الرئيسية / صحف ومقالات /  الجمهورية: باريس: فرصة إضافيّة للتأليف.. و”الثنائي” والحريري: فتيل مشتعل
الجمهورية

 الجمهورية: باريس: فرصة إضافيّة للتأليف.. و”الثنائي” والحريري: فتيل مشتعل

مرّة جديدة، يتدحرج لبنان من قمة الأمل بشيء من الانفراج، إلى أسفل هوّة القلق، إلى حدّ أنّه هذه المرّة صار واقفاً على باب النفق الذي قد يؤدي به الى المجهول.

في الأجواء اللبنانية تزدحم الصور السوداء والسيناريوهات المرعبة، وعلامات استفهام كثيفة حول المبادرة الفرنسية وما اذا كانت ما تزال على قيد الحياة، أو ما زال فيها بعض النبض ما يجعلها قابلة للانعاش من جديد، أم انها اصطدمت بالفشل وماتت نهائياً. وانّ باريس، وبناء على الفشل، قررت أن تنفض يدها من لبنان، وترك اللبنانيين يقلّعون أشواكهم بأيديهم؟

واضح انّ الجواب الشافي جاء من باريس التي اعلنت انّ فرصة تشكيل حكومة لم تنته بعد. وقد جاء ذلك عبر تأكيد الرئاسة الفرنسية، التي أعربت عن أسفها لفشل الزعماء السياسيين اللبنانيين في الالتزام بتعهداتهم التي قطعوها للرئيس ايمانويل ماكرون بتشكيل حكومة ضمن مهلة الاسبوعين التي حددها.

وأكدت الرئاسة الفرنسية «انّ الاوان لم يفت بعد، وعلى الجميع الاضطلاع بمسؤولياتهم والتصرّف في نهاية الأمر بما يصبّ في مصلحة لبنان وحده بإتاحة الفرصة لمصطفى أديب لتشكيل حكومة بما يلائم خطورة الوضع».

ماكرون غاضب

في هذه الاثناء، كانت الأخبار الواردة من باريس الى بعض المستويات السياسية والرسمية، وأمكَن لـ«الجمهورية» أن تطّلع على بعض عناوينها العريضة، تَشي بغضب عارم يسود الإيليزيه، والرئيس ماكرون يشعر بإحباط معنوي كبير، جرّاء التعاطي السلبي من قبل السياسيين اللبنانيين مع مبادرته، ومحاولات البعض منهم الدؤوبة لهدم كل ما بَناه الفرنسيون على هذه المبادرة التي قدموها كفرصة أقرّ اللبنانيون أنفسهم بأنّها الوحيدة المتاحة لبناء أرضية إنقاذ للوضع اللبناني، الذي يجمع العالم كلّه بأنّه في حكم الميؤوس منه.

وأبلغت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» أنّ نتائج المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع الكتل النيابية، قد أُبلغت الى الجانب الفرنسي، وصار الرئيس المكلّف مصطفى أديب وفريق التأليف الذي يقوده الرئيس سعد الحريري في أجواء هذه النتائج التي أظهرت تمسّكاً بالمبادرة الفرنسية من كل الكتل، وانقساماً في الرأي حول تسمية الوزراء حيث أكدت غالبية الكتل رفضها ان يُسمّى الوزراء من قبل طرف واحد. كما أظهرت ميلاً غالباً نحو المداورة، التي أكدت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية بأنه يؤيّد من حيث المبدأ إجراءها، إنما شرط التوافق الوطني عليها. فيما برز موقف مغاير لـ«الثنائي الشيعي» الذي ذهب الى بعبدا بوفدين منفصلين؛ أي النائب علي حسن خليل باسم كتلة الرئيس نبيه بري، والنائب محمد رعد باسم كتلة «حزب الله»، إنما بِنصّ موحّد يعبّران فيه عن الرفض النهائي للتخلّي عن وزارة المالية وكذلك رفض مصادرة حقهما في تسمية الوزراء.

وبحسب المصادر فإنه «ليس لدى الجانب الفرنسي حتى الآن ما قد يجعله يعتبر انّ المبادرة الفرنسية قد فشلت، بل بالعكس فإنّ باريس أرسلت في الساعات الاخيرة إشارات الى كل الاطراف، بأنّها ماضية في مبادرتها، وانّ الرئيس ايمانويل ماكرون شخصياً كان على متابعة حثيثة ومباشرة لدقائق وتفاصيل ما استجدّ على خط تأليف الحكومة، وقد جرى تقييم لأسباب تعثّر هذا التأليف. وتِبعاً لذلك، كانت باريس حاضرة بزَخم خلال الساعات الماضية عبر مروحة اتصالات واسعة، قيل انّ رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار ايميه كان حاضراً فيها، وشملت الاطراف المعنية بملف تأليف الحكومة، وكذلك الرئيس المكلف».

وعلمت «الجمهورية» انّ حركة الاتصالات الفرنسية توازَت مع حركة اتصالات داخلية في هذا الاتجاه، تحرّك فيها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خطوط مختلفة بين الثنائي الشيعي وسائر الاطراف.

وأكدت المصادر نفسها «انّ باريس ليست بصَدد الانكفاء عن لبنان كما بدأ الترويج الى ذلك من قبل بعض المستويات اللبنانية، مذكّرة بما قاله الرئيس ماكرون خلال زيارته الاخيرة الى بيروت من «اننا إذا تخلّينا عن لبنان، فستندلع حرب أهلية».

وتبعاً لذلك، تحدثت المصادر عن نصائح أُسديَت للبنانيين بعدم إقفال الباب على إمكانية التفاهم، وعدم الذهاب الى خطوات متسرّعة، مشيرة في هذا السياق الى انّ باريس ليست في أجواء تفيد بأنّ الرئيس المكلف مصطفى اديب قد يعلن اعتذاره عن تشكيل الحكومة، علماً انّ باريس لا تحبّذ هذه الفكرة على الاطلاق، ذلك انّ خطوة من هذا النوع، لن تشكّل عاملاً مساعداً على إيجاد حلول ومخارج، بل على العكس من ذلك، فإنّها قد تكون عاملاً تعقيدياً يزيد من صعوبة الأزمة ويأخذها الى نقطة اللاعودة.

وبناء على ما سبق، قالت المصادر «انّ الاجواء الفرنسية ليست مقفلة، وباريس على تأكيدها انّ الحل اللبناني ممكن بالعودة الى جوهر المبادرة الفرنسية، وهي بناء على ذلك لا تعتبر انّ الباب قد أقفل نهائياً امام تمكُّن اللبنانيين من الوصول الى قواسم مشتركة من شأنها ان تنقل مسار التأليف إلى نقطة التفاهم، والرئيس الفرنسي ما زال يأمل في تأليف حكومة في لبنان في وقت قريب، ومن غير المستبعد هنا ان يصل موفد فرنسي الى بيروت في وقت قريب».

قصف سياسي

وعلى رغم التعقيدات العلنية، فإنّ الجو الداخلي العام أوحَى في الساعات الماضية أنّ الأمور ليست مقفلة بالكامل، وانها تنحى في اتجاه إعادة تصويب مسار التأليف في الإتجاه الذي يخرج حكومة مصطفى اديب من عنق الزجاجة العالق فيها. الّا انّ مواقف الأطراف المعنية بَدت ثابتة عن نقطة الاشتباك. وتجلّى ذلك في القصف السياسي المتبادل بين الرئيس سعد الحريري والثنائي الشيعي.

الحريري

فالرئيس الحريري، وفي موقف علني هو الأول منذ انطلاق عملية التأليف التي قادها بنفسه، ناقَض مطلب الثنائي الشيعي، وقال في تغريدة له أمس: «وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقاً حصريّاً لأيّ طائفة، ورفض المداورة إحباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الاخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين».

الثنائي

أمّا بالنسبة الى موقف الثنائي الشيعي، فتؤكد أوساطه لـ«الجمهورية» انه «ما زال على استغرابه للمنحى التصعيدي المفاجىء، الذي يسلكه الرئيس الحريري، ويحيطه بالكثير من علامات الاستفهام». وتؤكد الاوساط نفسها انّ هذا «الثنائي» متمسّك بالمبادرة الفرنسية ويعتبرها الفرصة الوحيدة المتاحة لإنقاذ لبنان، وهو على أتمّ الإستعداد للتعاون وتقديم كل ما من شأنه أن يؤدي الى إنجاح هذه المبادرة التي وُضعت في الاساس على قاعدة الشراكة والتفاهم، ومراعاة التوازنات الداخلية، وهذا ما اكد عليه الرئيس ماكرون، وليس على قاعدة تغليب فريق على فريق، أو منح الحق لفريق لكي يقرّر ويشترط على سائر الفرقاء.

وعلمت «الجمهورية»، في هذا السياق ايضاً، انّ أحد المراجع الشيعية أبلغ المعنيين بالمبادرة الفرنسية، الفرنسيين وغير الفرنسيين، ما مفاده «انّ الحكومة كان يمكن لها ان تتشكّل في فترة قياسية، وخلال الاسبوع الأول من المهلة التي حددها الرئيس ماكرون، ذلك اننا سلّمنا والتزمنا من البداية بالمبادرة، ومن هنا جاءت موافقتنا على حكومة اختصاصيين بالكامل، مع اننا كنّا نفضّل الذهاب الى حكومة «تكنوسياسية»، ومن باب التسهيل وافقنا على حكومة الاختصاصيين، لكنّ الطرف الذي كان يؤلّف الحكومة، والمقصود هنا الرئيس سعد الحريري، هو الذي بنى حائطاً أمام التأليف بإصراره على تشكيل الحكومة منفرداً وتشبّثه بما اعتبره حقّه في تسمية الوزراء بمعزل عن رأي مرجعيات الطائفة كلها، وانتزاع وزارة المالية من الحصة الشيعية، ولولا ذلك لكانت الحكومة مشكّلة اليوم وكنّا نناقش بيانها الوزاري لنمنحها الثقة على أساسه في مجلس النواب».

ولفت المرجع عينه الى «انّ المنحى الذي سلكه الحريري لم يُثر الاستغراب والدهشة فحسب، بل قرىء على انه إهانة للطائفة الشيعية. وهو أمر كان محلّ نقاش غاضب لدى كل مستويات الطائفة السياسية والدينية، خصوصاً انّ هذا المنحى ينكأ كل المواجع التاريخية للطائفة عندما كانت تهمّش، فهل المطلوب ان يعودوا بنا الى هذا الوضع، من خلال ان يعيّنوا لنا وزراءنا او أن يخرجونا من الشراكة في السلطة الاجرائية بإخراج وزارة المالية من الحصة الشيعية في الحكومة، هذا ليس امراً خطراً فحسب، بل هو أسوأ من الفتنة».

بري

في هذا الوقت، نقل عن الرئيس نبيه بري قوله: نحن مع إنجاح المبادرة الفرنسية ومصرّون على ذلك، وفي الوقت نفسه نحن لدينا مسلمات وطنية، وما طالبنا به هو اننا كلنا شركاء في ادارة هذا البلد، ولن نقبل بالتأكيد ان يكون هناك من هو ابن سِت وهنالك ابن جارية.

واشار الى «اننا لم نسمع بأنّ المبادرة الفرنسية قد اشارت من قريب او بعيد الى المداورة في وزارة المالية، وبالتأكيد انّ هذه المداورة لو كانت قد طُرحت، لكان التكليف قد سلك مساراً آخر غير المسار الحالي».

رؤساء الحكومات

واذا كان موقف الرئيس الحريري متناغماً بالكامل مع موقف رؤساء الحكومات – الذين اجتمعوا في بيت الوسط أمس عشيّة زيارة الرئيس المكلف الى بعبدا – والذين يعتبرون انّ حكومة الاختصاصيين تعد الوصفة الملائمة لإنقاذ الوضع اللبناني، كما انهم يتبنّون موقف الحريري لناحية اختيار الوزراء وكذلك الامر بالنسبة الى المداورة، التي باتت مطلباً شاملاً، والى وزارة المالية، خصوصاً انه لا يوجد نص يقول بحصر وزارة المالية من حصة الطائفة الشيعية. أكّد أحد رؤساء الحكومات لـ«الجمهورية»: انّ اي كلام عن محاولة استئثار او تفرد او إقصاء لأيّ طائفة هو كلام غير صحيح، والموقف المتّسِم بحدة مفاجئة، الذي عبّر عنه الثنائي الشيعي، ذهب الى تكبير الأمور وأخذها على غير وجهتها».

وقال: «ليس الهدف أبداً الانتقاص من الطائفة الشيعية او استهدافها وهو ما نرفضه قولاً وفعلاً، بل انّ الهدف تحدد مع تكليف الرئيس مصطفى اديب وهو تشكيل حكومة إنقاذية بمنأى عن التدخلات السياسية. وبالتالي، كل كلام عن استئثار ليس في مكانه على الاطلاق، فالهدف الاول والاخير الذي نسعى إليه هو اننا نريد أن نَلمّ البلد، لا ان نخلق تشنّجات من اي نوع مع أيّ كان، لا مع الطائفة الشيعية الكريمة ولا مع غيرها من الطوائف.

الرئيس المكلف

واللافت في هذا السياق، انّ الرئيس المكلّف قد نأى بنفسه عن هذا الإشتباك الدائر على خط التأليف، بحيث لم يتخذ أيّ موقف يجاري فيه الحريري او يناقض فيه الثنائي.

وقالت مصادر مقرّبة من الرئيس المكلّف لـ«الجمهورية» انّ أديب «مدرك لحساسية الوضع، وما زال يراهن على تعاون الجميع لتجاوز التأزّم الحاصل، وهو من اللحظة الاولى لتكليفه تشكيل الحكومة قد بادر الى مَدّ اليد في اتجاه الجميع من دون ان يستثني أي طرف، حتى أولئك الذين لم يسمّوه في استشارات التكليف».

ولفتت المصادر الى «انّ الرئيس المكلف، أكد لكلّ المعنيين انفتاحه على كلّ الاطراف والتعاون معهم. وأنه من موقعه الوسطي لن يكون أبداً في موقع الصدام او المواجهة لا مع الطائفة الشيعية ولا مع غيرها، فهذا ليس في قاموسه، بل انّ الأساس لديه هو إتمام مهمّته بتشكيل حكومة بالتعاون مع الجميع، وبمهمة محددة لإنقاذ البلد».

ورداً على سؤال عمّا تردّد بأنّ الرئيس المكلف يوشِك أن يعلن اعتذاره عن إكمال مهمّته، قالت المصادر: نسمع كلاماً من هنا وهناك عن اعتذار او اعتكاف او ما شابه، علماً انه لم يصدر عن الرئيس المكلف ايّ كلام من هذا النوع، فالرئيس اديب ما زال يأمل بتعاون كل الاطراف، وهذا هو المطلوب في هذه اللحظة اللبنانية الحرجة، خصوصاً انّ لبنان لا يحتمل مزيداً من هدر الوقت او الفرَص. ولكن بطبيعة الحال، فإنه في حال اصطدم بمحاولات تعطيل لمهمته التي قبل ان يتصدى لها، فبالتأكد كل الامور واردة في هذه الحالة، ذلك انّ الرئيس المكلّف لا يقبل ان يكون شاهداً على هذا التعطيل. وبالتالي في ضوء التعطيل، لن يتأخّر في اتخاذ الموقف والقرار الذي يراه مناسباً».

الى ذلك، كان من المقرر ان يزور الرئيس المكلف القصر الجمهوري يوم أمس الاربعاء، الّا انه اتصل صباح أمس برئيس الجمهورية وطلب تأجيل اللقاء الى اليوم بانتظار ان تُثمر بعض الإتصالات الجارية لمعالجة آخر العقد المتصلة بعملية التشكيل، فوافقه عون متمنياً له التوفيق.

واشنطن

وفيما اكدت مصادر سياسية انّ تعطيل التأليف مردّه الى عوامل داخلية وخارجية، جزمت أوساط الثنائي الشيعي بأنّ واشنطن هي في قلب عملية تعطيل المبادرة الفرنسية، ذلك أنها دأبت على «التشويش» على هذه المبادرة من لحظة إعلانها، سواء عبر التحفظات العلنية التي أبدتها على ما سمّتها «مسايرة» ماكرون لـ»حزب الله»، او عبر دايفيد شينكر ولقاءاته التحريضية مع بعض حلفاء واشنطن، وكذلك بالعقوبات التي أعلنتها وزارة الخارجية وطالت الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. إضافة الى العقوبات الجديدة، التي توعّدت واشنطن بالاعلان عنها في وقت قريب (البعض يقول خلال ايام قليلة).

الى ذلك، برز موقف أميركي لافت في مضمونه، جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية مورغان اورتاغوس، حيث قالت: «إنّ فرنسا دولة حليفة للولايات المتحدة الأميركية، وكانت معها في العراق وأفغانستان وستبقى كذلك، ولكن هناك اختلافات في السياسات الخارجية ولا سيما في لبنان وإيران».

ولفتت الى «انه من المهم للشعب الفرنسي أن يفهم الموقف الأميركي من لبنان وإيران»، وقالت: «على الفرنسيين أن يفهموا بأنّ «حزب الله» منظمة إرهابية، ولا يمكنه أبداً تحقيق الإصلاحات التي طالب بها الشعب اللبناني حينما خرج في احتجاجات 17 تشرين السابقة».

حراك مصري

الى ذلك، لوحِظت أمس حركة لافتة قام بها السفير المصري في لبنان ياسر علوي، حيث التقى رئيس الجمهورية امس الاول، ورئيس مجلس النواب والسفير السعودي في لبنان امس.

وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الجمهورية» انّ السفير المصري يسعى بتكليف مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي الى تزخيم المشاورات بشأن تأليف الحكومة بعد التفاهم على إجراء بعض الاتصالات في أعقاب الاتصال الذي جرى بين الرئيسين االفرنسي ايمانيول ماكرون والسيسي الإثنين الماضي، تناولا فيه الجهود التي يمكن أن يبذلانها لتسهيل الولادة الحكومية في لبنان.

وعُلم انّ السفير المصري حذّر من تداعيات انهيار المبادرة الفرنسية، داعياً الى اعتبارها الفرصة الاخيرة التي لا يمكن تفويتها للخروج من الأزمة من الباب الحكومي الذي يفتح الطريق واسعاً امام حلول لعقد أخرى مالية ونقدية وسياسية واقتصادية.

ماذا يعني الفشل؟

في موازاة المشهد السياسي والحكومي المشحون والمعقّد، يبرز السؤال التالي: ماذا لو فشلت المبادرة الفرنسية؟

يرى البعض انّ لبنان قد يواجه خطر الزوال، في حال فشل المبادرة الفرنسية. وقد يعتبر هذا الأمر نوعاً من المبالغة، لكنّ الاحتمالات الواردة على المستويين المالي والاقتصادي تبدو مرعبة، ولا تقل خطورة عن المسألة الوجودية.

ماذا يعني أن تفشل المبادرة الفرنسية، وما هو السيناريو المطروح بالنسبة الى الوضع الاقتصادي؟

في هذا السياق، يمكن رسم خارطة طريق للتطورات المتوقعة على الشكل التالي:

– أولاً، تستمر حكومة تصريف الاعمال، بما يعني استمرار الانفاق بلا موازنة، وبلا أرقام، وسيكون الوضع المالي في المجهول.

– ثانياً، ستضطرّ المصارف تباعاً الى وقف الاعمال البسيطة التي تقوم بها اليوم، ومنها دفع أموال للطلاب. وذلك بسبب نفاد الاموال لدى المصارف المراسلة، أو لتوقّف المصارف المراسلة عن التعاون مع المصارف اللبنانية جرّاء ارتفاع المخاطر الى مستويات مرهقة لهذه المصارف.

– ثالثاً، سيكون مصرف لبنان امام احتمالين: امّا وقف الدعم عن كل السلع بما يعني إدخال لبنان في مرحلة التضخّم الهائل والفقر المدقع، وامّا الاستمرار في استخدام ما تبقّى من ودائع لمواصلة الدعم، وهذا يعني فقدان الامل بأن يأخذ أيّ مودع أمواله، بمَن فيهم صغار المودعين.

– رابعاً، سيتم عزل لبنان كليّاً عن العالم، وقد يستمر مسلسل العقوبات، بما يعني المزيد من التضييق المالي.

– خامساً، سيواصل الاقتصاد انكماشه بحيث يصبح حجم الدين العام الى الاقتصاد اكثر من 400%، بما يعني انّ البلد دخل مرحلة الانهيار الشامل، والذي يصعب الخروج منه بكلفة مقبولة.

هذا المشهد القاتم يهدد وجود لبنان، خصوصاً انه قد يترافق مع اضطرابات اجتماعية لطالما شَهدتها الدول التي عانت هذا النوع من الانهيارات. وسيكون المستقبل غامضاً، ولن يكون من المبالغة القول انّ لبنان سيواجه فعلاً خطراً وجودياً داهماً.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *