الرئيسية / صحف ومقالات / النهار: “الثنائي” يدفع الحكومة نحو تفجير مبكر
النهار

النهار: “الثنائي” يدفع الحكومة نحو تفجير مبكر

في أقل من 48 ساعة انقلبت البلاد من مناخ إلى آخر وانقلبت الأولويات رأسا على عقب. طبعا لم تكن الأوضاع السابقة للعاصفة الانقلابية المتدحرجة تحت عنوان “قبع طارق البيطار” مفروشة بالرياحين، ولكن كانت وجهة الأوضاع مركزة على برمجة أولويات الحكومة التي بالكاد انهت شهرها الأول ولا تزال تتعثر ببطء شديد في الإقلاعة الجدية والفعالة. لكن أحدا لم يخطر في ذهنه ان تدهم الحكومة والبلاد عاصفة تولاها “الثنائي الشيعي” من داخل الحكومة آخذا إياها على حين غرة بجريرة الحرب على المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار وهي الحرب التي استحضرت لها تعبئة واسعة ثقيلة ان من داخل الحكومة او عبر الشارع او من خلال الحملات الإعلامية على نحو غير مسبوق الا في تجربة مواجهة “حزب الله” للمحكمة الخاصة بلبنان. ولم يقتصر الحدث المباغت على الصدمة المبكرة للحكومة بل لعل البارز ان مجريات التعقيدات التصعيدية توالت امس وأدت إلى نسف الجلسة الاستثنائية التي كانت مقررة لمجلس الوزراء للنظر في مخارج وتسويات محتملة لمأزق اشتراط وزراء الثنائي الشيعي اتخاذ اجراء او اصدار مرسوم ب”قبع ” طارق البيطار تحت وطأة التهديد بالانسحاب من جلسة ومن ثم من الحكومة تماما. وجرى ذلك ويجري وسط تطور لا بد من انتظار الساعات المقبلة لرصد حقيقة جديته وهو يتصل ببروز تباين نادر، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والثنائي الشيعي حول التدخل لدى السلطة القضائية الامر الذي ينذر بتداعيات غير قليلة في حال ثبوت هذا الخلاف وعدم التوصل إلى حل لمصلحة منطق الدولة واستقلالية القضاء وضمان الوصول إلى العدالة بعيدا من الضغط الترهيبي واستباحة كل معايير القانون والدولة.

والواقع ان الوزراء الشيعة كانوا اول من خلع لباسهم الحزبي باكرا في اول مواجهة اظهرت ان لا قرار يعلو القرارات الطائفية والمذهبية والحزبية، واي معارضة لهذه المعادلة تقود إلى مواجهة في الشارع. وفي الجلسة الرابعة تعطلت “حكومة معاً للإنقاذ” ولم تنجح أمس كل الاتصالات التي نشطت بين بعبدا والسرايا وبين السرايا وعين التينة وبين عين التينة والضاحية الجنوبية في التوصل إلى تفاهم على صيغة تنقذ الحكومة من عطب دستوري بأي قرار يمكن ان تتخذه خلافاً لمبدأ فصل السلطات بشأن المحقق العدلي طارق البيطار، او بعطب ميثاقي بانسحاب الوزراء الشيعة الخمسة وتحولها حكومة مبتورة.
وتجنباً لهذا الامتحان المجهول المصير، ارتأى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي تمسّك وزراء “امل” و”حزب الله” ان يكون بندها الاول والوحيد “قبع “القاضي بيطار.

وزار وزير العدل هنري خوري الذي كلف بإيجاد الصيغة القانونية والدستورية، رئيس الجمهورية صباحاً وعرض عليه صيغة تجمع بين الملاحظات التي اوردها وزير الثقافة محمد مرتضى حول مسار التحقيق وعلم انها تمهّد لمعالجة الملف في مجلس القضاء الاعلى وفقاً لمقتضيات فصل السلطات والاختصاص. هذه الصيغة القانونية حملها وزير العدل ايضاً إلى كل من الرئيس نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي.

الاحتمالات السلبية
وعلم ان رئيس المجلس كما “حزب الله” اصرّا على تنحية القاضي بيطار، ولم تفضِ المشاورات الكثيفة سوى إلى تفاهم بين رئيسي الجمهورية والحكومة على خيار ارجاء جلسة مجلس الوزراء إلى حين التوصل إلى حل توافقي وتجنباً لمواجهة حكومية مفتوحة على كل الاحتمالات السلبية، ولعل أبرزها:
– إصرار وزراء “أمل” و”حزب الله” على جعل موضوع تغيير القاضي البيطار بنداً اولاً ووحيداً وتعطيل جلسات الحكومة، على غرار ما تمّ بملف شهود الزور في حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى عندما طيّرت حكومته وطار معها ملف “شهود الزور” وطوي نهائياً مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي أعقبتها.
– انسحاب الوزراء الخمسة وسحبهم الميثاقية من الحكومة وجعلها “حكومة مبتورة” على غرار ما تم في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد حرب تموز.
– احتمال انفراط عقد الحكومة بانضمام وزيريْ التكتل الوطني إلى وزراء “امل” و”حزب الله” في مجلس الوزراء على غرار انضمام المردة إلى تحرّكهما في الشارع، اضافة إلى وزير المهجرين المحسوب على طلال ارسلان ودون ان يعرف ما سيكون عليه موقف نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي المستقل رغم انه محسوب من حصة القومي. هذا مع العلم ان ليس الشامي وحده من سيتجنب الدخول في هذا الاصطفاف الحكومي بل ايضاً الوزيران جوني القرم وجورج قرداحي وفق ما اكدت مصادر تكتلهما.
– تعطيل الحكومة وتحولها حكومة تصريف اعمال إذا ما استمرّ الكباش القائم دون التوصل إلى تسوية تخرج ملف التحقيق العدلي من مجلس الوزراء وتعيده إلى المرجع الصالح اي مجلس القضاء الأعلى.

ووفق المعلومات فان رئيس الجمهورية مصر على موقفه الذي أعلنه قبل رفع الجلسة الاخيرة بانه رافض لتحويل مجلس الوزراء إلى محكمة ومحاكمة المحقق العدلي وان مجلس القضاء الاعلى هو المرجع بشأن اي ملاحظات على مسار التحقيق والمحقق العدلي.
أما الثنائي “أمل” و”حزب الله” فأعلن وزراؤهما صراحة في مجلس الوزراء انتماءهم الحزبي وقال باسمهم وزير الثقافة محمد مرتضى: “إنه مكلف من سماحة السيّد حسن نصرالله ودولة الرئيس نبيه بري بالقول بأننا لن نقبل باستمرار القاضي البيطار في موقعه. والا فنحن ذاهبون إلى الشارع”. وقالت مصادر الثنائي أن لا طلب لديهم سوى استبدال القاضي البيطار ويعتبرون ان بإمكان وزير العدل وفق القانون وعملاً بمبدأ موازاة الصيغ أن يأتي بقرار تغيير القاضي كما جاء بقرار تعيينه، فهو يملك صلاحية تغييره ومبدأ فصل السلطات هنا مبدأ ساقط لان للسياسة مشروعية في التدخل في القضاء لتصويبه والقول بعدم تدخل السياسة بالقضاء مبدأ ساقط لأن التدخل قد يصح لتصويب أي خطأ”.

ومساء أفادت مصادر قريبة من بعبدا ان الصيغة المطروحة كحل ما زالت قيد التداول رغم الاتجاه إلى التظاهر في الشارع. وقالت “ان ارجاء جلسة مجلس الوزراء كان تفادياً لتشظي مجلس الوزراء فالحكومة هدفها الانقاذ بعد الاصلاح واجراء الانتخابات ولذلك البوصلة يجب ان تصحح. والقضاء هدفه قضاء. وسنحسن قضاءنا ومن ضمن القضاء نمنع الشطط ان وجد الشطط، والسلطة الاجرائية تمارس السلطة الاجرائية والسلطة التشريعية لا مانع من إن تنشئ لجنة تحقيق ومنذ زمن كان عليها انشاء لجنة تحقيق “.

بري
في المقابل علم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري وضع اقتراحا لدى وزير العدل هنري خوري وصف بانه يساهم في التوصل إلى مخرج يساعد في “الخروج من الازمة والخروق والتخبطات التي ترافق عملية التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت”، ولم يكشف بري مضمون اقتراحه الذي لاقى قبولا من خوري الذي حمله إلى رئاسة الجمهورية للسعي إلى تطبيقه ليأخذ طريقه إلى التنفيذ. في مواكبة ذلك كان موضوع التحقيق محل متابعة أمس بين رئيس المجلس ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان. ولم يخف الأخير تقديم ملاحظاته على اداء القاضي طارق البيطار وسبق له أن ارسلها إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي.

وعن تحرك حركة ” امل” و ” حزب الله” أمام قصر العدل في المتحف قبل ظهر اليوم افادت اجواء بري ان هذا التحرك هو رسالة موجهة ضد ” التسييس الحاصل في التحقيقات الذي يمارسه القاضي البيطار وان الهدف منها هو اظهار الحقيقة وليس سواها. وان ثمة جهات تعمل على حرفها عن مسارها الطبيعي وتنفيذ حسابات أخرى “.

وافادت معلومات ان وزير الداخلية بسام مولوي رضخ للضغوط والتهديدات التي مارسها وزير الثقافة محمد مرتضى الذي رفع نبرته مرارا في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء محذرا وزير الداخلية من تنفيذ مذكرات التوقيف التي أصدرها البيطار، اذ أصدر وزير الداخلية أمس مذكرة طلب فيها تنفيذ كل مذكرات التوقيف الصادرة عن القضاء باستثناء المذكرات العائدة للمجلس العدلي.

وفي غضون ذلك صدرت دعوات باسم الثنائي الشيعي وتيار “المردة” إلى “جماهير المقاومة ” للمشاركة في وقفة احتجاجية على القاضي البيطار الساعة الحادية عشرة قبل ظهر اليوم امام قصر العدل في بيروت. ولكن مصادر المردة نفت مشاركتها في الدعوات او في أي تحرك سيحصل اليوم. كما صدر توضيح بان التجمع اليوم سيكون للمحامين من أنصار الثنائي ولبعض القطاعات المهنية وليس تجمعا شعبيا.

في المقابل أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “المطلوب اليوم من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة مجتمعة أن يتحمّلوا مسؤوليتهم في رفض الإذعان لترهيب “حزب الله”، أمّا إذا أوقفوا التحقيقات بملف المرفأ خضوعا لهذا الترهيب، فعليهم الاستقالة فورا، بدءا من رئيس الجمهورية الذي يفترض ان يكون ساهرا على احترام الدستور، مرورا برئيس الحكومة ووصولا إلى الحكومة”. وقال “في ما يتعلق بالتهديد للجوء إلى اساليب أخرى لمحاولة قمع القاضي بيطار، فإنني أدعو، من هنا، الشعب اللبناني الحر، ليكون مستعداً لإقفالٍ عامٍ شاملٍ سلميّ، في حال حاول الفريق الآخر استعمال وسائل أخرى لفرض إرادته بالقوة”.

من جهته أعلن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل ان الشارع سيقابله شارع موضحا انه تواصل مع قيادة الجيش محذرا من حصول استفزازات غدا ودعا الكتائبيين إلى ضبط النفس ووصف ما يجري في الحكومة بانه محاولة انقلابية على يد حزب الله امتدت أيضا إلى مجلس النواب.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *