة الراقية وبصنيعها الفكري المخلد في كتب تتسم بصفة البقاء أبد الدهر. وسنكون كل يوم على موعد مع مولود ثقافي جديد يثري مكتبتنا وتوقيع يسطر علومنا والآداب”.

وأردف: “هنا أود أن أشير الى أنه كان لدينا مشروع مع الحركة الثقافية – أنطلياس لأنكم كما تعلمون، هذه السنة جامعة الدول العربية قررت أن تكون بيروت عاصمة الإعلام العربي، وعندما مثلت لبنان في اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب في القاهرة لم أتردد في قبول هذا التحدي بالرغم من كل الظروف التي بلغناها. فعندما كنت في مصر كان سعر الدولار نحو ثلاثين ألفا، وقد بلغ اليوم التسعين ألفا ولا نزال سائرين في الموضوع”.

وقال المكاري: “هي بيروت، لذلك وافقت ونحن متميزون عن باقي محيطنا لأننا لا نفرغ من الفاعليات الثقافية والأدبية والفنية والإعلامية والإعلانية وكل ما يتعلق بالثقافة والصحافة وتاريخ هذا البلد وأهميته بين الدول العربية وهذا ما تؤرخه جريدة الأهرام مع ما للبنان من بصمات عليها”.

اضاف: “ان الحركة الثقافية هي الشريكة وستبقى حتى بعد تأجيل موعد الإفتتاح الذي كان مقررا في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، فبعد وقوع الزلزال في تركيا وسوريا وارتفاع سعر الدولار لم تعد الظروف مؤاتية خاصة وأن الزملاء في الدول العربية تمنوا علي تأجيل هذا الموضوع الى ما بعد شهر رمضان المبارك”.

وختم: “ان شاء الله سنبقى شركاء، معكم أنتم الفدائيون في الحركة الثقافية – أنطلياس وإن شاء الله سيكون عاما مليئا بأجمل فعاليات لأجمل بيروت”.

المرتضى

وختاما، قال وزير الثقافة: “على ربوة قريبة من ههنا، وقف مرة أمير الشعراء الأخطل الصغير، متطلعا صوب البحر باتجاه بيروت، وأنشد للمدينة العاصمة قصيدته التي فيها يقول:  فدت المنائــــــر كلهـــن منارة هي في فم الدنيا هدى وتبسم ما جئتها إلا هداك معلم  فوق المنابــر أو شــــجاك متيــــم . وفي منزل قريب من ههنا، نصب الأخوان رحباني سلم موسيقاهما، ووضعا لهذه القصيدة لحنا رائعا،غنته فيروز، أيقونة الإبداع اللبناني”.

اضاف: “ودائما ههنا، منذ عقود طويلة، تقيم الحركة الثقافية في أنطلياس مهرجان الكتاب السنوي، كأنما هذه البقعة من ثرى لبنان منذورة للثقافة، بكل أبعادها، فلا تنفك فيها أعراس الحرف واللحن واللون معقودة الأيام والليالي، في صورة تعكس حقيقة لبنان… وطن الأبجدية والوطن الرسالة”.

وتابع: “هكذا وعى جيلنا والأجيال التي سبقته دور لبنان: إنه مطبعة العالم العربي، عبارة كنا نسمعها، ونرى فعلها في ذلك الحشد المعرفي من المكتبات والمطابع والصحف ودور النشر، قبل غزوة المجتمع الرقمي، وقبل تقاعد الكتاب وتحوله إلى جزء من الأثاث المنزلي، ينفض عنه الغبار كلما دعت الحاجة”.

واردف: “لا شك في أن زمن القراءة الذي صنعته بيروت عبر معارض الكتب أسس لمرجعية لبنان الثقافية، حيث تحول بفضل مساحة الحرية التي فيه إلى ملاذ للمفكرين والكتاب والناشرين في العالم العربي، وإلى مصدر لبث الوعي في كل أنحاء الشرق”.

وقال: “لما أتى زمن الحضارة الرقمية التي هي مسار طبيعي للحداثة المعاصرة، تبين أنها على فائدتها الكبيرة ويسر تناولها، قد تخلو من موضوعية المصادر، وتتفاوت في دقة المعلومات والأفكار التي تقدمها ما يجعل من العودة إلى المرجع المطبوع ممرا إلزاميا لتقصي الحقيقة”.

اضاف: “لست أقول هذا انحيازا إلى الكتاب الورقي، رغم أنني منحاز إليه فعلا، بل للوصول إلى معطى مستجد نعاني منه كلنا، وهو أن واحدا من وجوه أزماتنا المتعددة، يكمن في أننا صرنا نخرج أجيالا لا تقرأ، لا في الكتاب الورقي ولا الرقمي. هذه مسؤولية تبدأ من مقاعد الدراسة وتمر بالبيئة المنزلية، وصولا إلى دور الإدارات المركزية والمحلية، والمجتمع المدني أيضا، في إنشاء المكتبات العامة التقليدية والإلكترونية وتنشيط القراءة بجميع الوسائل، وبخاصة لدى الشباب الذين أنتجت هجرتهم للكتاب، هذا التدهور الكبير للغة العربية على الألسنة وفي الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت الحروف العربية فيها إشارات وأرقاما، ما يحتم علينا وضع خطة لحماية اللغة من هذا النكوص؛ وليس أجدى من القراءة والكتاب وسيلة لذلك”.

وتابع: “ان الكتاب أيضا أمضى سلاح في معركة الوعي التي تخاض ضد هويتنا. لأن العدو يهدف إلى إلحاق الهزيمة بنا عبر التجهيل. فكلما تناقصت معارفنا ازدادت هشاشة مناعتنا الفكرية والقومية. أعداء لبنان يستهدفون دور لبنان الإشعاعي والتعددي الذي يعبر عنه دور الكتاب وحركة النشر في بلدنا”.

وقال: “ان معرض الكتاب في انطلياس منارة ثقافية كبيرة بتاريخها، وقد اجترحت صمودها بالرغم من الحالة الإقتصادية المأزومة، فحافظ المعرض على ديمومته، ناشرا قيم التعددية والحرية، وتحول إلى ورشة تلاقح ثقافي مبدع ومسؤول حيث يعتبر نشاطه حالة معرفية على رقعة الوطن بكامله تتوالف فيه الأفكار في مختلف صنوف المعرفة من سياسة واقتصاد وشعر ورواية وتاريخ وتوثيق. ولهذا نشد على أيدي المنظمين، ونعترف بتقصير الدولة في مواكبة ودعم هذا المعرض ونأمل بعد انجلاء الغيمة عن حاضرنا المأزوم أن يكون المعرض في صلب أولويات خطة وطنية ثقافية جامعة تعيد الألق إلى بلدنا، وتخلق محفزات لدور النشر والكتاب والمفكرين في لبنان”.

اضاف: “نجدد بمناسبة هذا المعرض الذي يمثل فعالية ثقافية فائقة الأهمية، الإعلان أن وزارة الثقافة وبالتعاون مع اتحاد الناشرين اللبنانيين وبالتنسيق مع جهات عربية ودولية سوف تعمد ان شاء الله الى تنظيم معرض دولي للكتاب في اوائل الخريف المقبل”.

وختم: “بورك هذا المعرض، مشكورة جهود القيمين على اقامتها، والى فعاليات ثقافية أخرى على الرغم من كل التحديات”.

افتتاح المعرض

وبعد قص شريط الافتتاح، جال المكاري والمرتضى مع الحضور في أقسام المعرض الذي يستمر يوميا لغاية 12 الحالي، من الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساء.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *