الرئيسية / صحف ومقالات / الديار: قصّة التطبيقات… وخروج ملايين الدولارات من جيوب الى جيوب.. نجاح تجربة نيجيريا بوقف هذه التطبيقات… و”فشل” الحكومة اللبنانية ‏بوقفها !؟.. التداعيات على الأسعار كارثية… والمخاوف على السلع الحيوية ‏مُتسارعة
الديار لوغو0

الديار: قصّة التطبيقات… وخروج ملايين الدولارات من جيوب الى جيوب.. نجاح تجربة نيجيريا بوقف هذه التطبيقات… و”فشل” الحكومة اللبنانية ‏بوقفها !؟.. التداعيات على الأسعار كارثية… والمخاوف على السلع الحيوية ‏مُتسارعة

كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : لا يخفى على أحد أن لبنان بلدٌ مُفلس، إنهار بقرار رسمي صدر عن حكومة الرئيس حسان دياب. ‏ميزان المدفوعات وعلى مرّ السنين كان سلبيًا والفساد مُستشرٍ والهيكلية الإقتصادية مُسيطر عليها ‏من قبل قطاع الخدمات. أضف إلى ذلك الصراع السياسي الذي عطّل المؤسسات الدستورية من ‏أصغرها إلى أكبرها في تخلٍ واضحٍ عن دور الدولة كدولة على مر الوقت‎.‎
أسباب سياسية وإقتصادية
العملة التي تعكس ثروة البلد بكل أبعادها (ناتج محلّي إجمالي، ثروات طبيعية…) تضرّرت بشكل كبير ‏نظرًا إلى تراكم تداعيات غياب السياسات المالية للحكومات المُتعاقبة والقرارات الخاطئة التي تمّ إتخاذها ‏مثل إقرار سلسلة الرتب والرواتب بدون تمويل حقيقي والإنجاز “التاريخي” لحكومة الرئيس دياب بوقف ‏دفع سندات اليوروبوندز (من المصادر الرئيسية للتمويل الاستراتيجي للدولة اللبنانية للعملات الصعبة) ‏وسياسة الدعم التي تلت والتي حرقت مليارات الدولارات من إحتياطي المركزي من العملات الصعبة؛ ‏وتضرّرت الليرة أيضًا نتيجة الضربات الآتية من الأداء السياسي المتعاقب، على مثال إستقالة الرئيس ‏الحريري في العام 2017، والصراع مع المجتمع الدولي والعربي، وهو ما إنعكس على الليرة مباشرة ‏عبر توقّف تدفق العملة الخضراء، وبدء تهريب الدولارات الموجودة في القطاع المصرفي إلى الخارج أو ‏سحبها إلى المنازل. وأتى غياب الكابيتال كونترول المهني على ما تبقى من دولارات المودعين في ‏القطاع المصرفي وهو ما جعل القطاع يواجه أزمة سيولة قاتلة بالعملة الصعبة.‏
غياب الحلول السياسية منذ بدء الأزمة في آب العام 2019 وتزامن هذه الأزمة مع جائحة كورونا، أدّى ‏إلى تراجع مداخيل الخزينة وزيادة الإنفاق وشلّ عمل الماكينة الإقتصادية وهو ما دفع بالمركزي إلى طبع ‏العملة لسدّ عجز الموازنة وتلبية طلب المودعين الخائفين على ودائعهم.‏
مما سبق نرى أن الإطار العام الناتج عن الأحداث الآنفة الذكر، سمح بخلق سوق سوداء للدولار الأميركي ‏إستفاد منها العديد من الأطراف المسيطرة على السوق. وهنا شهدنا أمرًا خطيرًا لم تُعره حكومة الرئيس ‏دياب إهتمامًا ولم تقم حكومة الرئيس ميقاتي حتى الساعة بأي إجراء لتصحيح الوضع. هذا الأمر يتمثّل ‏بإعتماد التجار على سعر السوق السوداء في تسعير السلع والبضائع والسلع حيث دخلت أسعار كل السلع ‏الأساسية في بورصة دولار السوق السوداء وهو ما إنعكس على المواطن وعلى أمنه الإجتماعي وخلق ‏فوضى اسعار وتضخماً مصطنعاً لا يمكن مواجهته بالطرق التقليدية.‏
دولار السوق السوداء والجريمة الموصوفة
المُشكلة تكمن في “سعر الدولار في السوق السوداء”، فهذا السعر يدّعي اللاعبون الإقتصاديون أنه سعر ‏السوق الحقيقي للعملة دون الرجوع إلى مفهوم وركائز السعر العادل “‏Fair value‏” الناتج عن ‏العرض والطلب، فلماذا مثلاً لا يتمّ عرض دفتر الطلبات أو ما يُعرف بالـ “‏Order Book‏” مع السعر ‏لكي يكون هناك ثقة بهذا السعر؟ ومن المفروض أيضًا أن يتم إعلان سعر السوق من منصة عمليات ‏مركزية في سوق القطع، وهذا الأمر مسلم به في الأسواق المالية. فأين هي إذن هذه المركزية التي تُحدّد ‏السعر؟ هل هم الصرافون وإذا نعم، فمن هم هؤلاء؟ وأين سجلت عملياتهم اليومية، وهل يتم رفعها إلى ‏المصرف المركزي أم انها سوق سائبة؟ وأذا إن لم يكونوا من الصرافين، فلماذا لا يكشفون (أو تكشف) ‏عن هويتهم؟ والسؤال الجوهري الحقيقي: من أين تأتي الدولارات؟
الوقائع والتحاليل تُظهر أن لا مركزية فعلية في كل هذه العملية، حيث أن الأسعار – التي لا تنتج فعليًا عن ‏طلب إقتصادي – تأتي من التطبيقات التي يتم إدارتها بشكل يخدم أرباحا مادية وأجندات سياسية لبعض ‏المُستفيدين (النافذين؟!). وما يدفعنا إلى قول ذلك هو أن النظرية “الستوكاستيكية” التي ترعى ديناميكية ‏الأسعار في الأسواق تمنع أي تقطّع (‏Discontinuity‏) في الأسعار، لا تنطبق على ديناميكية الأسعار ‏المُعطاة على التطبيقات. ومن العوامل التي تدفعنا أيضاً إلى القول بأن هذه الأسعار لا تنتج عن طلب ‏وعرض، أنها تصدر في الليل وخلال عطل الأسبوع في وقت تكون فيه الماكينة الإقتصادية غير ناشطة.‏
المُضاربة على العملة الوطنية هي جريمة بحسب قانون العقوبات اللبناني (مرسوم إشتراعى رقم 340 ‏تاريخ 01/03/1943) وخصوصًا المادة 319 (المُعدّلة بموجب 239 /1993) والتي تنصّ على “من ‏اذاع باحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الـ 209 وقائع ملفقة او مزاعم كاذبة ‏لاحداث التدني في اوراق النقد الوطنية او لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الاسناد ذات ‏العلاقة بالثقة المالية العامة يعاقب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسماية الف ‏ليرة الى مليوني ليرة. ويمكن فضلا عن ذلك ان يقضى بنشر الحكم”.‏
سيناريو كارثي
أحدى السيناريوهات الكارثية هو سيناريو إحتيالي بحق الشعب اللبناني وينص على رفع سعر الدولار من ‏خلال هذه التطبيقات بهدف تحقيق أرباح خيالية. فمن المُمكن (لا بل من المرجّح) أن يتمّ شراء السلع ‏والبضائع على سعر مُنخفض ليعاد بعده بيعها على سعر مُرتفع (بعد رفع سعر التطبيقات) ليُعاد خفض ‏سعر التطبيقات وبالتالي تبديل المحاصيل بالليرة اللبنانية بالدولار الأميركي على السعر الأساسي أو على ‏سعر مُنخفض أكثر!‏
في الواقع، إذا ما قمنا بمحاكاة “تقريبية” لتقدير حجم هذه الأرباح غير القانونية، وإذا ما أخذنا حجم ‏الإستيراد في العام 2020 والبالغ 10 مليار دولار أميركي، وبفرضية أنه تمّ بيع هذه السلع والبضائع بدون ‏أي ربح (بالطبع هذا غير صحيح ولكن الهدف إظهار الأرباح غير القانونية الناتجة عن التلاعب بسعر ‏التطبيقات فقط دون الأخذ بهامش الربح)، وبفرضية أن سعر الدولار في السوق السوداء هو 24 ألف ليرة ‏لبنانية، فإن رفع سعر الدولار الأميركي في هذه السوق السوداء إلى 25 ألف ليرة يُحقّق مدخولًا إضافيًا ‏بقيمة 10 تريليون ليرة لبنانية. وإذا ما تمّ تحويل هذه الأموال على سعر 24 ألف ليرة لبنانية للدولار ‏الواحد، فإن قيمة الأرباح غير القانونية التي تمّ تحقيقها تصل إلى 400 مليون ليرة لكل ألف ليرة فارق في ‏سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء! وإرتفاع 3 ألاف ليرة، يعطي أرباحا غير قانونية بقيمة 1.2 ‏مليار دولار أميركي سنويًا!!‏
وعلى هذا فَقِسْ…‏
وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار سعر منصّة “صيرفة” البالغ 21 ألف ليرة والمُعلن في أخر بيان لمصرف ‏لبنان، فإن الفارق مع سعر السوق السوداء هو 4 ألاف ليرة أو ما يُوازي 1.6 مليار دولار أميركي أرباحًا ‏سنوية مُحتملة! أمّا إذا أخذنا بعين الإعتبار تصريح وزير الإقتصاد والذي قال أن سعر الصرف هو بين 9 ‏و12 ألف ليرة لبنانية، فإن الفارق يفوق الـ 13 ألف ليرة لبنانية مقارنة بسعر السوق السوداء وهو ما ‏يوازي أرباحًا سنوية مُحتملة تفوق الـ 5 مليارات دولار أميركي!!‏
شبهة عدم توقيف التطبيقات
ويبقى السؤال الأساسي: إذا كانت هذه التطبيقات مُخالفة للقانون وتُشكّل ضررًا على الأمن المعيشي ‏للمواطن، لماذا لا يتمّ توقيفها ؟
يقول البعض أن هناك إستحالة تقنية لوقف التطبيقات نظرًا لإستخدامها عدّة تقنيات تمنع الوصول إلى ‏مُشّغليها (‏Firewall, Proxies, VPN‏…). إلا أن هذا الأمر يبقى محلّ جدلّ حيث أكّد لنا أحد ‏المهندسين اللبنانيين (مهندس إتصالات) أن كل تطبيق يعتمد على بروتوكول الـ “‏TCPIP‏” والذي يسمح ‏بالتواصل بين الهاتف الخليوي (أو الكومبيوتر) والـ “‏server‏” (أي الحاسوب الذي يُعطي المعلومات) ‏بناء على نوعين من المعلومات: العنوان الإكتروني (‏IP Address‏)، والباب (‏Port number‏). ‏وبالتالي إذا تمّ إستخدام ‏proxies‏ للتمويه عن العنوان الحقيقي يكفي تعطيل الباب لوقف التطبيق. مثلًا ‏على أجهزة الأيفون يكفي وقف الباب رقم 443 لوقف هذه التطبيقات وهو ما قد يُسبّب أيضًا بوقف بعض ‏التطبيقات التي تستخدمّ نفس الباب.‏
قد يُعارض بعض الخبراء رأي هذا الخبير وهنا لا يُمكننا الحسم نظرًا إلى أنه من خارج إختصاصنا، لكن ‏التجربة النيجيرية تحسم هذا الجدل. ففي العام ???? وخلال الأزمة الإقتصادية التي عصفت بدولة ‏نيجيريا – أكبر إقتصادات إفريقيا، شهد السوق النيجيري تفشّي التطبيقات على مثال ما يحصل في لبنان. ‏ومن بين هذه التطبيقات كان هناك تطبيق يُدعى”‏abokifx‏” هو الأهم وله حصة الأسد في السوق حيث ‏كانت السوق السوداء تعتمد عليه بشكل شبه أحادي. وقامت الدولة النيجيرية بطلب مساعدة السلطات ‏الأجنبية وتمكّنت من توقيف هذا التطبيق (‏https://www.reuters.com/article/nigeria-‎currency-idAFL8N2QJ49J‏). فإذا كانت الدولة النيجيرية قد نجحت في وقف هذه التطبيقات، ‏لماذا لا يُمكن للدولة اللبنانية القيام بهذا الأمر؟ لا نملك الجواب على هذا السؤال، لكن التحليل يُظهر أن ‏هناك إحتمالين:‏
‏- الأول وينص على أن الدولة طلبت المُساعدة من الخارج ولم تلقَ أي جواب، وفي هذه الحالة على ‏الحكومة أن تُعلن إلى الرأي العام من أي جهة طلبت المساعدة، لأن هذا يعني أن هذه التطبيقات هي عمل ‏خارجي ورفضه خرق للسيادة الوطنية.‏
‏- الثاني وينص على أن هناك مُستفدين محليين (بغض النظر عن الهوية) لهم نفوذ قوي لمنع الحكومة من ‏القيام بأي إجراء على هذا الصعيد. وهذا الأمر بالغ الخطورة نظرًا إلى أن هؤلاء يقومون بعملية إحتيال ‏على الشعب اللبناني وبالتالي يجب مُقاضتهم قضائياً وعلناً أمام الشعب.‏
أسعار حارقة
في هذا الوقت أصبحت الأسعار في لبنان رهينة هذه التطبيقات وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال نكران ‏الواقع الإقتصادي والسياسي المرير الذي يمرّ به لبنان والذي يفرض إجراء الإصلاحات وبرنامج تفاوض ‏مع صندوق النقد الدولي.‏
وبنظرة سريعة في تقييم للأسعار، أصبحت العلاقة بين أسعار السلع والبضائع وسعر الدولار في السوق ‏السوداء علاقة خطّية (‏Linear Relationship‏) وبالتالي أصبحت الأسعار تتجه إلى التضاعف بنسبة ‏توازي سعر دولار السوق السوداء وسعر الـ 1500 ليرة لبنانية. فمثلًا على سعر 25000 ليرة لبنانية ‏للدولار الأميركي تبلغ هذه النسبة 16.7.‏
ومع دخولنا فصل الشتاء والذي يشهد إرتفاع أسعار بعض السلع والبضائع بسبب زيادة الإستهلاك، تُصبح ‏هذه العلاقة غير خطّية (‏non-linear‏) بحكم أن زيادة الطلب تفرض شراء المزيد من الدولارات وهو ما ‏يعني رفع سعر الصرف كنتيجة لعملية إقتصادية حقيقية.‏
على كل الأحوال مع سعر صفيحة مازوت تخطّى سعر صفيحة البنزين، هناك شكوك جدّية حول رفع سعر ‏صفيحة البنزين إلى مستوياتها التاريخية أي ضعف سعر صفيحة المازوت وهو ما يعني أن رفع سعر ‏صفيحة المازوت هو تمهيد لرفع سعر صفيحة البنزين في القريب العاجل، ومن ثم يتم رفع المازوت ‏وهكذا… وإستطرادًا، تفشّي مُتحوّر جديد لفيروس كورونا قد يفرض شلّل العديد من الإقتصادات بسبب ‏الإقفال العام وهو ما يعني خفض الطلب العالمي وبالتالي خفض أسعار النفط العالمية، فهل سينعكس هذا ‏على السوق المحلي؟ طبعاً لا أمام استنسابية التسعير وتغطية الهبوط العالمي بإرتفاع مصطنع للدولار في ‏السوق المحلي، حتى إذا إرتفع فيما بعد السعر العالمي تهب علينا التسونامي في الأسعار من جديد.‏
لكن الكارثة الأكبر تبقى على صعيد الأدوية التي لا يُمكن بأي شكلٍ من الأشكال التخلّي عنها، حيث أن ‏رفع الدعم أنعكس إرتفاعًا بالأسعار بشكلٍ جنوني لا يُمكن للمواطن اللبناني بواقعه الحالي تلبية حاجاته! ‏من هذا المُنطلق، نرى أن عملية دعم مُموّلة من قبل البنك الدولي لهذه الأدوية مع السيطرة على التهريب ‏والإحتكار هو حلّ ضروري في هذه المرحلة حتى تُعاود الحكومة إجتماعاتها وتقوم بعملية إصلاحية ‏شاملة، هذا بشكل عام. وبالتحديد، المطلوب إنشاء منصة للأدوية المزمنة والمتعصية على شاكلة اللقاح، ‏ويمكن أخذ المعلومات من سجلات الضمان الاجتماعي وتاريخ المرض لمنع التلاعب الذي برع فيه تجار ‏الفساد في لبنان.‏

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *