الرئيسية / قضايا المرفأ / تقرير: 400 مليار دولار تكلفة جدار لوقف الهجرة من المكسيك الى الولايات المتحدة
مكسيك-متحدة

تقرير: 400 مليار دولار تكلفة جدار لوقف الهجرة من المكسيك الى الولايات المتحدة

غالباً ما نتوقع وعوداً كبرى من المرشحين الرئاسيين، لكن الواقع يفرض نفسه غالباً.  ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، لم يفِ جورج بوش الأب بتعهده بـعدم فرض ضرائب جديدة، والذي كان قد ساعده على تصدر السباق الرئاسي. إدارة باراك أوباما أيضا ًمازالت لم تتمكن من تحقيق توقعاته بتحول ترشيحه إلى اللحظة التاريخية التي يتوقف فيها ارتفاع مستوى المياه في المحيطات ويتعافى كوكب الارض.

 

جاءت حملة دونالد ترامب واستراتيجيته للأمن القومي، في التضييق على الهجرة غير الشرعية، باستخدام “قوة” ترحيل موسعة تقوم بنقل المهاجرين من الولايات المتحدة الى المكسيك.

ذكر ترامب بأنه سيقوم ببلورة أفكاره في خطابات مقبلة إلا أن خبراء في العديد من المجالات قاموا بتحليل خططه، وحذروا من أن تنفيذ تلك الأفكار يحتاج إلى تكلفة فلكية -بغض النظر عمن سيدفعها- كما أنها في كثير من الأحيان ستتحدى الأفكار المنطقية للعلم والهندسة والقانون.

يملك ترامب خطة بسيطة للحد من عدد المهاجرين بشكل غير قانوني والذين يقدر عددهم بـ11 مليون مهاجر في الولايات المتحدة، تلك الخطة هي الترحيل.

يقول  إنه سوف يحذو حذو عمليات الاعتقال العسكرية التي استخدمها الرئيس دوايت أيزنهاور عام 1954، وهي عملية تمكن من خلالها الرئيس الأسبق من ترحيل مئات الآلاف من المهاجرين المكسيكيين.

ويؤكد ترامب أن بدء الترحيلات سيدفع الكثير من المهاجرين الآخرين إلى الرحيل من تلقاء أنفسهم، وذكر أن إنهاء تلك العملية قد يستغرق نحو عامين.

 

لكن المسئولين السابقين في الهجرة والحدود متشككون في أن يكون هذا الأمر منطقياً، حيث أن أعداد من يتم ترحيلهم سنوياً في الوقت الحالي قد بلغت ذروتها لتصل إلى 400 ألف مهاجر سنوياً، لذلك فتلك الزيادة التي يسعى إليها ترامب تبدو أسرع من الممكن، كما أن هناك الكثير من الإجراءات القانونية والقيود الدستورية التي لم تكن مفروضة على الشرطة في عهد أيزنهاور.

 

ذكر الخبراء أيضاً أن العثور على هؤلاء المهاجرين سيكون أمراً صعباً، فسيتطلب من ضباط الشرطة في جميع أنحاء البلاد أن يطلبوا من السكان أوراقاً لإثبات الإقامة أو الجنسية أثناء توقفهم في المرور وأثناء مصادفتهم في الشوارع، كما أن حرس الحدود سيكون بحاجة إلى نقاط تفتيش على الطرق السريعة في جنوب غربي البلاد وبالقرب من الحدود الكندية، ولتجنب التمييز العنصري، سيكون متوقعاً توقيف أي أميركي لسؤاله عن أوراقه.

 

في ظل إدارة أوباما، كانت الحملات واسعة النطاق نادرة الحدوث، كما أنها اقتصرت على المزارع، والمصانع، والمطاعم، ومواقع البناء، حيث يقوم أفراد الشرطة باعتقال المئات من العمال ومن ثم يبحثون عن هوياتهم في سجلات الشركة، لتقوم السلطات بتوجيه اتهامات جنائية ضد أصحاب العمل الذين يوظفون مهاجرين غير مصرح بوجودهم داخل البلاد.

 

وكان ترامب قد ذكر أنه سيزيد عدد ضباط الترحيل العاملين بمصلحة الهجرة والجمارك إلى 3 أضعاف العدد الحالي، ليصل عددهم إلى 15000 بدلاً من نحو 5000 حالياً. على الرغم من ذلك، أكد الخبراء أن هذا العدد لن يكون جاهزاً بسرعة ومن الصعب تحقيقه فعلياً نظراً لما سيحتاجه هؤلاء الضباط من فحص وتدريب مطلوب، في الوقت الذي سيحتاج فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي F.B.I. وغيرها من الوكالات الأخرى لتخصيص جزء من مهماتها من أجل المساعدة في هذا الشأن.

 

وأشار جون ساندويج، مدير  الهجرة والجمارك ” ICE” على مدار 7 أشهر في ظل إدارة أوباما، إلى أن الترحيل الجماعي سيسهل على أفراد العصابات وتجار المخدرات من المهاجرين الهروب من الاعتقال، حيث قال “إذا قام العملاء بالبحث عن الكم، فلن يكون لديهم الوقت لإجراء المزيد من العمل الاستكشافي لتعقب مجرم كبير يحمل أوراقاً مزورة على سبيل المثال، وينطبق هذا الأمر على المجرمين العتاة الذي يقبعون في الظل”.

 

 

ولمنع الهروب بعد الاعتقال، فعلى السلطات اعتقال جميع المهاجرين الذين ينتظرون الترحيل. وقدر ساندويج أن المرافق الموجودة تحتوي على حوالي 34 ألف سرير، ويجب أن يتم توسيعها لاحتواء ما لا يقل عن 300 ألف شخص، وربما سيتم اعتقال عشرات الآلاف في معسكرات الاعتقال، وهو وضع مشابه لمعسكرات اعتقال اليابانيين الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية.

 

وإلى ذلك، يجب أن يوافق القضاة على جميع عمليات الاعتقال، لكن مع تراكم القضايا التي تتعلق بهذا الأمر في محاكم الهجرة البالغ عددها 57 محكمة، فسيكون من اللازم الانتظار قرابة العامين حتى عقد جلسة الاستماع الأولى، وهو ما سيقود الحكومة الفيدرالية إلى فتح عشرات المحاكم العاجلة للطوارئ وتوظيف المئات من القضاة لاختصار وتسريع تلك العملية.

 

الجدير بالذكر أن ملايين المهاجرين من بلدان أميركا الوسطى، بالإضافة إلى مهاجرين من الصين، والفلبين، والهند، وغيرها من الدول، سيتوجب على الحكومة الاتحادية نقلهم جواً على نفقتها الخاصة، ويُعد تنظيم تلك الرحلات وتغطيتها مادياً أمراً مكلفاً للغاية.

 

يقول الخبراء أيضاً أن مستويات عبور الحدود بصورة غير شرعية انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ السبعينيات، بينما سيواجه حرس الحدود أعداداً كبرى من المهاجرين المرحلين مع تطبيق رؤية ترامب

كما وإن موجة المرحلين العائدين يمكنها أن تشغل حرس الحدود عن مهمته الخاصة بمطاردة الإرهابيين الذين يحاولون التسلل إلى البلاد، وهي المهمة التي تعد حالياً على رأس أولياته.

كما أشارت جولي مايرز وود، مديرة الهجرة والجمارك، في عهد الرئيس بوش، إن الترحيل الجماعي يضيف المزيد من الفوضى إلى نظام الهجرة المختل وظيفياً.

بجميع المقاييس، تبدو التكلفة باهظة للغاية، حيث قدرت مجموعة بحثية أمريكية من المحافظين قيمة الإنفاق الفيدرالي بما لا يقل عن 400 مليار دولار، وهذا في حال امتداد عمليات الترحيل على مدار 20 عاماً.

على الجانب الآخر، يرى مسئولون سابقون أن المشكلة الأساسية فيما يقترحه ترامب أنه يبدو غير واقعي،  ومنهم من يقول ان هذا لن يحدث إلا إذا علّقت الدستور وأمرت الشرطة بأن تتصرف كما لو كنا نعيش في كوريا الشمالية”.

 

وعد ترامب بأن يكون الجدار كبيراً طويلًا قويًا وجميلًا، يمتد على مسافة ألف ميل على طول الحدود الجنوبية الأمريكية، ليوقف تدفق المهاجرين الذين يجلبون المخدرات والجريمة، ونعم، سوف تساهم المكسيك في تشييد سور ترامب العظيم كما سماه.

لكن الجدار- وهو رمز لسياسة فرض قبضة حديدية على سياسات الهجرة- أثبت على الصعيدين النظري والعملي أنه سيكون سبباً للانقسام. يقول خبراء في الأمن الداخلي، وسياسة الهجرة والهندسة المدنية أن بناء هذا الجدار سيكون مهمة شاقة وسيسبب المزيد من المشاكل بدلاً من حلها.

وقد أفصح ترامب عن بعض التفاصيل الخاصة بالجدار، إذ قال أنه سوف يُبنى من الفولاذ والخرسانة مسبقة الصب، وقد يصل ارتفاعه إلى 50 قدماً، أو أكثر. وبعد أن صرّح بأن الجدار سيغطي الحدود الجنوبية التي تمتد على مسافة 2000 ميل، أعلن في الآونة الأخيرة أن نصف هذا الطول السابق يمكن أن يكون كافياً بسبب وجود الحواجز الطبيعية. وقد تتراوح التكلفة بين 4 مليارات دولار و12 مليار دولار، علمًا أن آخر تقدير للتكلفة بلغ حوالي 10 مليارات.

هناك الكثير من الخدمات اللوجيستية المرتبطة بهذا الشأن، ولا أعرف تماماً كيف فكروا وخططوا لذلك”، يقول تود ستيرنفيلد، المدير التنفيذي لشركة ” Superior Concrete” التي تعمل في بناء الجدران وتتخذ من تكساس مقراً لها، وأضاف “الموارد وحدها ستكون تكلفتها فلكية” وأشار ستيرنفيلد إلى أن ترامب كان مفرطاً في التفاؤل حول تكلفة الجدار وأنه لا يدرك مدى تعقيد المهمة جيداً. كان ستيرنفيلد قد أدار مشاريع عملاقة لبناء الجدران في جميع أنحاء البلاد، واقترب من عائلة ترامب في الصيف الماضي.

 

قال ستيرنفيلد إن الجدار الخرساني سيبلغ طوله 40 قدمًا، وسيمتد 10 أقدام في باطن الأرض، وسيكلف ما لايقل عن 26 مليار دولار. وأوضح أن الخدمات اللوجيستية ستكون مهولة، لما تتطلبه من عدة مواقع لصب الخرسانة ومساكن مؤقتة لطاقم من 1000 عامل إذا كانت المهمة مقرراً لها أن تكتمل في غضون فترة ولاية ترامب الأولى والتي تقدر بأربع سنوات.

 

ويعد المعيار الأكثر شيوعاً لتقييم جدار ترامب، هو السياج القائم بالفعل على الحدود، ففي العام 2006 وقعت إدارة بوش على قانون السياج الآمن، وأنفقت 2.4 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لبناء 670 ميلاً من سياج على الحدود، وذلك وفقًا لتقرير أصدره مكتب المحاسبة الحكومي عام 2009.

وقد جادل الكثير من الجمهوريين ومن بينهم ترامب، في جدوى هذا السياج، واعتبروه ضعيفاً تم تصميم المساحة الأكبر فيه لمنع دخول المركبات فقط وليس المارة.

 

ثاد بينغل، رئيس هيئة الأركان في الجمارك وحماية الحدود في ظل إدارة بوش، أوضح أن السياج لاقى العديد من الدعاوى القضائية والخلافات البيئية التي أججت الغضب العميق على طول الحدود، وهو ما تطلب توسيع حق الدولة في الاستيلاء على الممتلكات من أجل المنفعة العامة، وهي ممارسة واجه بسببها ترامب انتقادات لاستيلائه على الممتلكات الشخصية لتحقيق تطويراته الكبيرة.

 

سيكون الجدار أكثر تعقيداً، فسيتطلب إعادة توجيه المياه حتى يتمكنوا من خلط الخرسانة في موقع البناء، وستكون هناك صعوبة في العمل في المناطق الصخرية، مع إمكانية تعطل العمل في الأماكن الأثرية، كما يضيف بينغل قائلًا بأن الجدار الصلب يمكن أن يعيق عمل حرس الحدود عن طريق عرقلة الرؤية فيما يدور على الجانب الآخر من الجدار.

 

تتدفق مليارات الغالونات بين الولايات المتحدة والمكسيك، فتوفر شريان الحياة للمزارع والمجتمعات على جانبي الحدود. ينقل نهر كولورادو المياه للجنوب، وينقل نهر ريو غراندي، الذي يمتد لمئات الأميال، المياه من المكسيك إلى مناطق كثيرة جنوب تكساس من خلال عشرات القنوات.

 

يتساءل خبراء المياه في منطقة الجنوب الغربي كيف يمكن لجدار ترامب الحدودي أن يصمد مع وجود تلك التدفقات المهمة للغاية، وفي الوقت ذاته يحقق الغرض المرجوّ منه. كما توجد مشكلة أخرى، وهي وجود معاهدة عمرها 50 عاماً تقريباً بين المكسيك والولايات المتحدة تمنع أي بناء يعرقل أو يحوّل تدفق المجاري المائية. أي أن الجدار لا يمكن أن يتداخل بأي شكل من الأشكال مع تدفق المياه في أي من الاتجاهين.

استغرق الأمر الولايات المتحدة والمكسيك خمس سنوات، مابين الأعوام 2007و2012، للتوصل إلى اتفاق تاريخي لإصلاح القنوات ونظم توزيع المياه للتعامل مع الجفاف التاريخي.

 

“الجدران حلول بدائية للمشاكل المعقدة وهي دليل على الفشل الجيوساسي” هكذا قال البروفيسور مايكل دير، مؤلف كتاب “لماذا لا تنجح الجدران – Why Walls Won’t Work“.

 

وزارة الاعلام اللبنانية

مديرية الدراسات والمنشورات

زينب زهران

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *