الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية: الحراكات لا تفك التعقيدات.. الاقتصاد أمام منزلقات.. الراعي يطلق جولة مشاورات
الجمهورية

الجمهورية: الحراكات لا تفك التعقيدات.. الاقتصاد أمام منزلقات.. الراعي يطلق جولة مشاورات

من الصعب افتراض انّ المشهد الداخلي، بالتعقيدات التي تتحكّم به على كلّ المستويات، قابِل لأن يُكتب النجاح لأي محاولة لكسر هذا الاستعصاء، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في المدى المنظور. فتعطيل المسار الرئاسي يَتسيّد هذا المشهد، ولا كلمة تعلو على النكايات المتبادلة، وخزّان الحقد السياسي والشخصي ماض في شحن النفوس وتذخير كلّ الجبهات الداخلية بكلّ ما يعمّق الانقسام ويمهّد أرضية البلد للتفجير والصدام.
كثيرة هي الشواهد التي تؤكد بما لا يقبل أدنى شك، انّ الواقع اللبناني يعاني حالة مرضيّة ميؤوساً منها بات من الصعب، لا بل من المستحيل إخراجه منها؛ فالجانب الاقتصادي والمالي من انهيار الى انحدار، وفتيل الدولار المشتعل يُنذر بقفزاته المتتالية، التي تجاوز فيها امس سقف الستين الف ليرة، بسلوك البلد المسار الحتمي نحو انفجار اجتماعي رهيب لا يبدو انه ما يزال بعيداً.

واما الجانب السياسي، فبات خاضعاً بالكامل لإرادة التعطيل وسدّ ابواب الانفراج، التي هزمت العقلاء الباحثين عن فرص للنّجاة، والرسائل التصعيدية التي تنثرها في اجواء الملف الرئاسي، لا تفسير لها سوى انها تقدّم دليلاً دامغاً على انّ جماعة التعطيل محكومة بسادية الحقد على لبنان، والاستخفاف بحياة اللبنانيين، والتلذّذ في تعذيبهم، وغايتها الاساس تحقيق اكبر قدر من المكاسب السياسية والشعبوية، حتى وإن تطلّبَ الأمر إفناء شعب وتدمير البلد.

كارثة غير مسبوقة
في هذه الجو، المحكوم اقتصاديا وماليا لمافيات السوق السوداء والتلاعب بالدولار الذي يكمّل صعوده نحو السبعين الف ليرة، في غياب اي كابح او رادع لها، والمحكوم سياسيا للحقد الاعمى والمكايدات وتغليب الغايات والحسابات الشخصية والحزبية، لا يمكن الرهان على قيامة بلد من جديد، فالمسلّم به لدى الخبراء الاقتصاديين هو “أن لبنان بات على مسافة امتار قليلة من كارثة غير مسبوقة، لا حدود معها لصراخ الناس وآلامهم”. كما انّ المسلّم به لدى كل المتابعين لتطورات الملف الرئاسي، بأنّ حَسمه ايجابياً في الاتجاه الذي يُفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية، باتَ، على حد ما تقول لـ”الجمهورية” مصادر سياسية ومعنية بحركة الاتصالات الجارية، “من سابع المستحيلات”.

طاقات الفرج مسدودة
واذا كان المسار الرئاسي يشهد بين حين وآخر حراكات محدودة سعياً الى فتح طاقة انفراج فيه، الا انّ هذه الحراكات تدور في حلقة مفرغة، حيث انها لا تتمتع بالقدرة المطلوبة التي تمكّنها من اختراق جدار التعقيدات. وفي هذا السياق يندرج تحرّك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
واذا كان رئيس التقدمي قد لخّص الغاية من تحركه، بمحاولة بناء مساحة مشتركة للتفاهم على مرشّح توافقي لرئاسة الجمهورية، لا يشكل استفزازا او تحديا لأي طرف”، فإنّ مصادر مطلعة على خلفيات تحرّك جنبلاط، تؤكد لـ”الجمهورية” ان انتخاب رئيس للجمهورية يشكل الخطوة الاولى في مسار العلاجات الطويل للأزمة الداخلية، والدافع الاساس الى هذا التحرّك في هذا التوقيت بالذات، هو أنه يستشعر خطرا كبيرا جدا يتهدّد لبنان، من البابَين الداخلي والخارجي.
فخلف الباب الداخلي، تضيف المصادر، إنّ لبنان بوضعه الحالي يعاني انشقاقا سياسيا واهتراء اقتصايا وماليا، وتتبدّى فيه مكامن ضعف مخيفة في كل مفاصله وفقدان تام لعناصر القوة وامكانيات الصمود، وبات يشكل تربة خصبة لأي احتمالات سلبية قد تسري تداعياتها وآثاراها فيه كالنار في الهشيم. وليس خافيا في هذا الاطار، أنّ تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، يُعرّي، او بمعنى ادق، عَرّى لبنان أكثر فأكثر، ويُفاقم المخاطر ويسرّع بالاحتمالات والسيناريوهات السوداء.
اما الباب الخارجي، فإن الداخل المعطّل والمتصادم، لا يشكل وحده تهديداً للبنان، بل ينبغي على كل الاطراف أن تخرج من زواياها الضيّقة، وتتوسّع في نظرتها الى ما أبعد من الداخل، وقراءة المشهد الخارجي الذي يغلي بالتطورات والتوترات، وبالاعاصير الاقليمية والدولية التي تتكون في اجواء المنطقة، ومن الغباء الاعتقاد ان لبنان قد يكون منعزلاً عن المنطقة وما قد تشهده من تطورات وتداعيات امنية وغير امنية”.

تحرّك في اتجاه واحد
الا انّ القراءة المقابلة لهذا الحراك لا ترى له أفقا ايجابيا، وعلى ما تقول مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” فإنّ هذا الحراك، وإن جرى تغليفه بمفردات التفاهم وبتغليب ارادة الحوار والتشارك، الا انه يبدو تِبعاً لمجرياته في الغرف الداخلية، حراكا في اتجاه واحد، يبدأ وينتهي عند غاية وحيدة، خلاصتها حمل ثنائي حركة “أمل” و”حزب الله” على تعديل موقفهما الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والقبول بمرشح آخر، لا يشكل تحديا لأي طرف، وهو ان اعلن الوصول مع ترشيح النائب ميشال معوض، وبالتالي تخلّيه عن “التسلية” بانتخابه التي استمرت على مدى 11 جلسة انتخابية فاشلة لمجلس النواب، على اعتبار ان معوّض هو مرشّح تَحد، قطع في الوقت ذاته الطريق على رئيس تيار المردة بقوله ان فرنجية يشكل في نظر البعض مرشح تحد.
وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية” ان جنبلاط الذي طرح حتى الآن خمسة اسماء بديلة، تنطبق عليهم في رأيه الصفة التوافقية بدءاً بقائد الجيش العماد جوزف عون، والوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين، وشبلي الملاط ومي الريحاني، لا يبدو انه استطاع ان يحقّق ما يرمي اليه من تحرّكه. فتحرّك جنبلاط فشل بداية مع التيار الوطني الحر، واللقاء بينه وبين رئيس التيار النائب جبران باسيل لم يصل الى نتيجة تُعدّل من موقف باسيل الذي بات واضحاً انه يرفض أي مرشّح آخر سواه، كما انه فشل مع ثنائي “أمل” و”حزب الله”، حيث انهما ليسا في وارد التخلي عن فرنجية، فأوساطهما تؤكد ثباتهما على تأييد ترشيحه.
وقلّلت مصادر متابعة لتحرّك جنبلاط من احتمال تحقيقه اي خرق، وقالت لـ”الجمهورية”: العقدة الرئاسية كبيرة جدا، وتبدو انها اكبر من أن تُحلّ، عبر تحرّك يلبّي في جوهره، ما تطرحه الاطراف الاخرى، التي تصنف نفسها سيادية وتغييرية وفي مقدمها حزب “القوات اللبنانية”، والتي تلتقي في غالبيتها على تبني اي مرشح خارج ما يسمّونها “جبهة الممانعة”، وفي مقدمهم قائد الجيش. وينبغي في هذا السياق، التوقف مليّاً والقراءة المعمّقة لأبعاد بعض المواقف، لا سيما موقف رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي عاد الى التأكيد مجدداً على “أن المشكلة اذا كانت تحلّ بانتخاب قائد الجيش فلا مانع لدينا”. وكذلك في الموقف الذي أعلنه وفد اللقاء الديموقراطي من بكركي قبل يومين، ومفاده “انه اذا حصل اتفاق على قائد الجيش فسنسعى الى تعديل الدستور”. وهذا الموقف يعبّر بالتأكيد عن موقف جنبلاط”.

إشارات تشاؤم
في موازاة هذه الصورة الداخلية المعقدة، كشفت مصادر مسؤولة لـ”الجمهورية” عمّا سمّتها إشارات خارجية جديدة تُقارب الملف الرئاسي في لبنان بقدرٍ عالٍ من التشاؤم، وتُلقي ظلالاً من الشك حول احتمال حصول اي انفراج فيه، طالما ان الارض اللبنانية ليست مهيّأة لصياغة هذا الانفراج”.
وبحسب المصادر فإنّ هذه الاشارات، التي سبقت ما يُحكى عن اجتماع محتمل في باريس بين ممثلين عن الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، تحاول ان تعطيه حجمه الطبيعي، خلافاً للماكينة الإعلامية التي حمّلته اكثر مما هو يحتمل. وقالت: ما هو مثبت لنا حتى الآن، انّ ثمة كلاماً نسمعه عن عقد اجتماع مجهول موعده حتى الآن، وكذلك مستوى المشاركة فيه. في كل الاحوال، فإنه لو حصل وعقد هذا الاجتماع، وعلى اي مستوى كان، فإنه في احسن الاحوال لن يكون اكثر من مجرد محطة لإجراء مشاورات “تذكيرية” بمشاورات سابقة على قاعدة أخذ العلم بالتطورات التي استجَدّت منذ آخر مشاورات حصلت بين تلك الدول.
ولفتت المصادر الى انه قبل السؤال عن نتائج ايجابية محتملة لهذا الاجتماع تترجم بتسريع الخطى لانتخاب رئيس للجمهورية، ينبغي السؤال هل انّ هذه الدول تقف على موقف واحد حيال الملف الرئاسي؟ وبالتالي أقصى المتوقّع هو تكرار مواقف تقليدية اساسها دعوة اللبنانيين الى انتخاب رئيس وتشكيل حكومة، ولا شيء اكثر من ذلك. كما لا نتوقع في الوقت اي تحرّك ملموس من قبل تلك الدول تجاه لبنان، فالولايات المتحدة اكدت على مختلف مستوياتها انها لا تتبنّى اي مرشح، وليست في وارد إطلاق اي تحرك مرتبط بالملف الرئاسي. اما فرنسا، فغايتها الاساس الحضور والدور الفاعلان في لبنان، لكنها لا تملك الامكانيات لتثبيت ذلك، وهو ما تأكّدَ بشكل لا يرقى اليه الشك منذ إطلاق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمبادرة الفرنسية غداة الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت. فيما الواضح ان المملكة العربية السعودية منكفئة عن القيام بأيّ مسعى او تحرّك مباشر تجاه الملف الرئاسي.
وردا على سؤال قالت المصادر: الموقف المصري معروف لناحية التأكيد انّ مصر معنية بالشأن اللبناني، من موقع الحرص على ما تسمّيه “الشقيق الاصغر”، والحثّ على إتمام الانتخابات الرئاسية بتوافق اللبنانيين وسلوك مسار إنقاذ والخروج من الأزمة. بالتأكيد ان مشاركة مصر في اجتماع باريس مفيدة، ولكن لا يوجد حتى الآن ما يؤكد هذه المشاركة.

شيا والحزب وعون
الى ذلك، كانت لافتة للانتباه أمس، زيارة السفيرة الاميركية دوروثي شيا الى الرابية، ولقاؤها الرئيس السابق ميشال عون، واقتصرت المعلومات الموزّعة عن الزيارة بالاشارة الى انّ اللقاء تطرّق الى آخر التطورات السياسية والانتخابات الرئاسية، بالإضافة الى الوضع الاقتصادي والمالي الراهن.
هذه المواضيع، اضافة الى امور اخرى، ستكون مدار بحث في الرابية خلال زيارة يقوم بها وفد من “حزب الله” للقاء الرئيس عون، برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وهو اللقاء الأول مع الرئيس عون بعد انتهاء ولايته الرئاسية منذ ثلاثة اشهر.

قمة مسيحية
في هذا الوقت، انعقدت في بكركي امس، قمة روحية بدعوة من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، شارك فيها رؤساء الطوائف المسيحية وممثليهم في لبنان، وصدر عنها بيان عبّروا فيه عن قلقهم “العميق تجاه الأزمة الإجتماعية والإقتصادية التي تزداد سوءًا يوماً بعد يوم، وعن تضامننا مع شعبنا في ما يعاني من حرمانه أموره الحياتيّة الأساسية من غذاء وماء وكهرباء ودواء واحتياجات الأطفال الضرورية، من جهة، وانهيار العملة الوطنية وتراجع مداخيل العائلات، من جهة أخرى، كذلك ارتفاع نسبة البطالة وتدني المستويات المعيشية، بالاضافة الى صعوبات حياتية جمّة باتت تُرهق كاهل اللبنانيين يومياً. فلا يمكن الاستمرار في تحمّل هذا الوضع الخطير”.
واعتبر البيان انّ “الكرسي الرئاسي شاغر بسبب فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس. هذا الواقع غير مقبول أبداً ومخالف لجوهر الدستور اللبناني ومرتكزات السيادة والإستقلال ومسؤوليّة النواب تجاه الشعب اللبناني”، وطالبَ “المجلس النيابي بالاسراع في القيام بواجبه الوطني وانتخاب رئيس للجمهورية”، مُعلناً “اننا نأتمِن البطريرك الراعي على الإجتماع مع من يراه مناسبًا تحقيقًا لذلك، بما في ذلك دعوة النواب المسيحيين إلى اللقاء في بكركي، وحَثّهم على المبادرة سويًّا، مع النواب المسلمين، وفي أسرع وقت ممكن، لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية”.

مجلس المطارنة
وفي السياق نفسه، جدد مجلس المطارنة الموارنة في بيان بعد اجتماعه الشهري “إلحاحه على المجلس النيابي أن يسرع في المبادرة إلى عقد الجلسة الانتخابية التي نص على آليتها وشروطها الدستور لاختيار رئيس جديد للدولة، لا سيما أن الأوضاع العامة باتت على شفير الانهيار الكارثي الكامل، الذي قد لا تستطيع أي قوة مواجهته. هذا الإنهيار المُتفاقم يتحمّل مسؤوليته نواب الأمة بإحجامهم عن انتخاب الرئيس تقيداً بالدستور”.
ومن جهة ثانية، اعلن المجلس ان “الآباء تابعوا بذهول وأسف شديدين، الصراع المُحتدم في السلك القضائي، والذي يهدد بتعطيل سير العدالة لا سيما فيما يتعلق بكشف حقيقة تفجير مرفأ بيروت. وهم يَستصرخون ضمائر المعنيين، مع الآلاف من ذوي الضحايا ومن المنكوبين بنفوسهم وأجسادهم وأرزاقهم، من أجل تحييد هذه القضية عن التجاذبات السياسية. ويطالبون بمتابعة التحقيق حتى صدور القرار الظني، وفي أسرع وقت ممكن. إن القضاء هو ركيزة دولة الحق والمؤسسات، بدونه يتحكّم بها أصحاب النفوذ والدكتاتوريات، وتسودها الفوضى وشريعة الغاب”.

قاسم
بدوره، اعتبر نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم انه “من دون انتخاب رئيس للجمهورية سيبقى التدهور قائماً، ولن يتمكن أحد من معالجة المشاكل التي أصبحت مستعصية وتزداد يوماً بعد يوم”. ورأى أن “الحل الرئاسي يكون بأن تجلس هذه الكتل مع بعضها وأن تناقش وتتّفق على كيفية الوصول إلى رئيس يُقنع هذه الكتل او أغلبها بأنَّه رئيس مناسب للبلد”.
وقال في اللقاء الخاص لشباب التعبئة في القطاع الثالث – بيروت: لا يوجد بديل عن الحوار. يمكننا أن نتحاور ونتفق في داخل الحوار على أنَّ مَن لديه إسماً يحوز على الغالبية، يمكن أن تتفق الكتل الأخرى أو بعضها على إعطاء هذا الرئيس بشروط معينة تنسجم مع قناعاتها بتدوير الزوايا، فنصل إلى حل. أو يمكن أن تجلس هذه الكتل مع بعضها البعض، ونُنهي هذا الموضوع حول المواصفات التي كل جهة لديها تطبيق لها بشكل مختلف عن الآخر، ونطرح الأسماء في سلة واحدة بحيث أنَّه لدينا 4 أسماء أو 7 أو 10، نضعها في هذه السلَّة ونبدأ بالجوجلة لنصل إلى تقليص العدد إلى اسم أو اسمين”.
ولفت الى “اننا لا نخشى من الحوار ونحن متحمسون للاتفاق، وحاضرون للنقاش على قاعدة أن تُدوَّر الزوايا بين الأطراف التي تجلس مع بعضها من أجل أن لا نطيل الفراغ ولننتخب رئيساً للجمهورية يساعد في الخروج من المأزق”. مشيرا الى أنّ “لدينا قاعدة واحدة للانتخاب وهي ما يقوله الدستور في اجتماع المجلس النيابي بأغلبية الثلثين من أجل انتخاب الرئيس”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *