الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار : توافق فرنسي أميركي سعودي: لحكومة “محايدة” برئاسة نواف سلام‎!‎
الاخبار

الأخبار : توافق فرنسي أميركي سعودي: لحكومة “محايدة” برئاسة نواف سلام‎!‎

ثمة من يطمح دائما لاعادة عقارب الساعة الى الوراء. ذلك تماما ما حصل أمس مع اعلان رئيس الحكومة حسان دياب ‏استقالته لتدخل حكومته عالم تصريف الأعمال، بصرف النظر ان كانت تلك الحكومة تتصرف أصلا منذ تشكيلها على ‏أنها بحكم المستقيلة. اللحظة اليوم شبيهة بمساء 29 تشرين الأول من العام 2019، أي لدى اعلان رئيس الحكومة ‏السابق سعد الحريري استقالته. الشارع هو هو أيضا، ومطالبه لم تتغير، باستثناء أن دماء الضحايا تغطي أرضا ‏محروقة. وأن الانفجار معطوفا على الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية المتفاقمة، هشّم صورة القوى السياسية الممثلة ‏في مجلسي الوزراء والنواب بشكل مضاعف عما كانت عليه في بداية الانتفاضة. الا أن ذلك لم يردع أهل السلطة من ‏الامعان في انكار ما يحصل، فلم يجدوا ما يحثّهم على انجاز ولو اصلاح صغير يخرق مشهد الانهيار الكبير.

حتى ‏الخطة الوحيدة التي شكلت نافذة أمل لبدء عملية التصحيح المالي والنقدي، أي خطة “التعافي المالي”، صاغتها هذه ‏القوى وانقلبت عليها سريعا، لتحمي أحد أركانها، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومصالح أصحاب المصارف ‏وكبار المودعين. لم يعد بالامكان بعد ذلك كله الحديث عن مسار اصلاحي قريب ولا عن خطوات تدريجية للتعافي ‏واعادة هيكلة الدين العام والمصارف لانقاذ ما تبقى من ودائع الناس، ولإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد. فتحالف السلطة ‏قرر استنزاف الحكومة وعرقلة عملها وتحميلها وزر سنوات من الفساد والمحاصصة والنهب. كان السيناريو حاضرا ‏وينتظر التوقيت المناسب. جاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليمعن أكثر في تهميش دور هذه الحكومة، جامعا ‏الأقطاب الثمانية، وطالبا منهم التوافق على حكومة وحدة وطنية. كان لا بدّ لدياب من ردّ الصاع الى من يجلسون معه ‏على الطاولة ويعدّون خطة ذبحه في الوقت عينه. رمى قنبلة الانتخابات النيابية المبكرة، فانفجرت في وجهه بعدما ‏اتخذ الرئيس نبيه بري، منفرداً، ومن دون التشاور مع حلفائه، قرار سوق الحكومة الى مذبح مجلس النواب، ‏لـ”مساءلتها” يوم الخميس المقبل. في المقابل، تردد امس أن رئيس المجلس قرر هذه الخطوة، كحل وسط بينه وبين ‏رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، اللذين أرضاهما إسقاط الحكومة ‏فدفنا فكرة الاستقالة من البرلمان وإفقاده “ميثاقيته”. أمام هذا الواقع، معطوفاً على بدء تفكك “مجموعة حسان دياب” ‏في مجلس الوزراء، تقدّم رئيس الحكومة باستقالته، أمس معلنا أن “منظومة الفساد أكبر من الدولة (…) حاولوا تحميل ‏الحكومة مسؤولية الانهيار والدين العام. فعلا، اللي استحوا ماتوا‎”.

على الاثر، استكملت وزارة الخارجية الفرنسية ما كان بدأه ماكرون معلقة على الاستقالة بالاشارة الى أن ‏‏”الأولوية لتشكيل حكومة جديدة بسرعة”. وأكدت أنه “بدون إصلاحات سيتجه لبنان نحو الانهيار محددة تحديات ‏الحكومة المقبلة بـ”إعمار بيروت وتلبية مطالب اللبنانيين حول الاصلاحات”. وفيما كانت القوى السياسية ‏المشاركة في الحكم تعوّل على المبادرة الفرنسية لايجاد مدخل لائق للعودة الى السلطة عبر البوابة الدولية، أكّدت ‏مصادر سياسية رفيعة المستوى ان فرنسا ليست متمسكة بحكومة الوحدة الوطنية، بل إنها تقترح، مع الولايات ‏المتحدة الأميركية والسعودية ضرورة تأليف “حكومة محايدة”، وبسرعة. وفي السياق نفسه، رأت مصادر قريبة ‏من الرياض أن “لا مبادرة فرنسية بشأن لبنان، وأن الكلام الذي قيل عن حكومة وحدة وطنية غير وارد ولا ‏يُصرف، بل هناك استحالة، لأن حكومة من هذا النوع ستفجّر ثورة أخرى”. وقالت إن “الفرنسيين تراجعوا عن ‏فكرة حكومة الوحدة الوطنية، بذريعة خطأ ترجمة كلام ماكرون”. أما بالنسبة إلى الموقف السعودي مما يجري ‏في لبنان والمبادرة الفرنسية، فأشارت المصادر إلى ان “الرياض غير معنية، وهي قامت بواجبها وقدمت ‏المساعدات للشعب اللبناني” مكررة أن “لا مبادرة فرنسية”. المشكلة، في نظر الرياض، هي في “سيطرة حزب ‏الله وتغطية ميشال عون له، وإذا استمر الوضع كذلك فمبروك عليهم لبنان”. ولا يزال الموقف السعودي هو نفسه ‏الذي عبر عنه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان؛ وفي حال كانت هناك مبادرة أميركية أو فرنسية، ‏فالمملكة “غير معنية وغير موافقة‎”.

ولفتت المصادر السياسية اللبنانية إلى أن الأميركيين والفرنسيين والسعوديين يرددون اسم السفير السابق نواف ‏سلام كمرشح لترؤس الحكومة المحايدة. وأكّدت المصادر أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ربما سيستخدم ‏صلاحيته الدستورية بعدم تحديد موعد للاستشارات قبل تأمين حد ادنى من التوافق على رئاسة الحكومة المقبلة، ‏لكنه مستعجل تأليف حكومة لان البلاد لا تحتمل الفراغ. وأشارت المصادر إلى ان عون، ومعه رئيس التيار ‏الوطني الحر جبران باسيل، لا يمانع تسمية سلام لرئاسة الحكومة، فيما لم يتضح بعد موقف كل من بري وحزب ‏الله‎.

قرار اقالة الحكومة أو دفعها الى الاستقالة، يبدو أنه كان متخذا منذ مدة. فعدا عن حديث بعض القوى السياسية عن ‏تعديل وزاري أو اقالة بعض الوزراء، كانت ثمة أجواء سياسية خصوصا من الفريق السياسي المشكّل للحكومة ‏يسوّق لاستقالتها. فخلال الاجتماع الذي حصل قبيل شهر تقريبا، بين الوفد العراقي ووزراء الطاقة والصناعة ‏والزراعة، ريمون غجر وعماد حب الله وعباس مرتضى، اقترح مرتضى أخذ صورة تذكارية “لأن الحكومة رح ‏تفل بعد أيام”. ضحك الجميع يومها وسط استياء الوفد العراقي، فيما كان مرتضى يكرر “النكتة” نفسها على مدى ‏الأسابيع الماضية. لم يكن وزير الثقافة والزراعة على علم بانهيار قريب للهيكل الحكومي، تحت وطأة الموجة ‏الانفجارية لحدث 4 آب. لكنه عكس نبض قوى السلطة التي كانت تتأنى الى حين الاتفاق على بديل. حتى دياب ‏نفسه أعلن استعداده للاستقالة في حال توفر بديل. سرّع انفجار المرفأ بفرض أمر واقع يستدعي حلّ الحكومة. ‏واليوم، تسير التطورات وفق مسارين اثنين‎:

‎1- ‎إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لكنه طرح يفتقد الى الجدّية لاستحالة تنفيذه. اذ تحول دونه صعوبات عدة، أولها ‏الاتفاق على قانون انتخابي جديد، وإلا الدوران في الحلقة السياسية نفسها. قانون النسبية نفسه أخذ عامين أو أكثر ‏من الأخذ والردّ ولم يبصر النور من دون ضمان كل فريق أن حصته محفوظة. والواقع أن مجلس النواب مقسّم ‏بالتكافل والتضامن بين هذه القوى التي ستعيد انتاج قانون مفصّل على قياسها. أما حلّ مجلس النواب كما بدأ يطالب ‏بعض من في الشارع أخيرا، فسيؤدي الى عدم امكانية تشكيل حكومة جديدة والاستمرار بتصريف الأعمال وخلق ‏فراغ مؤسساتي كبير لما يشكله البرلمان من شرعية شعبية تتيح له الامساك بالقرار‎.‎

عندها واذا ما تقرر اجراء انتخابات مبكرة، فستكون وفق القانون القديم، ما يعني عودة القوى نفسها، لكن بخسائر ‏لبعضها. أصلا مطلب الانتخابات المبكرة لم يكن يوما مطلبا شعبيا بين المجموعات الرئيسية والمعتصمين بل ‏اقتصر طرحه على حزب الكتائب وبعض الأفراد. ذلك لأن حدوث هذا الاستحقاق من دون أن تكون هذه ‏المجموعات قد تنظمت ضمن جهة معارضة تقدم برنامجا متكاملا، سيسقطها مرة أخرى سقطة مثيلة لتلك التي ‏واجهتها في العام 2018. فيما تيار المستقبل والحزب الاشتراكي غير متحمسَين أيضا لا لتقديم استقالات نوابهم، ‏ولا لانتخابات مبكرة، لكنهم اضطروا الى اثارة هذا الموضوع والمناقشة فيه نظرا الى الضغط الممارس عليهم من ‏قبل النواب المستقيلين الذين يدورون جميعهم في فلك 14 آذار، وبهدف تحسين شروط تفاوضهم في معركة تأليف ‏الحكومة المقبلة. لكن تيار المستقبل يدرك جيدا أن تراجع شعبيته وغياب أي مال خليجي، يمنعه من اتخاذ خطوة ‏مماثلة. ومرة جديدة، يترك الحريري وجنبلاط رئيس “القوات”، سمير جعجع، وحيداً، بعدما بشّر الأخير ‏اللبنانيين بخطوة كبيرة سيعلن عنها، وكان يمنّي النفس بإقناعهما بالاستقالة من مجلس النواب، لكنها فضّلا التوافق ‏مع بري على المضي في مغامرة مع جعجع‎.‎

‎2- ‎تأليف حكومة جديدة أو إعادة تكوين النظام. الحل الثاني غير قابل للتطبيق خصوصا أن تغييره يستدعي نقاشا ‏طويلا ورعاية غربية وخليجية شبيهة لما حصل وقت الطائف، وهو أمر متعذر ويحتاج لوقت لا يملك لبنان ترفه. ‏يبقى أن تأليف حكومة ليس سهلا هو الآخر ويعيد البلاد الى معضلة ما بعد استقالة الحريري. غير أن النقاش هذه ‏المرة سيحصل على وقع شارع مدمر وأهال يطالبون بالثأر لضحاياهم. ثم أن المظلة الدولية والاقليمية والعربية لم ‏تتضح صورتها بعد. هل أن المبادرة الفرنسية ستسلك طريقها نحو التنفيذ ليصبح هدف الأميركيين محصورا ‏باعادة اصلاح التوازنات السياسية داخل الحكومة واضعاف خصومهم، أم أنهم سيرون الظروف مناسبة لتشديد ‏الخناق على حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر لجرّهما الى هزيمة واخراج الحزب من الحكم؟ عدا عن أن عودة ‏الحريري الى رئاسة الحكومة باتت شبه مستحيلة ومرفوضة كليا من الشارع الذي ضاعف مطالبه أيضا. اذا من ‏البديل؟ هل يعيّن الحريري وكيلا بالنيابة عنه أم أن المطلوب حكومة حياديّة تؤسس لتغيير سياسي شامل في لبنان ‏وتفرض شروطاً جديدة على الأرض؟ هل يتمثل الأقطاب بأنفسهم أم يختبئون مجددا وراء تكنوقراط ومستقلين؟ ‏ربما تتضح أجزاء من الصورة مع وصول الدبلوماسي الأميركي ديفيد هيل الى بيروت هذا الأسبوع‎.‎

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *